نجاد وحل الدولتين ..تغيير مواقف أم انقشاع غيوم ؟!

نجاد وحل الدولتين ..تغيير مواقف أم انقشاع غيوم ؟!

 

بعد حركات استعراضية قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في مؤتمر العنصرية الذي عقد في جينيف في العشرين من الشهر الجاري حيث هاجم فيها دولة يهود باعتبارها دولة عنصرية واستقطب فيها مشاعر المسلمين والمستضعفين الذين يرون في يهود دولة مغتصبة لأرض فلسطين، وبعد سنين من تصريحاته الرنانة الداعية إلى إزالة دولة يهود من على الخارطة السياسية، أطلّ علينا الرئيس الإيراني بتصريحات تكشف حقيقة معاداته المزعومة لكيان يهود ومخططات الغرب الاستعماري، ففي لقاء تلفزيوني أجرته معه قناة أيه بي سي الأمريكية أكدّ أنه لن يمنع الفلسطينيين من الاعتراف بالدولة العبرية في إطار حل اقليمي على اساس "دولتين"، وقال نجاد "مهما كان القرار الذي يتخذونه، لا مشكلة بالنسبة الينا، لن نحول دونه، مهما كان القرار الذي سيتخذونه فاننا سندعمه"، واضاف قائلاً "بالنسبة الينا، المسألة تتعلق بحق للشعب الفلسطيني، ونأمل ان تكون وجهة نظر الدول الأخرى على هذا النحو".

 

  إن هذه التصريحات تكشف الحُجب التي غشّت على أعين الكثيرين فظنوا في هؤلاء الحكام خيراً أو بقية من خير، غير أنه بات واضحاً لكل ذي لُب أن هؤلاء قد كلفوا بأدوار محددة، حددها لهم الكافر المستعمر وهم يقومون بلعبها تضليلاً للأمة واحتواءاً لكل مخلص يمكن أن يفكر في الانعتاق من ربقة القوى الغربية الاستعمارية، فما دول المصالحة والممانعة سوى أحجار نرد تحركها أصابع القاطنين في واشنطن ولندن وباريس، وما خلافاتها الظاهرة وانقسامها في الآراء والمواقف سوى انعكاس لاختلاف القوى الدولية والأقليمية التي تمسك بزمام اللعبة السياسية في المسرح الدولي.

 

إن حل الدولتين الذي يقره نجاد ويدعو له حكام العرب عبر مبادرتهم المخزية المسماة بالمبادرة العربية مشروع أمريكي في الدرجة الأولى والأخيرة ولم يكن في يوم من الأيام مشروعاً تحررياً او "وطنياً" كما يروج له السياسيون ووسائل الإعلام فهو مخطط أمريكي تواضعت عليه الإدارات الأمريكية منذ خمسينات القرن الفائت لحل قضية الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها، لذا نجد الإدارات الأمريكية المتعاقبة تؤكد رؤيتها لحل الدولتين وتضع المخططات للوصول اليه منذ عهد كيندي الى أوباما بيد أنها عادةً ما تصطدم بعوائق سياسية وصراعات دولية ورفض شعبي يحول بينها وبين تنفيذ أجنداتها فتتلكأ في المضي قدماً في هذه المخططات وما ذلك إلا لإدراكها صعوبة هذه القضية وملابساتها الشائكة وارتباطها بعقائد شعوب المنطقة ارتباطاً محكماً، لذا كان حل الدولتين يراوح مكانه بين تحرك سياسي ضعيف وتغيير للمعالم الجغرافية وفرض للأمر الواقع الذي يمارسه كيان يهود، وعليه كانت المناداة بحل الدولتين والموافقة عليه من قبل حكام المنطقة والأطراف المتنازعة تغريداً في جوقة المستعمر الأمريكي .

 

إن حلّ الدولتين هو اعتراف صريح بيهودية الأراضي المحتلة عام 48، واعتراف صريح بكيان يهود سواء تلاعب البعض بألفاظ الإعتراف أم أعلنوا بها على رؤوس الأشهاد، وإن هذا الإعتراف هو خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين وتفريط بأرض الإسراء والمعراج وبالأمانة التي علّقت على رقابنا، ولا يغفر هذا الجرم استفتاء أهل فلسطين أو إقرارهم له، ففلسطين أرض إسلامية ومسؤولية تحريرها أمانة في عنق كل مسلم عربياً كان أم أعجمياً.

 

إن حكام دول الممانعة هؤلاء لو كانوا صادقين في دعواهم لحركوا الجيوش-وهم قادرون على ذلك- فحرروا فلسطين والمسجد الأقصى الذي يئن تحت نير احتلال يهود ولكن هؤلاء الحكام من دول المصالحة والممانعة مردوا على الخيانة والخداع والتضليل، فهل آن للأمة الإسلامية أن تدرك حقيقتهم فتحث الخطى وتغذ السير نحو ازالة عروشهم وظغيانهم والإستبدال بهم خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة لتعيد لنا كرامتنا المسلوبة وهيبتنا الضائعة وبلادنا المحتلة وتدافع عن حياضنا وحرماتنا المنتهكة ؟

أنفلونزا الخنازير ...وباء حضارة

أنفلونزا الخنازير ...وباء حضارة

لأيام خلت أحتلت أنباء تفشي مرض انفلونزا الخنازير قائمة الأحداث العالمية المكتظة بالمصائب والكوارث والأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية والبيئية، ولخطورة الوضع وسرعة تفشي هذا المرض الذي شارف على التحول إلى وباء عالمي رفعت منظمة الصحة العالمية درجة تأهبها الى الدرجة الرابعة من أصل ست درجات وتكاد المنظمة أن ترفعها إلى الدرجة الخامسة بين عشية وضحاها، ويذكر أن مساعد رئيس منظمة الصحة العالمية كي جي فوكودا أكد صعوبة التوصل إلى دواء لهذا المرض قبل أربعة أشهر، وأنّ الفترة الكافية لتوفير تطعيمٍ بكميات كبيرة ستكون أطول، في حين قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن تفشي وباء عالمي جديد ليس مستبعدا، وفي محاولة لتهدئة روع الشعب الأمريكي أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن مرض إنفلونزا الخنازير مثير للقلق، لكنه ليس سببا لإطلاق إنذار الخطر. ويذكر أن الاتحاد الاوروبي قرر عقد اجتماع طارئ يوم الخميس 30-4 لوزراء الصحة في دوله.

وبعيداً عن تشخيص واقع هذا المرض وأعراضه وإمكانية انتقاله من الخنازير إلى البشر، وبعيداً عن الاسباب المباشرة التي قد تسبب هذا المرض، وبعيداً عن كون هذا المرض حقيقياً أم مختلقاً، وددت أن أقف قليلاً على جانب آخر لا يتم التطرق إليه عند الحديث عن الامراض والأوبئة المنتشرة في أيامنا هذه، هذه الوقفة وقفة فكرية مبدئية ألقي من خلالها الضوء على السبب الحقيقي الذي يقف خلف الأسباب المادية المباشرة التي تسبب هذه الأمراض والأوبئة.

هذا السبب هو الحضارة الغربية الفاسدة التي سادت العالم طوال القرن الماضي ولا زال العالم يكتوي بنيرانها إلى الآن، فالحضارة الغربية كانت ولا زالت العامل الرئيس في تفشي الأمراض والأوبئة في العالم وذلك نابع عما تنطوي عليه من أفكار ومفاهيم تقود أصحابها إلى الجشع والوحشية وفقدان أدني الأحاسيس البشرية، ولكن الغرب استطاع بآلته الإعلامية أن يضلل العالم ويخدعه بدعاوى أن حضارته هي حضارة الهبوط على القمر وتكنولوجيا المعلومات والصناعات  المتقدمة وأغفل كل المخلّفات التي أضرت بالجنس البشري في كافة المجالات مما جعل التقدم العلمي عامل شقاء وخراب بدل أن يكون عامل طمأنينة واستقرار .  

ربما يخطر ببال البعض أن في هذا القول مبالغة وتجني، وربما يخطر في بال البعض أن هذه الأمراض كانت موجودة طوال العقود المنصرمة لكنها لم تكن مكتشفة بسبب عدم امتلاك البشر للأدوات الطبية القادرة على اكتشافها وبالتالي فالحضارة الغربية من هذا الجرم برآء، وربما يخطر ببال البعض أيضا أن لا علاقة للمبدأ أو الحضارة بهذه الأمور وأن المسألة مسألة طبية علمية صرفة وبالتالي لا علاقة للحضارة الغربية في تفشي وظهور هذه الأمراض وأن تحميلها عبء ومسؤولية هذه الأمراض والأوبئة تحامل على هذه الحضارة ويخلو من الموضوعية، والحقيقة خلاف ذلك كله، وإليك البيان في نقاط مجملة:

1.    إن كثيراً من الأمراض ظهرت منذ ما يقارب القرن أو أقل من ذلك والعلم قد أثبت أن هذه الأمراض لم تكن موجودة فيمن كانوا قبلنا وذلك لعدم وجود أسبابها لديهم، وذلك كالايدز والسرطان والإلتهاب الرئوي الحاد (سارس) وانفلونزا الطيور وتبعه الخنازير والجرثومة الخبيثة (الانثراكس) وغيرها الكثير مما يصعب حصره، ولا شك أن التقدم العلمي الذي لم يراع الجوانب الإنسانية في المنتجات والصناعات كان سبباً رئيساً في العديد من هذه الأمراض كاستخدام المواد الكيميائية في تهجين النباتات واستخدام المواد الحافظة والأصباغ في المأكولات والمطعومات .كما كانت مفاهيم الحرية الشخصية سبباً في السلوكيات الشاذة والخاطئة التي أدت الى الإيدز وأقرانه من الامراض.

2.    لا يختلف اثنان اطّلعا على المبدأ الرأسمالي الذي يتحكم بالبشرية اليوم أن هذا المبدأ لا يقيم وزناً لأي قيمة إنسانية أو خلقية وأن القيمة في تعريف هذا المبدأ هي قيمة مادية صرفة، محسوسة كانت أم ملموسة، فصاحب المصنع او التاجر لا يراعي سوى عامل الربح في صناعته أو تجارته بغض النظر عن ضرر أو فائدة المادة المصنعة او المباعة وبغض النظر عما اذا كانت هذه السلعة من شأنها الإخلال بالمجتمعات البشرية وما يجب أن تكون عليه من الرفعة والرقي، لذا كانت المخدرات والحشيش والخمور سلعاً ذات قيمة اقتصادية لدى الرأسماليين، ولا شك أن هذه النظرة من شأنها ان تلحق الضرر الجسيم بالجنس البشري وتجعل التقدم العلمي أداة لشقاء البشر لا لراحتهم، ومن الأمثلة التي تجسد هذه النظرة علاوة على المخدرات والحشيش والخمور، الأغذية المعدّلة جينياً التي تسبب أمراضاً عدة فهذه النظرة قادت أرباب الصناعات إلى الإهتمام بزيادة الإنتاج لزيادة الأرباح بغض النظر عن الكوارث الصحية التي يمكن ان تخلفها هذه الطفرات الصناعية. ومن الأمثلة أيضا العديد من وسائل الاتصالات التي تستخدم موجات الميكرويف التي لها تأثير حراري على الجسم.

3.    إن المشكلة الإقتصادية لدى الرأسمالية تكمن في ندرة السلع والخدمات نسبة إلى الحاجات البشرية اللامحدودة وهذا التشخيص الخاطئ للمشكلة الإقتصادية جعل الدول الرأسمالية تندفع باتجاه التركيز على انتاج المزيد من السلع والخدمات، بغض النظر عن حسن توزيعها أو سوئه وبغض النظر عن كون الحاجة البشرية أساسية أو كمالية، مما جعل رأس سلم اهتمام هذه الدول هو زيادة الانتاج بغض النظر عن الآثار السلبية التي يمكن ان تنتج جراء تقنيات زيادة الانتاج .

4.    وبسبب النظرة الرأسمالية الجشعة قامت العديد من شركات الأدوية إلى احتكار انتاج بعض الأدوية من أجل ان تتحكم بسعرها لكي تدر عليها ارباحاً هائلة بغض النظر عن قدرة أو عجز البشر المصابين بهذه الأمراض على شراء هذه الأدوية فالمهم هو الربح والربح الفاحش دون سواه بل إن من الغرابة النادرة التي يستهجنها أي إنسان سوي أن تقوم بعض الشركات الغربية بطمس علاج جذري لمرض ما لتستمر في بيع عقاقيرها في الأسواق .

5.    من الأسباب المادية المباشرة لأمراض عدّة هي التصرفات غير اللائقة التي يتصرف بها أصحاب الحضارة الغربية والتي لا يصح وصفها سوى بالسلوكيات البهائمية كانتشار الفاحشة والشذوذ الجنسي لذا لم يكن غريباً أن تخلف هذه الحضارة للبشر الإيدز وأضرابه من الأمراض .

6.    من الأمراض ما تم تصنيعه في دوائر الاستخبارات الغربية تحت غطاء الأسلحة البيولوجية كالأنثراكس وغيره وهذا التوجه يظهر مدى فقدان هذه الحضارة لأدنى معايير الإنسانية فهمّها هو الغلبة التي تمكنها من نهب خيرات الأمم واستعبادها ولو كان ذلك عبر إبادتهم .   

إن أية حضارة يفترض بها أن توفر للبشر حياة تليق بهم كبشر أولاً وحياة آمنة مطمئة ثانياً لا ان تكون أداة لشقائهم وجلب الكوارث والمصائب عليهم، ونظرة خاطفة لتاريخ الحضارة الغربية ترينا حجم الضنك الذي خلفته هذه الحضارة للبشر جميعا على كافة الصعد، فقائمة الأمراض التي انتشرت وتفشت في العالم لعقود أو قرن مضى في ظل هذه الحضارة ليست بالقصيرة ابتداءاً من الإيدز ومروراً بجنون البقر وانفلونزا الطيور والانثراكس والالتهاب الرئوي الحاد سارس وانتهاءاً بانفلونزا الخنازير، يأتي تفشي هذه الأمراض في الوقت الذي عجزت فيه هذه الحضارة عن توفير حلول للأزمات الإقتصادية التي نكبت بها العالم، وفي الوقت نفسه تسطو فيه قواها على البشر ظلماً وعدواناً فتحتل أرضهم وتخرب ديارهم وتنهب خيراتهم، بل إن ضرر هذه الحضارة قد وصل الحجر والشجر وطبقة الأوزون، فكل ما يعانيه العالم اليوم من أزمات ونكبات ومصائب سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية او حتى بيئية هو حصاد الرأسمالية الآثيم طوال أكثر من قرن من الزمان، لذا كان على العالم أجمع أن يُجمع أمره على ضرورة الإسراع للتخلص من هذا المبدأ المتداعي وهذه الحضارة الفاسدة حتى يتدارك نفسه من الهلاك والسقوط في الهاوية .

وفي هذه الأجواء الملبدة بغيوم الرأسمالية القاتمة وفي حلكة فساد هذه الحضارة، تفتقد البشرية حضارة الإسلام التي أنارت للعالم دربه وقدمت له كل ما من شأنه أن ينقذه في الدنيا والآخرة، قدمت له سبيل الهداية (مبدأ الإسلام) فضحت بالغالي والنفيس وبالأرواح والأموال في سبيل نشر الإسلام رسالة خير وهدى للعالم وقدمت له التقدم العلمي النافع الذي من شأنه ان يصلح للبشر دنياهم بعيداً عن جشع الرأسماليين وفسادهم .فهلاّ أدرك المسلمون حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم فيسرعوا في العمل لإقامة صرح الإسلام من جديد لتكون دولته ملاذاً للمستضعفين ومنارة للتائهين  .

إن سنة الله في خلقه ماضية بلا تخلف ولقد قضى سبحانه أن من أعرض عن ذكره أن له معيشة ضنكا ولقد ضرب لنا القرآن أمثلة أقوام سبقونا لمن يعتبر فقال سبحانه ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ۖ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ* وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ).

فهل يكون انفلونزا الخنازير دافعاً للتفكر والتدبر في حال البشرية وما آلت اليه ؟!! 

"تطبيق الشريعة" في وادي سوات والصومال ...حقيقة أم حصان طروادة ؟!

"تطبيق الشريعة" في وادي سوات والصومال ...حقيقة أم حصان طروادة ؟!


بتاريخ 18/4/2009 أقرّ البرلمان الصومالي بالإجماع مشروع قانون تطبيق الشريعة في الصومال والذي قدمته "المعارضة"، وسبق هذا الإقرار مطالبة الحزب الإسلامي الصومالي "المعارض" بإقرار الحكومة قانون تطبيق الشريعة كشرط من شروط بدء الحوار مع الحكومة الانتقالية التي يرأسها شريف شيخ أحمد.

وبتاريخ 13/4/2009  أقرّ الرئيس الباكستاني آصف علي زرداي اتفاقية تطبيق الشريعة بوادي سوات والتي أبرمتها الحكومة المحلية مع حركة طالبان باكستان وجماعة تطبيق الشريعة المحمدية حيث تضمنت بنود الإتفاقية تطبيق نظام العقوبات في الإسلام في منطقة وادي سوات التابع للإقليم الشمالي الغربي الحدودي، وعلى إثر الإتفاقية المذكورة قامت حركة طالبان باكستان بإعلان وقف لإطلاق النار.

وأمام هذين الحدثين المتقاربين في الدلالة والمضمون والمتباعدين جغرافياً كان لا بد لنا من وقفة نبين فيها بعض الحقائق لنجلّي صورتهما :

الحقيقة الأولى : إن الدعوة الى تطبيق الشريعة الإسلامية في معترك الحياة أصبحت تياراً جارفاً في أوساط المسلمين ومحط أنظارهم ومعقد آمالهم وخلاصهم، وهذا التيار بات يقض مضاجع قادة الغرب ويؤرّقهم، مما حدا ببعضهم الى البوح برفضهم لهذه الدعوة صراحة دون مواربة ولا مراوغة، ولا أدل على ذلك من تصريح رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير قائلاً : "إن تحكيم الشريعة في العالم العربي، وإقامة خلافة واحدة في بلاد المسلمين.. وإزالة نفوذ الغرب منها أمر غير مسموح به ولا يمكن احتماله البتة".

الحقيقة الثانية : التراجع الأمريكي عن فكرة الحرب على الإرهاب بمفهوم الإدارة الأمريكية السابقة والتي كانت دلالتها تعني الإسلام بكل أشكاله ومعانيه وبتياراته "المتشددة" و "المعتدلة" على حد تصنيف أمريكا والغرب، حيث شهدت حقبة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إعلان الحرب على الإسلام باسم الحرب على الارهاب والتي وصفها في إحدى خطاباته بالحرب الصليبية ووصف الإسلام بالفاشي، وكانت هذه الحملة تستهدف كل ما يمت الى الإسلام بصلة بيدَ أن امريكا وجدت نفسها وجهاً لوجه في مجابهة الأمة الإسلامية بأسرها مما خلق لها الكثير من المشاكل والعديد من العراقيل أمام مخططاتها الدولية وجعل صورتها في أشد ما تكون قبحاً، مما دعاها الى اعادة النظر في هذه السياسة والحذر من استخدام مصطلحاتها، ظهر ذلك مؤخراً في تصريحات رسمية، ففي زيارته لتركيا صرّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما قائلاً (إن أمريكا ليست ولن تكون أبدا في حرب مع الإسلام) وفي تصريح لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بتاريخ 31/3/2009 لدى سؤالها عن إسقاط مصطلح "الحرب على الإرهاب"، قالت إن "إدارة أوباما توقفت عن استخدام هذه العبارة، وأعتقد أن ذلك لا يحتاج إلى شرح، هذا واضح".

 

ولسائل يسأل عن علاقة تراجع أمريكا عن فكرة الحرب على الإرهاب بمفهوم الإدارة الأمريكية السابقة بالحدثين المذكورين، وللإجابة على ذلك أقول : لم يعد خفيّاً على كل متابع لمجريات الأحداث في كل من الصومال وباكستان أن اللاعب السياسي الدولي الرئيس هناك والمتحكم في المشاريع السياسية هي امريكا وعملاؤها، فأمريكا هي من باركت قدوم شريف شيخ أحمد لرئاسة الصومال ودعمته عبر عملائها في أثيوبيا وجيبوتي والسودان علّه أن يقف في وجه حركة الشباب المجاهدين والحركات الأخرى الرافضة للنفوذ الغربي في الصومال، كما أنها هي من مكنّت آصف زرداي من رئاسة الدولة في باكستان عقب دفعها لمشرف لتقديم استقالته بعد أن أصبح بلا جدوى ويمثل تهديداً لمصالحها، فهي إلى الآن تملك مقاليد الحكم في باكستان ويسير في فلكها العديد من قادة الجيش ورئيس الوزراء وحتى بعض قادة المعارضة .لذا فقبول الرئيس الباكستاني لاتفاقية وادي سوات وإقرار البرلمان الصومالي وقبول الحكومة المؤقتة تطبيق الشريعة في الصومال يعني قبول أمريكا لهذه الاتفاقيات اتباعاً للسياسة الأمريكية الجديدة آنفة الذكر، وهذا يضفي علامة سؤال كبيرة عن مدى صدق هذه الاتفاقيات والدلالة الحقيقية لتطبيق الشريعة فيها .

الحقيقة الثالثة: إن امريكا تسعى عبر خداع الأطراف المحلية في كل من باكستان والصومال-بهذه الإتفاقيات- الى تنفيذ مخططاتها الاستعمارية التي عجزت عن تنفيذها بآلتها العسكرية الجبارة عبر السنين والعقود المنصرمة، ففي الصومال بقي المخطط الأمريكي الاستعماري يراوح مكانه منذ عقود ولم تفلح الآلة العسكرية الأمريكية ولا عملية إعادة "الأمل" في تنفيذ أجنداتها في الصومال وفي منطقة القرن الأفريقي الذي ينضح بما فيه من الخيرات الهائلة والثروات الدفينة. لذا عمدت أمريكا مؤخراً الى استخدام بعض الرموز الإسلامية وبعض التيارات التي تدعو الى تطبيق الإسلام-بحسن نية وجهل سياسي أو بسوء نية وتبعية- لتمرير مخططاتها وتنفيذ مشاريعها هناك .

وكذا الحال في باكستان فلقد أرهقت القبائل القاطنة في وادي سوات والتي ترتبط مع أفغانستان ارتباطاً وثيقاً أرهقت أمريكا وشركاءها في الحرب على الإرهاب في المنطقة (حكام باكستان)، وأفشلت مخططاتها طوال السنوات الثماني المنصرمة لذا رأت أمريكا أن تطلب من الرئيس الباكستاني إقرار هذه الاتفاقية علّها أن تساهم في استتباب الأمر في باكستان الى حين استكمال الاستعدادات العسكرية الأمريكية لشن هجوم عسكري واسع النطاق على طالبان في أفغانستان الصيف المقبل ولئلا ينشغل الجيش الباكستاني عن هذه الجبهة بجبهة أخرى .

الحقيقة الرابعة : من إطلالتها المغلّفة بعبارات التغيير والدبلوماسية الناعمة والوجه الضاحك المبتسم يبدو ان الإدارة الأمريكية الحالية أخذت بتوصيات مراكز الأبحاث والدراسات والمعروفة لديهم بـ(Think Tanks)  والتي أوصت بضرورة استغلال ما يسمى بالاسلام المعتدل في مواجهة التيارات الأصولية المتشددة حيث أوصت مؤسسة راند للأبحاث في تقرير لها بعنوان : "الاسلامُ المدنيُ الديمقراطيُ: الشركاءُ و المواردُ و الاستراتيجيات" بضرورة دعم الاسلاميين المعتدلين أو العصرانيين ليقفوا سداً منيعاً ضد الأصوليين المتطرفيين -على حد تسميتهم- كما أوصت في تقريرها المسهب والمفصل الى أساليبَ لحرب الحركات الإسلامية التي تسعى لإيجاد الخلافة وصنفت المسلمين الى أربعة أصنافٍ: أصوليين وتقليديين وحداثيين وعلمانيين وارشدت الى ضرورة دعم التقليديين والعصرانيين لصد موجة التيار الإسلامي الأصولي ومما جاء في تقريرها حول المسلمين الأصوليين (يجب محاربتهم واستئصالهم والقضاء عليهم وأفضلُهم هو ميّتُهم لأنّهم يعادون الديمقراطية والغرب ويتمسكون بما يسمى الجهاد وبالتفسير الدقيق للقرآن وانهم يريدون أن يعيدوا الخلافة الاسلامية ويجب الحذرُ منهم لأنّهم لا يعارضون استخدامَ الوسائل الحديثة والعلم في تحقيق أهدافهم وهم قويوا الحجّةَ و المجادلة.) ،وتبع هذه الدراسة دراسة استكمالية من نفس المؤسسة بعنوان " بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي" ، وفي نفس السياق كتب جوشوا مورافشيك الباحث بمعهد أمريكان إنتربرايز وشارلز بي. سزروم الباحث المساعد بالمعهد نفسه، دراسة تحت عنوان “محاولة للبحث عن الإسلاميين المعتدلين”نُشرت في مجلة كومنتري الأمريكية عدد فبراير 2008، لذا ترى الإدارةُ الأمريكيةُ اليومَ أن لا مانعَ لديها من أن يصلَ الى سدةِ الحكمِ في البلاد العربيةِ و الإسلاميةِ حركاتٌ إسلاميةٌ عصريةُ الفهم معتدلةُ الرؤيا أي تفهمُ الإسلامَ على المنهج الأمريكي الليبرالي، بل إن وصول الإسلاميين "المعتدلين" لسدة الحكم أصبح ورقة تستخدمُها للمناورات السياسية ولخدمة أغراضها وأهدافها السياسية ، ودعم أمريكا المنقطع النظير لحزب العدالة والتنمية ذي الصبغة الإسلامية "المعتدلة" خير مثال على هذه السياسة .

الحقيقة الخامسة : إن تطبيق الشريعة وتحكيم الإسلام لا يصلح إلا في ظل دولة إسلامية حيث يعني تطبيقها صياغة الحياة بجميع جوانبها وفق أحكام الشرع ويعني تطبيقها أن تكون العلاقات والسياسة الداخلية والخارجية دقيقها وجليلها وفق أحكام الإسلام ويعني تطبيقها أن يكون للمسلمين جميعاً دولة واحدة وخليفة واحد ويعني تطبيقها أن يحمل الإسلام رسالة خير وهدى الى الأمم والشعوب الأخرى بالدعوة والجهاد ويعني تطبيقها الانعتاق من التبعية الغربية ونبذ المؤسسات الدولية والإقليمية الاستعمارية كالأمم المتحدة ومنظمة دول حوض المتوسط والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة التعاون الإفريقي، وهذا -كله أو جزؤه- لا يتوفر في كلا الاتفاقيتين المذكورتين.

الحقيقة السادسة : إن على المسلمين جميعا وعلى الحركات الإسلامية على وجه الخصوص أن يدركوا بأن الأمة الأسلامية باتت قاب قوسين أو ادنى من تحقيق مشروعها النهضوي الشامل عبر إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي ستصوغ الحياة كلها وفق أحكام الشريعة والاسلام دون سواها، وان يدركوا ان عودة أمريكا والدول الغربية الإستعمارية الى سياسة نيكسون بركوب موجة التيار الإسلامي لم تكن إلا لأنها آخر سهامهم لذا فلا بد للمسلمين وللحركات الإسلامية ان تعي على مخططات القوى الإستعمارية وان لا تقبل بأنصاف الحلول او جزئها وأن تأخذ حذرها لئلا تكون دعامةً للأنظمة المهترئة في العالم الإسلامي وسنداً للنفوذ الغربي المتداعي وعثرة في سبيل عودة الدولة الإسلامية بل إن الواجب يلقي على عاتقهم أن يكثفوا الجهود مع الساعين المخلصين لتحقيق تطبيق الشريعة والإسلام في كل مناحي الحياة في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية التي بات تحققها أقرب من طرف العين بإذن الله .