الخلافة حقيقة وليست خيالاً يداعب الأحلام

مع اقتراب عودة الخلافة الثانية راشدة على منهاج النبوة من جديد، ومع ازدياد عدد المطالبين بعودتها من المسلمين بل إنني لا أبالغ إن قلت إن الأمة باتت تجمع على التعلق بدعوة الخلافة وتتطلع لعودتها برغم ما أصابها ويصيبها من فرقة وضعف، وفي ظل هذه الأجواء التي تبشر بعودة الأمة للمكانة المرموقة التي تستحقها وللمهمة الإلهية التي أوكلت لها بإنقاذها للعالم وبذلها للأرواح والأموال رخيصة في سبيل نشر العدل والهدى، ينشط بعض المغرضين ممن باعوا أنفسهم للقوى الغربية الاستعمارية أو ممن رأوا في الهيمنة الغربية قدراً مبرماً بحق الأمة لا سبيل لنجاتها منه، في التشكيك في إمكانية عودة الخلافة زاعمين أنها فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق وأنها غير واقعية .


وبالرغم من أن هذه الدعاوى هي دعاوى قديمة قد لصقت بدعوة الخلافة منذ نشأتها إلا أنني وددت الوقوف على هذا الدعاوى وبيان زيفها لا سيما وأننا نعيش إرهاصات عودة الخلافة، إرهاصات لا تدع مجالاً لأي مفكر أو مراقب عربياً كان أم أعجمياً إلا أن يرى بأن الخلافة باتت قاب قوسين أو أدنى وأنها دنت وتدلت ولم يبق على بزوغ شمسها سوى لحظات كالحة من بقايا الليل البهيم .



وإذا أردنا الحديث عن واقعية فكرة الخلافة وكونها أصبحت حقيقة واقعة، لا بد لنا أن نستذكر أن الأمة الإسلامية لا بد لها أن تستوحي فكرها وتوجهاتها من عقيدتها وما ينبثق عنها من فكر، وسواء أدركت الأمة مدى انطباق هذا الفكر على الواقع أم لم تدركه يجب عليها أن تبقى ضمن دائرة التسليم والتطبيق، لأن الأمة ربما يتفاوت إدراكها للأحكام والوقائع بين فترة وأخرى، تبعاً لقوتها الفكرية وضعفها، وتاريخ المسلمين الذي تراوح بين مستويات متعددة من الأفهام للأحكام والوقائع يؤكد على ضرورة بقاء الأمة ضمن الفكر المنبثق عن عقيدتها برغم كل ما يمكن أن يثار حول هذا الفكر والسلوك من تشكيكات وظنون حول جدوى هذا الفكر وإمكانية تحققه مع ملاحظة ديمومة الارتباط والانبثاق بين هذا الفكر وعقيدة الأمة، بينما يجب على الأمة ترك كل فكر لا ينبثق أو يبنى على عقيدتها وإن تراءى لها واقعيته وإمكانية تطبيقه أو سهولته .



إلا أن ذلك لا يعني البتة أن فكرة الخلافة اليوم تستعصي على الأفهام وتحكم العقول بعدم واقعيتها بل إن الظروف والملابسات التي تكتنف العمل لها لا تدع مجالاً للمرء مسلماً كان أم كافراً سوى أن يدرك واقعية الخلافة بل ودنو عودتها بصورة قطعية،



فواقع الأمة بما فيه من ميزات لا تحظى بها كثير من الأمم يدل دلالة لا لبس فيها على أن كل مقومات الدولة المبدئية الواحدة متوفرة ،
فالأمة تمتلك مبدأ واحداً يربطها ربطاً عقائدياً غير قابل للانكسار أو التهتك مما يجعل المسلمين في كافة أقطار المعمورة يشعر بعضهم ببعض ويعيش بعضهم قضايا البعض بصورة طبيعية كالجسد الواحد،



كما أن بلاد المسلمين تتواصل جغرافيا بصورة كاملة مما يجعل وحدتها أمر يسير لا عوائق فعلية أمامها،
ووحدة الأمة في كيان كان حقيقة واقعة لوقت قريب ولمدة زمنية لم يسبق أن اجتازتها أمة من قبل، مما يجعل عودتها لها عودة لسالف عهدها ولواقع كانت تمارسه طوال قرون .


أما آراء وتشكيكات البعض بواقعية مشروع الخلافة وإمكانية تحققه من جديد، فهي آراء قد نبعت من جراء التبعية السياسية للقوى الغربية التي تسعى لدوام سيطرتها على الأمة الإسلامية وتحكمها بها ونهبها لخيراتها واستعبادها لشعوبها أو من جراء العيش في سراديب مظلمة لا يُرى فيها نور أو بصيص أمل،



واعتمدت هذه الآراء على حجج واهية أو مغلوطة ظنها البعض تطعن في واقعية فكرة ومشروع الخلافة، منها التنوع السكاني والمساحات الجغرافية المترامية الأطراف، ومنها التشكيك في قدرة نظام الخلافة على مواكبة المتغيرات العصرية ومنها اختلاف صورة الدولة اليوم عما كانت عليه قبل قرون، ومنها عدم تفاعل الأمة مع طرح الخلافة وعدم إمكانية تطبيق الأحكام الشرعية في عصرنا الراهن، وغير ذلك الكثير من الأقوال المتهافتة والمغلوطة والتي لا تقوى أمام الحشد الهائل من الدلائل القاطعة بواقعية فكرة الخلافة بل وبدنو عودتها من جديد .



والمدقق في كل الأقوال التي ذُكرت يجد أن لها مشكاة واحدة وإن اختلفت في الصورة والمظهر والعبارات، فكل تلك الآراء المشككة لا تعالج مشروع الخلافة وإمكانية عودتها أو واقعيتها بمقاييس عقلية نزيهة أو موضوعية، إذ إنها تنطلق من تكريس الواقع الحالي أو زرع اليأس من إمكانية تغيير هذا الواقع الذي نعيش، وتنطلق هذه الآراء من التشكيك في إمكانية وصلاحية تطبيق الإسلام في الحياة من جديد بل وصلاحية الأحكام الشرعية المنبثقة عن العقيدة الإسلامية لكل زمان ومكان، ولا يخفى على مسلم أن هذا الطرح يخرج المرء عن اعتقاده بصلاحية الإسلام وبالتالي يخرجه من زمرة الأمة الإسلامية ويجعله عامل هدم لها ولكيانها، كما لا يخفى مناقضة هذا الطرح لواقع تطبيق الإسلام طوال العصور الماضية على اختلافها وصياغته لها على نسق فريد، وتنطلق هذه الآراء من أن نظام الخلافة لم يكن سوى نظام خاص بمرحلة زمنية معينة وبالتالي فنحن غير مطالبين بتطبيقه في زماننا الراهن مما يجعل حامل هذا الرأي يفتش عن كل المبررات التي يراها تقف سداً في وجه هذا المشروع، وتنطلق هذه الآراء أيضاً من أن نظام الخلافة كان نتيجة توافقية بين القوى السياسية الفاعلة في عهد الصحابة وتوارثته الأمة ولم يكن نظاماً منصوصاً عليه ضمن الشريعة الإسلامية ولا يخفى على مسلم أن هذا الطرح يتجاهل النصوص الصريحة التي جاءت تدل على فرضية الخلافة والبيعة لإمام دار العدل وتتجاهل أن إقامة الرسول عليه السلام للدولة الإسلامية الأولى كان وحياً من الله له وتشريعاً وجب على الأمة أن تقتفي فيه أثر الرسول صلى الله عليه وسلم .



إن القول بقدرية الواقع الذي تعيشه الأمة وعدم إمكانية أو واقعية لمّ شملها وإعادتها دولة كبرى هو قول ينافي الشرع والواقع وسنة التغيير.
إن دلائل عودة الخلافة كثيرة وهي ذاتها دلائل واقعية هذا الطرح ،



فالفكرة حتى تعتبر خيالية غير واقعية تكون من نسج الأوهام والتخيلات والفرضيات، بينما فكرة الخلافة تمتلك مشروعاً متكاملاً وتأصيلاً شرعياً مستمداً من مبدأ الإسلام، تمتلك فكرة الخلافة طريقة للوصول إليها والأنظمة التي ستطبقها بأدق التفاصيل، وطريقة الوصول إليها هي نفسها الطريقة الوحيدة العملية التي بها تغير الأمم وبها تبنى الدول المبدئية، كما أن أنظمتها سبق أن طبقت تطبيقاً عملياً جلب الخير والطمأنينة للبشرية جميعاً، وهذا كله يجعل فكرة الخلافة فكرة عملية وواقعية .



كما أن الحديث عن خيالية فكرة الخلافة يتلاشى عند الوقوف على مدى ما وصلت إليه الأمة في سيرها في هذا المشروع، فكل متدبر لحال الأمة ولما أصابها من تغيرات في فكرها وسلوكها يدرك أن عودة الخلافة باتت أقرب من أي وقت مضى، ولعل هذا الإدراك الذي ربما يخفى على البعض هو ما دفع العديد من قادة الغرب والسياسيين والمفكرين من التنبؤ والتخوف من عودة الخلافة في غضون عقد أو يزيد .
إن الأمة الإسلامية باعتقادها بعقيدة الإسلام لا تملك من ناحية عقلية سوى أن تطبق النظام الذي انبثق عن هذه العقيدة وإلا بقيت متردّية متخلفة، وهي بامتثالها لأحكام ربها لا تملك سوى إقامة الخلافة وتطبيق الإسلام باعتبار ذلك حكماً شرعياً ثابتاً، فالخلافة لدى الأمة تخرج عن وصف الواقعية والحقيقة إلى الوجوب واللزوم،



إن الخلافة قائمة لا محالة، بها وعدنا الله، وبها بشرنا الرسول الأكرم عليه السلام، ولها يسعى الساعون المخلصون لإقامتها وبالأمة ومعها ستقوم قريباً بإذن الله، وستسود العالم وسيعمه الخير، فالخلافة هي أمر الله وقدره، وأنىّ لبشر أن يجابه القدر ؟!

خطاب نتنياهو وصلف واستكبار يهود

تحت وقع التصفيق ومحاكاةً للرئيس الأمريكي من قبله، صعد رئيس وزراء يهود منبر الخطابة متعجرفاً، مستلهماً جذور أجداده التاريخية زاعماً أن لهم حقاً في فلسطين، مانّاً على أهل فلسطين بالسماح لهم بسكنى أراضي ما أسماها بيهودا والسامرة، فما الذي دفع هذا ليستخف بأمة تربو على المليار ؟! وما الذي جرّأه حتى يرعد ويزبد ويتوعد ؟ وهل اليهود بحق يمتلكون من القوة ما يدعوهم إلى الغرور والعنجهية ؟ أم أنهم يستقوون بغيرهم ويأمنون عدوهم ؟ وهل اليهود بحق يريدون السير في أي مشروع "سلمي" مهما كانت تفصيلاته ومهما كان يحوي من تحقيقٍ لمصالحهم ؟ أم أنهم كطبعهم يخادعون ويماطلون ؟


لا يختلف اثنان على إن خطاب نتنياهو اتصف بالصلف والعنجهية والاستكبار، كما لا يختلف اثنان على أن نتنياهو قد ضرب بخطاب أوباما بخصوص قضية فلسطين وتصريحات كلينتون عرض الحائط على خلاف ما زعمه أوباما نفسه عندما صرح قائلاً بأن خطاب نتنياهو كان "خطوة مهمة إلى الأمام" وكذلك فعل الإتحاد الأوروبي، فما الذي دفع يهود للعلو والاستكبار ؟ وإلى متى سيبقى هؤلاء يتشدقون بقوتهم وجبروتهم، ودولتهم أوهى من بيت العنكبوت ؟! وهل اليهود بحق قادرون على أن يقفوا في وجه المخططات الغربية أم أنهم مكوّن أساسي لها ؟!

لقد شخّص لنا الحق سبحانه واقع يهود وواقع قوتهم وأسبابها بقوله (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ)، وهذه الحقيقة هي ما نطق بها تاريخ اليهود، فمرة قد علا شأنهم وارتفع زمن الأنبياء من قبل ومن ثم ارتدوا على أعقابهم ناكصين نتيجة كفرهم وتكبرهم وقتلهم للأنبياء والمرسلين، ومرة أخرى ما نشهده في العصر الراهن من العلو والاستكبار نتيجة دعم القوى الغربية لهم وإقامتهم لكيان يهود هذا، ومخطئ من ظن أن يهود قد بنوا كيانهم نتيجة تضحيات الشعب اليهودي وتفانيه في بناء دولته ،

إن اليهود بحق ليسوا أهل حرب بل إنهم لم يخوضوا حرباً حقيقية واحدة على مدى عصورهم وكل ما يشاع عن حروب عام 48 و67 لم يكن سوى مسرحيات قد لعبوا فيها دور البطولة دون أن يتقنوه، وما أحداث تموز وغزة الأخيرة سوى عينة صغيرة وصورة متواضعة للمشهد اليهودي الحقيقي الذي يتستر خلف حصون وهالة كذابة، ولكم في التاريخ عبرة ومثال على سلوك هؤلاء فقد كانوا قد توعدوا النبي عليه السلام عقب غزوة بدر بقولهم علوا واستكبارا "يا محمد لا يغرنك أنك قاتلت نفراً من قريش، كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، انك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا " ولكنهم سرعان ما هربوا خائفين جبناء عندما شاهدوا زحف المسلمين نحو خيبر قائلين "محمد وافق، محمد والخميس"، كما أنهم ليسوا شعباً مكافحاً في سبيل قضية كما يزعمون، وإنما كانوا ولا زالوا مجرد أداةٍ بيد القوى الغربية الاستعمارية التي أرادت زرع كيان يهود منذ عهد نابليون حتى نجحت بإقامته عام 1948، ليكون هذا الكيان خنجراً مسموماً في قلب الأمة الإسلامية، وليحول بينها وبين التوحد من جديد وليكون قاعدة عسكرية متقدمة للدفاع عن الغرب وليكون شماعة وألهّية لينشغل بها المسلمون عن عدوهم الحقيقي المتمثل بأمريكا والإتحاد الأوروبي، وهذه النظرة توارثها الغرب عن أسلافه قادة الحروب الصليبية في نظرتهم لسواحل بلاد الشام وسعيهم الدؤوب للسيطرة عليه. لذا تجد أمريكا وأوروبا تمد يهود بحبل الحياة وبحبل القوة والتجبر مما يدفعهم إلى الاستعلاء والاستكبار والعربدة على المنطقة بأسرها لا سيما مع وجود حكام اتخذوا من الاستخذاء وحماية كيان يهود مهمة لهم فظن يهود أنهم من القوة والصولة والجبروت بمكان وما هم في الحقيقة سوى مجرد دولة من ورق ونمر من نسج الأوهام (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ).

إن كيان يهود ليس سوى مجرد أداة يستخدمها أعداء الأمة الحقيقيون من أمريكان وأوروبيين فلا بد للأمة أن تدرك أن هؤلاء هم أعداؤها وهم من أقام هذا الكيان المسخ وهم من يمده بأسباب الحياة والقوة، فالمعركة بين الأمة والقوى الغربية الاستعمارية وإن كان كيان يهود هو حلبة الصراع وساحة المعركة، لا بد للأمة أن تدرك هذه الحقيقة وتداوم على تذكرها لئلا تركن إلى أعدائها فتزل أقدامها، وتنخدع بمن تزين لها وبدا بثياب الواعظين،

فإذا ما أدركت الأمة صعيد المعركة لن تنخدع بخطاب أوباما ووعوده ولن تعبأ وترحب بابن المؤسسة الأمريكية وصانع القرار فيها كارتر، بل ستبقى تنظر إلى هؤلاء نظرة عداء كما تنظر إلى نتنياهو وباراك وليفني بل أشد.

إن على المسلمين أن يوقنوا أن حبل أمريكا ليهود مقطوع لا محال وسيسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، وإن تخاذل حكام المسلمين وسهرهم على حماية كيان يهود هو من دفعهم للتجبر على المسلمين واحتلال بلادهم ومقدساتهم، لذا فقد دقت الساعة مرة أخرى لتذكر المسلمين أن عليهم العمل والسعي الدؤوب لإزالة عروش الطغاة وإقامة الخلافة الراشدة الثانية حتى يحقق الله بهم وعلى أيديهم تحرير بيت المقدس وإعلاء كلمة الله (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).

حمى الدولتين !!

بسم الله الرحمن الرحيم

حمى الدولتين !!

هل يمكن للإدارة الأمريكية الحالية أن تحل قضية فلسطين بين عشية وضحاها ؟ أو حتى عام 2012م كما يقولون ؟ وماذا يمكن أن تقدم أمريكا لأهل المنطقة من حلول ؟ وهل مشروع حل الدولتين بلسم شافي لجروح المنطقة غير المضمدة أم أنه سم زعاف ؟ هل يمكن لأمريكا أن تضرب بمصالح يهود التي تربطها بهم "علاقة غير قابلة للانكسار" عرض الحائط؟ وهل تقبل أمريكا أن يراق دم يهودي واحد أو يهجر من بيته لأجل عيون الفلسطينيين "المساكين" ؟ هل يمكن لأي مشروع حلٍ أن يحقق ما يسمى بـ"السلام"؟ وهل تستطيع الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا سلخ شعوب المنطقة عن معتقدات كل منها عن الطرف الآخر وعن أرض فلسطين ؟


أسئلةٌ وغيرها الكثير تقفز إلى الذهن عند مشاهدة ارتفاع حدة الطرح الأمريكي لحل قضية فلسطين والذي وصل إلى درجة الحمى وملأ وسائل الإعلام ضجيجاً وصخباً هائلاً، فعقب خطاب أوباما في قاهرة المعز، وتأكيده على أن إدارته عازمة على حل قضية فلسطين وفق رؤيا الدولتين، تصاعدت وتيرة ردود الفعل وزاد الحراك السياسي في المنطقة، وانبرى البعض مروجاً لمشاريع أمريكا-التي لا زالت تلغ في دماء المسلمين- كأنها البلسم الشافي لهذه القضية، وأن عزمها هذه المرة ليس كسابقاته، كما من المتوقع أن يتلو هذا الخطاب خطابات "مرتقبة" من الأطراف المعنية بالصراع الدائر في المنطقة، خطابات تعزف على وتر المصالحة والرضا بالطرح الأمريكي بصورة علنية أو خفية، جدية أو مماطِلة؟.


فما هو مشروع أمريكا للمنطقة ؟ وما هي فرص نجاحه ؟ وأين تقف الأمة الإسلامية وأهل فلسطين وشعوب المنطقة من هذا الطرح؟


إن طرح أمريكا والمعروف بمشروع الدولتين هو مشروع أمريكي خالص وليس مشروعاً "وطنياً" أو "تحررياً" كما يزعم البعض ويدّعي، ولقد بات ذلك واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، فلم يعد خافياً أن هذا المشروع هو جزء من المخطط الأمريكي للمنطقة بوجه خاص وللعالم الإسلامي بشكل عام، ولم يعد خافياً كذلك أن أمريكا تُقدّم هذا الحل من منطلقاتها السياسية وأنها لا ترتكز في طرحه على المسوغات الدعائية والإعلامية المعلنة كـ "تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني" أو "تحقيق حلمه بإقامة دولته" أو "إنهاء معاناته" أو غير ذلك مما يحاول البعض إلباسه للمشروع الأمريكي لغرض الترويج والدعاية، كما لم يعد خافياً أن تحرك أمريكا اليوم لحل هذه القضية يقف وراءه محاولة ترميم وجه أمريكا القبيح الذي علاه سمات القتل والإجرام واللاإنسانية وصرف النظر عن مخططاتها الاستعمارية وما تخلفه من مجازر بحق المسلمين في كل من العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، كما لم يعد خافياً كذلك أن هذا الطرح يكفل لليهود –وفق النظرة الأمريكية-العيش بأمان في منطقة العالم الإسلامي ويُمَكِنَهم بصورة "مشروعة" وبإقرار أهل البلاد من أكثر من 93% من فلسطين، ويفتح العالم الإسلامي على مصراعيه أمام النفوذ والسيطرة اليهودية، بينما يُبقي هذا الطرح لأهل فلسطين على استحياء وبلا سيادة على أرض أو ماء أو هواء بعض البعض منها.



إن أمريكا تظن واهمة أن بمقدورها حسم الصراع في فلسطين، وتنسى أن فلسطين ترتبط بعقيدة أهلها لا بمصالحهم لذا فهي غير قابلة للتفاوض أو التنازل وإن زعم البعض تمثيلها ففرّط وضيّع، وتنسى أمريكا كذلك أن أهل فلسطين هم من المسلمين وأن بيت المقدس يرتبط بعقيدتهم برباط الإسراء والمعراج وأن كل شبر من فلسطين قد روي بدماء الصحابة والفاتحين والمحررين من قبل، وأن أهل فلسطين والمسلمين عموماً لن يقبلوا سوى تحريرها ولو بعد حين، وهي تظن واهمة أن بمقدورها نزع تلك العقيدة من صدور المسلمين، متناسية أن الأمة الإسلامية طوال عصورها وحتى في فترات الضعف والهزيمة لم تتخل عن عقيدتها وأن المسلمين فضلوا أن يبادوا ويقتلوا على التخلي عن بعض إيمانهم، فهل يمكن لأمريكا أن تغير عقائد هكذا قوم ؟! وهل يمكن لأمريكا أن تنزع الإيمان من قلوب امتلأت به ؟!
إن شدة الحراك السياسي في المنطقة لا يعني أن أمريكا قادرة على حل قضية فلسطين، وإن عزم هذه الإدارة على الحل لا يعني انه سيقدم أو يؤخر شيئاً في هذه القضية التي لا زالت منذ ستين عاماً أو يزيد تراوح مكانها بين شدّ وجذب، فإذا ما أدركنا حقيقة الصراع القائم بين المسلمين ويهود، وإذا ما أدركنا ارتباط هذه الأرض بعقيدة المسلمين مع ادعاء يهود الباطل أن الله أعطاهم أرض فلسطين، يمكننا الحكم بأن هذه الأرض لن تقبل القسمة على اثنين وأن الصراع سيبقى قائماً إلى أن يُحسم لصالح احد الطرفين .



إن تحركات أمريكا لا يعني قدرتها على التأثير، وإن حملة العلاقات العامة التي بدأتها الإدارة الأمريكية مع العالم الإسلامي مستغلة ورقة القضية الفلسطينية لا يعني أن هذه القضية قد قفزت إلى سلم أوليات هذه الإدارة فلا زالت الأزمة الاقتصادية وأفغانستان والعراق في رأس الهرم لديها .



إن أمريكا عجزت عن حل هذه القضية في ريعان شبابها وذروة قوتها فهل تستطيع حلها من بعد ما أصابها داء الأمم ومن بعد ما انتكست في كافة القضايا السياسية ؟!



إن قضية فلسطين ستبقى في شدّ وجذب كخض الماء في القربة لا ينتج شيأ، ولن تحل هذه القضية إلا بأن يقوم للمسلمين كيان يأخذ على عاتقه تحرير هذه الأرض وحسم الصراع فيها وإنهاء كيان يهود السرطاني وإعادتها درة في جبين الأمة .



إن تحرير فلسطين كاملة من أيدي اليهود الغاصبين هو الحل الذي لا حل سواه لهذه القضية وهو الحل الواقعي الوحيد ولا يُنقص من واقعيته أو إمكانية تحققه دعاوى بعض المثبطين أو اليائسين من أمتهم، أو سير المضبوعين والتابعين في مخططات المستعمرين، وإن الأمة الإسلامية باتت أقرب من أي وقت مضى-برغم كل العوائق التي توضع في طريقها وبرغم كيد ومكر الكافرين- إلى تحقيق بغيتها بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي ستحرر فلسطين كاملة وكل شبر محتل من أرض المسلمين، وإن غداً لناظره قريب .
(وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا)

الحقيقة هي ما لم يقلها أوباما

الحقيقة هي ما لم يقلها أوباما

لم تجر العادة أن يقوم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه رسالة للأمة الإسلامية من عقر دارها، ولم يكن مقبولاً في تاريخ الأمم أن يقوم فيها كبير أعدائها ومن يحتل ديارها ومن يقتل أبناءها وينهب خيراتها مقام الواعظين فيها، أو مقام المعلمين فيهم فيعلمهم دينهم ويخبرهم عن الإسلام الصحيح والمزيف وكأني به يريد أن يجسد عبارة "هذا أوباما جاءكم يعلمكم دينكم" .

ففي قاهرة المعز وفي دلالة معنوية لا تخفى على لبيب، صعد أوباما منبراً أمريكيا مدبوغاً بشعار الرئاسة الأمريكية ليس في واشنطن بل في كنانة الله في أرضه، وفي قلب بلاد المسلمين .

وبالرغم من عباراته المنمقة والمختارة بعناية فائقة وبرغم مديحه للإسلام وحضارته الذي لم يجاوز لسانه، وبرغم تأكيده على أنه يريد أن يتحدث بصراحة وصدق، إلا أن أوباما قد ذكر كل شيء سوى الحقيقة وقد عمد بشكل واضح غير خفي إلى التضليل والمغالطة والكذب في بعض الأحيان.

فأوباما صرح بأن أمريكا قد دُفعت بفعل أحداث 11-9 لحرب أفغانستان ولم تختار هي الحرب بنفسها، متناسياً أن تلك الحرب لازالت قائمة وأن أهداف أمريكا في أفغانستان باتت واضحة لكل مراقب من تأمين خطوط الغاز العابرة من أفغانستان وإقامة قواعد عسكرية لضرب أي تحرك جدي مخلص للمسلمين ومن حملات تبشيرية لحرف المسلمين عن دينهم ولعل أوباما لم يطلع على الأنباء التي سربت من داخل الجيش الأمريكي والتي كشفت عن الأعمال التبشيرية التي يمارسها الجنود الأمريكيون في أفغانستان.

وأما العراق فلم يذكر أوباما كيف زورت كلٌ من أمريكا وبريطانيا الحقائق في شأن امتلاك العراق لسلاح نووي وكيف اعتمدت على الكذب في حربها وان همّها لم يكن تخليص الشعب العراقي كما زعم من طاغية حكمها وتجبر بها فبلاد المسلمين اليوم تزخر بالطغاة الذين تمدهم أمريكا بأسباب الحياة والقوة ولكنه تجاهل عمداً بأن نفط العراق ومكانته الإستراتيجية ومخططات أمريكا للمنطقة بأسرها هو من دفعها لاحتلاله وتدميره فوق رؤوس ساكنيه.

ولم يذكر أوباما أن اليهود الذي تغني بمتانة علاقة أمريكا بهم واعتبرها غير قابلة للانكسار قد أقاموا كيانهم بل أقامته لهم كل من أمريكا وأوروبا على أراض تم اغتصابها وتشريد أهلها منها واحتلالها بالقوة، تلك القوة التي جعلها أوباما حكراً على المحتلين دون أن يأذن لمن احتلت أراضيهم باستخدامها ويطالبهم بالمقاومة السلمية، فهل أقامت أمريكا وبريطانيا كيان يهود بالمقاومة السلمية ؟! وأما تغنيه بحل الدولتين فلم يكن رأفة بأهل فلسطين بل حلاً لإشكالية قد سببت التوتر وإفشال المؤامرات والمخططات الأمريكية في المنطقة الإسلامية بأسرها فكانت فكرة حل الدولتين تحقيقاً للمصالح الأمريكية العليا وليس رأفة بأهل فلسطين مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الحل من شأنه أن يضيع جلَ جلِ فلسطين وأن يبقي لأهلها على استحياء وبلا سيادة على أرض أو ماء أو هواء بعض البعض منها.

وبالنسبة لدعوات الحوار وضرورة التلاقي عند القيم المشتركة في الإسلام والإدارة الأمريكية وبين الإسلام وبقية الحضارات، فلم يذكر أوباما من أعلن الحرب صليبية على المسلمين وقاد حملات شبيهة بالعصور الوسطى ومن جعل الإسلام هو الإرهاب ومن حكم على نهاية البشرية في ظل الرأسمالية ومن سعى لفرض قيمه البالية على بقية شعوب العالم، كما لم يذكر أوباما من أساء للقرآن ورسوله الكريم ابتداءاً من كبيرهم الذي علمهم السحر وانتهاءاً بأصغرهم من راسم للكراكاتير باسم حرية الدين والمعتقد، كما لم يذكر أوباما من يعتقل المسلمين لمجرد إطلاقهم للحاهم أو لباسهم أو حتى معالم وجوههم، كما لم يبين أوباما كيف حققت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مفهوم العدالة للأمم بل حتى للشعب الأمريكي -والتي زعم أن أمريكا تشارك فيها الإسلام- هل حققت أمريكا العدالة للأمم باحتلالها واستعبادها، أم بقتل أبنائها ونهب خيراتها أم بتجويع أكثر من ملياري إنسان أم بدعمها للفتن واختلاقها للاقتتال الداخلي والطائفي في كل من العراق وباكستان والسودان والصومال وفلسطين ؟!!

وأما المرأة وحقوقها، فحدث ولا حرج، فمن كذب وخداع أوباما وتفاخره على العالم كذبه بشأن حقوق المرأة في أمريكا وسعيه للشراكة مع كل نظام يريد أن يحقق للمرأة مكانتها كما يفهمونها، وكأني به يصدق أكذوبة الغربيين بأنهم أعطوا للمرأة حقها، فجعلوا منها سلعة تباع وتشترى واستغلوا أنوثتها ولم يقيموا وزناً لأم أو بنت أو أخت كل ذلك بدعوى الحريات الشخصية واستقلالية العيش والقرار، فلم يذكر أوباما عدد النساء اللاتي يتركهن أزواجهن يصارعن الحياة لتحصيل لقمة العيش بسبب الحياة الاجتماعية المنحلة هناك، ولم يذكر أوباما عدد النساء اللاتي يغتصبن يومياً في أمريكا، ولم يذكر عدد اللواتي أصبحن بلا مأوى بعد أن تقدم بهن العمر سوى بيوت العجزة، بينما هو يسمع ويرى كيف تعيش المرأة في بلاد المسلمين برغم وجود بعض الإساءات كون هذه البلاد تحكم بأنظمة وضعية من وضع الرأسماليين وأضرابهم، وكيف تعيش المرأة حياة لا تشبهها فيها سوى الملكة التي كلما كبرت كبرت مملكتها من الأولاد والأحفاد الذين لا همّ لهم سوى طلب ودها ورضاها.

أما مشاريع التنمية فلعل أوباما قد غفل أو تغافل بأن اقتصاد أمريكا ودولارها هما سبب البلايا والمصائب الاقتصادية التي تعم العالم، ولم يبين أوباما كيف لأمريكا أن تدعم اقتصاديات العالم وهي تعاني الأزمات تلو الأزمات بل وهي تنهب خيرات العالم وأمواله.

وخلاصة ما ذكر أن الحقيقة هي ما لم يقلها أوباما وأنه ما من قضية تناولها إلا عمد فيها للكذب والتضليل والخداع فتلكم هي السياسة في عرف الرأسماليين وذاك ديدنهم.

ولكن اللافت للنظر أن يقبل بعض المسلمين أن يخاطبهم كبير أعدائهم وأن يقبلوا أن يتحدث في قضاياهم وأن يحكم بها، لا شك أن الأمة اليوم تعاني من حالة ضعف وهوان جرأت أعداءها عليها بل وجرّأت حكامها ليسخّروا البلاد والعباد والمنابر والجامعات لخدمة الكافر المستعمر.

إن الأمة الإسلامية ظلّت عبر العصور هي من تخاطب البشرية كونها تحمل رسالة الخير لهم، وهي من توجه لهم الرسائل، وهي من تقتحم عليهم ظلمتهم فتنيرها بعدل الإسلام، فذاك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يخاطب كسرى والفرس وقيصر والروم والمقوقس والنجاشي، وذاك الرشيد يخاطب الغمام قبل البشر، وذاك المعتصم وذاك .. ، فهل يدرك المسلمون سبب هوانهم وأن بالإسلام والخلافة يعودون كراماً أعزة قادة للعالم، فيجلبون الخير للبشرية والأمم ؟!