حركات "الإسلام المعتدل" زمن الثورات...هل تكون حصان طروادة؟



تسعى القوى الغربية الكبرى، صاحبة النفوذ الاستعماري الواسع في البلدان العربية والإسلامية، لتخطي مرحلة الثورات في البلدان العربية بأقل الخسائر الممكنة، ولتحقيق ذلك تستنفد كافة الأوراق المتاحة لها دون تردد.
وقد شاهدنا مدى انشغال القوى الغربية الاستعمارية بالثورات في البلدان العربية، فتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا هي عناوين المشهد السياسي في العالم اليوم، وشؤون تلك البلدان تشغل البيت الأبيض وعشرة داوننغ ستريت والإليزيه وحتى كيان يهود المسخ.
ومن تابع تطورات الأوضاع في البلدان العربية شاهد الخوف من الإسلام ومن عودة دولته يخيم على تلك القوى، ويحفز تفكيرها ويدفعها للتخطيط والمكر وتسخير الأداة الإعلامية الهائلة في سبيل الحيلولة دون تحقق ذلك.
ظهر ذلك في تصريحات كاميرون وكلينتون وأوباما ونتنياهو وأشكنازي وبيرس وبرلسكوني ووزير خارجيته وغيرهم من القادة الغربيين الذين أبدوا تخوفهم من قيام "دولة دينية" أو "متشددة" أو "دولة لا يرضون عنها" أو "تلغي اتفاقية كامب ديفيد" أو "قيام الخلافة" إلى غير ذلك من الأوصاف التي تعكس ما أصابهم من أرق جراء خشيتهم من انعتاق الأمة من قبضتهم الاستعمارية وإقامتها للدولة الإسلامية.
ولقد اتسع هذا التخوف ليشمل كل الثورات التي شهدتها البلدان العربية، من تونس حتى سوريا مرورا بكل من مصر وليبيا واليمن.
لقد كان بارزاً –في خضم هذه الثورات- انخراط وسائل الإعلام والعديد من التيارات، بعضها محسوب على الحركات الاسلامية، في حملة الترويج لفكرة الدولة المدنية "الديمقراطية" ضد فكرة الدولة الإسلامية (القائمة على أساس الإسلام)، وظهر في هذه الحملات محاولة إرضاء الغرب والتسكين من روعه وهو يراقب جماهير الأمة عطشى لدينها وللتخلص من ربقة النفوذ الغربي على اختلاف أشكاله.
وسيراً وراء حملة التضليل هذه، ومحاولة لحرف هذه الثورات عن مسارها عبر الاكتفاء بعمليات تجميل فاشلة، وعبر إبقاء البلد مرتهناً بما يسمى بالمجتمع الدولي؛ خاضعاً لقوانينه الجائرة ومؤسساته الاستعمارية الفاسدة، تابعنا مؤخراً انعقاد منتدى في باريس تحت عنوان "الربيع العربي" نظمته وزارة الخارجية الفرنسية في معهد العالم العربي بباريس، وذلك للتواصل مع التيارات الإسلامية التي أبدت "مرونة" تجاه الغرب والتواصل معه على أسس "ديمقراطية" لا دينية، حضره ممثلي حركات إسلامية من تونس ومصر على وجه الخصوص.
دعا عقبه وزير الخارجية  الفرنسي آلان جوبيه إلى الحوار مع الحركات الإسلامية في العالم العربي، وخاصة تلك "التي تنبذ العنف وتقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية"، مؤكدا أن بلاده لا تسعى للإطاحة بالزعماء العرب.
وأضاف "آمل أن يُفتح هذا الحوار من دون عقد مع التيارات الإسلامية إذا كان هناك التزام من قبلها بالمبادئ التي ذكرتها، أي قواعد اللعبة الديمقراطية".
وردا على كلام لأعضاء في حزب النهضة الإسلامية بتونس قالوا خلال هذا المنتدى إن الإسلاميين "سيفاجئون" الغرب بمواقفهم الداعمة للديمقراطية، قال جوبيه "فاجئونا.. أنا لا أطلب أكثر من ذلك".
وقد قدم المشاركون في هذا المنتدى نموذجاً أقل ما يقال عنه بأنه غير مقبول، علاوة على تأثره بالثقافة الغربية الغريبة عن الأمة الإسلامية والبعيدة كل البعد عن التطلعات الحقيقية للجماهير في البلدان العربية.
إن من أبجديات السياسة أن فرنسا وغيرها من الدول الكبرى كأمريكا وبريطانيا تسعى إلى تحقيق مصالحها، وهو ما يعني بقاء النفوذ الاستعماري، مهما كان ثوبه، جاثماً على صدر الأمة يعيق حركتها التحررية بل ويكتم أنفاسها، لذا كان من الغريب والمستنكر على حركات إسلامية أو ممثليها أن يلتقوا مع قادة تلك الدول الاستعمارية لأجل مناقشة مستقبل البلدان العربية ومدى إسهام تلك الحركات في تحديد مسار الثورة ومدى قدرتها على التأثير في انتظام الحياة السياسية في البلدان العربية وفق قواعد "اللعبة الديمقراطية" وضمن حدود "اللعبة" المتاحة دولياً!!.
لقد كان الأجدر بتلك الحركات وممثليها أن يرفضوا الحديث مع تلك الدول في شؤون البلاد العربية، فهذا، وفق القوانين "الدولية" التي على أسسها يعقد هذا المنتدى، شأن داخلي لا يخص فرنسا أو امريكا او بريطانيا، وكان الأولى بتلك الحركات أن تُظهر هويتها الإسلامية وتنحاز للداعين لإقامة الدولة الإسلامية وتحكيم الشرع في جميع جوانب الحياة، وهو المطلب الطبيعي لأمة تدين بدين أنار ظلمة العالم طوال قرون مضت، وساد العدل العالم بتطبيقه عملياً في أرض الواقع، بدل أن تدخل تلك الحركات السرور على الغرب المستعمر في مفاجآتها غير السارة!!.
لقد سعى الغرب من قبل هذه الثورات إلى استغلال حركات ما يسمى بالإسلام المعتدل للحيلولة دون تقدم مشروع الدولة الإسلامية (الخلافة)، لما يمثله مشروع الخلافة من بديل حضاري للمسلمين وللعالم بأسره عن الرأسمالية العفنة التي تصطلي البشرية بلظاها، ويلاحظ اهتمام الدول الغربية بهذا التوجه عقب الثورات التي اجتاحت البلدان العربية، لا سيما وأن بقية الأحزاب قد فقدت شرعيتها "الزائفة" وأنكشف أمرها، ولم تعد محل رهان لتلك الدول.
والحال كذلك فإن خطر هذه التوجهات الخاطئة بات جسيماً، فبدل أن تكون هذه التيارات عاملاً مساعداً للتخلص من الحقبة المظلمة القاتمة التي تعيشها الأمة في ظل أنظمة رهنت الأمة وقضاياها بالاستعمار بأسمائه المختلفة (مجتمع دولي، مجلس أمن، منظمات إقليمية، الناتو، صندوق النقد والبنك الدوليين)، يراد لها أن تكون عامل ترسيخ لهذا الواقع الفاسد وإطالة عمره.
إنني أتوجه إلى إخواني في التيارات الإسلامية التي رضيت مشاركة النقاش في قضايا المسلمين مع الدول الغربية بالنصيحة بأن تعيد حساباتها، خشية لله أولاً والتزاماً بشرعه وأحكامه، وإدراكاً لحقيقة التغيير التي تهب رياحه على البلدان العربية والتي ستخلف خلفها كل من كان عامل عرقلة لمسيرة التغيير الحقيقية.
وإنني أذكرهم بأن القوى الاستعمارية قد رمتنا عن قوس واحدة؛ في ديننا وليس منع فرنسا للحجاب عنا ببعيد، وفي خيراتنا واحتلت أرضنا بل ومقدساتنا، فلا يصح منا الغفلة، وكيف نغفل وفينا كتاب الله ينطق (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)؟!.

دعوة الخلافة تخترق جدر التزييف الإعلامي للثورات العربية


دعوة الخلافة تخترق جدر التزييف الإعلامي للثورات العربية


بالرغم مما ظنه البعض أن ثورات البلدان العربية ذات صبغة علمانية إذ جل مطالبها هي دولة مدنية أو ديمقراطية وفق ما يصور الإعلام، وبالرغم من التزييف الإعلامي لهذه الثورات والانتفاضات المباركة، ومحاولة التعتيم على الجانب المشرق فيها، إلا أن صيت الخلافة ودعوتها فرض نفسه على المسلمين وعلى المراقبين والساسة الغربيين، فيما بقي التعتيم والتهميش هو سيد الموقف لدى وسائل الإعلام.

منذ أن اشتعلت شرارة هذه الانتفاضات في تونس الخضراء، شاهدنا عبر وسائل الإعلام تغطية محمومة واسعة النطاق يظن المتابع لها أنها عمت وطمت ولم تترك شاردة ولا واردة ولم تترك ظاهرة إلا وسبرت أغوارها حتى رسمت صورة كاملة للأحداث كما تدعي، ولكنها في الحقيقة كانت تتخطى دوماً مشهداً كبيرا كالجبال العالية وتحركات جماهيرية ضخمة تدعو إلى التغيير وفق الإسلام وإلى إقامة الخلافة وتغرد خارج سرب التبعية وخارج أطر العلاقة مع القوى الغربية الاستعمارية.
ويرجع تجاهل وسائل الإعلام لهذه الأحداث الجسام والتوجهات الحقيقية لدى الأمة الإسلامية، إما لقصر نظرها وعدم إدراكها أبعد من أرنبة أنفها، وإما لسياسة تهدف من ورائها إلى التضليل والتزييف ومحاولة توجيه الانتفاضات وفق أجندات استعمارية وهو الأمر الذي تجلى عبر مواقف عدة.
وعقب أحداث تونس كانت أحداث مصر وليبيا واليمن، ولازالت وسائل الإعلام تصر على إلباس الثورات العربية نفس الثوب وتكسيها نفس الحلة، بالرغم من اختلاف مقاسها وعدم ملائمة الحلة لثورتها.

وكان ظاهراً للعيان انشغال وسائل الإعلام، في ثورات تونس ومصر وليبيا، بإبراز من يديم النفي ويكرر القطع بأن هذه الثورات لا تهدف إلى إقامة دولة أو نظام إسلامي، مما أوهم المشاهد والمستمع أن المطالبة بنظام إسلامي هو أمر دونه الحرب أو الفتنة وأنه خط احمر ولا يقبل من متظاهر أن يرفع راية التوحيد أو يهتف للإسلام وباسمه فهذا كله خارج قواعد اللعبة، حتى وصل الحال جراء الحملة الإعلامية المحمومة أن يخرج من أبناء الحركات الإسلامية وقادتها من يكاد يتبرأ من أحكام الإسلام القطعية تأثراً بهذا المناخ الذي روجت له وفرضته وسائل الإعلام ومن يقف خلفها.

وهنا حق لكل متابع أن يسأل سؤالاً عريضاً حقيقياً أو استنكارياً؛ ما الذي يدعو تلك الوسائل والقائمين عليها إلى بذل الجهد لنفي هذه الصبغة عن ثورات الأمة لو كانت الأمة بريئة من هذا التوجه، وأن هذه الدعوة لا تربة لها في أوساطها؟!!

وكان ظاهراً للعيان كذلك، كثرة التصريحات لقادة الدول الغربية وتخوفهم الدائم من أن تسفر هذه الثورات عن نظام حكم إسلامي، وبطبيعة الحال الغرب لا يخشى نظاماً كالنظام التركي فهو إليهم أقرب، ولا نظاماً يدّعي الثورية وهو غارق في التبعية كالنظام الإيراني، ولا نظاماً يفصل الدين عن الدولة بل يسخره لخدمته وتوجهاته المشبوهة كالنظام السعودي، وإنما يخشى دولة مبدئية تغير مجرى التاريخ وتقتلع النفوذ الاستعماري من المنطقة وتلاحق فلوله لتخلص العالم من شروره.
فقد تراكمت تصريحات قادة الغرب من أمريكان وأوروبيين ويهود، كلينتون، كاميرون، أشكنازي، نتنياهو، ساركوزي، برلسكوني... 

وسعى وزير الخارجية اليهودي ليبرمان لتشخيص الواقع ولاسيما مشهد الثورة المصرية بالقول: "إن العالم مقسم اليوم إلى قسمين، معتدلين ومتطرفين. والصدام هو بين حضارتين، حضارة العالم الحر المعتدل وحضارة العالم المتطرف. ... فالإسلام السياسي هو الذي يسيطر على الشرق الأوسط ولا توجد قوة إقليمية تصده".


والسؤال العريض هنا، ما الذي يدفع الغرب وقادته لهذا التخوف الحقيقي في ظل إعلان وسائل الإعلام وترويجها أن هذه الثورات محض ثورات خدماتية وأنها علمانية ديمقراطية؟!، ما الذي يدفعهم لهذا التخوف إن كانت وسائل الإعلام تنقل الحق والحقيقة؟

مضت الأحداث على هذه الشاكلة ومضى التكتيم الإعلامي واطرد حتى بدأت تتصاعد في أوساط المسلمين أصوات تدعو إلى الخلافة والالتفاف حول الساعين لها والذين كرسوا جهدهم لاستعادها؛
في تونس، مسيرات تجوب الشوارع "لا شرقية ولا غربية...لا ديمقراطية ولا وطنية ...بل خلافة إسلامية"، ويتجاهل الإعلام ذلك بالرغم من أن صور تلك المسيرات قد ملأت الفضاء عبر الشبكة العنكبوتية، وعبر الفيس بوك على وجه الخصوص، لكن تبقى هذه الأحداث التي تعبر عن نبض الأمة الحقيقي خارج التغطية!!.

في مصر علت أصوات تجاهلها الإعلام، خطب جمعة، فضائيات دينية، جماهير تدعو إلى تحكيم الإسلام في ميدان التحرير وسط ساحات النقاش وفي مدن الإسكندرية ومناطق أخرى من مصر، والإعلام كما في كل مرة غائب بعذر وبدون عذر.

في ليبيا، دعوات لتطبيق الإسلام بالرغم من شن القذافي حملة لتشويه صورة الدولة الإسلامية ودوام إلصاقها بأعمال العنف، حتى صرح قادة الكيان اليهودي بأن طابع الثورة في ليبيا طابع إسلامي. وهو ما لم سعت وسائل الإعلام إلى تجاوزه.

في اليمن دعوات من العلماء وتبشير بعودة الخلافة حتى أن بعض المدن اكتست برايات العقاب (راية رسول الله صلى الله عليه وسلم)، مما دعا بعض وسائل الإعلام المحلية لتصدر عناوينها (اليمن على مشارف «خلافة إسلامية» و«رايات سود» فوق مدارس في عدن).

وما لم يتم الكشف عنه، في ظل تجاهل الإعلام الرسمي والمسمى بالحر، كثير، وتبقى دعوة التغيير على أساس الإسلام هي تطلع الأمة الحقيقي والذي يدفعها للحركة ويكسبها الأمل في غد مشرق، ويبقى ما تبقى من فسحة ضيقة عبر شبكة الانترنت والاتصال الحي هو سبيل معرفة تلك الأخبار.

إن ما تمارسه وسائل الإعلام من محاولة إلباس تحرك الناس ما لا يرغبون ويتطلعون، سعيا لخدمة أجندات خارجية، هو غصب وقهر إعلامي لسرقة جهود الأمة وتضحياتها، لكن الأمة التي انتفضت على من قهرها وسلب سلطانها لا شك أنها لن تبقى مخدوعة بمن يسعى لتضليلها.

إن إرادة الناس للتغيير على أساس الإسلام وتطلعهم لعودة دولته والحكم بأنظمته التي توجد الطمأنينة والاستقرار هو واقع محسوس ولسنا بحاجة لوسائل الإعلام لتصف لنا واقعاً نحياه، فنحن نرى واقع الأمة ونعيش معها ونشاركها الشعور والفكر ولسنا من كوكب آخر.

إن خبث ودهاء ومراوغة وتضليل وسائل الإعلام لن تفلح في إحباط مشروع الأمة الحضاري،  ولو لبست تلك الوسائل ثوب الحرص على الأمة، فهي كالثعلب المكار إذ برز يوما في ثياب الناسكين، فلن يفلح الثعلب في ابتلاع أمة وإن تآمر معه كثيرون، ولن تغطى الشمس يوماً بغربال، ولن تطفأ الشمس مهما كثر عدد النافخين وستنقطع أنفاسهم، وسيظهر أمر الله ودينه ولو كره الكافرون.

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)