إعرف عدوك

إعرف عدوك
مؤسسة "راند" والإستعانة بالحركات الإسلامية "المعتدلة" ....حلقة من حلقات الحرب على الإسلام

منذ أن بزغ فجر الإسلام والصراع بين الحق والباطل قائم لم تخفت ناره ولم تهدأ عواصفه بل إن هذا الصراع كان ككرة الثلج المتدحرجة بلا توقف كلما مرت عليها الأيام والسنون كلما كبرت وتضخمت وهذا لا يخفى على كل بصير ، غير أن أشكال هذا الصراع أخذت تتنوع وتتشكل وأكتست صوراً متعددة ، فظن قصيرو النظر أن حدة الصراع قد ضعفت وأن زماننا زمان "ثقافة الحوار وحوار الحضارات وتكاملها" كما يحلو للبعض أن يسميه ، ولكن هؤلاء قد أخطأوا كبد الحقيقة وجانبوا الصواب بعلم وبينة أو بغفلة وجهل ، فالصراع بين الحق والباطل لا يمكن أن يقف ولو للحظات الى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهذه سنة من سنن الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

وطوال فترات الصراع اعتمد الكفار على الخديعة والمكر والخداع ، بينما كان صراع المسلمين لهم صراعاً ظاهراً صريحاً لا يفتقر لحجة داحضة أو لأدلة وبراهين قاطعة بل كان صراع المسلمين للكفار وأديانهم ومعتقداتهم الفاسدة دحضاً للباطل وإحقاقاً للحق والعدل والإنصاف ، فالمسلمون–برغم تقلب وتغير أحوالهم- كانوا ولا زالوا على مدى سنوات الصراع يملكون الحقيقة المطلقة للوجود والتي لا يقوى أي مفكر أو فيلسوف أن يقف أمامها ، لذا كان صراع المسلمين واضح المعالم سامي الأهداف والغايات ، بينما عمد الكفار الى التضليل والخداع والمراوغة والوقيعة لما يفقدون من حجة تثبت طرحهم أو دليل يدعم عقائدهم أو برهان يعضد مبدأهم ، فأمتاز صراعهم دائماً بالخبث والدهاء فكان لا بد للمسلمين من دوام سبر أغوار مخططات الكفار وكشفها وفضحها لإبطالها وإفشالها سيما في ظرفنا الراهن الذي فقدنا فيه رأسنا ومدبر أمرنا وحامي بيضتنا خليفتنا وجنتنا .

ولإحكام كيدهم ومخططاتهم وشعوراً منهم بتغير حال المسلمين-الطرف المستهدف- عمد الكفار وسيما أمريكا، الدولة الأولى في العالم وحاملة لواء الحرب الصليبية، عمدوا الى إنشاء مراكز أبحاث متخصصة ذات كوادر وطاقات أكاديمية وسياسية همّها دراسة أحوال المسلمين وتحديد أسباب تقدم الأمة في المستوى الفكري وفي مشروعها النهضوي والعمل على وضع طرق وأساليب لحرب تقدم الأمة والساعين لنهضتها ودراسة جدوى مخططاتهم ومدى ما حققت من نتائج وإعادة دراسة التغذية الراجعة عن كل مخطط لإصدار توصيات باستمرار اعتماده أو بضرورة تعديله أو استبداله .

ومن المراكز المشهورة والتي يطلق عليها مصطلح أوعية التفكير (Thinks Tanks) مؤسسة راند ، مركز نيكسون للأبحاث ، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ،معهد الشرق الأوسط ، مجلس العلاقات الخارجية ، معهد المشروع الأمريكي للأبحاث السياسية ،مركز سابان لدارسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز ، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ، مركز الدراسات الإستراتجية والدولية .

ونحن في هذا المقال أخترنا أن نلقي الضوء على مؤسسة من هذه المؤسسات التي اختصت في الآونة الأخيرة بدراسة أحوال المسلمين بشكل مركز وقدمت عدة توصيات بضرورة أعتماد سياسة ركوب الموجة باستغلال حركات ما يسمى بالاسلام المعتدل واشراكه في اللعبة السياسية والحكم واستخدامه كأداة لضرب التوجهات الإسلامية الحقيقية التي يصفها أصحاب هذه المراكز بالتيارات المتطرفة والإرهابية ، فكانت لنا هذه الوقفة لنلقي الضوء على هذه المؤسسة وعلى توصياتها الأخيرة الخطيرة التي لا بد من ضرورة التنبه لها لمعرفة كيفية التصرف حيالها .

مؤسسة راند (Research And Development)
(تأسست عام 1945 بإشراف القوات الجوية الأميركية، وبمشاركة شركة "دوغلاس للطيران". إلا أن المشروع تحول لاحقا في عام 1948 إلى "منظمة مستقلة غير ربحية" بتمويل من وقف فورد الخيري (Ford Foundation) ويصف البعض هذه المؤسسة بالولد الشرعي للبنتاغون.
كان الهدف من تأسيس المؤسسة في الأصل-كما يذكر بعض المراقبين- هو "إمداد القوات الأميركية بالمعلومات والتحليلات اللازمة" إلا أن هذا الهدف توسع لاحقاً عندما أصبحت المؤسسة شبه مستقلة، ليشمل تعاملها واهتمامها معظم المجالات ذات العلاقات بالسياسات العامة داخل أميركا وخارجها. لمؤسسة راند "مجلس أمناء" يضع خططها المستقبلية، ومن أهم من عمل بهذا المجلس: دونالد رامسفيلد، كوندوليزا رايس، زالماي خليل زادا.
الإمكانيات :
تتوفر لمؤسسة راند إمكانات هائلة تكاد تشبه ميزانية بعض الدول فنفقات “راند” السنوية تبلغ أكثر من 150 مليون دولار، كما يبلغ عدد العاملين فيها 1600 عامل، ما بين إداري وباحث.وتوجد عدة فروع للمؤسسة، بعضها داخل أميركا وبعضها في الخارج. إذ توجد ثلاث مقرات رئيسية في كل من: سانتا مونيكا كاليفورنيا، وواشنطن دي.سي، وبتسبيرغ بنسلفينيا، وكامبردج بالمملكة المتحدة، إضافة إلى فرع افتتح حديثاً في دولة قطر.
الأهداف :
بحسب الأهداف المعلنة لمؤسسة راند عبر موقعها على الانترنت أنها "مؤسسة محايدة غير ربحية، تسعى إلى مساعدة الساسة وصناع القرار في فهم القضايا العامة من خلال البحث الجاد والتحليل العميق" وهذا هو نفس الهدف الذي تعلن عنه معظم مراكز التفكير في العالم ضمن ديباجة التأسيس. لكن أهداف المراكز -في الحقيقة- تتباين تباين أهداف المؤسسين والممولين والمشرفين. وقد خرجت مؤسسة راند في الأصل من تحت عباءة وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" وظلت سمة "العسكرية" تميز ميولها واهتماماتها وأبحاثها حتى اللحظة. ويصف بعض المراقبين "راند" بذات نزعة عسكرية جامحة، لذا كانت تقف مع الحروب الاستباقية التي شنها جورج بوش، إذ ترتبط المؤسسة-بحسب بعض المراقبين- بعلاقات متميزة بشركات تصنيع الأسلحة وأجهزة الاستخبارات، مما جعلها هدفا للكثير من نظريات المؤامرة حتى داخل أميركا.
ورغم هذا الطابع العسكري العام، فقد قامت مؤسسة راند في الآونة الأخيرة باصدار بعض التقارير السنوية الهامة التي تتناول تغير ملامح الصراع في المنطقة لتشمل الجوانب الفكرية والإجتماعية وضرورة استخدام الحركات الإسلامية "المعتدلة" في أتون هذا الصراع وهذا ما سنأتي على ذكرة لاحقاً .
التأثير على صناعة القرار:
ظلت "راند" شديدة التأثير في صياغة الرأي لدى صناع القرار في أميركا، وخاصة المؤسسة العسكرية ممثلة في البنتاغون. يقول دونالد أبلسون الأستاذ بجامعة ويسترن أونتاريو ومؤلف كتابين عن ظاهرة مراكز التفكير في أميركا: "رغم أن حضور مراكز التفكير أصبح ظاهرة عالمية خلال العقود الماضية، إلا أن المراكز الأميركية بالذات تتميز بقدرتها على التأثير في صنع القرار، كما يتميز الساسة الأميركيون في ثقتهم بتلك المراكز وكثرة رجوعهم إليها". وهذا الوصف قد ينطبق على "راند" أكثر من أي مركز آخر. فالساسة في الولايات المتحدة ينظرون بكثير من الثقة إلى أبحاثها، حتى إن بول بريمر الحاكم الأميركي المدني السابق للعراق يذكر في مذكراته عن غزو العراق أنه عندما وطئت قدماه أرض العراق ودخل مكتبه لأول مرة وبدأ يفكر في طريقة تسييره لشؤون هذا البلد، كان أول ما وُضع بين يديه تقرير استراتيجي أعدته مؤسسة راند عن أفضل السبل لتسيير الوضع في العراق المحتل، وتلك قصة معبرة عن مدى تأثير راند في حياة الشعوب في الشرق الأوسط. ) *( منار الرشواني؛ أحمد فال بن الدين ، http://ar.shvoong.com/law-and-politics) -بتصرف


تقارير توصي باستخدام ورقة الحركات الإسلامية "المعتدلة" في الصراع :
مواكبة منها للحرب المعلنة على الإسلام بإسم الحرب على الإرهاب وبعد فشل العديد من جوانب هذه الحرب وعدم تحقيقها للغاية منها سيما الجانب العسكري كما في العراق وأفغانستان وسعياً منها لتوجيه صناع القرار في الإدارة الأمريكية نحو ضرورة تحويل الصراع وتغيير منحاه أصدرت مؤسسة "راند" تقريرين هامين إحداهما في عام 2004 بعنوان (الإسلام المدنيالديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات) والثاني في عام 2007 بعنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة).
يعالج التقريران المذكوران أعلاه المعضلة التي وقعت فيه أمريكا بداية عهد المحافظين الجدد عندما أعلن بوش سياسته وتصنيفه للعالم بقوله "إما معنا أو ضدنا" وسياسة الحرب الشمولية للحركات الإسلامية ، وقد تبين لصانعي القرار الأمريكي خطأ هذه السياسة وعجز أمريكا عن تحقيق مصالحها ومآربها سيما الاستراتيجية منها بيدها لما تلاقيه من عداء مستحكم لدى شعوب المنطقة ولما لسياستها الإستفزازية من إثارة لحفيظة الشعوب وحتى الحكام الخانعين لها ، لذا أوصت مؤسسة "راند" بضرورة إعادة استخدام ورقة الحركات الإسلامية التي تصنف أمريكيا بأنها معتدلة .
ووضعت "راند" مواصفات للحركة التي تعتبر "معتدلة" كما وضعت تقسيمات للمسلمين لأخذها بعين الإعتبار في رسم السياسة التي تمس الشعوب الإسلامية وطرحت هذه التقارير النموذج التركي –حزب العدالة والتنمية- كنموذج يحتذى به للحركات الإسلامية "المعتدلة".
وبعد أن صنفت المسلمين-في تقرير عام 2004- الى أربع فئات، هي: مسلمينأصوليين، مسلمين تقليديين، مسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين أوصت هذه المؤسسة بضرورة دعمِ الاسلاميين المعتدلين أو العصرانيين ليقفوا سداً منيعاً ضد "الأصوليين المتطرفيين" ، كما أوصت في تقريرها المسهبِ والمفصلِ الى أساليبَ لحربِ الحركاتِ الإسلاميةِ التي تسعى لإيجادِ الخلافةِ وأرشدت الى ضرورةِ دعمِ التقليديين والعصرانيين لصد موجة التيار الإسلامي "الأصولي"، ومما جاء في تقريرها حول المسلمين "الأصوليين" (يجبُ محاربتُهم واستئصالُهم والقضاءُ عليهم وأفضلُهم هو ميّتُهم لأنّهم يعادون الديمقراطية والغرب ويتمسكون بما يسمى الجهاد وبالتفسيرِ الدقيقِ للقرآن وانهم يريدون أن يعيدوا الخلافةَ الاسلاميةَ ويجب الحذرُ منهم لأنّهم لا يعارضونَ استخدامَ الوسائلِ الحديثةِ والعلمِ في تحقيقِ أهدافِهم وهم قويوا الحجّةَ و المجادلة.)
بيد أن التوجه الجديد للمؤسسة-في تقرير عام 2007- بسبب عدم تحقيق النتائج المرجوة من التقرير السابق يتجه نحو ضرورة تغيير الفكر والمعتقد للحركات "المعتدلة" حتى في أساسيات مبدئها ودينها ولا يكتفي بمجرد الولاء السياسي ، ولعل ما أقدمت عليه حكومة حزب العدالة والتنمية-وكشفت عنه صحيفة ذا جارديان - من مشروع لإحداث تغييرات في الدين الإسلامي عبر شطب نصوص ثابتة من الأحاديث الشريفة وتغيير أحكام قطعية لتتوافق مع الطرح العلماني باسم التجديد في الدين الإسلامي وملائمة العصر لعل هذه المشروع أحد الأمثلة الحية لهذا التوجه .
خلاصة التقارير التي صدرت في هذا الشأن من مؤسسة راند ومن مؤسسات بحثية أخرى والتي تسعى جاهدة للإستفادة من أساليب مواجهة الشيوعية لتطبقها على حربها على الإسلام والتي تسعى لتجعل-على حد وصفها- من الحركات الإسلامية "المعتدلة" أن تلعب دور الحركة البروستانتية في أوروبا بدعوتها لليبرالية والتحرر ، خلاصة هذه التقارير توصي بنقل صعيد المعركة التي فشلت أمريكا والغرب الى الآن في كسبها من حرب أطرافها المسلمون وأمريكا الى حرب بين "الأصوليون" و "المعتدلون" من أبناء الأمة وستعمل أمريكا والغرب على دعم "المعتدلين" بشتى أساليب الدعم والمعونة ، وترى هذه المراكز هذا النهج هو الذي يمكن أمريكا من تحقيق غايتها في المنطقة دون عناء . وسيراً على نفس النهج بنقل الصراع الى الجبهة الداخلية للمسلمين أوصت هذه التقارير بإشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين كفتنة السنة والشيعة .
أيها المسلمون :إن واقع الأمة اليوم الذي حمل السياسة الأمريكية على وجه الخصوص والغربية بشكل عام على إستخدام ورقة الحركات المصنفة غربياً بأنها معتدلة يحمل بشارة وتحذير، أما البشارة فهي أن أمريكا والغرب قد فشل في حربه الصريحة المعلنة على الإسلام وأهله وأنه برغم كل ما بذلوه من أموال وجهود لم تستطع ان تغيير منحى المسلمين المتجه صعوداً نحو الخلافة وتطبيق الإسلام الخالي من الشوائب الغربية مما ألجأ هؤلاء مرة أخرى الى إعادة تفعيل إستخدام ورقة الحركات الأسلامية "المعتدلة" والموالية سياسياً للغرب ممن بعد ما قرر هؤلاء حرب الإسلام بكافة شرائحه وأطيافه وحركاته حتى "المعتدلة" منها وفي ذلك علامة تقهقر ونكوص . اما التحذير فمن مكمنه يؤتى الحذر فواجب المسلمين اليوم أن لا يقبلوا بين ظرانيهم دعوة للعلمانية بثوب إسلامي أو دعوة لضرورة التحاور والتوافق مع الغرب والمبدأ الرأسمالي ، فواجب المسلمين أن يزنوا هذه الدعوات والحركات التي تتبناها بميزان الإسلام الدقيق لكي لا ينزلقوا في هذه المنزلقات الخطيرة فينشغلوا بحرب بعضهم البعض فكرياً أو مادياً ويتركوا العمل لمشروع الأمة النهضوي (إقامة الخلافة) الذي به يتخلصون به من هيمنة أمريكا والغرب بل به ينقذون البشرية مما تعانيه.

وقفة مع علم من أعلام الدعوة

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفة مع علم من أعلام الدعوة : أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)

لمّا كان لشخصية القائد وحامل الدعوة كبير الأثر في نفوس الناس انقياداً وقبولاً ، ولما كانت الامة لا تعطي إنقيادها إلا لعالم ومخلص وشجاع ، ولمّا غيب ذكر الرجال الرجال عن وسائل الإعلام التي باتت تبرز من تشاء وتغمر من تشاء عبر تسليط أضوائها على الرجال الذين صنعهم الغرب على عينٍ بصيرة ، وحجبها لهذه الأضواء عن قادة الأمة الحقيقيين الذين نبتوا من نبع صاف لم تخالطه شائبة أو دسيسة فحملوا همّ الأمة وقضاياها على عاتقهم لا يبتغون من ذلك جزاءاً ولا شكوراً ولا منصباً أو كرسياً يعتلونه أو سيارة فارهة يركبونها أو فرش وثيرة يتوسدونها ، لما غيب هؤلاء وذكرهم عن الأمة كانت لنا هذه الوقفة وهي وقفة صدق نشهد فيها شهادة حق لا نجامل فيها أحداً ولا نزكي فيها على الله إنساناً بل نبصّر فيها الأمة بقادتها الحقيقيين ونزيل عن أعينها حجاباً ضرب ليحول بينها وبينهم ، فلأنهم أبناؤها ولأنهم حملوا همّها ولأنهم ساروا بحسب مبدئها بعقيدته وأحكامه ، ولأنهم يريدون الأخذ بيدها لطريق النجاة والعزة والرفعة، كانت لنا هذه الوقفة ،

من هؤلاء الرجال الغر الميامين أمير حزب التحرير العالم الأصولي الفقيه المجتهد الشيخ الجليل المهندس عطاء بن خليل أبو الرشتة(أبو ياسين) ، لقد نبت الفقير الى رحمة ربه منذ نعومة أظافره على حمل همّ الأمة والإنشغال بقضاياها فالتحق بركب حزب التحرير ولم يجاوز عمره الرابعة عشرة عاماً فحمل الدعوة طوال سنين عمره في الديار الفلسطينية وفي مصر حيث أكمل دراسته الجامعية فالأردن ودولاً عربية أخرى كالحجاز وغيرها وبقي طوال حمله للدعوة سافراً متحدياً لا يأبه لما يلحق به من أذى أو سجن أو تعذيب أو ملاحقه من جلاوزة الأنظمة القمعية دأبه كدأب من سبقوه من حملة الدعوة الذين نذروا أنفسهم لقضية الامة المصيرية إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ، كان للشيخ عطاء قوة عقلية جذابة تلفت الأنظار وسمو في النفسية قلما توهب لإنسان ولقد شهد له بذلك العالم المجاهد الشيخ الجليل أحمد الداعور رحمه الله بقوله عنه بأنه "عطاء من الله"، ولقد أثرى جزاه الله عنا وعن المسلمين خيراً المكتبة الإسلامية ببعض الكتب فوضع نموذجاً فريدا في التفسير ونموذجاً في أصول الفقه فكانا معيناً لمن أراد ان ينهل منهما ومثالاً على الفهم القويم لكتاب الله وبياناً لطريقة الإسلام في الإجتهاد ، ولقد تولى الشيخ العالم عطاء بن خليل كافة المناصب القيادية في حزب التحرير حتى أصبح أول ناطق بإسم الحزب في الأردن مما عرضه للسجن مرات ومرات حتى قضى سنين عمره في سجون الظالمين وبالرغم مما لحقه من أذى إلا أن ذلك لم يثنه عن عزمه وإصراره على المضي قدماً في العمل لأقامة الخلافة مع طليعة الأمة وروادها ، لقد جابه عطاء الظالمين والحكام والسياسين الفاسدين وكشف مخططاتهم وتآمرهم على الأمة لصالح الكفار المستعمرين دون أن تلين له قناة أو يهادن أو يستكين ، وبقيت تصريحاته تقرع آذان الظالمين والحكام صباح مساء وعقب كل تصريح له كان يزج به في عياهب السجون لسنوات وهذا حال من حمل همّ الأمة وسعى لتغيير حالها فهو يجابه طغمة ظالمة تسلطت على رقاب الأمة وليس كحال من احتضنتهم الأنظمة ثم الفضائيات ففتحوا لهم الأبواب مشرعة وسخروا لهم منابر ليصلوا منها الى سمع وبصر كل إنسان ، بقي عطاء بن خليل يعتلي سلم العمل الدعوي دافعاً ضريبته الباهظة والمكلفة بما أصابه من أذى وملاحقة وسجن وتعذيب حتى شاء الله أن ترسو عليه إمارة الحزب-وليس غريباً على شخص كعطاء بقوة عقليته وسمو نفسيته أن يصبح أميراً لحزب كحزب التحرير الذي يختار أميره من الصفوة عبر طريقة مميزة تمر في مراحل دقيقة تعتمد على أن يُقدّم التقي النقي ذو القدرة والخبرة والكفاءة والعطاء – فأصبح عطاء أميراً لحزب التحرير في الثالث عشر من أيار لعام 2003 للميلاد وبمجرد استلامه لأمارة الحزب هجر أهله وماله وبنيه وانقطع عن الدنيا ليتفرع لحمل الدعوة ولقيادة الحزب ، وكحال أمراء الحزب من قبله أصبح عطاء ملاحقاً من قبل أجهزة مخابرات الدنيا بأسرها لا لشيء سوى لأنه يقود حزباً سياسياً يسعى بجد لإقامة الخلافة الراشدة الثانية التي وعدنا بها الرسول الأكرم ، لا لشيء سوى لأن حزبه يعمل في الأمة ومعها لتحمل الإسلام الحقيقي البعيد عن الشوائب والدسائس وليس اسلاماً على الطريقة الغربية ، لا لشيء سوى لأن هذا الحزب يعمل لقلع نفوذ الكافر من بلاد المسلمين قلعاً جذرياً ولا يرضى بالعمالة أو التبعية .

منذ أن تولى الشيخ عطاء إمارة الحزب أدرك ثقل العبء الذي حمله وأدرك بأن الاميرين من قبل قد أتعبوا من خلفهم مما قدموه للدعوة ، فجد في السير وها هو يبذل الجهد الجهد والوسع الوسع ليكون كما نحسبه الآن –ولا نزكي على الله أحداً- خير خلف لخير سلف ، كما أخذ على نفسه أن لا يترك سبباً مشروعاً يستطيعه في العمل لإقامة الخلافة إلا أستعان بالله وفعله ، وهكذا كان فالحزب في عهد الأمير عطاء يسير مكملاً سيره التصاعدي الإرتقائي يسير من علي الى أعلى بإذن الله وها هي الدنيا بأسرها تسمع بالحزب وترتعد منه فرائص الكافرين وها هي الأمة قد جمعت شتاتها على أشد التفاف لم تشهد له من قبل مثيل حول الخلافة ودعوتها حتى أننا أصبحنا نرى الخلافة كأنها ماثلة أمام ناظرنا من دنو قيامها وقرب تحققها ، وكل ذلك بفضل من الله ومنه .

إن خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة لن تعود إلا برجال كأمثال هؤلاء الأعلام الذين يترسمون خطا من أقاموا الخلافة الأولى من الصحب الكرام ، لن تعود الخلافة منقذة المسلمين والبشرية إلا على يد سواعد جدّت في العمل لها وأبصرت دربها وسارت على خطى نبيها دون أن تنغمس في رجس الكافرين أو تنخرط في مشاريع المستعمرين أو تداهن الحكام المتآمرين أو تكون جزءاً من المشهد السياسي الذي يرسمه الكائدون ، فحري بالأمة أن تلتفت لقادتها الحقيقيين الذين خرجوا من أصلابها ونبتوا على عقيدتها لا على الأموال المشبوهة أو التبعية أو العمالة السياسية فتعطي انقيادها لهم وتسير معهم نحو خلاصها ومشروع نهضتها ، حري بخير أمة أخرجت للناس أن تدرك معدن الرجال بميزانها لهم بميزان الحق وأن لا تنخدع بتضليل المضللين فتخدع- كما خدعت من قبل - بقادة لا يوردونها سوى موارد الهلاك والتبعية والخنوع .

نسأله سبحانه أن يأخذ بأيدينا جميعاً تحت قيادة ربانية حكيمة نحو خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة .

تسارع مشروع نهضة الأمة وتقهقر وانحسار مشروع الكفار

بسم الله الرحمن الرحيم

تسارع مشروع نهضة الأمة وتقهقر وانحسار مشروع الكفار

(ِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)

تعيش الأمة الإسلامية اليوم حالة مخاض عسير لميلاد دولة الإسلام التي تمثل نهضة الأمة الإسلامية وعلو شأنها وعودتها لتعتلي الصدارة وتقتعد ذرى المجد ، ويأتي هذا المخاض في ظل معوقات جسيمة وضعت أمامه من قبل الكفار لمنع حصول هذا التغير وحدوث هذه النهضة وقد صاحب هذا المخاض حالة من الدهشة والتخوف بل والرعب من قبل الكفار خشية عودة الخلافة ونجاح مشروع النهضة للأمة الإسلامية وهم الذين كدّوا عقوداً طويلة ليمنعوا الأمة من التقدم في هذا المشروع لا بل ليحجبوا هذا المشروع عن الأمة حتى تبقى الأمة رهينة لهم وحتى يكونوا في مأمن من قوة ودولة المسلمين المنتظرة التي ستسعى –كما سعت من قبل – لتخليص البشرية جمعاء من براثن هؤلاء ولكي تخرج العباد من الضنك الذي يحيوه الى نور وعدل الإسلام ، ولا عجب من تخوف الكفار وسعيهم هذا وهم الذين لا زالت جيوش الخلافة التي إكتسحت أوروبا ماثلة أمام ناظرهم ، وسنابك خيل المسلمين تقرع آذانهم ، في فرنسا واسوار فيينا وفي أوروبا الشرقية جميعها .

إن ما تحياه الأمة اليوم هو معركة حقيقية حامية الوطيس أطرافها الكفار ومن تبعهم ويحملون مشروعاً استعمارياً لإبقاء هيمنتهم على الأمة ،ومشروعهم هذا أخذ أسماءاً متعددة وأشكالاً مختلفة ، أسماءاً كالاستقلال والحرية والديمقراطية والشرق الاوسط الكبير والصغير وغيره وأشكالاً كالاحتلال المباشر وفرض التوصيات الاقتصادية والسياسية على المنطقة ، والطرف الآخر في هذه المعركة هم الساعون للتغيير ومن سار معهم والتف حول دعوتهم، ومشروعهم مشروع نهضة للأمة وإنقاذ للبشرية عبر إقامة الخلافة حاملة وحامية مبدأ الإسلام بفكرته وطريقته ، مشروع حضاري بديل للرأسمالية المتعفنة.

وفي خضم هذه المعركة أستطاع الكفار بمكر خبيث –كجزء من حربهم لمشروع نهضة الأمة- أن يدخلوا اليأس والأحباط لبعض المسلمين عبر التشكيك بإمكانية نجاح هذا المشروع من جديد وإمكانية كسب هذه المعركة وفق المعطيات الحالية ، من تحكم الغرب المطلق بدفة مركب البشرية ، والحقيقة التي لا يمكن لمبصرٍ أن يخطأها أن الأمور تسير على غير ما يهوى الكفار وأن سحرهم قد بَطُل وكيدهم قد فشل وفألهم قد خاب وإن ما تحياه الأمة خير شاهد على ذلك .

ولأجل إلقاء الضوء على تفاصيل هذه المعركة الدائرة ولأجل نزع بذور الشك والريبة من قلوب بعض المسلمين ولأجل أن نبصر الى أين وصل العمل لنهضة الأمة كان لا بد لنا من وقفة نبين فيها مخطط الكفار ومشروعهم وما صنعوا لأجله وماذا قدموا لإنجاحه وما هي إمكانياتهم وقدراتهم وما مصير هذا المخطط ، وأن نبين مشروع الساعين للتغيير والنهضة الى أي مرحلة قد وصل وما هي إمكانيات أصحاب هذا المشروع وما هي قابلية نجاحه وتحققه في أرض الواقع ؟

قبيل هدم الخلافة لا بل منذ قرون خلت حدد الكفار غايتهم في صراعهم مع المسلمين في أمرين اثنين ، أولهما العمل على ضرب الفكرة الإسلامية ومحاولة إدخال المفاهيم المغلوطة عليها بل ومحاولة استبدالها –في مرحلة متأخرة- بمفاهيم غربية. وثانيهما هو هدم دولة الخلافة ، وكانت هذه الاهداف أحد توصيات الملك لويس التاسع عقب أسره أثناء حملته الصليبية على بلاد المسلمين وهي عينها ما عبر عنه وزير خارجية بريطانيا بعيد هدم الخلافة في مجلس العموم البريطاني بقوله-مسفراً عن الغاية المبيتة التي سعى لها الغرب بأسره وعلى رأسه آنذاك بريطانيا-قائلاً (القضية أن تركيا قد قضي عليها ولن تقوم لها قائمة لأننا قد قضينا على القوة المعنوية فيها: الخلافة والإسلام") ولإنجاح هذا المخطط بذل الكفار ما استطاعوا لتحقيقه وضاعفوا جهدهم للمحافظة على المكاسب التي حققوها ، بذلوا جهوداً جبارة لتحقيق الهدفين المذكورين أعلاه ،

فعلى صعيد حرب الفكرة الإسلامية عمد الكفار الى وسائل عدة وحاربوا الفكرة الإسلامية على صعد مختلفة ، فقاموا بإرسال الحملات التبشرية في سعي منهم لزعزعة أفكار وعقائد المسلمين وسعوا الى حرب اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن ولا يمكن فهم الاسلام بدونها وعملوا على ادخال السم في الدسم عبر تضليل المسلمين وتحميلهم أفكاراً غربية غريبة عن الاسلام بدعوى أنها لا تعارض الاسلام أو بدعوى أنها من الإسلام وجندوا لذلك علماء ومشايخ وحركات وجمعيات ووسائل إعلام من فضائيات وإذاعات وصحف وكتاب ومفكرين ووضعت لأجل هذا الغرض مناهج تعليم ، جندت كل هؤلاء وغيرهم الكثير ليحرفوا أذهان الأمة عن فكرة الإسلام الحقة النقية ، ليحرفوا أذهان المسلمين عما أصبح يعرف بالاسلام السياسي الذي يطرح الإسلام كمبدأ وكبديل حضاري ، فترى من هؤلاء الجند من ينبري ليجعل الاسلام ديناً كهنوتياً ويوالي الحكام على كفرهم وفسقهم وحكمهم بالطاغوت وترى من هؤلاء من يزعم أن الديمقراطية هي الشورى وأنها بضاعتنا ردت إلينا وآخر يفتي الناس بجواز البنوك والتعامل بالربا وآخر يفتي بجواز زواج المسلمة من الكافر إفتراءاً على الله وآخر يجيز شرب اليسير من الخمور وآخر يزعم أن الاسلام دين الحرية الشخصية والدينية وآخر يحارب فكرة الخلافة باسم الاسلام ويصفها بالخرافة وآخر يجيز التحالف مع امريكا تحت ذريعة مشاركتها في الحرب على الأرهاب ، ومناهج تعليم تفسد على الطفل قبل الكبير دينه وتدنس فطرته فتحرفها الى العلمانية واللادينية ووسائل إعلام تقرع آذان المسلمين صباح مساء بل تداهم كل خصوصياتهم فتنفث سمومها في كل بيت وبر أو مدر لم تغادر كبيراً ولا صغيراً ولا رجلاً ولا إمرأة فتروّج للحرية والفساد والخلاعة والعلمانية وأحسنهم طريقة بل أضلهم من يضلل الأمة باسم الاسلام عبر محطات فضائية تسمى دينية تحرف الأذهان عن جادة الحق والصواب عبر طرح أحكام ضبابية وفتاوى تتماشى مع العصر والديمقراطية تسمى فتاوى شريعة بألسنة علماء خصصوا لهذا العمل وتفرغوا له .

هذا على صعيد حرب الفكرة الإسلامية ، أما على صعيد العمل على هدم الخلافة فقد استطاع الكافر المستعمر هدمها منذ أكثر من ثمانين عاماً عقب حالة الضعف التي عاشتها الخلافة مما مكن الكفار بمعونة من خونة الترك والعرب من أن ينقضوا ويجهزوا عليها ، وأصبح همّ الكفار أن يكرسوا هذا الواقع وأن يصرفوا أذهان الأمة عن الخلافة وفكرتها لئلا تعود من جديد فقاموا بخطوات عدة ، منها :

1-سعوا الى ربط ذاكرة المسلمين عن الخلافة بأنها جائرة ظالمة -وخاصة للعرب- استغلالاً منهم لبعض التصرفات الخاطئة التي حصلت قبيل هدم الخلافة والتي كان لأدوات الكفار اصبع فيها .

2-عمدوا الى تمزيق الأمة اشلاءاً متناثرة عبر تقسيمها الى دول متناحرة ولتكريس هذا التقسيم بثوا فكرة الاستقلال وجعلوا لكل دولة حدوداً جغرافية لا تتعداها وجعلوا لها عيد استقلال وعلماً وهوية .

3-سعوا الى ضرب رابطة الأخوة الإسلامية التي كانت توحد الأمة في كنف الخلافة عبر بث فكرة القومية والوطنية والقبلية والجهوية وكان لهذه الأفكار في حقبة من تاريخ الأمة رواجاً هائلاً ، كما عمدوا الى ايجاد بدائل وصور مزيفة للوحدة كمنظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية .

4-جعلوا من الدول الكرتونية التي أقاموها في بلاد المسلمين حارساً وناطوراً لهم على الأمة خشية ان تتحرك الأمة نحو الاسلام السياسي ونحو الخلافة ،ولتحقيق هذا الهدف جعلوا الدول في العالم الاسلامي دولاً بوليسية فأوجدوا لها الأجهزة الأمنية المختلفة والمتكاثرة يوماً بعد يوم فهذا جهاز أمن وقائي وذاك وطني وآخر مخابرات واستخبارات ومكافحة ارهاب وغيره وكل هذه الأجهزة ما وجدت إلا لترقب تحرك الأمة نحو مشروع النهضة الحقيقي فتقف سداً منيعاً في وجهه ، ولأجل هذه المهمة أنفق الكفار الأموال الطائلة عبر المساعدات التي تقدمها ما تسمى بالدول المانحة لهذه الدول الكرتونية ولأجهزتها البوليسية الجاثمة على صدر الامة .

5-أوجدوا عشرات الالاف من الجمعيات التي تسعى بصورة مباشرة وغير مباشرة لحرب مشروع نهضة الأمة من جمعيات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الحيوان وغيرها الكثير فبلاد المسلمين تزخر بالجمعيات الأجنبية التي وصل تعدادها في العالم العربي حتى منتصف التسعينات الى أكثر من 70 ألف جمعية وهي في تزايد بصورة مطّردة ، ولا يخفى عليكم أن لهذه الجمعيات مآرب وغايات خبيثة تسهر على تحقيقها وتبذل قصارى جهدها لذلك .

هذا –على الحقيقة لا المجاز- غيض من فيض مما يبذله الكفار في حربهم لمشروع نهضة الأمة فهم يملكون من الأموال والمقدرات والطاقات والأجهزة الأمنية والدول البوليسية وأجهزة الإعلام والجمعيات والحركات والتنظيمات وعلماء السوء والمفكرين والكتاب والصحفيين الكثير الكثير حتى يخيل للمرء لكثرة ما يملكون أن لا طاقة لأحد بمواجهتهم أو التغلب عليهم ،

في المقابل ماذا يملك الطرف الأخر في هذه المعركة ، ألا وهم حملة مشروع نهضة الأمة ،وما هي امكانياتهم وماذا حققوا وما مصير هذا الصراع ؟

لا يملك هؤلاء لا عشر معشار ولا اقل من ذلك من إمكانيات الكفار المادية بل إن ما يملكون لا يمكن أن يقبل المقارنة مع امكانيات الكفار بسطاً على مقام فإمكانياتهم المادية تكاد تكون معدومة بل تكاد تؤول الى الصفر ، وتحكمهم بوسائل الإعلام معدوم بل إن وسائل الإعلام هذه مكّرسة لحربهم ، ويفتقرون الى العدد نسبة لأعداد الكفار والسائرين في ركابهم ، ولا أقلام ولا كتاب ولا صحفيين-إلا من رحم ربي- يشاطرهم رأيهم ومشروعهم النهضوي أو يرى إمكانية تحقيقه ، وغني عن الذكر أنهم لا يملكون دولاً ولا مؤسسات ولا جمعيات، فهؤلاء الغر الميامين لا يملكون سوى المنهج والكلمة ، لا يملكون سوى قصاصة ورق ولسان والتزام بالشرع وعدم الحيد عنه ، لا يملكون سوى ايمانهم بهذا المبدأ العظيم وبصيرتهم بالحق وسيرهم على خطى محمد صلى الله عليه وسلم ،

فماذا صنع هؤلاء في هذه المواجهة وماذا حققوا ؟

لإدراك حقيقة الانجازات التي حققها الساعون لنهضة الأمة ولإدراك حجمها الطبيعي لا بد أن توضع هذه الانجازات في سياق هذه المعركة ، فهذه المعركة بحق معركة غير منصفة لا القوى ولا الاعداد ولا الامكانيات فيها متكافئة فأي إنجاز للطرف الاضعف هو انجاز مضاعف وتقدم باهر إذ إن النظرة العقلية المجردة عن الإيمان بالله تحكم قطعاً بفشل هؤلاء لا بل بالقضاء عليهم واستئصال شأفتهم لشدة ضعفهم وقلة حيلتهم أمام هذا العدو المتجبر الذي يملك من الإمكانيات والقدرات ما لا طاقة لهم بدفعه ، لذا كان لا بد من مراعاة هذا السياق للإنصاف ، ومع ذلك قد يظن المرء أننا نذكر ذلك لضآلة ما حقق الساعون لنهضة الأمة من انجازات مع أن الواقع يدل على خلاف ذلك ، فالساعون للتغيير برغم ما ذكرنا من ضعفهم وقلة حيلتهم وعبر العقود الماضية استطاعوا أن يبهروا الكفار بل وأن يجعلوهم مشدوهين حيارى وكل ذلك بفضل من الله ومنه ، فلقد استطاع دعاة الخلافة-بفضل الله ومنه- أن يردوا سهام الكافرين الى نحورهم وأن يبطلوا سحرهم ويكشفوا كيدهم ، ونظرة خاطفة سريعة الى حال الأمة والكفار اليوم ترينا ذلك رأي العين وتؤكد أن الكفة باتت ترجح لصالح مشروع نهضة الأمة ،

فالأمة اليوم وبالرغم من الجهود الجبارة التي بذلت من قبل الكافرين ما عادت تقبل عن الإسلام بديلاً ولا عادت تقبل الاسلام المداهن للحكام ولا الاسلام الأمريكي ولا الأوروبي أو ما يسمى بالاسلام المعاصر أو الوسطي وها هي تنقب عن أحكام دينها ولا ترضى الإ بالاسلام النقي بديلاً عما سواه ، فبالله عليكم أين القومية ورواجها أو العلمانية ودعوتها أو الاشتراكية والمروجون لها أو الجهوية العصبية من أوساطكم ، ألم تصبح هذه الأفكار أثراً بعد عين ؟! ألم تعد الأمة لمعدنها ودينها وأصبحت ترفض ما سواه ؟!

ثم أين هؤلاء الحكام الذين كانت الأمة عبر سنين الضلال والغفلة تهتف باسمهم وتلهج ألسنتها بذكرهم وتعلق آمالها عليهم ، ألم يعد هؤلاء دمىً في نظر الأمة يحركها الكافر حيث يشاء ؟! ألم يصبح هؤلاء أمواتاً لا ترجو الأمة منهم لا عدلاً ولا صرفاً ولا حياةً كريمة ؟! بل ألم تصبح الأمة تلعنهم وتسخط عليهم وتتبرأ الى الله منهم ومن فعالهم وتآمرهم عليها وغدرهم بها صباح مساء ؟!

ثم أين تلك الحدود التي مزقت الأمة وأين قدسيتها الكاذبة ؟! ألم تعد الأمة تتطلع للوحدة ولم تعد تقيم وزناً لهذه الحدود ؟! ألا ترون كيف يشعر اهل فلسطين بأهل العراق وأهل السودان بأهل افغانستان وأهل كشمير بأهل الشيشان ؟! ألا ترون معي كيف يتطلع المسلمون جميعا في كافة أقطار المعورة الى الوحدة الحقيقية في ظل دولة واحدة لا يقيمون فيها وزناً لا للون ولا لعرق ولا لحدود سوى لإسلامهم .

ومن ثم ألا ترون كيف أصبحت دعوة الخلافة هي البضاعة والصناعة للأمة وأصبحت محط أنظارها وأملها في الخلاص بل إن وعي الأمة على دينها وعلى الخلافة يزداد يوماً بعد يوم ورأيها العام في طريقه ليصبح رأياً منبثقاً عن الإسلام دون سواه .

ثم ألا ترون أن الكرّة قد انقلبت على الكافرين فأصبحت أفكارهم في معرض النقض وبيان بطلانها على الصعيد العالمي لا المحلي فحسب وأصبح المسلمون-وخاصة في بلاد الغرب- يهاجمون الأفكار الرأسمالية الغربية في الصميم -بدل ان يندمجوا في المجتمعات الغربية كما اراد لهم الكفار- مما قاد الى اعتناق عشرات الألاف من الغرب للإسلام وهذه علامة تراجع ونكوص لمشروع الكفار .

من مجمل ماذكر نستطيع الحكم والقول بلا تردد أن مشروع الخلافة-مشروع نهضة الأمة- في تقدم لا بل في تسارع ومشروع الكفار في تقهقر وانحسار ولكي نُبلغ في الدلالة نذكر النقاط التالية التي تؤكد ذلك :

1.حالة الذهول التي اصابت الكفار عقب كل ما بذلوه لصد الأمة عن نهضتها ودينها وبدل أن تصاب الأمة في مقتل كما طمع عدوها جراء هذه المعركة نرى الأمة قد حزمت أمرها نحو خلاصها عبر تبني مشروع الخلافة مما دعا الكفار الى إعلان الحرب صليبية بصورة علنية وفي ذلك إعلان إفلاس لهم وفشل لجميع المخططات التي رسموها من قبل عبر العقود الماضية .

2.التقارير والأبحاث والتوصيات التي تصدر عن مراكز أبحاث الكفار كمؤسسة رند ومركز نيكسون للإبحاث والتي تعترف بدنو قيام الخلافة وتعتبره السيناريو المتوقع للعالم في السنوات القليلة القادمة مما دعا زعماءهم الى اظهار تخوفهم من عودتها بصورة علنية فذلك بوش يصرح مراراً وتكراراً قائلاً (إن أولئك المتطرفين-ويعني اصحاب مشروع الخلافة- مصممون على القضاء على أي تأثير أميركي أو غربي في الشرق الأوسط) وقال ايضاً مبدياً تخوفه وحذره (سيسعى أولئك إلى تأسيس امبراطورية إسلامية متطرفة. فهم يعتقدون أن السيطرة على بلد واحد سيحشد الجماهير المسلمة، ويمكنهم من إسقاط الحكومات المعتدلة في الشرق الأوسط، وإقامة إمبراطورية إسلامية تمتد من أسبانيا إلى إندونيسيا)،وكذا صرح صنوه بلير قائلاً(إن تحكيم الشريعة في العالم العربي، وإقامة خلافة واحدة في بلاد المسلمين، وإزالة نفوذ الغرب منها، هو أمر غير مسموح، ولا يمكن احتماله مطلقاً) ووزير داخليته كلارك صرح ايضاً قائلاً (إن مسألة عودة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية أمران مرفوضان لا يقبلان النقاش أو المساومة)وبوتين الذي اعتبر روسيا خط الدفاع الأول عن أوروبا لأنه-على حد قوله- (يوجد من يعمل على إسقاط الأنظمة العلمانية بغية إقامة دولة إسلامية في آسيا الوسطى) وساركوزي الذي حذر من امبراطورية اسلامية تمتد من اسبانيا الى نيجيريا وكل هذه التصريحات تؤكد أن الأمة تتجه نحو مشروع نهضتها وما عادت تلتفت الى ما سواه وتؤكد مدى الخوف والهلع الذي أصاب الكفار جراء ذلك .

3.عقب حرب افغانستان وانعتاق طالبان قررت أمريكا أن تتراجع عن استعمال الحركات الاسلامية المخترقة لتحقيق مصالحها وأهدافها وقررت ضرب كل حركة اسلامية مهما كانت واليوم تشهد هذه السياسة تراجعاً بسبب فشل السياسة الأمريكية في حرب الإسلام السياسي فعادت أمريكا تريد ضرب الإسلام ومشروعه النهضوي بحركات ما يسمى الاسلام المعتدل المقبول امريكياً وفي ذلك دلالة واضحة على عجز أمريكا على مواجهة تقدم وتسارع مشروع الأمة بأفكارها الرأسمالية العفنة مما ألجأها مرة أخرى لإستخدام ورقة الحركات الاسلامية التي تصنف أمريكياً بأنها حركات معتدلة ومقبولة وأخذ يفاوضها ويحاورها لايصالها الى الحكم أو لاشراكها فيه .

هذه هي أهم المعالم والاشارات الدالة على تقدم وتسارع مشروع نهضة الأمة وتقهقر وانحسار وفشل مشروع الكفار وأن مشروعهم هذا -بإذن الله- الى زوال واندحار ،وهذه المعالم والاشارات قد اربكت الكفار وشدهتهم وأصابتهم بالهلع فهم عبر أكثر من ثمانين عاماً يسهرون على تضليل الأمة وحرفها عن جادة دينها وسبب عزها ومجدها ويبذلوا الغالي والنفيس لأجل هذا الغرض بعد كل ذلك يتفاجئ هؤلاء بثلة قليلة العدد والعدة تستطيع بجهودها المحدودة ان تغير مسار الأمة وأن تجعل الكفة ترجح لصالح الأمة ومشروع نهضتها ، إن ما لا يدركه الكفار هي تلك القوة الروحية الكامنة في نفوس العاملين لنهضة الأمة ومعونة الله لهم ، لذا فهم بعد كل ما بذلوا اصيبوا بالخذلان وشعروا بدنو الهزيمة ، فهلاّ أحسستم بذلك أيها المسلمون وتفطنتم له كما تفطن له عدوكم ! والحال كذلك كيف يمكن لليأس أو الاحباط ان يتسللان لقلب مؤمن ! وأنى لمؤمن أن يرضى لنفسه أن يبقى متفرجاً في هذه المواجهة الخطيرة !

إن الكفار قد أجمعوا كيدهم صفاً لحربكم ولحرب دينكم وخلافتكم المنشودة رمز عزكم ونهضتكم وها هم يقاتلونكم في آخر الخنادق فالمعركة جد خطيرة والظرف حاسم فلا يؤتين من قبلكم وسارعوا قبل فوات الأوان للعمل مع من نصبوا نحورهم وأنفسهم لأجل نهضتكم وعزكم حتى تُسرّعوا عجلة التغيير وتحققوا مشروع النهضة فتفوزوا بالنصر والتمكين في الدنيا والمغفرة والفلاح في الآخرة .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

مفهوم الجهاد بين الواقع والشرع وعلاقته بإقامة الخلافة

بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم الجهاد بين الواقع والشرع وعلاقته بإقامة الخلافة

إن فرض الجهاد في سبيل الله يعد من فروض الاسلام العظيمة وهو صنو العمل لإستئناف الحياة الإسلامية ، وهذان الفرضان : العمل لإستئناف الحياة الاسلامية وفرض الجهاد هما أس الإسلام وسبب وجوده في أرض الواقع لأن الفرض الأول يجسد المبدأ في دولة وهي دولة الخلافة والفرض الثاني يعمل على حماية الدولة والمبدأ وحمله الى العالم ، وعلى مدى تاريخ الأمة ضعف الجهاد بضعف الخلافة وقوي واشتد ساعده وحقق هدفه وغايته بقوة الخلافة ورسوخ فهمها للإسلام ، فهما أي الفرضان فرض الخلافة والجهاد كانا متلازمين متكاملين ، ولأجل ذلك كان لهما هذه المكانة في الإسلام فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن وجوب تنصيب خليفة يحكم بكتاب الله وسنة رسوله وبيّن عظم هذا الفرض ببيان عظم الإثم المترتب على تركه بقوله (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) كما بين لنا أهمية الجهاد ومكانته في الإسلام عندما قال صلى الله عليه وسلم (الجهاد ذروة سنام الإسلام ).

لذا سنقف في هذه المقالة عند ست محطات نسعي من خلالها الى تذكير الأمة بفرض الجهاد وترسيخ مفهومه وبيان حقيقته الغائبة عن الأذهان والواقع ، وإزالة كل شائبة علقت به في وقتنا الراهن، كما نسعى الى بيان علاقة الجهاد بالعمل لإقامة الخلافة .

أولاً :مفهوم الجهاد وغايته وسببه في الإسلام
الجهاد شرعاً : هو بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك ، فالقتال لإعلاء كلمة الله هو الجهاد . والجهاد شرّع في الإسلام لكسر الحواجز المادية التي تقف حائلاً دون نشر دعوة الإسلام ، فقد جعل الإسلام طريقة نشره عبر الجهاد، وجعل الكفر وامتناع الناس قبول دعوة الإسلام هو سبب قتالهم بينما جعل قبولهم الجزية وخضوعهم لأحكام الإسلام سبباً لوقف القتال لا لبدئه ، فالمسلمون يجاهدون لنشر دعوة الإسلام لا لأجل قتال الكفار قال عليه السلام (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فهو في سبيل الله) لذا فأول ما يبدأون به القوم هو دعوتهم الى الإسلام فإن أجابوا كف المسلمون عنهم وإلا فالجزية وخضوعهم لأحكام الإسلام ليكون خضوعهم هذا هو دعوة عملية لهم ليدركوا عدل الإسلام وحكمته ، فإن أبوا فالقتال لا لإكراه القوم على اعتناق الإسلام بل لإزالة الدول والكيانات المهيمنة على الشعوب والتي تحول بين الناس ودعوتهم الى الإسلام ،وقد بين الرسول الكريم هذا النهج بقوله (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم....، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) ، وعلى ذلك كان الجهاد هو الطريقة العملية لنشر مبدأ الإسلام للبشرية ودعوتهم الى إعتناقه .
كما ان الجهاد شرّع للدفاع عن بلاد المسلمين التي تتعرض للغزو الخارجي ويتم الإعتداء فيها على المسلمين أو اعراضهم أو احتلال ديارهم ، فالجهاد هنا يكون للذود عن حياض المسلمين وصون دمائهم وأعراضهم وتحرير بلادهم .

ثانياً :أنواع الجهاد ، جهاد الطلب وجهاد الدفع
فالجهاد إذا كان لأجل نشر المبدأ ودعوة الناس لإعتناق الإسلام ولكي تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى كان الجهاد كما يسميه البعض جهاد الطلب وهو الأصل في فرض الجهاد والحالة الأصيلة له وهو فرض كفاية بمعنى أنه يجب على المسلمين أن يجاهدوا في سبيل الله لإعلاء كلمته في كل وقت وزمان فإن خلا وقت لا يكون للمسلمين فيه جيش يحارب الكفار ويحمل لهم الدعوة أثم المسلمون جميعاً ، أما إن قام به البعض سقط عن الباقين فإذا قام أهل مصر بالجهاد سقط الفرض عن أهل أندونيسيا إذ قد وجد فعلاً قتال من المسلمين للكفار فسقط الفرض .

أما جهاد الدفع فهو للدفاع عن بلاد المسلمين تتعرض للغزو والإعتداء الخارجي وحينئذ يجب على أهل القطر المعتدى عليه القتال وجوباً عينياً لرد هذا العدوان فإن استطاعوا رد هذا العدوان سقط الفرض عن بقية المسلمين وإن لم يستطيعوا رده وجب الجهاد على كل قطر من أقطار المسلمين الأقرب منهم فالأقرب حتى يتم رد العدوان وقهر العدو .

أما كون جهاد الطلب هو الأصل في فرض الجهاد والحالة الدائمة له ، فهو أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي فرضت الجهاد وحضت عليه كلها جاءت مطلقة دون تقييد وعامة دون تخصيص الأمر الذي يدل على الحالة الأصلية لفرض الجهاد وهي القتال لأجل نشر المبدأ فالله سبحانه يقول (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً) ويقول أيضاً (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ويقول جل من قائل (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (جاهدوا المشركين باموالكم وأيديكم وألسنتكم) وقال صلى الله عليه وسلم(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله) وقال (والجهاد ماض منذ بعثني الله الى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل) فهذه النصوص وغيرها الكثير تطلب من المسلمين الجهاد بصورة مطلقة دون أن تقييدهم بظرف من الظروف وتطلب منهم قتال كل كافر حتى يقول لا اله إلا الله سواء اكان معتدياً أم لا وتطلب منهم قتال من يليهم من الكفار سواء أكانوا معتدين ام لا ، وتطلب منهم ديمومة الجهاد واستمراره الى يوم القيامة سواء وجد إعتداء على بلاد المسلمين أم لا ، فهذه النصوص تدل على أن وجوب الجهاد غير معلق بشرط من الشروط او بظرف من الظروف كحالة الإعتداء الخارجي مثلاً مما يؤكد ما ذكرناه من ان الحالة الأصلية للجهاد هي مبادأة الكفار لحمل رسالة الإسلام لهم ودعوتهم دعوة عملية لإعتناق عقيدة الإسلام .

بينما كان جهاد الدفع معلقاً بوجود إعتداء خارجي من قبل عدو على بلاد المسلمين أو أعراضهم أو أرواحهم أو اموالهم وهذه حالة استثنائية وليست حالة دائمة لذا كان جهاد الدفع حالة استثنائية متفرعة عن حالة أصيلة .


ثالثاً :علاقة الأمة بالجهاد بعد هدم الخلافة
كانت الأمة الإسلامية عبر القرون الماضية -خلا بعض الفجوات الزمنية هنا وهناك- مصانة العرض مهابة الجانب لا يطمع فيها طامع ولا تمتد الى أراضيها أو أبنائها أو أعراضها يد لامس ، وما حادثة المعتصم إلا صورة مشرقة عما كانت تصنع الخلافة حال تعرض أحد رعاياها للظلم وانتهاك الحقوق فكيف بإحتلال الاراضي وقتل النساء والأطفال والشيوخ؟! لقد كانت الخلافة تغزو بلاد الكفار وقلما من حدثته نفسه من دول الكفر أن يعتدي عليها ، فكانت الخلافة تقوم بفرض الجهاد كما نزل الوحي بأصله وكما أسماه البعض بجهاد الطلب ، وامتداد رقعة بلاد المسلمين عبر القرون الماضية لتشمل معظم قارات العالم القديم خير شاهد على جهاد الخلافة وفتحها للبلدان ،
واليوم وبعد أن غابت شمس الخلافة قسمت بلاد المسلمين شذر مذر وقطعت ديارهم أشلاءاً متناثرة فطمع فيهم وفي بلادهم وفي خيراتهم الطامعون ، فاعتدى عليهم المعتدون ولا زالوا ، يقتلون أبناءهم صباح مساء وينتهكون أعراضهم وينهبون خيراتهم ويحتلون أرضهم فما عاد المسلمون يطلبون العدو في بلاده ولا عادوا يحملون الخير للبشرية بل أصبح العدو يغزوهم في عقر دارهم وأصبح يحمل لهم أفكاره العفنة بدل أن يحملوا هم رسالة الإسلام للعالم ،
وجراء الإحساس بهذا الواقع المرير الذي عاشته وتعيشه الأمة وجراء تكرار احتلال الكفار لبلاد المسلمين واستمراره ، في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وكشمير وأفطاني والشيشان وغيرها ، وجراء وجود الخير والرغبة في القيام بالأعمال الجهادية لدى أفراد المسلمين ذوداً منهم عن دينهم ودمائهم وأعراضهم وخيراتهم ،تولد لدى المسلمين حركات تتخذ من الأعمال الجهادية نهجاً لها وترى في الجهاد سبيلاً لخلاص الأمة وأصبحت تطرح هذا النهج معتمدة فيه على أدلة الجهاد كتلك التي أوردناها في بداية هذه المحاضرة وشاع الأمر لدى أبناء الامة وأصبحت هذه الأعمال الجهادية تلاقي رواجاً لدى أبناء الامة بصورة مطردة جراء ما يقترفه الكفار من أعمال إجرامية بحق المسلمين مصحوباً بعدم تحرك جيوش المسلمين دفاعاً عن كرامة أمتهم، مما زاد من مخزون الحقد على هؤلاء الكافرين وجعل كل فرد من أفراد المسلمين يتطلع بحرقة الى يوم يشفي فيه غليله وينتقم فيه لأعراض ودماء وحرمات المسلمين ، وزاد من حدة الأمر احداث الحادي عشر من سبتمبر والتي زادت من شعبية العمل الجهادي وجعلت بعض أفراد المسلمين يتعلقون بهذه الاعمال ويرون فيها الخلاص مما تعانيه الأمة بل وجعلت من المسلمين عبر أقطار المعمورة مشاريع شهادة ، وفي ذلك خير ، بَيد أن مفهوم الجهاد أصابه صدع جراء هذه الظروف والأحوال وتمحور حول صورة واحدة من الصور الفرعية لجهاد الدفع ولم تعد الأمة تلقي بالاً للمعني الحقيقي للجهاد بشقيه الطلب والدفع بل لم تعد تتصوره في أرض الواقع بل لم يعد يخطر لها على بال ، فعلاقة الأمة بالجهاد بعد هدم الخلافة لم تتعد أعمال المقاومة والأعمال الجهادية الفردية وغاب عنها فرض الجهاد بحلته الأصلية ، جهاد الطلب والدفع الحقيقي المتمثل في تحرك الجيوش لتحرير البلدان المحتلة والمغتصبة والمعتدى عليها .

رابعاً :المقاومة صورة من صور جهاد الدفع الفرعية
إن واقع الأعمال المسلحة التي تقوم بها الحركات الجهادية هي في غالب الأحيان أعمال جهادية فردية وهي بلا شك أعمال مشروعة بل ممدوحة شرعاً غير أن هذه الأعمال ليست هي الصورة الأمثل لجهاد الدفع بل هي صورة متواضعة من صوره إذ أن جهاد الدفع بصورته الحقيقية يقتضي تحرك جيش البلد المحتل أو جيش جيرانه الأقرب منهم فالأقرب حتى يتم رد العدوان وقهر العدو فغاية جهاد الدفع رد الاعتداء وقهر العدو وليس مجرد إلحاق الأذى به وإن كان ذلك جزءاً منه ، وغالب أعمال المقاومة التي تشهدها بلاد المسلمين المحتلة ليس من شأنها رد العدوان أو قهر العدو وهذا أمر طبيعي إذ إنها لا تَخرج عادة عن صورة الأعمال الفردية في قالب عمل جماعي وطبيعة الحال أن الأعمال الفردية ليس من شأنها أن تؤثر تأثيراً جوهرياً على تصرفات وسياسات الدولة المعتدية ، فصورة جهاد الدفع الحقيقية أن يتم تجريد الجيوش للدفاع عن أرض الإسلام وعن حرمات المسلمين ، ونظرة خاطفة الى تاريخ الأمة نرى كيف تعاملت الأمة بقادتها وجيوشها مع بلاد المسلمين المحتلة فإحتلال بيت المقدس دفع القائد المظفر صلاح الدين الى تحريك الجيوش الجرارة للقضاء على الصليبين ولأجل ذلك عمل على توحيد مصر والشام وجمع شملهما عقب حالة التفتت التي عاشتها الأمة آنذاك فكان تحرير بيت المقدس على يديه ، والمسلمون وقتئذ لم يعتمدوا ويتكلوا على تحرك فرادى المسلمين الواقعين تحت الإحتلال الصليبي لتحرير بيت المقدس ، وهكذا تعامل المسلمون مع التتار حال غزوهم لبغداد وهكذا يجب أن تتعامل الأمة مع بلاد المسلمين المحتلة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان وكشمير وغيرها .
لذا فمحاولة قصر مفهوم الجهاد على صورة فرعية أو فردية من صور جهاد الدفع وهي أعمال المقاومة هي محاولة لتضليل الأمة عن واقع الجهاد، الطلب والدفع الحقيقي، ألا هو تحرك الجيوش تحت إمرة أمير يقودهم لتحرير البلاد المحتلة ولرد كل إعتداء يصيب الأمة ولنشر الإسلام للأمم والشعوب الأخرى ، فمحاولة إغفال هذا الفرض بهيئته الأصلية والأصيلة هي محاول تنطوي على سعي لترسيخ واقع المهانة والذلة التي تحياه الأمة ولصرفها عن العمل الحقيقي الذي من شأنه أن يرد إعتداء المعتدين .
إن الأعمال الجهادية الفردية ليس من شأنها أن تقهر العدو وتنكل به التنكيل الذي يثنيه عن غايته لذا كان من واجب الأمة والحركات الاسلامية العاملة فيها أن لا تكتفي بالقيام بالأعمال الجهادية الفردية-أعمال المقاومة- وتأييدها والتحمس لها أو دعمها ببعض الأموال هنا وهناك بل يجب على هؤلاء جميعاً أن يعملوا لتحريك الجيوش الرابضة في ثكناتها عبر تكوين جبهة ضغط متواصل على أبنائهم المنتسبين للجيوش فيحركوهم نصرة لقضايا الأمة ودفاعاً عن حرماتها وبلادها المحتلة .ولأجل تعزيز هذا المطلب يجب على الحركات الجهادية أن تقلع عن طلب المساعدات المالية أو السياسية من الدول القائمة في العالم العربي والإسلامي بل يجب عليها أن تحمل هذه الأنظمة وجيوشها مسؤولية تحرير بلاد المسلمين المحتلة وان تطالب الجيوش بمؤازة جهادهم لا أن تطمأن هؤلاء بأن المسلمين بخير ولا ينقصهم سوى بعض الفتات من الأموال المشبوهة أو دعم سياسي من الأنظمة الذليلة التابعة للكافر المستعمر مع أن الواقع خلاف ذلك فبلاد المسلمين المحتلة تحتاج للتحرير وليس لمجرد دعم مالي مشبوه أو سياسي تابع. إن الواجب على هذه الحركات أن ترفض هذه المساعدات لما تنطوي عليه من شراء للذمم ورهن للقرار بيد حفنة متآمرة على الأمة وقضاياها حتى لا تكون هذه الحركات جزءاً من المشهد السياسي الذي يرسمه الكافر المستعمر للبلاد المحتلة عبر أدواته من الحكام والدول التابعة له .


خامساً :ضرورة ارتباط فكرة التحرير بتحكيم الإسلام
إن جهاد الدفع -كان عبر تاريخ الأمة- عن البلاد المحتلة لأجل تحريرها وردها من جديد الى ديار المسلمين التي تخضع لسلطان المسلمين وتحكم بنظام الإسلام ، وبمعنى آخر لأجل إعادتها الى حظيرة دار الإسلام لتحكم بالإسلام ويكون أمانها بأمان المسلمين ، فتحرير الأرض فحسب لم يكن منتهى غاية المسلمين بل إعادة لحمتها الى دار الإسلام لتستظل بظل حكمه وسلطانه ، واليوم واجب المسلمين أن يعوا أن جهاد دفعهم ليس لمجرد التحرير فحسب بل لا يصح أن يكون التحرير دون أن يرتبط بتحكيم نظام الإسلام غاية المجاهدين ، فالمسلم لا يقاتل ولا يبذل الغالي والنفيس ليحرر بقعة من بلاد المسلمين ويهب فيها الحكم والسلطان والسيادة لجهات تحكم بغير ما أنزل الله . لذا كان على المجاهدين أن يكون أعمالهم الجهادية مرتبطة بمشروع أكبر وهو مشروع إستئناف الحياة الإسلامية عبر إقامة الخلافة الراشدة الثانية .

سادساً : علاقة الجهاد بطريقة إقامة الخلافة
إن الجهاد بأنواعه المختلفة ليس طريقاً لإستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية فهو كما ذكرنا آنفا شرع لغرضين إثنين أولهما حمل الدعوة للأمم والشعوب الأخرى وثانيهما رد العدوان الحاصل على المسلمين ، بينما إقامة الدولة الإسلامية تقتضي السير في الطريق السياسي عبر الصراع الفكري والكفاح السياسي اقتداءاً وتأسيا بخطى المصطفى صلى الله عليه وسلم حال إقامته لدولة الإسلام الأولى وعليه فأي خلط بين الجهاد والعمل لإقامة الخلافة هو خلط في غير محله وهو عدم إدراك لواقع كلا الفرضين ولطريقة القيام بكل واحد منهما .
إن ما أشكل فهمه على البعض من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتال الحاكم المصرّ الذي يظهر الكفر البواح لا يصلح دليلاً على أن الجهاد يعتبر طريقاً لاقامة الخلافة إذ ان قتال الحاكم الذي يظهر الكفر البواح لا يعد جهاداً في عرف الفقهاء إذ هو قتال لاستعادة الحكم في ظل دار اسلام حكمت بأحكام الكفر فترة مؤقتة فوجب على المسلمين قتال الحاكم الذي أظهر الكفر البواح وحكم به ليزيل المسلمون هذا الظرف الطارئ ويعيدوا الحكم الى نصابه ، ولا يكون ذلك الا في ظل وجود دار الاسلام وتطبيق الحاكم لأحكام الكفر البواح فيها لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن هذه الحالة (أفلا ننابذهم يا رسول الله ، قال لا ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ).

إن العمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية هو الذي يؤصل لإعادة فرض الجهاد بحلته الحقيقية المثالية التي ترضي رب العالمين عبر تجييش الجيوش لتحرير البلدان وفتح الأمصار تحت راية العقاب وتحت إمرة أمير المؤمنين أمامهم الذين يقاتلون من ورائه ويتقون به .

إن على الأمة الإسلامية أن تعي على مبدئها بفكرته وطريقته وتعي على قضاياها المصيرية فتدرك خلاصها فتسير وفق هذا الوعي والإدراك حتى تستطيع إيجاد مبدئها في أرض الواقع وتخلص نفسها والبشرية جميعا من الضنك الذي تحياه .

نسأله سبحانه أن يعجل لنا بقيام الخلافة الراشدة الثانية فتقيم فينا شرع الله وتحرر البلاد والعباد من هيمنة الكفار العسكرية والفكرية وتحمل رسالة الإسلام رسالة خير وهدى الى الأمم والشعوب الأخرى .