الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم وكذبة حوار الحضارات

بسم الله الرحمن الرحيم

الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم وكذبة حوار الحضارات

لقد كان لشخص النبي صلى الله عليه وسلم عظيم الأثر في ترسيخ دعائم هذا الدين العظيم ، وما أعطي نبي من قبل مثل ما أعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فلم يبعث نبي الى البشرية كافة كما بعث صلى الله عليه وسلم ولم تجعل الارض مسجدا وطهوراً لأحد غيره ولم يعط أحد الشفاعة سواه ، ولم ينصر نبي بالخوف مسيرة شهر غير محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن فعل أي نبي يعد تشريعاً مثل ما اعتبر فعله صلى الله عليه وسلم ، بل قل ما عُصم نبي عن الوقوع بأية معصية كما عُصم صلى الله عليه وسلم ، لقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بحق أمام الانبياء ، فحُق له أن يكون خير البشر ولا غرو في ذلك وهو يقول صلوات ربي وسلامه عليه بوحي من ربه (أنا سيد بني آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض ،وأول شافع وأول مشفع) بل قل إن الدنيا ما خلقت الا لأجل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .

لأجل ذلك كله، ولأجل أن الإسلام يتجسد في شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،سعى الكفار عبر السنين الطويلة الى الطعن بشخص النبي عليه السلام وإيذائه ووصفه بالاوصاف المشينة والكاذبة ، وما ذلك الا حرباً منهم على الاسلام والمسلمين وما ذلك الا حسداً من عند أنفسهم وسعياً لإطفاء نور الله، فمنذ أن بُعث صلى الله عليه وسلم عمد كفار قريش الى الطعن بنبوته عبر الطعن في شخصه ووصفه بالساحر والكاهن والمجنون وبرغم أن شخصه عليه السلام كانت غنية عن التعريف عند هؤلاء فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الصادق الأمين بوصفهم هم ، لكن حمله للدعوة وتبليغه للأمانة وسعيه لإقامة الدين قاد هؤلاء الى حربه الحرب الضروس بشتى الوسائل والاساليب ، من الدعاية المضادة الى التعذيب والأذى والملاحقة والتشريد والمقاطعة ، فذاك رأس الكفر أبا لهب لما قام النبي خطيبا في قومه منذراً لهم بين يدي عذاب اليم قال له : تباً لك، ألهذا جمعتنا، ومكث هو وزوجه أم جميل أروى بنت حرب (حمالة الحطب) يجاهرون بالظلم والإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به، وفيهما نزلت سورة المسَد ، وذاك الشقي عقبة بن ابي معيط يضع سلا الجزور على كتفي الحبيب محمد وهو ساجد فقدمت فاطمة بنت صلى الله عليه وسلموهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال عليه السلام: اللهم عليك بقريش ، وذاك أمية بن خلف كان يهمز ويلمز النبي كلما رآه فأنزل الحق سبحانه {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} ، وذاك أبي بن خلف يقدم النبي مستهزئاً ساخراً بعظام بالية فيقول أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ، ثم فتَّه في يده، ثم نفخه في الريح؛ فقال رسول الله صلوات الله عليه وسلم: نعم، أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا، ثم يدخلك الله النار ، وتاريخ عداء اليهود للرسول عليه السلام بيّن جلي من نعتهم له صلى الله عليه وسلم بالأذن ومناداتهم له براعنا قصد الاستهزاء ونقضهم للعهود وسعيهم الى قتله عبر الغدر به .

واليوم وفي ظل الحملة الشرسة التي تشنها أمريكا ودول الغرب جميعا على الاسلام والمسلمين باسم الارهاب ،يعيد هؤلاء تمثيل هذا الدور البغيض من بعد ما فشلوا في خداع المسلمين من ان حربهم هذه هي على من أسموهم بالمتطرفين وبان للجميع أن حربهم هذه هي ضد الاسلام وأهله ، فقد كشف هؤلاء عن مكنون صدورهم من الحقد والكره والبغض للإسلام والمسلمين ، فها هي الصحف الدنماركية تطل علينا ثانية بإعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي الأكرم وها هو وزير الداخلية الالماني ينفث سمومه بدعوته جميع صحف أوروبا لنشر هذه الرسوم ومن ظن أن الأمر قد اقتصر على هؤلاء فقد أخطأ وغفل ، فتصريحات زعيمهم الذي علمهم السحر-بوش- قد سبقت ذلك في الاساءة للإسلام ومن ثم تصريحات باباهم الكافر ضد الاسلام واتهامه له بالهمجية ومن قبل اساءة الجنود الامريكان الى القرآن الكريم في سجن غوانتناموا وتبني الغرب للكتاب والمفكرين المارقين الذين يهاجمون الاسلام والدفاع عنهم باسم الحرية كأمثال سلمان رشدي ،كل ذلك يدل على أن هذه الاساءة للإسلام وقرآنه ونبيه تصدر بتخطيط ومنهجية وهي بعيدة كل البعد عن العشوائية والمصادفة وهي في مجملها تهدف في ظل عدم الرد الحقيقي على هذه الاساءات الى قتل حمية الاسلام في قلوب المسلمين وجعل المسلمين يستمرأون هذه الاساءات من حين الى آخر حتى يفقد الاسلام قوته الروحية المحركة في قلوب الامة ليبقى المسلمون رهائن للكافر المستعمر ، يقتل أبناءهم فلا يحركون ساكناً وينهب خيراتهم فلا يحركون ساكناً ويحتل بلادهم فلا يحركون ساكناً لأنه قد تجرأ على نبيهم وقرآنهم واسلامهم فلم يحركوا ساكناً .


وبموازاة هذه الحملة البغيضة تصدر أصوات هنا وهناك تدعو الى التعقل والى ضرورة حوار الاديان والحضارات للتخلص من هذه التشنجات والعصبيات ، وحقيقة الأمر التي لا تخفى على كل بصير أن هذه الدعوات ما هي الا كذب وتضليل وخداع يسعى له الغرب لابقاء الأمة مخدرة لا تقوى على الحراك وهي تظن بهؤلاء خيراً ، وساعد الغرب في ذلك علماء السلاطين الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم فساهموا في هذا التضليل والخداع ، وإلا فكيف يمكن لعاقل أن يظن أن من يطعن في الاسلام والقرآن والرسول الاكرم يريد حواراً مع المسلمين الا بتضليل هؤلاء العلماء ، كيف يمكن لعاقل أن يرى قاتله يطعنه مرة تلو الاخرى أن يصدق زعم قاتله بمحبته له ورغبته بالعيش معه في وئام وخنجره المسموم يقّطع جسده اشلاءاً اشلاءا الا اذا كان فاقدا للوعي لا يدرك ولا يعقل واقعاً تحت تأثير مخدرٍ أو منوم .

ومن ثم ما هذا الحوار الذي يدعو له هؤلاء ،وكيف لمسلم أن يخدع به وبين يديه آيات تبين حقيقة الكافرين على مر العصور فقد أخبرنا المولى سبحانه عن مدى الحقد الذي يضمره أعداء الله للإسلام وأهله ونبيه وكيف أنهم في حالة حرب دائمة وسعي دؤوب لصد الناس عن دينهم فقال سبحانه(لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) وقال (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) وقال (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) ،

وتصريحات قادتهم ومفكريهم تؤكد هذه الحقيقة بما لا يدع مجالا للشك ، فرئيس وزراء بريطانيا الاسبق غلادستون قال (ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع اوروبا السيطرة على الشرق ) ورئيس وزراء يهود الاسبق بن غوريون قال (إن اخشى ما اخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد) ، وقال المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه باثولوجيا الاسلام (إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً بل هو مرض مريع وشلل عام .....وما قبر محمد الا عمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين ......اعتقد أن من الواجب ابادة خمس المسلمين والحكم على الباقين بالاشغال الشاقة وتدمير الكعبة ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر) ، وتأكيدا لهذا العداء والحقد الاسود صرح ريتشاد نيكسون الرئيس الامريكي الاسبق قائلاً (لقد انتصرنا على العدو الشيوعي ولم يبق لنا عدو الا الاسلام).

فهذه الآيات الكريمة وتلك التصريحات البغيضة ، وأفعال الكفار-العدوانية- تجاه المسلمين في العالم أجمع، تغني عن كثير تفصيل ليدرك كل عاقل كذب وخداع دعوى حوار الاديان والحضارات التي يدعو لها هؤلاء بل تبين مدى خبث ودهاء الكافر المستعمر وأن هذا الحوار الذي يروج له ما هو الا سعي لجعل الناس كفاراً.
وبرغم وضوح ذلك وضوح الشمس في رابعة النهار الا أننا نقف وأياكم وقفة سريعة موجزة لنبين حقيقة هذا الحوار وأسسه وهل للمسلمين أن يقبلوا بمثل هذه الدعوات التي يروج لها الغرب واتباعه ، ليحيى من حيّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ،
فنقول
إن المتتبع لدعاة الحوار يمكن الى أن يخلص الى أن الحوار الذي يسعون له قائم على أسس ثلاث :

أولها :التساوي بين الاديان و بين الحضارات و عدم التفاضل بين دين و دين أو حضارة و حضارة .
ثانيها :قبول الآخر كما هو و استكشافه دون اصدار أحكام ضده بل ادراك ما عنده دون قيد او شرط .
ثالثها:التفاعل لايجاد بديل حضاري أرقى عن طريق استلهام ما هو مشترك بين الاديان والحضارات .

هذا هو الحوار الذي يدعو له الغرب وهذه هي أسسه و لا يخفى على أحد أن هذه المفاهيم و الأسس لا غرض لها سوى تحويل المسلمين عن دينهم ، وهي تناقض الإسلام مناقضة تامة و هي ليست من الاسلام في شيء بل كلها تضليل و تمويه وخطورتها على الاسلام مؤكدة .
فأنى لمسلم فضلاً على ان يكون عالماً أن يساوي بين الحق و الباطل و أنى لمسلم أن يساوي بين الاسلام و بقية الاديان ، أنى لمسلم أن يساوي بين الهدى و الضلال أو بين الناسخ و المنسوخ ، أو بين ما أصله الوحي و ما هو من وضع البشر ، أنى له ذلك و هو يقرأ قول الحق سبحانه (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) و قوله (و ماذا بعد الحق إلا الضلال) .
و كيف لمسلم أن يقبل الآخر و يستكشف عقائده ولا ينقضها و لا يبين زيفها و بطلانها ، كيف لمسلم أن يسمع أن الله اتخذ ولدا و يبقى ساكتا صامتا ، كيف له ذلك و هو يقرأ قول الله عزوجل(و قالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا ادا * تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الارض و تخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن ان يتخذ ولدا ) .
و ثالثة الأثافي أن يقبل المسلم أن يتحاور مع غيره لتشكيل بديل حضاري يحل محل دين وحضارة الاسلام ، فهذا لعمري العجب العجاب (و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الاخرة من الخاسرين ).

هذه هي أفعال الكافر المستعمر وهذه هي خدعه ومخططاته وهذا مسعاه وتلك أدواته وتلك اساءاته ، ولكن هل كان لهؤلاء أن يتجرأوا على أمة الاسلام مرة تلو الأخرى لو ردت الأمة عليهم الرد الحقيقي الموازي لهكذا اساءات ، هل كان يجرؤ أعداء الله على أن يفكروا تفكيراً أو توسوس لهم شياطينهم مجرد وسوسة بالاساءة للإسلام وقرآنه ونبيه وللمسلمين لو كان لهم خليفة وإمام يقاتل من ورائه ويتقى به، أمثال المعتصم الذي حرّق عمورية وجندل الروم انتصاراً لإساءة هؤلاء لأمرأة مسلمة ، هل كان لهؤلاء أن يتجرؤا على دين الله لو كان للأمة خليفة كالصديق أو الفاروق أو صلاح الدين أو محمد الفاتح ، لا وألف لا ، ما كان هؤلاء يجرؤا على فعالهم لو كان للأمة خليفة وأمام ، فها هم يعيدون الكرة مرة تلو الأخرى وحكام المسلمين لا يعنيهم الأمر لانهم ليسوا من الأمة بل هم في صف أعدائها وعلماء الأمة يكتفون بدعوات المقاطعة للمنتجات وبردود سخيفة لا توازي حجم الاساءة فهل رسولكم يوازي عندكم مجرد مقاطعات تجارية لا تسمن ولا تغني من جوع ؟! إن الاصل في الأمة ان لا ترضى بديلا عن فتح لا الدنمارك ولا روما فحسب بل بأوروبا وبقتل زعمائها جميعاً رداً على مثل هذه الاساءة ، وهذه رسالة نوجهها الى الغرب الكافر أن هذه الاساءة لن تطوى مع الزمن وستبقى محفورة في ذاكرة الأمة وسيآتي اليوم الذي ينتقم وينتصر فيه لرسول الله علاوة على ما ينتظركم من سوء العذاب عند الديان سبحانه .
ورسالة الى علماء المسلمين ، أن قد وجب عليكم-أكثر من ذي قبل- أن تقفوا وقفة مشرفة فتصدعوا بالحق لا تخشوا في الله لومة لائم فتدعون الأمة للتخلص من حكامها وتدعون الجيوش لتنتقم لدينها ونبيها وقرآنها .
ورسالة الى الأمة جميعاً أن هبوا لإقامة الخلافة فوالله إنكم بأمس الحاجة لها ، هبوا لنصرة دينكم ونبيكم وقرآنكم لينتصر لكم على من عاداكم وليذيق هؤلاء الكفرة سوء العذاب فينسيهم وساوس الشياطين ، غذوا السير نحو الخلافة فوالله ان لا ملجأ لكم سواها وأعلموا أن الله ناصر رسوله ودينه وقرآنه بكم وبدونكم فكونوا ممن يتشرف بهذا الشرف العظيم فتفوزوا بالعزة في الدنيا والنعيم في الآخرة .
(23 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24 وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 25 وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 26)