صرخة : غزة تحترق فأين جيوش الأمة؟!!

صرخة : غزة تحترق فأين جيوش الأمة؟!!
(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)

ظهيرة السبت الدامي قامت الطائرات "الإسرائيلية" بقصف غزة في أماكن متعددة أودت بحياة مئات الشهداء والجرحى ، وعلى شاشات الفضائيات شاهد العالم جثث أهل غزة المسلمين وجرحاهم وشاهدوا الأشلاء المتطايرة والدماء المسفوكة وشاهدوا الرجال الأحرار الذين يقطرون دماً والنساء الثكالى والأطفال اليتامى وهم يستصرخون ويستغيثون ، يستصرخون أمة قد أنجبتهم ولم تلق لشأنهم بالاً ويستغيثون جيوشاً رابضة في ثكناتها لتذود عنهم وترفع عنهم الضيم وتنكل بأعدائهم الذين لم برقبوا فيهم إلاً ولا ذمة .

تأتي هذه المجزرة الرهيبة بعد أن قامت وزيرة خارجية دولة يهود "ليفني" بأخذ الضوء الأخضر من حاكم مصر لا بارك الله فيه حيث صرحت بحضرته الخميس 25\12\2008 قائلة "لقد طفح الكيل" فرد عليها اللامبارك الذليل قائلاً "بأنه يتوقع وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية " وقال أبو الغيط مستجدياً وساعياً لخدمة أسياده لا حرصاً على أهل غزة بأن" الهدف المصري هو الحفاظ على الهدنة وتأمينها" وقام حكام مصر بتوجيه دعوة للفصائل الفلسطينية للتباحث في القاهرة بشأن الهدنة .

وعقب الحدث الجلل كانت ردود فعل حكام المسلمين والسلطة دعوات هزيلة لوقف العدوان ومباحثات هاتفية ممجوجة والتفكير بدعوة الدول العربية لقمة "طارئة؟!!" الجمعة القادمة ، ردود أسخف من ان تسمى رد فعل وما هي سوى شهادة زور وإقرار على استحياء لجريمة يهود .

إن على جيوش الأمة ان تتحرك لنصرة مسلمي غزة وتحرير فلسطين بأسرها دون انتظار وعليها أن تقتلع كل عرش وحاكم وطاغية يقف في وجهها فلقد طفح الكيل بحق والله وآن لهذه الجيوش أن تصحو من سباتها وأن تعود كما كانت كجيش المعتصم وجند الفاتح وصلاح الدين ، وعلى الفصائل المتناحرة أن تدرك بأن هذه السلطة التي يتخاصمون عليها ليست سوى ملهاة ومجلبة لضياع قضية فلسطين ، فليعلن إلغاء هذه السلطة "الملهاة" ولتعود قضية غزة وفلسطين قضية الأمة بأسرها وسيأتي اليوم الذي تحرر فيه غزة وفلسطين وكل بلاد المسلمين المغتصبة وتعلوها راية لا اله الا الله محمد رسول عما قريب بإذن الله (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

الرأسمالية وحقوق الإنسان !!

هل الرأسمالية أعادت للإنسان مكانته وتكريمه الذي كرمه الله على سائر المخلوقات ؟! أم أنها دفعته للإنحدار الى أسفل سافلين ؟! وهل كفلت الرأسمالية للإنسان حقوقه ووفرت له أسباب العيش الكريمة ؟! أم انتهكت حقوقه وكرامته وأوردته موارد الهلاك وحرمته من أدنى أسباب العيش ؟! وهل سعت الدول الرأسمالية إلى تطبيق إعلان حقوق الإنسان طوال 60 عاماً أم كان لها من ورائه مآرب وغايات أخرى ؟!
في عام 1948 أطلت علينا الدول الكبرى آنذاك ببدعة جديدة اسمتها بإعلان حقوق الإنسان وهو إعلان منبثق عن عقيدة فصل الدين عن الحياة ويرتكز الى النظرة الرأسمالية لهذه الحقوق المبنية على فكرة الحقوق الطبيعية التي نادى بها الفيلسوف (( لوك )) و المستمدة من فكرة (( القانون الطبيعي )) وهو القانون الذي يستمد من طبيعة الإنسان والأشياء ، حيث يتوصل الإنسان بعقله ، بعد دراسة خاصيات الإنسان ، إلى وضع التشريعات الكفيلة بصيانة حقه الفردي وإسعاده في هذه الدنيا ، فإعلان حقوق الإنسان من حيث أساس نشأته يفترض به أن يكون خاصاً بمن يحمل وجهة النظر الغربية وما إلباسه لباس العالمية إلا لأجل فرض وجهة النظر هذه على بقية البشر على إختلاف عقائدهم وأفكارهم .

دعا هذا الإعلان بزعم واضعيه-في بعض بنوده الثلاثين- الى (حماية كرامة الإنسان وعدم الإعتداء عليه وعدم تعريضه للتعذيب و عدم تعرضه للإعتقال التعسفي والتكفل بتوفير أسباب الحياة الكريمة له وضمان الحريات للإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه كما نص الإعلان على أن إرادة الشعب هي أساس السلطة...ألخ) ، فهل وفرت الدول الرأسمالية للبشر أياً من هذه المزاعم ام أنها انتهكتها جميعاً بلا استثناء ؟! وهل وفرت هذه الدول الأمن والاستقرار للشعوب المنكوبة ام أنها كانت دوماً صاحبة لواء الحرب والتخريب والدمار ؟! وهل وفرت هذه الدول للبشر أسباب الحياة الكريمة أم كانت صاحبة السبق في سرقة ثروات الشعوب وأموالها ؟! وهل حافظت هذه الدول على حرية الشعوب أم أنها استعبدتها وسخرتها لخدمة مصالحها ولإشباع نهمها الحيواني -الذي لا يشبع- بإسم العولمة وغيرها؟!
تساؤلات كثيرة لكنها ليست برسم الإجابة لأن الإجابة عليها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ولا تكاد تخفى إلا على أعمى البصيرة أو مكابر معاند رضي لنفسه التبعية وناضل لأجلها بل سخر حياته لها .

إن المبدأ الرأسمالي ، المتحكم في العالم اليوم عبر دوله مجسدة في أمريكا وأوروبا ، لا يقيم وزناً لغير القيمة المادية ولا يعتبر القيم الإنسانية والخلقية والروحية قيماً حتى يهتم بها ، ولقد كان إعلان حقوق الإنسان منذ لحظة ولادته مطية من المطايا التي تركبها الدول الكبرى لتحقيق مآربها ومخططاتها السياسية ، فهي تعمد الى تسليط اتهام خرق هذا الإعلان لكل من يغرد خارج سربها فتنفذ من خلاله الى التدخل في شؤون البلد المعني وتقوم بشراء الذمم والكيد والمكر وفي كثير من الأحوال الى قلب الأنظمة السياسية والتدخل في الطبقة السياسية فتبرز من تشاء وتقصي من تشاء ، فهذا الإعلان وإدعاء خرقه ليس سوى ذريعة للإستيلاء على مواطن القرار وأداة إستعمارية صرفة ، وإلا فهذه الدول هي صاحبة أكبر رقم قياسي في خرق هذه الحقوق ، فهي التي ارتكبت اعظم الجرائم الإنسانية بحق البشرية بأسرها ، فمن ذا الذي خاض حروباً عالمية أودت بحياة الملايين من البشر جرياً وراء مصالحهاً سوى الدول الرأسمالية الكبرى ؟! ومن ذا الذي تآمر وشارك في مجازر زائير التي أودت بحياة ما يقارب المليون إنسان وسبرينتسا في البوسنة والهرسك ومدن إقليم كوسوفا ، ومن ذا الذي سكت وأقر بمجازر صبرا وشاتيلا ومن قبلها تهجير أهل فلسطين عام 48 و67 وها هو يؤازر من يحاصر أهل غزة الثكالى والجوعى والنساء والشيوخ والرضع ، ومن ذا الذي قتل أسرى سجن بلغرام وهم مقيدون بلا رحمة ولا شفقة ومن ذا الذي مارس أقبح التصرفات بحق السجناء في سجن أبو غريب ومن ذا الذي ابتكر وانفرد بأسوء سجن على وجه البسيطة (غوانتاناموا) ومن ذا الذي ... والقائمة تطول ...سوى الدول الرأسمالية الكبرى صاحبة إعلان حقوق الإنسان ؟!

هذا هو إعلان حقوق الإنسان على الحقيقة بعيداً عن الكذب والخداع والشعارات البراقة ، وهذا هو واقع الرأسمالية التي ما انفكت تورث البشر البلايا والكوارث على مختلف صعد الحياة الاقتصادية والانسانية والإجتماعية والبيئية .

وفي مقابل هذا الإعلان (المطية) نجد الإسلام الذي يمثل المشروع الوحيد البديل للبشر ليخلصهم مما هم فيه ، نجد انه وفر للإنسان-على الحقيقة بعيدا عن الكذب والخداع- حقوقاً تكفل له العيش الكريم العزيز في ظل دولة تطبق أنظمته على رعاياها بغض النظر عن دينهم أو جنسهم او لونهم وتحمل عقيدته لبقية البشر لتنقذهم من الجور الذي يعيشون فيه الى عدل ونور الإسلام.

فقد كفل الإسلام للإنسان حقوقاً شرعية نصت عليها النصوص والادلة الشرعية وجعلت تطبيقها وتوفيرها مرهوناً بالدولة التي تعمل على صيانتها وحمايتها من عبث العابثين وفساد المفسدين ، ومن استعراض الأدلة الشرعية واستقرائها نجد أن الإسلام قد قسم هذه الحقوق-وفق ما يفهمها الكثير من فقهاء الأمة القدامى والمعاصرين- الى ضروريات وحاجيات وتحسينات .

فالضروريات ويقصد بها تلك المصالح التي تتوقف عليها حياة الفرد الكريمة ، وقيام المجتمع الصالح المستقر ، بحيث إذا لم تتحقق اختل نظام حياة الإنسان ، وساد الناس الفوضى والفساد ، ولحق بهم الشقاء والتعاسة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة ، وهذه الضروريات ثمانية ، وهي -بعيداً عن الشرح والتفصيل فيها وسرد أدلتها الشرعية والنصوص التي دلت عليها - : حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ المال ، وحفظ الكرامة ، وحفظ الأمن ، وحفظ الدولة.

وأما الحاجيات : فهي الأمور التي يحتاجها الناس لرفع الحرج عنهم ، ولتخفيف أعباء التكاليف عليهم ، ففي العبادات كلفهم بما يستطيعون ، وشرع لهم الرخص تخفيفاً عليهم إذا كان تنفيذ الحكم في ظرف من الظروف ، أو في حالة من الحالات مشقة لهم ، ففي العبادات أباح للمسافر أو المريض أن يفطر في رمضان ، وأباح للعاجز عن القيام أن يصلي قاعداً وهكذا .وفي المطعومات أحل لهم الطيبات ، وحرم عليهم الخبائث ورخص للمضطر أن يأكل ما حرم عليه حفظاً لحياته من الهلاك، قال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)) .وفي العقوبات وضع لهم قواعد : ( تدرأ الحدود بالشبهات ) وشرع الدية على العاقلة في القتل الخطأ تخفيفاً عن القاتل ، وغير ذلك من الأحكام التي تشمل المسلم وغيره ، وما ذكر من الأمثلة كانت على سبيل تقريب الصورة والمثال لا الحصر.

وأما التحسينات : فهي الأمور التي تحسن حال الناس ، وتجعلها على وفاق ما تقتضيه الحياة الكريمة ، من مروءة ومكارم أخلاق . ففي العبادات شرع الطهارة للبدن والثوب والمكان وندب أخذ الزينة عند كل مسجد أي كل صلاة.
وفي المعاملات حرم الغش والتدليس والخداع ، وحث على السماحة والأمانة.
وفي الحرب حرم قتل الرهبان والصبيان والنساء غير المحاربات ، ونهى عن المثلة والغدر وقتل الرسل ، وقتل غير المحاربين كالمزارعين والأجراء.
وفي العقوبات حرم التعذيب لإثبات التهمة ، وأمر بإحسان تطبيق العقوبة.
وفي الأخلاق طلب الاتصاف بالصدق والعفة والأمانة ، ونهى عن الكذب والفحش والخيانة ، مما يوجد الود والاحترام والثقة بين أفراد المجتمع.

والجاجيات والتحسينات تكمل الضروريات وتعززها ، مما يساعد رعايا الدولة أن يعيشوا حياة آمنة كريمة عزيزة.

وهكذا نجد ان الرأسمالية التي زعمت وأدعت حقوق الإنسان قد أوردت الإنسان المهالك وأورثته النكبات والمصائب وحطمت الأرقام القياسية في إلحاق الأذى والضرر بالإنسان بل كان إعلان حقوق الإنسان مجرد أداة رأسمالية استعمارية تستخدمها الدول الكبرى متى شاءت لتحقيق مخططاتها ومآربها المصلحية التي لا تقيم وزناً للحياة والكرامة البشرية ، بينما نجد الإسلام قد كفل للإنسان-على الحقيقة- حقوقاً توفر له العيش الكريم والحياة الآمنة المستقرة .

وعليه فلا بد للمسلمين إذا أرادوا النهوض والرقي ، والعيش بطمأنينة وكرامة أن يعودوا إلى دينهم الحق ، يستنطقون مصادره ونصوصه ، في كل ما يعترضهم من مشكلات ، وفي كل ما يستجد من أحداث ومصطلحات ، ليجدوا فيه العلاج الشافي لها ، والقول الفصل فيها ، وعليهم أن لا يخدعوا بالشعارات الزائفة ، وبالمصطلحات الغربية البراقة ، فالفكر الإسلامي ، فكر سامٍ ، منبعه الوحي الإلهي ، بينما الفكر الغربي الرأسمالي ، فكر وضعي بناه البشر على عقيدة فصل الدين عن الحياة ، وشتان ما بين الفكرين ، قال تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .

وعلى البشر إن أرادوا الخلاص مما هم فيه أن ينبذوا الفكر الرأسمالي ويزيحوا عن كاهلهم هذه النظم المتحكمة فيهم وأن يلجأوا الى حيث العدل والنور والحياة الكريمة ولن يطول الزمن حتى تتجسد هذه الحياة في أرض الواقع فتبزغ الشمس على أرض عمتها الظلمة ويسود العدل بعد أن طغى الظلم وعلا.

التطبيع السياسي في مزاد حوار الأديان

بسم الله الرحمن الرحيم

التطبيع السياسي في مزاد حوار الأديان

إن فكرة حوار الأديان التي ذاع صيتها في عصرنا الراهن فطغت على الحكام والعلماء الذين يسايرونهم في سياساتهم، وأصبح المصنفون بـ"المعتدلين" ينادون بها صباح مساء ، هي فكرة غربية خبيثة يراد منها حرف المسلمين عن جادة الصواب وزيغهم عن دينهم الحق ، ولقد حملت مؤتمرات الحوار بين الأديان دلائل هذا القول في أطروحاتها التي نادت بها طوال العقود الماضية ، فمن حيث النشأة فقد بدأت هذه الفكرة بشكل دولي عام 1932م عندما بعثت فرنسا ممثلين عنها لمفاوضة رجال الأزهر في فكرة توحيد الأديان الثلاثة ، الإسلام والنصرانية واليهودية ، ثم تتابعت المؤتمرات في هذا الشأن في عام 1933م فمؤتمر باريس ، ودعوة البابا لحوار الأديان عام 1964 ، ....، الى آخر مؤتمر عقد في نيويورك في مقر الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدعوة من ملك السعودية عبدالله بن سعود ، أما الأفكار التي تسعى هذه المؤتمرات الى تكريسها فتدور – بحسب المنظرين والمروجين لها -حول أهداف ثلاثة وهي :

أولاً :التساوي بين الاديان و بين الحضارات و عدم التفاضل بين دين و دين أو حضارة و حضارة .
ثانياً :قبول الآخر كما هو و استكشافه دون اصدار أحكام ضده بل ادراك ما عنده دون قيد او شرط .
ثالثاً:التفاعل لايجاد بديل حضاري أرقى عن طريق استلهام ما هو مشترك بين الحضارات و الاديان .

ولا يخفى على كل منصف ومفكر خطورة هذا الطرح على الفكر الصحيح ومجانبته للتفكير السليم ، فالدعوة للمساواة بين الأديان هي دعوة لطمس الحقيقة إذ أن الأديان-بشكلها الراهن- تحمل بذرة الإختلاف والتباين فيما بينها وكلٌ من حملتها يدّعي الصحة وخطأ من سواه ، والحقيقة هي أن إحداها هو الحق والصواب وهو ما قامت الأدلة والبراهين على صحته وصدقه وإقناعه للعقل وموافقته للفطرة ، وما لم يقوَ على المحاججة سقط من الاعتبار ، كما أن في قولهم بضرورة استكشاف الآخر دون الرد عليه أو إصدار أحكام ضده هو جعل الفكر الحق بلا قيمة ، فصحة فكر يعني خطأ ما يخالفه وإلا لم يكن صحيحاً فعدم الاعتماد على هذا الفكر الصحيح في إصدار الأحكام يجعل صحته بلا قيمة ، وأما ثالثة الأثافي وهي الدعوة لاستلهام ما هو مشترك بين الأديان والحضارات فهو بلا شك دعوة لتكوين دين هجين يُستمد من مشارب مختلفة وأفكار انبثقت عن عقائد متباينة وأنىّ لمثل هذه الأفكار أن تتلاقى في منتصف الطريق علاوة على أن ينشأ منها دين جديد .

هذا من وجهة نظر عقلية ، أما من منظور الشرع فلا حوار بين الأديان إلا بدعوة أتباعها لإعتناق الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحجة (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، فالدين الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الحق (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ) وهو المعتبر دون غيره (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) لذا دعا الإسلام أهل الأديان الأخرى الى كلمة التوحيد دون سواها والى إعتناق الإسلام دون إجبار أو إكراه بل بالحجة والبرهان (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) .
فالحق والباطل في نظر الإسلام لا يلتقيان (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) فكيف بالتساوي بينهما (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ) ، فدعوة الإسلام قائمة على إثبات صحته وبيان خطأ الأطروحات الأخرى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) .
أما إستكشاف الآخر دون الحكم عليه فخلاف أسلوب القرآن في الدعوة الذي دأب على تفنيد طرح العقائد الأخرى وبيان زيفها وأصدار حكمه عليها (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ).
وأما التفاعل لإيجاد بديل حضاري (دين) جديد فما ذكر من نصوص تدحض الأطروحات الأخرى وتثبت صحة الإسلام واعتباره الدين دون غيره يكفي للرد على هذه المقولة .

إن خطورة فكرة حوار الأديان على المسلمين بوجه الخصوص كونهم المستهدفين من هذه الفكرة هي خطورة عظيمة سيما والمسلمون بلا كيان يذود عنهم ويتبنى قضاياهم ويحمل دعوتهم ويتصدى لهذه الحملات الفكرية ، فالمسلمون اليوم هم الحلقة الأضعف لأنهم أمة بلا راع ولا إمام ، ولأنهم وحدهم الذين يمثلون البديل الحقيقي الذي يخشاه الغرب قاطبة إن قامت لهم دولة ، لذا كانت سهام الغرب مصوبة دوماً نحو قلب الأمة الإسلامية وكانت محاولاتهم التي لم تنقطع بأساليب ووسائل شتى تهدف الى تضليل المسلمين وإبعادهم عن الفهم الحق لدينهم فصوروا لهم دينهم بانه دين كهنوتي لا دخل له بالسياسة وسخر الغرب لهذا الغرض جيشاً من الحكام والمفكرين والإعلاميين الذين يحملون فكره ، بل إنهم ابتكروا التسميات والمؤتمرات الكثيرة خدمة لهذا المسعى ولعل مؤتمر الوسطية الذي عقد في عمان مؤخراً هو دليل استجابة البعض للأطروحات الغربية .

هذه لمحة موجزة عما يراد من مؤتمرات ودعوات حوار الأديان وهذا غيض من فيض من مخاطرها التي حاول البعض أن يكسوها بثوب الإسلام تحت ذرائع ومبررات واهية ، لكن الغرب -عبر أدواته من الحكام وعلماء السلاطين- وفي سابقة جديدة لم يكتف بهذه المخاطر الفكرية وهذه الدعوات الهدّامة بل أضاف لها بعداً آخر ألا وهو البعد السياسي فقد مثّل مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في نيويورك في الثاني والثالث عشر من الشهر الحالي مزاداً، سوّق فيه الحكام حكامَ "اسرائيل" للدول العربية وبقية العالم ، فقد تمت دعوة الرئيس الإسرائيلي بيرس ووزيرة خارجية "إسرائيل" ليفني وهذه دعوة سياسية من الطراز الأول فليس من المعلوم والمعروف عن بيرس وليفني تدينهما وتمسكهما باليهودية بقدر علمانيتهما فلم تكن هذه الدعوة سوى تطبيع مع اليهود من الدرجة الأولى ، وليس ذلك غريباً على ملك السعودية الذي عرض على "إسرائيل" تطبيعاً كاملاً مقابل السلام فها هو اليوم يقدم التطبيع بالمجان !!!

إن هذا البعد قد كشف الغرض من وراء هذه المؤتمرات فوق تعريتها ولقد أصبح ظاهراً للعيان أن كل تصرف وكل حركة وكل خطوة يقوم بها الغرب لها بُعد مبدئي يدخل ضمن حلبة صراع الحضارات المستمر بينه وبين المسلمين وأن الغرب لا تغفل له عين عن مراقبة تغير وتطور أحوال الأمة الإسلامية حتى في ظل أزماته المالية الخانقة ، فالمسلمون يمثلون الشغل الشاغل والهم القاتل للغرب لأن الغرب يرى فيهم المنافسين الحقيقيين والأكفاء لإستلام دفة مركب البشرية وزمام القيادة ، فهلاّ تفطن المسلمون لذلك ووعوا مكانتهم بين الأمم وسعوا الى تسنم ذرى المجد من جديد ؟

أزمة إقتصادية أم إنهيار نظم ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
أزمة إقتصادية أم إنهيار نظم ؟

(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

في ظل أجواء ملبدة بغيوم قاتمة السواد وفي ظل ريح عاتية لا بل في ظل أعاصير مالية مدمرة مهلكة حتى أسماها البعض بتسونامي جديد ، يعيش العالم اليوم الأزمة المالية العالمية وأفئدته مضطربة هاوية ، فما هي أسباب هذه الأزمة ؟ وما هي مآلاتها وانعكاساتها على أمريكا والعالم ؟ وهل خطط الإنقاذ التي تسارع في رسمها الحكومات من واشنطن الى لندن وبرلين وباريس ستفلح في تقويض هذه الأزمة ؟ أم أن الأزمة ستواصل التدحرج حتى تبلغ أسفل سافلين ؟ وهل تشابه هذه الأزمة ما حدث في أواخر عشرينات القرن الماضي وما عرف بالكساد الكبير ؟ وهل سقطت نظرية حرية السوق وحرية رأس المال ؟ وهل تبقى الأزمة أزمة إقتصادية فقط أم تتعادها لتصبح بداية إنهيار للمبدأ الرأسمالي ؟ وهل يمثل النظام الإقتصادي في الإسلام حلاً للمشكلة التي تعاني منها البشرية ؟وما آلية تطبيق هذا النظام وكيف يمكن تعميمه على العالم ؟
أسئلة كثيرة وفي طياتها الكثير من الأسئلة سنسعى في هذه العجالة لنلقي الضوء على جوانب هامة منها علّنا أن نصل وإياكم إلى فهم حقيقة ما يجري وتصور ما آل إليه المبدأ الرأسمالي وكيف لنا أن نوفر لأنفسنا وللبشرية طوق النجاة .

تمهيد :

يخطأ من يظن بأن الأزمة المالية الراهنة التي تعصف بالعالم هي سحابة صيف عابرة أو أنها نتاج عدم الإلتزام بقواعد اللعبة الرأسمالية أو أنها مولود غير شرعي للمبدأ الرأسمالي ، فمن فقه واقع هذا المبدأ ونظامه المالي الاقتصادي الذي سمي المبدأ باسمه باعتباره أبرز ما في المبدأ يدرك بأن نهاية هذا المبدأ من أول يوم هي نهاية قاتمة وأن مصيره منذ لحظة ولادته هو الموت وأنه مهما علا فمآله إلى الانهيار ، لكن عمر هذا المبدأ ونظامه بقي في علم الغيب وطي الكتمان ، وبقي هذا المبدأ يهلك الحرث والنسل في جنح الليل وفي وضح النهار بأسماء وشعارات يضلل فيها البشر فتنطلي عليهم ، فتارة باسم الديمقراطية وتارة باسم حرية السوق وتارة باسم الشرق الأوسط الكبير وتارة باسم الاتحاد من أجل المتوسط وأخرى بالعولمة وغيرها ، والحقيقة التي ما خفيت على كل مبصر منذ اللحظة الأولى أن هذا المبدأ يسعى لاستعباد البشر ونهب خيراتهم ، ولا عجب في ذلك فهو يرى مقياس الأعمال من منظور المصلحة دون سواها ويحكم على الأفعال ضمن نطاق القيم المادية دون غيرها ويرى في الإستعمار مع تعدد أشكاله نهجاً لنشر مبدئه ، فمبدأ هذه أفكاره و منطلقاته وسلوكياته في الحياة ماذا يمكن أن ينتج من ثمار غير الشوك أو الحنظل في أحسن أحواله ؟!

ومن ثم إن مقياس صحة أي مبدأ وبالتالي صحة النظام المنبثق عنه يعود الى مدى صحة العقيدة والأساس الفكري الذي يقوم عليه ، والمبدأ الرأسمالي يقوم على عقيدة وفكرة فصل الدين عن الحياة ، وهي بلا شك عقيدة خاطئة إذ إنها لا تقنع العقل ولا توافق الفطرة فهي قد ساوت بين المقر بوجود الخالق وبين المنكر لوجوده وقصرت الدين على أماكن العبادة وحدها وأعطت العقل البشري العاجز صلاحية تشريع القوانين والنظم ، كما لا يخفى على كل مطلع على تاريخ نشوء هذه العقيدة أنها كانت حلاً وسطاً بين طرفين متنازعين ولم تكن نتيجة بحث فكري موضوعي ، فلقد وضعت هذه العقيدة التي أصبحت تعرف بعقيدة الحل الوسط قبل التفكير بصحتها أو خطئها فهي ليست نتيجة بحث عقائدي في الكون والإنسان والحياة بل كانت نتيجة حل توافقي بين رجال الكنيسة والفلاسفة المنكرين للدين .

هذه هي حقيقة المبدأ الرأسمالي وحقيقة عقيدته وهي متهافة نظرياً غير أن هيمنته المؤقتة على العالم وما حققه من تقدم في مجالات العلم والتكنولوجيا سحر الأعين وغشاها ما غشى فظن البشر بأن المبدأ الرأسمالي هو الذي يقود للرفاهية ورغد العيش ولكن سرعان ما انقشع الغمام وبان للبشر بأن الجنان التي تراءت لهم ما هي سوى سراب خادع وأن العيش الذي يحلمون به ما هو الإ عيش يتسولون فيه كسرة الخبز وقطرة الماء ويتوسدون فيه الأرض ويلتحفون فيه السماء .

هذا هو سياق ما يحل بالعالم اليوم في ظل الأزمات الإقتصادية المتكررة التي خلفها لهم المبدأ الرأسمالي ، والأزمة المالية التي نعيشها اليوم ليست سوى ثمرة مرة من هذا الحصاد الأثيم ، لكن هذه الثمرة بلغت من المرارة ما لم تبلغه مثيلاتها فلقد ارتوت من السم الزعاف الذي يسري في لحاء الرأسمالية ونضجت في ظل ظلام دامس فكانت ثمرة حقيقية غايرت تلك الثمار التي كانت تفرزها الرأسمالية وتسوقها قبل نضجها فكانت هذه الأزمة هي المثال الحي والشاهد الناطق على ما يمكن أن يجنيه البشر من هذا المبدأ ونظامه بل إنها كانت علامة سقوط هذه الشجرة التي كانت نبوءة سقوطها في أول ثمرة حقيقية مكتملة النضج تثمرها .

أسباب هذه الأزمة

أما أسباب هذه الأزمة فأسباب جذرية أساسية سببت هذه الأزمة وغيرها من قبل وقشة قصمت ظهر البعير ، اما الأسباب الجذرية والتي كانت ماكينة تفريخ للأزمات المالية والإقتصادية طوال العقود الماضية فكانت بمثابة دابة الأرض التي أكلت منسأة الرأسمالية فأتت عليها ، فهي أربعة :

الأول: إقصاء الذهب عن كونه الغطاء النقدي، وإدخال الدولار شريكا له في اتفاقية بريتون وودز مع نهاية الحرب الثانية، ثم بديلا له في أوائل السبعينات عندما أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون عن فك إرتباط الدولار بالذهب مما قاد الى جعل الدولار متحكما في الاقتصاد العالمي، وأساساً لعملات الدول الأخرى ، بحيث تكون أية هزة اقتصادية في أمريكا مشكِّلةً ضربة قاسية لاقتصاد الدول الأخرى، وهذا يفسر تداعي الدول الأوروبية ودول آسيا لإنقاذ الدولار من مآزقه المتكررة .
والثاني: إن القروض الربوية تشكل مشكلة اقتصادية كبرى، حتى إن مقدار الدين الأصلي سيتضاءل مع الزمن بالنسبة للربا المحسوب عليه، فيصبح عجز الأفراد والدول أمرا واردا في كثير من الحالات، ما يسبب أزمة تسديد الدين، وتباطؤ عجلة الاقتصاد لعدم قدرة كثير من الطبقات الوسطى بل والكبرى عن تسديد الدين ومواكبة الإنتاج وهذا ما قاد بصورة مباشرة الى إنفجار فقاعة الرهن العقاري التي كانت السبب الرئيس في الأزمة المالية العالمية .

والثالث: إن النظام المعمول به في البورصات والأسواق المالية، من بيع وشراء للأسهم والسندات، والبضائع دونما شرط التقابض للسلع بل تشترى وتباع مرات عدة ، دون انتقالها من بائعها الأصلي، هو نظام باطل يعقد المشكلة و لا يحلها، حيث يزيد التداول وينخفض دون تقابض بل دون وجود سلع...، كل ذلك يشجع المضاربات والهزات في الأسواق، وهكذا تحدث الخسائر والأرباح بطرق شتى من النصب والاحتيال وقد تستمر وتستمر قبل أن تنكشف وتصبح كارثة اقتصادية.

والرابع : وهو عدم الوعي على واقع الملكيات، فهي قد كانت عند مفكري الشرق والغرب إما مِلكية عامة تتولاها الدولة وفق النظرية الاشتراكية الشيوعية، وإما مِلكية خاصة يتولاها القطاع الخاص ولا تتدخل الدولة بها وفق النظرية الرأسمالية الليبرالية المعتمدة على حرية السوق، والخصخصة، ثم أضيف لها العولمة مما جعل حفنة من أغنياء العالم يتحكمون بثروات البشرية ويوردونها موارد الهلاك سعياً وراء زيادة أرصدتهم البنكية ولو على حساب كسرة الخبز وقطرة الماء لجوعى العالم .


أما القشة التي قصمت ظهر البعير فتتمثل في انفجار ما عرف بفقاعة الرهن العقاري في منتصف عام 2007 ، فبعد إزدهار قطاع العقارات في أمريكا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتزايد الطلب عليها وبعد أن قدمت الحكومة الأمريكية التريليونات لمؤسسات الإقراض بفوائد بسيطة لدعم قطاع الرهن العقاري والاستثمار فيه وبعد أن قامت آلة الإعلام التي يسخرها أرباب الأموال لخدمة مصالحهم بالترويج لسوق العقارات بشكل هائل ، أقدمت كبرى شركات الرهن العقاري وكبرى مؤسسات الإقراض على تقديم قروض عالية المخاطرة للمستدينين من الأفراد والمؤسسات مما رفع من نسبة الفائدة على هذه القروض وبسبب ما شهده هذا القطاع من نمو كبير في فترة محدودة فقد طمع فيه الكثيرون وسال له لعاب المستثمرين و المؤسسات الربوية في أمريكا وغيرها فأقبلوا جميعاً على شراء وبيع سندات الدين وأوراق القروض ولم تقتصر عمليات الشراء والبيع على السوق الأمريكية بل تعدتها لتعم معظم الأسواق العالمية مما جعل هذه الأموال تتكاثر وتتضاعف بسبب الفوائد المركبة وعمليات البيع والشراء المتكررة لهذه السندات والأوراق المالية ، ومع انفجار فقاعة الرهن العقاري بسبب طلب الحكومة الأمريكية تحصيل ما اقرضته للبنوك من أموال لتغطية نفقات العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان الآخذة في الإرتفاع ، تعرض قطاع العقارات لهزة قوية ، فبسبب الفوائد العالية التي وضعت على قروض العقارات وبسبب عجز أصحاب العقارات على السداد ومع حلول استحقاقات كثير من السندات والأوراق المالية وفوائدها ، لم تعد مؤسسات الإقراض والرهن العقاري قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية وجراء ذلك انخفضت اسعار العقارات مما أحدث فجوة بين سعر العقار الحقيقي والقرض الذي عجر المستدين عن سداده مما قاد الى وجود مبالغ هائلة تعد أموالاً معدودمة او سندات رديئة ، وعقب ذلك فُقدت السيولة من مؤسسات الإقراض والبنوك ولم تعد تملك هذه المؤسسات سوى عقارات كاسدة لا سوق لبيعها وإذا بيعت بيعت بأبخس الأثمان ، ويذكر أن بعض الإحصائيات قبيل تفاقم هذه الأزمة قدرت عدد العقارات الكاسدة المعروضة للبيع بثلاثة ملايين عقار ، ولقد أدت أزمة الرهن العقاري الى إفلاس مؤسسات إقراض وشركات رهن كبرى في أمريكا كما أشرت كبرى شركات التأمين على الإفلاس وأشهرها شركة ايه اي جي وذلك بسبب البدعة التي ابتكرها هؤلاء من التأمين على السندات عالية المخاطرة مما أرهق ميزانيتها بسبب الأموال الطائلة التي قدمتها الشركات للمؤمّنين على السندات التي تهاوت مع الأزمة ، كما انعكس إفلاس البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية على العالم ، وقدرت بعض المصادر المالية خسائر الرهن العقاري بنحو 2.5 تريليون دولار في أمريكا ، وخسائر فادحة أخرى في أوروبا وبقية دول العالم الأخرى.


آثار الأزمة الراهنة ومخلفاتها :

أما آثار هذه الأزمة فمن الصعب إحصاؤها أو حصرها فلقد عمت وشملت كبرى البنوك والمؤسسات في أمريكا التي تملك 40% من اقتصاديات العالم كما شملت دول أوروبا وآسيا وبقية دول العالم ونحن في هذه العجالة لن نستطيع أن نحصي هذه الآثار المدمرة لأنها مستمرة وآخذ بعضها برقاب بعض ، لكننا سنأتي على ذكر أبرزها الى الآن-وقت كتابة هذه الورقات- لأن تغييرات الأسواق المالية وهبوطها والخسائر الفادحة التي يمكن أن تنتج جراء ذلك أصبح أمراً يومياً إن لم يكن لحظياً لذا يصعب الوقوف على مدى ما خلفته هذه الأزمة لأنها في بدايتها ولن نستطيع إحصاء الخسائر الفادحة التي ألحقتها بالعالم أجمع .
ومن هذه الآثار

• دخول اقتصادات الدول الصناعية الرئيسية في العالم في مرحلة ركود "طويل الأمد" مع احتمال انكماش اقتصادات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو في العام القادم بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
• انهيارات حادة ومستمرة في أسواق المال الأمريكية والعالمية .
• انهيار وإفلاس مؤسسات مالية ضخمة من مثل بنك ليمان برذرز رابع أكبر بنك بالولايات المتحدة الذي تكبد خسائر تقدر بالمليارات نتيجة سوق الرهن العقاري الأميركي وقدرت خسائره بـ 617 مليار دولار.
• كما خسرت ميريل لينش الإئتمانية 23 مليار دولار.
• وتم تحويل آخر بنكين استثماريين الى شركتين قابضتين .
• فقد صندوق التقاعد الأمريكي قرابة 2.2 تريليون دولار بين عشية وضحاها .
• أغلقت السلطات الأميركية سبعة عشر بنكاً جراء تداعيات الأزمة المالية ومنها بنك بنك فريدوم.
• كما تعرض قطاع صناعة السيارات العمود الفقري للصناعة الأمريكية الى هزة قوية خاصة شركة جنرال موتورز المهددة بالإفلاس بسبب الخسائر التي لحقت بها جراء حالة الركود غير المعلنة وكذا شركة كرايسلر وفورد.

• وانتقلت آثار هذه الأزمة الكارثية لتعم دول آسيا واوروبا كأيسلندا التي أفلست كلياً ، كما دفعت الأزمة العديد من دول أوروبا الى تأميم بنوكها، والعالم الآن ينتظر فترة الكساد المتوقعة ويخشى من آثارها التي ستعم جميع جوانب الحياة ولا سيما الفقراء منهم وهذا ما حذر منه صندوق النقد الدولي مؤخراً .
• كما تضاعف عجز المزانية الامريكية ثلاث مرات خلال السنة المالية 2007 - 2008 ووصل الى 455 مليار دولار وهو اعلى رقم يصل اليه عجز الميزانية على الاطلاق، ويمثل اكثر من ثلاثة في المئة من مجموع الناتج القومي. وتشهد بريطانيا أكثر حالة بطالة في تاريخها فقد وصل عدد العاطلين عن العمل ما يقارب 2 مليون شخص ويهدد الركود اقتصاديات دول اليورو.

خطط الإنقاذ ومحاولات ترقيع المبدأ الراسمالي :

اما خطط الإنقاذ التي سارعت بها أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي فلم تكن سوى مجرد عرقلة لكرة الثلج المتدحرجة والتي ما عادت تبقي شيئاً في طريقها إلا دمرته ، وهي معالجة للمشكلة من نفس المسبب لها فما تقدمه الدولة ليس صدقة أو منحة بل قروضاً بفائدة ستعمل الدولة على تحصيلها لاحقاً أو وعودات وضمانات لودائع أو سندات غير مستحقة الى الآن ، فما تطرحه خطة الإنقاذ الأمريكية من ضخ 800 مليار دولار أو ما يقارب 1000 مليار في أسواق المال عبر ضمان ودائع كبرى البنوك وشراء السندات الرديئة فهذا لن يحل المشكلة وربما سيضاعفها وسيعكسها بصورة قوية على دافعي الضرائب والمواطن العادي إذ تقوم هذه الخطط على استخدام المال العام والمخاطرة به، مما سيؤدي الى حالة ركود شاملة .

أما خطة الإتحاد الأوروبي فسواء كانت خطة موحدة ام خططاً متناثرة لن تخرج كثيراً عن مستوى خطة الإنقاذ الأمريكية فهي لا تعدو ضخ مئات المليارات في الأسواق أو تأميم بعض البنوك .

أما عن خطط الدول النامية فلا خطط لها وهي لا تملك سوى أن تتلقى الضربات مجتمعة أو متفرقة وتتكبد الخسائر المعلنة والمخفية ، فأموال هذه الدول في الغالب مستثمرة لدى المؤسسات الأمريكية وإقتصادها عالة على إقتصاديات الغرب حتى لقمة عيشها تعتمد فيها على المنتجات الغربية وعملاتها كالريشة في الفضاء الأمريكي تميل حيث الدولار يميل .


هل الأزمة الراهنة مجرد أزمة مالية أم تتعدى ذلك لتمثل بداية إنهيار المبدأ الرأسمالي؟

من التواضع أن نسمي الأزمة الراهنة بالأزمة فهي أكبر من الأزمة بكثير لذا أسماها البعض بتسونامي والبعض الآخر بالإعصار المالي مما يدلل على عمق هذه الأزمة سيما وانها لازالت في بداياتها وأن كل ما نسمع عنه من خسائر هي الخسائر المعلنة فقط وأؤكد المعلنة فقط والمخفي أعظم وما ذلك إلا لعدم قدرة هؤلاء على الإفصاح عن حجم الخسائر الكارثية التي ألمّت بهم لئلا يؤدي ذلك الى فقدان ثقة شعوبهم بهم وبالتالي يسرع في إنهيار إقتصادياتهم ، ومن الخطأ الفادح أن نظن بأن الدول الرأسمالية ستتعافى من هذه الأزمة وستعود لسالف عهدها ، كما من غير الدقة أن نظن ان سقف هذه الأزمة سيكون الكساد الكبير الذي أصاب أمريكا والعالم عام 1929م ، والحقيقة أن هذه الأزمة تفتقر الى تسمية جديدة تخرج عن قاموس المصطلحات المستعملة ولا أجد لها من تسمية سوى بداية إنهيار الرأسمالية أو بداية غرقها في الإنهيار أو سقوطها في واد سحيق .

فما دلائل ذلك الإنهيار وما الفرق بين هذه الأزمة والأزمات المالية السابقة ؟
للأجابة على هذا التساؤل أسلط الضوء على جوانب مبدئية واضحة صاحبت هذه الأزمة ولم تصاحب مثيلاتها من قبل ولم تصاحب أزمة عام 1929م وهذه العوامل هي التي جعلت من هذه الأزمة علامة فارقة ومفصلاً مهما في تاريخ الرأسمالية .
من هذه الأمور :

1. نسبة قادة الغرب أسباب الأزمة لطبيعة النظام المالي الرأسمالي ومطالبتهم بوضع نظام مالي جديد ، فقد صرح الرئيس الفرنسي ساركوزي أكثر من مرة بان العالم بات بحاجة الى نظام مالي جديد ، وكذلك المستشارة الالمانية انجيلا ميركل فقد صرحت بأن هناك حاجة لوضع قواعد عالمية جديدة للنظام المالي ، وكذا رئيس الوزراء البريطاني براون ، كما دعا رؤوساء الدول الأوروبية الى إجتماع عالمي في نيويورك –منطلق اتفاقية بريتن وودز- في منتصف نوفمبر لمناقشة وضع قواعد لنظام مالي جديد .
2. سلوكيات الحكومات الرأسمالية التي تجاوزت المفاهيم الأساسية التي ينص عليها المبدأ الرأسمالي من قيام هذه الحكومات بالتدخل في الأسواق المالية بصورة مباشرة وتأميم كبرى البنوك سيما في أوروبا وهذا إن دل فيدل على عمق الأزمة التي دعت هؤلاء الى التنازل عن أهم أفكار المبدأ الرأسمالي "حرية السوق" وألجأتهم إلى ( التأميم ) من بقايا المبدأ الشيوعي الذي انهار من قبلهم فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار .

3. فقدان الثقة بالمبدأ الرأسمالي وقدرته على معالجة الأزمة مما دعا مفكري الغرب الى التصريح بدنو انتهاء الحقبة الرأسمالية ومطالبة بعضهم باللجوء الى الإسلام لحل الأزمة الراهنة حتى دعا ذلك منظر الرأسمالية فوكوياما بالقول أن بعض أفكار الرأسمالية قد سقط جراء الأزمة الحالية وغيره من الكتاب الغربيين الذي أشادوا بالنظام الإقتصادي الإسلامي بإعتباره النظام الذي يمكن أن ينقذ البشرية. وفي افتتاحية مجلة "تشالينجز" كتب رئيس تحريرها، بوفيس فانسون، مقالا بعنوان (البابا أم القرآن) تساءل فيه عن "أخلاقية الرأسمالية"، وقال "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود". ونقل عن رولان لاسكين رئيس تحرير صحيفة "لوجورنال د فينانس" مطالبته بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة، ونقل أيضا عن لاسكين إدراجه لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية من ضمن مقترحات وضعها للحل في مقال له بعنوان "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟"
وبالتدقيق في الأمور سالفة الذكر يتبين لنا عمق هذه الأزمة وخروجها عن مواصفات الأزمة المالية كأزمة عام 1929م وبقية الأزمات المالية السابقة لتصبح هذه الأزمة أزمة فقدان ثقة بالنظام الرأسمالي ككل وهذا يمثل بداية الإنهيار المرتقب للرأسمالية وإن كان الأمر ربما يتطلب برهة من الزمن الى حين تأهل الأمة الإسلامية لتقدم البديل والخلاص للبشرية .

أما الحل والعلاج فالإسلام وحده من يملك العلاج وهو الواقي من هذه الأزمات

فالإسلام يحوي على نظام إقتصادي متكامل كفل النمو والإزدهار الإقتصادي للمسلمين عبر القرون الماضية حتى في ظل عدم إكتشاف الخيرات والثروات في بلاد المسلمين وتاريخ الخلافة خير شاهد ، كما أن الإسلام قد استبق أية أزمة إقتصادية عبر منعه لكل مسببات الأزمات الاقتصادية:

فقد نص على أن يكون الذهب والفضة هو النقد لا غير، وأن إصدار الأوراق النائبة يجب أن تكون مغطاة بالذهب والفضة بكامل القيمة وتستبدل حال الطلب. وبذلك فلا يتحكم نقد ورقي لأية دولة بالدول الأخرى، بل يكون للنقد قيمة ذاتية ثابتة لا تتغير.
ومنع الربا سواء أكان ربا نسيئة أو فضل، وجعل الإقراض لمساعدة المحتاجين دون زيادة على رأس المال، وفي بيت مال المسلمين باب لإقراض المحتاجين والمزارعين مساعدة لهم دون ربا.

ومنع بيع السلع قبل أن يحوزها المشتري، فحرم بيع ما لا يملك الإنسان،وحرم تداول الأوراق المالية والسندات والأسهم الناتجة عن العقود الباطلة، وحرم وسائل النصب والاحتيال التي تبيحها الرأسمالية بدعوى حرية الملكية.
ومنع الأفراد والمؤسسات والشركات من امتلاك ما هو داخل في الملكية العامة، كالبترول والمعادن والطاقة والكهرباء المستعملة في الوقود... وجعل الدولة تتولاها وفق الأحكام الشرعية.

وهكذا فقد عالج النظام الاقتصادي الإسلامي كل اضطراب وأزمة في الاقتصاد تسبب شقاء الإنسان، فهو نظام فرضه رب العالمين الذي يعلم ما يصلح مخلوقاته (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).

بيد أن النظام الإقتصادي الإسلامي لن يؤتي ثماره مستقلاً عن العقيدة التي انبثق عنها ولن يصلح شأن البشر إن هم زاوجوا بينه وبين عقيدة أخرى كعقيدة فصل الدين عن الحياة ، بل لن يكون خلاصاً لهم إلا إن طبق في دولة تعتنق عقيدته وتطبق نظامه وتحمل الإسلام الى العالم رسالة خير وهدى ، وهذا كله يلقي العبء الأكبر على المسلمين أكثر من ذي قبل، فلقد بات خلاص البشرية وإنقاذها مما تعانيه أمانة في أعناقهم فوجب عليهم التحرك سريعاً لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ليخلصوا أنفسهم والبشرية من الضنك الذي يحيوه ، فيكونوا بحق رواد البشرية كما كانوا طيلة ألفٍ وأربعمئة عام ويكونوا مشاعل هداية كما وصف ربعي بن عامر الأمة الإسلامية بقوله (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة).

نتائج الانتخابات الأمريكية هروب من الفشل

نتائج الانتخابات الأمريكية ...هروب من الفشل

لقد شغلت الإنتخابات الأمريكية مساحة كبيرة في الإعلام بشتى وسائله ، كما دفعت نتائجها الكثير من الكتاب والصحفيين للكتابة حول التجرية الأمريكية ، فتعالت بعض الأصوات التي تكيل المديح للديمقراطية الأمريكية ولبلد الفرص وهنأ البعض أمريكا في انتصارها على فكرة العنصرية كما علق البعض آمالاً عريضة على قدوم التغيير لأمريكا وسياساتها في العالم ، وغير ذلك مما تفتقت عنه أذهان المحللين والكتاب والصحفيين ، بيد أنه من غير الطبيعي ولا من سداد الرأي والحكم أن يتم فصل الإنتخابات الأمريكية الحالية عن الظروف والملابسات التي تحيط بأمريكا اليوم ، كما من غير الدقة تجاهل حقائق يراها كل مبصر ومتتبع للسياسة وللسياسة الأمريكية على وجه الخصوص .


أما الحقائق المتعلقة بالسياسة الأمريكية فهي :

• إن الحكام الحقيقيين لأمريكا هم الرأسماليون المتنفذون أصحاب كبرى الشركات الأمريكية كشركات النفط وشركات صناعة السيارات وكبرى البنوك والمؤسسات المالية وغيرها ، ويظهر ذلك جليا في دعم هذه الشركات للحملات الإنتخابية لمرشح دون آخر فمن المعلوم بداهة أن بدون الأموال المقدمة من الرأسماليين لا تقوم حملة انتخابية لمرشح ما بل إن مدى ما يستطيع المرشح تحصيله من أموال يعد رصيد نجاح له في عرف الانتخابات الأمريكية ولا يظن عاقل أن هذه الأموال تقدم من كبرى الشركات بدون مقابل سياسي أو اقتصادي بمعنى آخر بدون رهن للقرار بيد هذه الشركات ، كما يظهر تأثير الرأسماليين المتنفذين عبر تحكمهم بآلة الإعلام الأمريكية التي تحتل المركز الأول في تكوين الرأي العام الأمريكي .

• إن السياسة الأمريكية لا تتغير بتغير شخص الحاكم أو حزبه ، بل إن السياسة الأمريكية يتم رسمها من قبل حكام في الظل وموجهيين سياسيين ولكن يختلف أسلوب تنفيذ هذه السياسة من حاكم لآخر ومن حزب لآخر فالاختلاف ليس جوهريا بل شكلياً وبحسب طبيعة كل مرحلة تمر فيها السياسة الأمريكية يتم دعم مرشح أو حزب على آخر ليضطلع بتنفيذ الأجندات السياسية المرسومة مسبقاً .

• إن العنصرية في أمريكا لا يمكن أن تزول بمجرد إستلام حاكم ملون للحكم فيها فهي متجذرة في المجتمع الأمريكي بصورة قوية وما الكشف عن محاولة اغتيال أوباما في فترة الحملة الانتخابية وما الحراسة المشددة التي حظي بها خلاف ماكين إلا إشارة على عمق مفهوم العنصرية في الشعب الأمريكي كما أن الواقع العملي يثبت تكريس هذه العنصرية فأكبر نسبة بطالة في أمريكا في أوساط السود وأكبر عدد جريمة يقع في أوساط السود و80% من المعتقلين في السجون الأمريكية من السود ، فالعنصرية مجسدة عملياً، وما الإتيان بحاكم أسود سوى تضليل ليظن البعض بأن أمريكا قد تخلت عن عنصريتها .

أما الظروف والملابسات التي تعيشها أمريكا اليوم فهي :

• تعيش أزمة مالية خانقة أتت على اقتصادها ، عجز كبير في الموازنة ليس له مثيل من قبل ، وهي تخشى حالة الكساد التي يمكن أن تعم الإقتصاد الأمريكي.
• مشاكل داخلية صعبة تتمثل في موضوع التأمين الصحي والضرائب .
• إخفاق عسكري وحرب استنزاف في كل من العراق وأفغانستان وعجز عن تحقيق النصر الذي طالما وعِد به الشعب الأمريكي .
• انحدار في سمعة أمريكا عالمياً على المستوى الإنساني والأخلاقي ، فلقد أصبح غوانتاناموا وبلغرام وأبو غريب هي الماركة المسجلة لأمريكا التي لا ينافسها فيها أحد .
• انحدار في التقيد بمفاهيم الحريات الغربية فلقد بات انتهاك الحريات للشعب الأمريكي نهجاً لإدارته وحكامه فسمح بمراقبة الهواتف والاطلاع على الملفات السرية الخاصة بكل مواطن أمريكي .

هذه هي الظروف والملابسات التي احاطت بالانتخابات الأمريكية وهي تعبر عن حالة فشل في المبدأ والسياسة ، فعلى صعيد المبدأ بان للعالم بأن الديمقراطية الرأسمالية ليست سوى أداة لجلب الكوارث وعاملاً محفزاً للأزمات المالية والإقتصادية وأنها سببت المصائب للبشرية وسلبت منهم أدنى مقومات الحياة والكرامة وها هم روادها يقفون حيارى عاجزين عن معالجة الأزمة المالية الراهنة وما خلفته وما يمكن أن تخلفه مستقبلاً ، ولا عجب في ذلك فالرأسمالية متهافتة فكرياً ولكن بان فشلها اليوم عملياً في أرض الواقع ، وأما السياسة فأمريكا لم تعد قادرة على لعب دور الشرطي العالمي فحرب العراق وأفغانستان قد استنزفتها وأثبتت للعالم عجزها وخوارها فسبع وخمس سنوات لم تكفها لإنجاز مخططاتها في كل من افغانستان والعراق.

في ظل هذه الأجواء السوداوية لأمريكا غير المسبوقة احتاج الشعب الأمريكي لطفرة غير مسبوقة فكان استجلاب حاكم ملون للبيت الأبيض ظناً منهم أن هذه الطفرة ستغطي على بعض الأزمات المبدئية والسياسية التي تمر فيها أمريكا ، فحقيقة هذه الإنتخابات كانت هروباً من الفشل ، فأدوات النجاح لم تعد ملكاً لا للرأسمالية ولا لأمريكا ، ومخطئ كل من ظن أن تغيراً سيطرأ على السياسة الأمريكية وأن نهجاً وتوجهاً جديداً سيطغى على سياسة أمريكا تجاه العالم وتجاه المسلمين على وجه الخصوص ، فالحرب على "الإرهاب" ستستمر وحرب العراق وأفغانستان ستستمر وسياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط ستبقى على حالها .

إن الإتيان بحاكم ملون ما هو-في جانب منه- إلا محاولة لإسترضاء العالم الذي ضاق ذرعاً بأمريكا وبسياسات بوش طوال السنوات الثماني المنصرمة ، فهو محاولة لإستعادة "المكياج" للهيمنة الأمريكية من جديد ، لكن مع كل الظروف والأحوال التي ذكرناها آنفاً لن يجد أوباما ومن أتى به سبيلاً للنجاح .

إن الأمة الحية هي التي تستطيع أن تتغلب على مصاعبها بحكمة واقتدار ، وما نراه في امريكا اليوم من عجز وضعف وخداع وتضليل يبرهن القول بأنها ومبدأها في حالة تداعي وانهيار ، بيد أن الأمر يتطلب برهة من الوقت الى حين بروز قوة بديلة وأمة رائدة جديدة ولن تكون هذه الأمة سوى الأمة الإسلامية التي لعبت هذا الدور بكفاءة من قبل وستعود لتلعبه عما قريب-بإذن الله-فتخرج البشرية من الضنك والكارثة والظلمة التي تعيشها الى عدل وطمأنينة ونور الإسلام .

لذا على الأمة الإسلامية أن لا تعلق آمالاً على حاكم هنا أو هناك من دول الغرب أو أن تبقي أبصارها شاخصة قبل المشرق أو المغرب ، وان تدرك ان هذا التطلع والتعلق يعني تكريس التبعية والاستمرار في أن تكون محلاً للحدث لا صانعة له ، إن على الأمة الإسلامية أن تعمل جاهدة لتقتعد مكان الصدارة بين الأمم فتكون محل أنظار العالم وأفئدته وسبيله للنجاة ولن يكون ذلك إلا عبر بوابة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

شهر رمضان شهر الإسلام لا شهر الصيام فحسب

بسم الله الرحمن الرحيم

شهر رمضان شهر الإسلام لا شهر الصيام فحسب

يقول الحق سبحانه :
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)

أظلكم شهر عظيم ، شهر الصيام والقرآن والإسلام ، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، فهل رمضان شهر صوم وقيام فحسب أم لرمضان معانٍ أخرى ؟ وهل رمضان شهر فرض واحد او إثنين أو شهر الفروض جميعها ؟ وهل يتسع رمضان لتلك الفروض مجتمعة أم تضيق به فتتعداه ؟

أسئلة كثيرة منبعها الصورة الخاطئة التي تكرست في أذهان المسلمين عن رمضان وحصره في العبادات دون سواها ومنبعها عدم التخلص من فكرة فصل الدين عن الحياة وقصر العبادة على علاقة الفرد بخالقه وعدم تعديتها لتشمل جميع علاقات الإنسان وخاصة تلك التي تربط الإنسان بالإنسان .

لقد فرض الله الصيام في شهر رمضان على المسلمين وفي الوقت نفسه لم يجعله خالصاً للصيام فقط بل جعل الله رمضان موسم خير ، موسم طاعة وموسم قيام بفروض الإسلام وبمندوباته وخاصة تلك الفروض المتصلة بمصير الأمة وعزتها ، فرمضان وإن كان شهر الصيام لكنه بمثابة التربة الخصبة والأجواء المهيئة للقيام بفروض الإسلام لا الصيام فحسب، والذي يدل على ذلك أمور عدة ،

أولها : النصوص التي جاءت تبين أن ثواب القيام بفروض الإسلام في رمضان هو ثواب سبعين منها في غير رمضان وأن أجر القيام بالمندوب في رمضان كأجر القيام بالفرض في غيره ، وهذا يدل بصورة واضحة لا لبس فيها على ضرورة أن يغتنم المسلم هذا الشهر الكريم للقيام بفروض الإسلام والإكثار من القيام بالمندوبات وهذا كله يؤكد بصورة لا شك فيها بأن رمضان يقصد منه أن يكون حافزاً للقيام بالواجبات لا لمجرد الصيام فحسب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه سلمان الفارسي رضي الله عنه (من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه , ومن أدى فريضة فيه , كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه).

ثانيها : النصوص الصريحة التي تبين أن حكمة الصوم كانت هي التقوى وفي ذلك دلالة على أن غاية الصيام ليست مقتصرة على مجرد منع النفس من اللذات والشهوات وإنما تمرّسها ودفعها للقيام بالواجبات ، يقول الله تعالى (َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ثالثها : البيان الصريح من الرسول صلى الله عليه وسلم من ان رمضان هو شهر مهيئ للطاعة والقيام بالفروض وهو تربة خصبة للعمل الصالح فمن حدثته نفسه بالطاعة والالتزام فليقبل طائعاً مستبشراً ومن حدثته نفسه بالمعصية والفسوق فليقصر ، فرمضان شهر تغلق فيه أبواب النيران وتصفد الشياطين ومردة الجان وفي رمضان تفتح أبواب الجنة ولا يحجب عنها إنسان ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) وفي ذلك دلالة واضحة على أن رمضان هو التربة الخصبة للقيام بالصالحات والالتزام بأحكام الإسلام من واجبات ومندوبات.

رابعها : فهمُ المسلمين الأوائل لطبيعة شهر رمضان ، فالمسلمون لم يكن الصوم وصلاة القيام في رمضان منتهى غايتهم وشأنهم الوحيد دون ان ينشغلوا بسواهما بل كانت الفتوحات ونشر الإسلام محل انشغالهم واهتمامهم، حتى انهم كانوا في بعض غزواتهم-وبناء على حكم شرعي- يفطرون في رمضان لأجل التقوي على العدو لأجل الغلبة مع قضائهم لهذه الأيام لاحقاً ، وكيف لا يكون انشغالهم بالجهاد مقدماً عما سواه وهم قد أدركوا أن ثواب الفرض بسبعين فكيف بذروة سنام الإسلام وكيف بهداية الناس وحمل الإسلام لهم لذا فلا عجب أن كان رمضان على مدى تاريخ الأمة شهر الفتوحات والمعارك الفاصلة في تاريخ المسلمين ، لا عجب أن كان رمضان شهر بدر الكبرى وفتح مكة وتبوك والقادسية وعين جالوت وفتح الاندلس وبلاط الشهداء وفتح عمورية وفتح بلغراد .

من ذلك كله كان لا بد للأمة أن تدرك أن رمضان فرصة لا بد من إغتنامها على خير وجه ، فرصة لتنشغل به بقضاياها المصيرية لا لتنشغل عنها بغيرها ، فرصة لتتقرب فيه الى العلي القدير بأجل الفروض وأعظم الواجبات وهو بلا منازع في زماننا فرض العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ، لأن بها وحدها يقام الإسلام وتطبق جميع أحكام الإسلام وبها وحدها يجمع شمل الأمة من بعد شتاتها وبها وحدها يحمل الإسلام رسالة خير وهدى للبشرية جمعاء .

إن رمضان منذ ولادته من رحم الإسلام كان شهر الإسلام لا الصيام فحسب فرمضان كان له التكريم والفضل والتشريف بفضل القرآن وشرفه فكان رمضان شهر الدعوة لهذا القرآن ، شهر لإقامة حدود وحروف القرآن لا مجرد تلاوته وترتيله ، فرمضان شهر دعوة وحمل رسالة الهدى لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة الله رب العباد ومن جور الأديان الى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة ، واقرأوا إن شئتم قول الحق سبحانه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) فكيف لنا أن نحقق معنى الهدى والفرقان دون ان نقيم للقرآن دولة ؟! كيف لنا أن ننشر الهدى للبشرية دون ان تحمله دولة ؟! كيف لنا أن نعبّد الناس لربهم بحق فنقيم فيهم الحدود ونطبق عليهم الشرع بدون دولة ؟!

إن واجب الأمة أن تدرك بأن لا خلاص لها سوى بدولة الخلافة ، ولن تقيم شعائر دينها بحق إلا بدولة الخلافة ، ولن تطبق شرع ربها بحق إلا بدولة الخلافة ، فليكن رمضان هذا نقطة تحول في العمل لإقامة الخلافة على مستوى الأمة ، وليكن رمضان هذا منطلقاً للعمل للخلافة لكل واحد منا فمن كان متلبساً بالعمل فليزدد ومن كان تاركاً له غافلاً عنه فليلحق بالركب وليغذ السير وليسرع الخطى ، فإلى إغتنام رمضان على خير وجه بالعمل لإقامة الخلافة على خير وجه أدعو نفسي وأدعوكم أيها المسلمون .

التقيد بالحكم الشرعي

بسم الله الرحمن الرحيم

التقيد بالحكم الشرعي

عرف الإسلام بأنه الدين الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لينظيم علاقة الإنسان بخالقه ، وبنفسه ، وبغيره من بني الإنسان . وعلاقة الإنسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات ، وعلاقته بنفسه تشمل الأخلاق والمطعومات والملبوسات ، وعلاقته بغيره من بني الإنسان تشمل المعاملات والعقوبات .
فالإسلام عقائد وأحكام شرعية ، وقد ربط الإسلام بين العقيدة والحكم الشرعي ربطاً محكماً لا انفصام فيه ، وجعل الأحكام منبثقة عن العقيدة انبثاق الأغصان عن أصولها وجذورها ، فحياتها من حياتها وضمورها وجفافها من ضمور الجذع وجذوره ، كما جعل الإسلام العقيدة الإسلامية هي الحافز الحاد على التقيد بالأحكام الشرعية ، وقد ورد ربط العقيدة بالعمل الصالح (أي التقيد بالحكم الشرعي) في آي الذكر الحكيم نيف وسبعون مرة مما يشير الى أهمية التقيد بالحكم الشرعي وعناية الشريعة به.
والتقيد بالحكم الشرعي هو عينه تعبيد الناس لربهم وهذا كان غاية الخلق مصداقاً لقوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
والذي يدل على فرضية التقيد بالحكم الشرعي أمور عدة وكثيرة من أهمها :
أولاً : أصل الخطاب إذ عُرّف الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو الوضع أو التخيير فكان الخطابُ موجهاً للعباد دون استثناء أحد سوى الصبي الذي لم يبلغ الحلم والمجنون والنائم وما عداهم واقع تحت مدلول الخطاب وذلك لعموم رسالة الإسلام وشمولها لجميع البشر مصداقاً لقوله سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) .
ثانياً : شمولية الرسالة لكل شأن من شؤون الحياة وطلب الشارع الحكيم التقيد بما بيّن وفصل لنا من أحكام ، قال تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) فالشريعة لم تغادر شأناً مهما دق أو جل إلا بينت له حكماً وهذا يجعل المكلف مقيداً بالحكم الشرعي في كل جوانب حياته ويجعل التقيد بالحكم الشرعي سجية دائمة له.
ثالثاً : النصوص الشرعية التي جاءت تطلب تحكيم الإسلام تدل على وجوب التقيد بالحكم الشرعي وعلى وجوب تحكيمه ووجوب عقوبة من سولت له نفسه التفلت من الإلتزام ولو بحكم شرعي واحد ، قالى تعالى (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) وقال أيضاً (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) ولم يقف الأمر عند هذا الطلب بل ولبيان أهمية الحكم بالإسلام وصفت الآيات من لم يحكم بما أنزل الله بأنه كافر وفاسق وظالم (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وآية (الظَّالِمُونَ) وآية (الْفَاسِقُونَ).
رابعاً : أوجب الشارع الحكيم على المسلم أن يتقيد بالحكم الشرعي وأن يحكم الإسلام في كل شأن من شؤونه وأن لا يتخير التقيد بل يلتزم به إلتزاماً واجباً دائمياً دون ان يكون له خيرة من أمره فقال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) بل إن الإسلام قد نفى الإيمان عمن لا يتقيد بالحكم الشرعي ولا يسلم به تسليماً مطلقاً فقال تعالى (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) كما قرّع على كل من يريد أن يتحاكم الى الطاغوت ووصفه بأنه يزعم الإيمان زعما إذ أن المؤمن لا يفكر مجرد تفكير بالتحاكم الى غير الإسلام ولا يرضى عن الحكم الشرعي بديلاً أو شريكا له فقال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا).
خامساً : أوجب الإسلام قتال الحاكم الذي يظهر الكفر البواح في ظل دار الإسلام وفي ذلك دلالة بارزة على وجوب وضرورة تحكيم الإسلام ووجوب التقيد به في كل جوانب الحياة فإن أظهر الحاكم وطبق حكماً واحداً ليس من الإسلام في ظل دار الإسلام وجب على الأمة قتاله حتى يرجع أو يقتل مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أفلا نقاتلهم يا رسول الله ، قال : لا ، ما صلوا) وفي حديث ابن مالك:(قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم في السيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
سادساً : الأدلة التفصيلية التي جاءت تخاطب المسلمين في كل شؤون حياتهم كقوله تعالى (أقيموا)(آتوا)(اجلدوا)(لا تأكلوا) وغير ذلك من النصوص توجب على كل مسلم أن يتقيد بكل حكم شرعي .
سابعاً : وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كل شان من شؤوننا ووجوب أن نأخذ كل ما جاء به الرسول والإنتهاء عما نهى قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وقال (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وللتأكيد على ضرورة التقيد بما ورد عن نبينا عليه السلام حذرنا سبحانه من مخالفة أمره مما يعرضنا للعقوبة والفتنة قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
فهذه الأدلة وغيرها الكثير تدل على وجوب التقيد بالحكم الشرعي ووجوب ان تكون حياة المسلم قائمة على الإلتزام بالشرع وعلى وجوب ان يطبق الحكم الشرعي في ظل سلطان وكيان يحكم به بين الناس .
أما عن آلية تطبيق الحكم الشرعي والتقيد به ، فلأن التقيد والإلتزام هو ثمرة العقيدة ولأن العقيدة هي المحرك والدافع للمسلم على الإلتزام والتقيد كان المعول عليه في هذا هو تقوى الفرد المؤمن، وتقوى الفرد المؤمن تجعل المرء يتقيد بالحكم في السر والعلن في الشدة والرخاء وفي كل حال ، كما تدخل الطمأنينة والسعادة على نفوس البشر وتصون الأهداف العليا للمجتمع ، فنظام الخالق سبحانه هو الكفيل دون سواه لأن يسعد البشرية أفراداً وجماعات وهو الكفيل والضامن وحده بتحقيق القيم البشرية جميعها من قيمة روحية وخلقية وإنسانية ومادية ، ولقد عاش المسلمون في ظل التقيد والإلتزام بالأحكام الشرعية وتطبيقها ، في ظل سيادة الشرع على ما سواه ، عاشوا حياةً لا نظير لها في ظل مجتمع متناغم يحفظ الحقوق ويقيم العدل فعم الهناء والأستقرار المسلمين والبشر .
فتطبيق الإسلام والتقيد بالحكم الشرعي من شأنه أن يوفر للمرء وللمجتمعات الحياة المستقرة والسعادة الدائمة ، غير أنه لا بد من الإشارة في هذا المقام أن التقيد بالحكم الشرعي لا يصح ربطه بالمصالح والمنافع الدنيوية ، فبرغم أن الله يؤتي المؤمنين في الدنيا حسنة كما في الآخرة إلا ان ذلك ليس علّة للتقيد بالحكم الشرعي فتطبيق الحكم والتقيد به واجب سواء رد على صاحبه في القريب العاجل نفعاً أو ضرراً مادياً ، فالحكم الشرعي لا يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً .
أما ما يحاول البعض من إثارته في خضم حملة الهجوم على التقييد بالأحكام الشرعية فيصفونها بأنها جاءت لوقت محدد ولزمان معين ولمجتمعات محددة وانها غير صالحة لكل زمان ومكان ، فهذا القول ساقط من الإستدلال والإعتبار وهو قول لا يعي طبيعة الأحكام الشرعية وطبيعة معالجة الإسلام للمشاكل البشرية ، فالأحكام الشرعية جاءت شاملة لكل زمان ومكان فجاءت النصوص بالعموم والإطلاق والتعليل وغير ذلك من صور بيان الأحكام الشرعية التي تشمل الأفعال والمتغييرات في كل زمان ومكان وهذا الذي جعل الشريعة عامة شاملة لكل مستجد ، كما أن الشريعة تعاملت في معالجاتهه للأفعال كمشاكل بشرية تصدر من إنسان ذي غرائز وحاجات عضوية وليس كمشكلة إقتصادية او إجتماعية تتأثر بالزمان والمكان والناس فكانت أحكامه تشمل ما يصدر عن هذا الإنسان مهما اختلفت صورة هذه الأفعال .
من ذلك كله نخلص الى الأمور التالية :
• أن التقيد بالحكم الشرعي واجب قطعي لا خلاف فيه ومن يخالفه يكون قد عرض نفسه للعقوبة والضنك في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة .
• إن الإسلام قد حوى أحكاماً شرعية لكل شأن من شؤون الحياة لذا كان الواجب على المسلم أن يكون مقياسه في الحياة هو مقياس الحلال والحرام .
• إن التقيد بالحكم الشرعي مبني على العقيدة وهو ثمرة الإيمان، والعقيدة هي الحافر والدافع للإلتزام والتقيد ، فالتقييد بالحكم الشرعي قائم على تقوى الفرد المؤمن .
• إن الإلتزام وتطبيق الحكم الشرعي من شأنه أن يوفر الطمأنينة والأستقرار للأفراد والمجتمعات .
• إن الأحكام الشرعية صالحة لكل زمان ومكان .
وختاماً أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بالنداء الحار لي ولكل مسلم أن تكون حياتنا مثالاً للتقيد والإلتزام بالحكم الشرعي وأن نكون بحق إسلام يدب على هذه البسيطة وحتى يكتمل إلتزامنا وتقييدنا يجب أن نسعى دائبين جاهدين لإقامة صرح الخلافة التي تطبيق شرع الله والحدود فننعم في ظل الإسلام ودولته ونرفل فيها بما يرضي الله ، نسأله سبحانه أن يأذن لنا بالفرج والنصر والتمكين عما قريب إنه ولي ذلك والقادر عليه .

تحرير الأسرى أم تحرير فلسطين ؟!

تحرير الأسرى أم تحرير فلسطين ؟!

طالعتنا الأنباء عن خبر موافقة "اسرائيل" على إطلاق سراح 200 أسير فلسطيني من سجون الإحتلال وقد ضمت هذه القائمة بعض محكومي المدد الطويلة كسعيد العتبة وأبو علي يطا ، وبعضهم تبقى لهم بضع سنين والغالبية العظمى منهم لم يتبق لهم على إنهاء محكوميتهم سوى أشهر قليلة أو سنة واحدة على الأكثر ، وقبل الخوض في تداعيات الحدث وردود الفعل تجاهه أود التقدم الى كل أسير قد رأى النور من بعد سني الظلم والمعاناة ولأهله ولأحبائه بأسمى آيات التهنئة والتبريك سائلاً المولى سبحانه أن يكون ما قدموه من تضحيات في ميزان حسناتهم وأن لا يحرمهم أجره وأن يعجّل لإخوانهم الرابضين خلف القضبان بالفرج والخلاص عما قريب إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .

وعوداً على بدء فقد كثرت ردود الفعل وطالت واستطالت حول هذا الحدث ، فبعضهم وصفه بالإنجاز للقيادة الفلسطينية وبعضهم وصفه ببادرة حسن النية وبعضهم ذمه لأنه شمل أسرى فصائل دون أخرى وآخر إعتبره مفرقاً للشعب الفلسطيني والى غير ذلك من ردود الفعل المختلفة والمتباينة ، والذي أود الوقوف عليه في هذه العجالة في خضم هذا الحدث أموراً عدة رأيت من المناسب التذكير بها حتى لا تندرس مع مرور السنين والأيام ، فتغيب عن الأذهان كما غُيبت عن الواقع ، فمن تتبع الشأن الفلسطيني يجد :
• أن قضية الأسرى أصبحت قضية تكاد تكون منفصلة عن أساس القضية الفلسطينية والتي تكمن في تحرير الأرض وتخليصها من السرطان الذي أصابها وجثم على صدرها والمسمى "اسرائيل" فأصبحت هذه القضية قضية قائمة بذاتها دون أن يلتفت الى أن هؤلاء الأسرى ومن قبلهم الشهداء قد قدموا التضحيات لتحرير فلسطين وتخليصها من هذا الإحتلال لا لكي يكونوا هم القضية ويتم التغافل عن هدفهم ومبتغاهم فيكون شأنهم ملهاة عن أصل القضية وعاملاً على تضييعها والتفريط فيها بدل استرجاعها كاملة غير منقوصة وردها لحضن ديار المسلمين .
• كما يلاحظ من طبيعة تعامل القيادة الفلسطينية مع هذا الحدث مدى إنخفاض سقف تطلعات هذه القيادة التي لم تعد تجد ما تقدمه لأهل فلسطين المنكوبين سوى إطلاق سراح بعض المعتقلين هنا أو هناك أو إعادة لم شمل بعض العائلات أو وعودات بإزالة حاجز أو حاجزين أو غير ذلك مما لا يصح ان يدون ضمن قائمة إنجازات قيادة لشعب نهبت أرضه كاملة وقتل وشرد وديست كرامته بالتراب ، فمن انصف القول وجد ما تقدمه القيادة الفلسطينية لشعبها ليس سوى فتات الفتات .
• ولا يخفى على كل بصير أن دولة يهود لا تقدم شيئاً لأهل فلسطين دون ثمن بل هي تدخر الكثير الكثير من معاناة أهل فلسطين لتتخذ من هذه المعاناة محل تفاوض متوسط أو طويل الأجل وبالتالي تساوم القيادة الفلسطينية على مسائل أهم وقضايا أعمق فتتخذ من تخفيف بعض المعاناة غطاءاً لتمرير التنازلات تجاه ما يسمى بالخطوط الحمراء التي لم تبق منها سوى اسمها .
• إن نهج التفاوض مع المحتل والإعتراف به والجلوس معه والرضى بالسير في المخططات الدولية للمنطقة هو من قاد هذه البلاد ومن فيها من العباد الى هذه الحال لذا فالاستمرار في نفس النهج سيقود حتماً بلا إجتهاد أو تأويل كلام الى مزيد من التردي والإنحدار .
• إن قضية فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين لم تكن يوماً عبر تاريخ الأمة شأناً داخلياً لأهلها بل كانت قضية للأمة الإسلامية جميعها ولم تخرج علينا هذه الدعوات سوى بعد فرقة الأمة وتقسيمها إرباً متعددة بعيد إتفاق سايكس-بيكو المشؤوم ، لذا كان على من يريد خيراً لهذه القضية أن يعيدها لسالف عهدها قضية للأمة الإسلامية وأن ينتزعها من أحضان من أنسوا بالمستعمر ورضوا بالشرعة والمخططات الدولية .
• إن مواقف المسلمين عبر ناريخ الأمة تجاه بيت المقدس وأكنافه تنطق بها حجارة المسجد الأقصى وصفد وعكا والرملة ، تنطق بفتحها على يد الفاروق وتحريرها على يد صلاح الدين وحفظها وعدم تضييعها على يد السلطان عبد الحميد ، لذا حري بأهل فلسطين أن يكونوا لبنة في إقامة صرح الخلافة التي تعيد تحرير فلسطين كاملة وتستأصل شافة يهود وتحرر جميع أسرى المسلمين.

إعرف عدوك

إعرف عدوك
مؤسسة "راند" والإستعانة بالحركات الإسلامية "المعتدلة" ....حلقة من حلقات الحرب على الإسلام

منذ أن بزغ فجر الإسلام والصراع بين الحق والباطل قائم لم تخفت ناره ولم تهدأ عواصفه بل إن هذا الصراع كان ككرة الثلج المتدحرجة بلا توقف كلما مرت عليها الأيام والسنون كلما كبرت وتضخمت وهذا لا يخفى على كل بصير ، غير أن أشكال هذا الصراع أخذت تتنوع وتتشكل وأكتست صوراً متعددة ، فظن قصيرو النظر أن حدة الصراع قد ضعفت وأن زماننا زمان "ثقافة الحوار وحوار الحضارات وتكاملها" كما يحلو للبعض أن يسميه ، ولكن هؤلاء قد أخطأوا كبد الحقيقة وجانبوا الصواب بعلم وبينة أو بغفلة وجهل ، فالصراع بين الحق والباطل لا يمكن أن يقف ولو للحظات الى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهذه سنة من سنن الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

وطوال فترات الصراع اعتمد الكفار على الخديعة والمكر والخداع ، بينما كان صراع المسلمين لهم صراعاً ظاهراً صريحاً لا يفتقر لحجة داحضة أو لأدلة وبراهين قاطعة بل كان صراع المسلمين للكفار وأديانهم ومعتقداتهم الفاسدة دحضاً للباطل وإحقاقاً للحق والعدل والإنصاف ، فالمسلمون–برغم تقلب وتغير أحوالهم- كانوا ولا زالوا على مدى سنوات الصراع يملكون الحقيقة المطلقة للوجود والتي لا يقوى أي مفكر أو فيلسوف أن يقف أمامها ، لذا كان صراع المسلمين واضح المعالم سامي الأهداف والغايات ، بينما عمد الكفار الى التضليل والخداع والمراوغة والوقيعة لما يفقدون من حجة تثبت طرحهم أو دليل يدعم عقائدهم أو برهان يعضد مبدأهم ، فأمتاز صراعهم دائماً بالخبث والدهاء فكان لا بد للمسلمين من دوام سبر أغوار مخططات الكفار وكشفها وفضحها لإبطالها وإفشالها سيما في ظرفنا الراهن الذي فقدنا فيه رأسنا ومدبر أمرنا وحامي بيضتنا خليفتنا وجنتنا .

ولإحكام كيدهم ومخططاتهم وشعوراً منهم بتغير حال المسلمين-الطرف المستهدف- عمد الكفار وسيما أمريكا، الدولة الأولى في العالم وحاملة لواء الحرب الصليبية، عمدوا الى إنشاء مراكز أبحاث متخصصة ذات كوادر وطاقات أكاديمية وسياسية همّها دراسة أحوال المسلمين وتحديد أسباب تقدم الأمة في المستوى الفكري وفي مشروعها النهضوي والعمل على وضع طرق وأساليب لحرب تقدم الأمة والساعين لنهضتها ودراسة جدوى مخططاتهم ومدى ما حققت من نتائج وإعادة دراسة التغذية الراجعة عن كل مخطط لإصدار توصيات باستمرار اعتماده أو بضرورة تعديله أو استبداله .

ومن المراكز المشهورة والتي يطلق عليها مصطلح أوعية التفكير (Thinks Tanks) مؤسسة راند ، مركز نيكسون للأبحاث ، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ،معهد الشرق الأوسط ، مجلس العلاقات الخارجية ، معهد المشروع الأمريكي للأبحاث السياسية ،مركز سابان لدارسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز ، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ، مركز الدراسات الإستراتجية والدولية .

ونحن في هذا المقال أخترنا أن نلقي الضوء على مؤسسة من هذه المؤسسات التي اختصت في الآونة الأخيرة بدراسة أحوال المسلمين بشكل مركز وقدمت عدة توصيات بضرورة أعتماد سياسة ركوب الموجة باستغلال حركات ما يسمى بالاسلام المعتدل واشراكه في اللعبة السياسية والحكم واستخدامه كأداة لضرب التوجهات الإسلامية الحقيقية التي يصفها أصحاب هذه المراكز بالتيارات المتطرفة والإرهابية ، فكانت لنا هذه الوقفة لنلقي الضوء على هذه المؤسسة وعلى توصياتها الأخيرة الخطيرة التي لا بد من ضرورة التنبه لها لمعرفة كيفية التصرف حيالها .

مؤسسة راند (Research And Development)
(تأسست عام 1945 بإشراف القوات الجوية الأميركية، وبمشاركة شركة "دوغلاس للطيران". إلا أن المشروع تحول لاحقا في عام 1948 إلى "منظمة مستقلة غير ربحية" بتمويل من وقف فورد الخيري (Ford Foundation) ويصف البعض هذه المؤسسة بالولد الشرعي للبنتاغون.
كان الهدف من تأسيس المؤسسة في الأصل-كما يذكر بعض المراقبين- هو "إمداد القوات الأميركية بالمعلومات والتحليلات اللازمة" إلا أن هذا الهدف توسع لاحقاً عندما أصبحت المؤسسة شبه مستقلة، ليشمل تعاملها واهتمامها معظم المجالات ذات العلاقات بالسياسات العامة داخل أميركا وخارجها. لمؤسسة راند "مجلس أمناء" يضع خططها المستقبلية، ومن أهم من عمل بهذا المجلس: دونالد رامسفيلد، كوندوليزا رايس، زالماي خليل زادا.
الإمكانيات :
تتوفر لمؤسسة راند إمكانات هائلة تكاد تشبه ميزانية بعض الدول فنفقات “راند” السنوية تبلغ أكثر من 150 مليون دولار، كما يبلغ عدد العاملين فيها 1600 عامل، ما بين إداري وباحث.وتوجد عدة فروع للمؤسسة، بعضها داخل أميركا وبعضها في الخارج. إذ توجد ثلاث مقرات رئيسية في كل من: سانتا مونيكا كاليفورنيا، وواشنطن دي.سي، وبتسبيرغ بنسلفينيا، وكامبردج بالمملكة المتحدة، إضافة إلى فرع افتتح حديثاً في دولة قطر.
الأهداف :
بحسب الأهداف المعلنة لمؤسسة راند عبر موقعها على الانترنت أنها "مؤسسة محايدة غير ربحية، تسعى إلى مساعدة الساسة وصناع القرار في فهم القضايا العامة من خلال البحث الجاد والتحليل العميق" وهذا هو نفس الهدف الذي تعلن عنه معظم مراكز التفكير في العالم ضمن ديباجة التأسيس. لكن أهداف المراكز -في الحقيقة- تتباين تباين أهداف المؤسسين والممولين والمشرفين. وقد خرجت مؤسسة راند في الأصل من تحت عباءة وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" وظلت سمة "العسكرية" تميز ميولها واهتماماتها وأبحاثها حتى اللحظة. ويصف بعض المراقبين "راند" بذات نزعة عسكرية جامحة، لذا كانت تقف مع الحروب الاستباقية التي شنها جورج بوش، إذ ترتبط المؤسسة-بحسب بعض المراقبين- بعلاقات متميزة بشركات تصنيع الأسلحة وأجهزة الاستخبارات، مما جعلها هدفا للكثير من نظريات المؤامرة حتى داخل أميركا.
ورغم هذا الطابع العسكري العام، فقد قامت مؤسسة راند في الآونة الأخيرة باصدار بعض التقارير السنوية الهامة التي تتناول تغير ملامح الصراع في المنطقة لتشمل الجوانب الفكرية والإجتماعية وضرورة استخدام الحركات الإسلامية "المعتدلة" في أتون هذا الصراع وهذا ما سنأتي على ذكرة لاحقاً .
التأثير على صناعة القرار:
ظلت "راند" شديدة التأثير في صياغة الرأي لدى صناع القرار في أميركا، وخاصة المؤسسة العسكرية ممثلة في البنتاغون. يقول دونالد أبلسون الأستاذ بجامعة ويسترن أونتاريو ومؤلف كتابين عن ظاهرة مراكز التفكير في أميركا: "رغم أن حضور مراكز التفكير أصبح ظاهرة عالمية خلال العقود الماضية، إلا أن المراكز الأميركية بالذات تتميز بقدرتها على التأثير في صنع القرار، كما يتميز الساسة الأميركيون في ثقتهم بتلك المراكز وكثرة رجوعهم إليها". وهذا الوصف قد ينطبق على "راند" أكثر من أي مركز آخر. فالساسة في الولايات المتحدة ينظرون بكثير من الثقة إلى أبحاثها، حتى إن بول بريمر الحاكم الأميركي المدني السابق للعراق يذكر في مذكراته عن غزو العراق أنه عندما وطئت قدماه أرض العراق ودخل مكتبه لأول مرة وبدأ يفكر في طريقة تسييره لشؤون هذا البلد، كان أول ما وُضع بين يديه تقرير استراتيجي أعدته مؤسسة راند عن أفضل السبل لتسيير الوضع في العراق المحتل، وتلك قصة معبرة عن مدى تأثير راند في حياة الشعوب في الشرق الأوسط. ) *( منار الرشواني؛ أحمد فال بن الدين ، http://ar.shvoong.com/law-and-politics) -بتصرف


تقارير توصي باستخدام ورقة الحركات الإسلامية "المعتدلة" في الصراع :
مواكبة منها للحرب المعلنة على الإسلام بإسم الحرب على الإرهاب وبعد فشل العديد من جوانب هذه الحرب وعدم تحقيقها للغاية منها سيما الجانب العسكري كما في العراق وأفغانستان وسعياً منها لتوجيه صناع القرار في الإدارة الأمريكية نحو ضرورة تحويل الصراع وتغيير منحاه أصدرت مؤسسة "راند" تقريرين هامين إحداهما في عام 2004 بعنوان (الإسلام المدنيالديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات) والثاني في عام 2007 بعنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة).
يعالج التقريران المذكوران أعلاه المعضلة التي وقعت فيه أمريكا بداية عهد المحافظين الجدد عندما أعلن بوش سياسته وتصنيفه للعالم بقوله "إما معنا أو ضدنا" وسياسة الحرب الشمولية للحركات الإسلامية ، وقد تبين لصانعي القرار الأمريكي خطأ هذه السياسة وعجز أمريكا عن تحقيق مصالحها ومآربها سيما الاستراتيجية منها بيدها لما تلاقيه من عداء مستحكم لدى شعوب المنطقة ولما لسياستها الإستفزازية من إثارة لحفيظة الشعوب وحتى الحكام الخانعين لها ، لذا أوصت مؤسسة "راند" بضرورة إعادة استخدام ورقة الحركات الإسلامية التي تصنف أمريكيا بأنها معتدلة .
ووضعت "راند" مواصفات للحركة التي تعتبر "معتدلة" كما وضعت تقسيمات للمسلمين لأخذها بعين الإعتبار في رسم السياسة التي تمس الشعوب الإسلامية وطرحت هذه التقارير النموذج التركي –حزب العدالة والتنمية- كنموذج يحتذى به للحركات الإسلامية "المعتدلة".
وبعد أن صنفت المسلمين-في تقرير عام 2004- الى أربع فئات، هي: مسلمينأصوليين، مسلمين تقليديين، مسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين أوصت هذه المؤسسة بضرورة دعمِ الاسلاميين المعتدلين أو العصرانيين ليقفوا سداً منيعاً ضد "الأصوليين المتطرفيين" ، كما أوصت في تقريرها المسهبِ والمفصلِ الى أساليبَ لحربِ الحركاتِ الإسلاميةِ التي تسعى لإيجادِ الخلافةِ وأرشدت الى ضرورةِ دعمِ التقليديين والعصرانيين لصد موجة التيار الإسلامي "الأصولي"، ومما جاء في تقريرها حول المسلمين "الأصوليين" (يجبُ محاربتُهم واستئصالُهم والقضاءُ عليهم وأفضلُهم هو ميّتُهم لأنّهم يعادون الديمقراطية والغرب ويتمسكون بما يسمى الجهاد وبالتفسيرِ الدقيقِ للقرآن وانهم يريدون أن يعيدوا الخلافةَ الاسلاميةَ ويجب الحذرُ منهم لأنّهم لا يعارضونَ استخدامَ الوسائلِ الحديثةِ والعلمِ في تحقيقِ أهدافِهم وهم قويوا الحجّةَ و المجادلة.)
بيد أن التوجه الجديد للمؤسسة-في تقرير عام 2007- بسبب عدم تحقيق النتائج المرجوة من التقرير السابق يتجه نحو ضرورة تغيير الفكر والمعتقد للحركات "المعتدلة" حتى في أساسيات مبدئها ودينها ولا يكتفي بمجرد الولاء السياسي ، ولعل ما أقدمت عليه حكومة حزب العدالة والتنمية-وكشفت عنه صحيفة ذا جارديان - من مشروع لإحداث تغييرات في الدين الإسلامي عبر شطب نصوص ثابتة من الأحاديث الشريفة وتغيير أحكام قطعية لتتوافق مع الطرح العلماني باسم التجديد في الدين الإسلامي وملائمة العصر لعل هذه المشروع أحد الأمثلة الحية لهذا التوجه .
خلاصة التقارير التي صدرت في هذا الشأن من مؤسسة راند ومن مؤسسات بحثية أخرى والتي تسعى جاهدة للإستفادة من أساليب مواجهة الشيوعية لتطبقها على حربها على الإسلام والتي تسعى لتجعل-على حد وصفها- من الحركات الإسلامية "المعتدلة" أن تلعب دور الحركة البروستانتية في أوروبا بدعوتها لليبرالية والتحرر ، خلاصة هذه التقارير توصي بنقل صعيد المعركة التي فشلت أمريكا والغرب الى الآن في كسبها من حرب أطرافها المسلمون وأمريكا الى حرب بين "الأصوليون" و "المعتدلون" من أبناء الأمة وستعمل أمريكا والغرب على دعم "المعتدلين" بشتى أساليب الدعم والمعونة ، وترى هذه المراكز هذا النهج هو الذي يمكن أمريكا من تحقيق غايتها في المنطقة دون عناء . وسيراً على نفس النهج بنقل الصراع الى الجبهة الداخلية للمسلمين أوصت هذه التقارير بإشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين كفتنة السنة والشيعة .
أيها المسلمون :إن واقع الأمة اليوم الذي حمل السياسة الأمريكية على وجه الخصوص والغربية بشكل عام على إستخدام ورقة الحركات المصنفة غربياً بأنها معتدلة يحمل بشارة وتحذير، أما البشارة فهي أن أمريكا والغرب قد فشل في حربه الصريحة المعلنة على الإسلام وأهله وأنه برغم كل ما بذلوه من أموال وجهود لم تستطع ان تغيير منحى المسلمين المتجه صعوداً نحو الخلافة وتطبيق الإسلام الخالي من الشوائب الغربية مما ألجأ هؤلاء مرة أخرى الى إعادة تفعيل إستخدام ورقة الحركات الأسلامية "المعتدلة" والموالية سياسياً للغرب ممن بعد ما قرر هؤلاء حرب الإسلام بكافة شرائحه وأطيافه وحركاته حتى "المعتدلة" منها وفي ذلك علامة تقهقر ونكوص . اما التحذير فمن مكمنه يؤتى الحذر فواجب المسلمين اليوم أن لا يقبلوا بين ظرانيهم دعوة للعلمانية بثوب إسلامي أو دعوة لضرورة التحاور والتوافق مع الغرب والمبدأ الرأسمالي ، فواجب المسلمين أن يزنوا هذه الدعوات والحركات التي تتبناها بميزان الإسلام الدقيق لكي لا ينزلقوا في هذه المنزلقات الخطيرة فينشغلوا بحرب بعضهم البعض فكرياً أو مادياً ويتركوا العمل لمشروع الأمة النهضوي (إقامة الخلافة) الذي به يتخلصون به من هيمنة أمريكا والغرب بل به ينقذون البشرية مما تعانيه.

وقفة مع علم من أعلام الدعوة

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفة مع علم من أعلام الدعوة : أمير حزب التحرير عطاء بن خليل أبو الرشتة

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)

لمّا كان لشخصية القائد وحامل الدعوة كبير الأثر في نفوس الناس انقياداً وقبولاً ، ولما كانت الامة لا تعطي إنقيادها إلا لعالم ومخلص وشجاع ، ولمّا غيب ذكر الرجال الرجال عن وسائل الإعلام التي باتت تبرز من تشاء وتغمر من تشاء عبر تسليط أضوائها على الرجال الذين صنعهم الغرب على عينٍ بصيرة ، وحجبها لهذه الأضواء عن قادة الأمة الحقيقيين الذين نبتوا من نبع صاف لم تخالطه شائبة أو دسيسة فحملوا همّ الأمة وقضاياها على عاتقهم لا يبتغون من ذلك جزاءاً ولا شكوراً ولا منصباً أو كرسياً يعتلونه أو سيارة فارهة يركبونها أو فرش وثيرة يتوسدونها ، لما غيب هؤلاء وذكرهم عن الأمة كانت لنا هذه الوقفة وهي وقفة صدق نشهد فيها شهادة حق لا نجامل فيها أحداً ولا نزكي فيها على الله إنساناً بل نبصّر فيها الأمة بقادتها الحقيقيين ونزيل عن أعينها حجاباً ضرب ليحول بينها وبينهم ، فلأنهم أبناؤها ولأنهم حملوا همّها ولأنهم ساروا بحسب مبدئها بعقيدته وأحكامه ، ولأنهم يريدون الأخذ بيدها لطريق النجاة والعزة والرفعة، كانت لنا هذه الوقفة ،

من هؤلاء الرجال الغر الميامين أمير حزب التحرير العالم الأصولي الفقيه المجتهد الشيخ الجليل المهندس عطاء بن خليل أبو الرشتة(أبو ياسين) ، لقد نبت الفقير الى رحمة ربه منذ نعومة أظافره على حمل همّ الأمة والإنشغال بقضاياها فالتحق بركب حزب التحرير ولم يجاوز عمره الرابعة عشرة عاماً فحمل الدعوة طوال سنين عمره في الديار الفلسطينية وفي مصر حيث أكمل دراسته الجامعية فالأردن ودولاً عربية أخرى كالحجاز وغيرها وبقي طوال حمله للدعوة سافراً متحدياً لا يأبه لما يلحق به من أذى أو سجن أو تعذيب أو ملاحقه من جلاوزة الأنظمة القمعية دأبه كدأب من سبقوه من حملة الدعوة الذين نذروا أنفسهم لقضية الامة المصيرية إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ، كان للشيخ عطاء قوة عقلية جذابة تلفت الأنظار وسمو في النفسية قلما توهب لإنسان ولقد شهد له بذلك العالم المجاهد الشيخ الجليل أحمد الداعور رحمه الله بقوله عنه بأنه "عطاء من الله"، ولقد أثرى جزاه الله عنا وعن المسلمين خيراً المكتبة الإسلامية ببعض الكتب فوضع نموذجاً فريدا في التفسير ونموذجاً في أصول الفقه فكانا معيناً لمن أراد ان ينهل منهما ومثالاً على الفهم القويم لكتاب الله وبياناً لطريقة الإسلام في الإجتهاد ، ولقد تولى الشيخ العالم عطاء بن خليل كافة المناصب القيادية في حزب التحرير حتى أصبح أول ناطق بإسم الحزب في الأردن مما عرضه للسجن مرات ومرات حتى قضى سنين عمره في سجون الظالمين وبالرغم مما لحقه من أذى إلا أن ذلك لم يثنه عن عزمه وإصراره على المضي قدماً في العمل لأقامة الخلافة مع طليعة الأمة وروادها ، لقد جابه عطاء الظالمين والحكام والسياسين الفاسدين وكشف مخططاتهم وتآمرهم على الأمة لصالح الكفار المستعمرين دون أن تلين له قناة أو يهادن أو يستكين ، وبقيت تصريحاته تقرع آذان الظالمين والحكام صباح مساء وعقب كل تصريح له كان يزج به في عياهب السجون لسنوات وهذا حال من حمل همّ الأمة وسعى لتغيير حالها فهو يجابه طغمة ظالمة تسلطت على رقاب الأمة وليس كحال من احتضنتهم الأنظمة ثم الفضائيات ففتحوا لهم الأبواب مشرعة وسخروا لهم منابر ليصلوا منها الى سمع وبصر كل إنسان ، بقي عطاء بن خليل يعتلي سلم العمل الدعوي دافعاً ضريبته الباهظة والمكلفة بما أصابه من أذى وملاحقة وسجن وتعذيب حتى شاء الله أن ترسو عليه إمارة الحزب-وليس غريباً على شخص كعطاء بقوة عقليته وسمو نفسيته أن يصبح أميراً لحزب كحزب التحرير الذي يختار أميره من الصفوة عبر طريقة مميزة تمر في مراحل دقيقة تعتمد على أن يُقدّم التقي النقي ذو القدرة والخبرة والكفاءة والعطاء – فأصبح عطاء أميراً لحزب التحرير في الثالث عشر من أيار لعام 2003 للميلاد وبمجرد استلامه لأمارة الحزب هجر أهله وماله وبنيه وانقطع عن الدنيا ليتفرع لحمل الدعوة ولقيادة الحزب ، وكحال أمراء الحزب من قبله أصبح عطاء ملاحقاً من قبل أجهزة مخابرات الدنيا بأسرها لا لشيء سوى لأنه يقود حزباً سياسياً يسعى بجد لإقامة الخلافة الراشدة الثانية التي وعدنا بها الرسول الأكرم ، لا لشيء سوى لأن حزبه يعمل في الأمة ومعها لتحمل الإسلام الحقيقي البعيد عن الشوائب والدسائس وليس اسلاماً على الطريقة الغربية ، لا لشيء سوى لأن هذا الحزب يعمل لقلع نفوذ الكافر من بلاد المسلمين قلعاً جذرياً ولا يرضى بالعمالة أو التبعية .

منذ أن تولى الشيخ عطاء إمارة الحزب أدرك ثقل العبء الذي حمله وأدرك بأن الاميرين من قبل قد أتعبوا من خلفهم مما قدموه للدعوة ، فجد في السير وها هو يبذل الجهد الجهد والوسع الوسع ليكون كما نحسبه الآن –ولا نزكي على الله أحداً- خير خلف لخير سلف ، كما أخذ على نفسه أن لا يترك سبباً مشروعاً يستطيعه في العمل لإقامة الخلافة إلا أستعان بالله وفعله ، وهكذا كان فالحزب في عهد الأمير عطاء يسير مكملاً سيره التصاعدي الإرتقائي يسير من علي الى أعلى بإذن الله وها هي الدنيا بأسرها تسمع بالحزب وترتعد منه فرائص الكافرين وها هي الأمة قد جمعت شتاتها على أشد التفاف لم تشهد له من قبل مثيل حول الخلافة ودعوتها حتى أننا أصبحنا نرى الخلافة كأنها ماثلة أمام ناظرنا من دنو قيامها وقرب تحققها ، وكل ذلك بفضل من الله ومنه .

إن خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة لن تعود إلا برجال كأمثال هؤلاء الأعلام الذين يترسمون خطا من أقاموا الخلافة الأولى من الصحب الكرام ، لن تعود الخلافة منقذة المسلمين والبشرية إلا على يد سواعد جدّت في العمل لها وأبصرت دربها وسارت على خطى نبيها دون أن تنغمس في رجس الكافرين أو تنخرط في مشاريع المستعمرين أو تداهن الحكام المتآمرين أو تكون جزءاً من المشهد السياسي الذي يرسمه الكائدون ، فحري بالأمة أن تلتفت لقادتها الحقيقيين الذين خرجوا من أصلابها ونبتوا على عقيدتها لا على الأموال المشبوهة أو التبعية أو العمالة السياسية فتعطي انقيادها لهم وتسير معهم نحو خلاصها ومشروع نهضتها ، حري بخير أمة أخرجت للناس أن تدرك معدن الرجال بميزانها لهم بميزان الحق وأن لا تنخدع بتضليل المضللين فتخدع- كما خدعت من قبل - بقادة لا يوردونها سوى موارد الهلاك والتبعية والخنوع .

نسأله سبحانه أن يأخذ بأيدينا جميعاً تحت قيادة ربانية حكيمة نحو خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة .

تسارع مشروع نهضة الأمة وتقهقر وانحسار مشروع الكفار

بسم الله الرحمن الرحيم

تسارع مشروع نهضة الأمة وتقهقر وانحسار مشروع الكفار

(ِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)

تعيش الأمة الإسلامية اليوم حالة مخاض عسير لميلاد دولة الإسلام التي تمثل نهضة الأمة الإسلامية وعلو شأنها وعودتها لتعتلي الصدارة وتقتعد ذرى المجد ، ويأتي هذا المخاض في ظل معوقات جسيمة وضعت أمامه من قبل الكفار لمنع حصول هذا التغير وحدوث هذه النهضة وقد صاحب هذا المخاض حالة من الدهشة والتخوف بل والرعب من قبل الكفار خشية عودة الخلافة ونجاح مشروع النهضة للأمة الإسلامية وهم الذين كدّوا عقوداً طويلة ليمنعوا الأمة من التقدم في هذا المشروع لا بل ليحجبوا هذا المشروع عن الأمة حتى تبقى الأمة رهينة لهم وحتى يكونوا في مأمن من قوة ودولة المسلمين المنتظرة التي ستسعى –كما سعت من قبل – لتخليص البشرية جمعاء من براثن هؤلاء ولكي تخرج العباد من الضنك الذي يحيوه الى نور وعدل الإسلام ، ولا عجب من تخوف الكفار وسعيهم هذا وهم الذين لا زالت جيوش الخلافة التي إكتسحت أوروبا ماثلة أمام ناظرهم ، وسنابك خيل المسلمين تقرع آذانهم ، في فرنسا واسوار فيينا وفي أوروبا الشرقية جميعها .

إن ما تحياه الأمة اليوم هو معركة حقيقية حامية الوطيس أطرافها الكفار ومن تبعهم ويحملون مشروعاً استعمارياً لإبقاء هيمنتهم على الأمة ،ومشروعهم هذا أخذ أسماءاً متعددة وأشكالاً مختلفة ، أسماءاً كالاستقلال والحرية والديمقراطية والشرق الاوسط الكبير والصغير وغيره وأشكالاً كالاحتلال المباشر وفرض التوصيات الاقتصادية والسياسية على المنطقة ، والطرف الآخر في هذه المعركة هم الساعون للتغيير ومن سار معهم والتف حول دعوتهم، ومشروعهم مشروع نهضة للأمة وإنقاذ للبشرية عبر إقامة الخلافة حاملة وحامية مبدأ الإسلام بفكرته وطريقته ، مشروع حضاري بديل للرأسمالية المتعفنة.

وفي خضم هذه المعركة أستطاع الكفار بمكر خبيث –كجزء من حربهم لمشروع نهضة الأمة- أن يدخلوا اليأس والأحباط لبعض المسلمين عبر التشكيك بإمكانية نجاح هذا المشروع من جديد وإمكانية كسب هذه المعركة وفق المعطيات الحالية ، من تحكم الغرب المطلق بدفة مركب البشرية ، والحقيقة التي لا يمكن لمبصرٍ أن يخطأها أن الأمور تسير على غير ما يهوى الكفار وأن سحرهم قد بَطُل وكيدهم قد فشل وفألهم قد خاب وإن ما تحياه الأمة خير شاهد على ذلك .

ولأجل إلقاء الضوء على تفاصيل هذه المعركة الدائرة ولأجل نزع بذور الشك والريبة من قلوب بعض المسلمين ولأجل أن نبصر الى أين وصل العمل لنهضة الأمة كان لا بد لنا من وقفة نبين فيها مخطط الكفار ومشروعهم وما صنعوا لأجله وماذا قدموا لإنجاحه وما هي إمكانياتهم وقدراتهم وما مصير هذا المخطط ، وأن نبين مشروع الساعين للتغيير والنهضة الى أي مرحلة قد وصل وما هي إمكانيات أصحاب هذا المشروع وما هي قابلية نجاحه وتحققه في أرض الواقع ؟

قبيل هدم الخلافة لا بل منذ قرون خلت حدد الكفار غايتهم في صراعهم مع المسلمين في أمرين اثنين ، أولهما العمل على ضرب الفكرة الإسلامية ومحاولة إدخال المفاهيم المغلوطة عليها بل ومحاولة استبدالها –في مرحلة متأخرة- بمفاهيم غربية. وثانيهما هو هدم دولة الخلافة ، وكانت هذه الاهداف أحد توصيات الملك لويس التاسع عقب أسره أثناء حملته الصليبية على بلاد المسلمين وهي عينها ما عبر عنه وزير خارجية بريطانيا بعيد هدم الخلافة في مجلس العموم البريطاني بقوله-مسفراً عن الغاية المبيتة التي سعى لها الغرب بأسره وعلى رأسه آنذاك بريطانيا-قائلاً (القضية أن تركيا قد قضي عليها ولن تقوم لها قائمة لأننا قد قضينا على القوة المعنوية فيها: الخلافة والإسلام") ولإنجاح هذا المخطط بذل الكفار ما استطاعوا لتحقيقه وضاعفوا جهدهم للمحافظة على المكاسب التي حققوها ، بذلوا جهوداً جبارة لتحقيق الهدفين المذكورين أعلاه ،

فعلى صعيد حرب الفكرة الإسلامية عمد الكفار الى وسائل عدة وحاربوا الفكرة الإسلامية على صعد مختلفة ، فقاموا بإرسال الحملات التبشرية في سعي منهم لزعزعة أفكار وعقائد المسلمين وسعوا الى حرب اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن ولا يمكن فهم الاسلام بدونها وعملوا على ادخال السم في الدسم عبر تضليل المسلمين وتحميلهم أفكاراً غربية غريبة عن الاسلام بدعوى أنها لا تعارض الاسلام أو بدعوى أنها من الإسلام وجندوا لذلك علماء ومشايخ وحركات وجمعيات ووسائل إعلام من فضائيات وإذاعات وصحف وكتاب ومفكرين ووضعت لأجل هذا الغرض مناهج تعليم ، جندت كل هؤلاء وغيرهم الكثير ليحرفوا أذهان الأمة عن فكرة الإسلام الحقة النقية ، ليحرفوا أذهان المسلمين عما أصبح يعرف بالاسلام السياسي الذي يطرح الإسلام كمبدأ وكبديل حضاري ، فترى من هؤلاء الجند من ينبري ليجعل الاسلام ديناً كهنوتياً ويوالي الحكام على كفرهم وفسقهم وحكمهم بالطاغوت وترى من هؤلاء من يزعم أن الديمقراطية هي الشورى وأنها بضاعتنا ردت إلينا وآخر يفتي الناس بجواز البنوك والتعامل بالربا وآخر يفتي بجواز زواج المسلمة من الكافر إفتراءاً على الله وآخر يجيز شرب اليسير من الخمور وآخر يزعم أن الاسلام دين الحرية الشخصية والدينية وآخر يحارب فكرة الخلافة باسم الاسلام ويصفها بالخرافة وآخر يجيز التحالف مع امريكا تحت ذريعة مشاركتها في الحرب على الأرهاب ، ومناهج تعليم تفسد على الطفل قبل الكبير دينه وتدنس فطرته فتحرفها الى العلمانية واللادينية ووسائل إعلام تقرع آذان المسلمين صباح مساء بل تداهم كل خصوصياتهم فتنفث سمومها في كل بيت وبر أو مدر لم تغادر كبيراً ولا صغيراً ولا رجلاً ولا إمرأة فتروّج للحرية والفساد والخلاعة والعلمانية وأحسنهم طريقة بل أضلهم من يضلل الأمة باسم الاسلام عبر محطات فضائية تسمى دينية تحرف الأذهان عن جادة الحق والصواب عبر طرح أحكام ضبابية وفتاوى تتماشى مع العصر والديمقراطية تسمى فتاوى شريعة بألسنة علماء خصصوا لهذا العمل وتفرغوا له .

هذا على صعيد حرب الفكرة الإسلامية ، أما على صعيد العمل على هدم الخلافة فقد استطاع الكافر المستعمر هدمها منذ أكثر من ثمانين عاماً عقب حالة الضعف التي عاشتها الخلافة مما مكن الكفار بمعونة من خونة الترك والعرب من أن ينقضوا ويجهزوا عليها ، وأصبح همّ الكفار أن يكرسوا هذا الواقع وأن يصرفوا أذهان الأمة عن الخلافة وفكرتها لئلا تعود من جديد فقاموا بخطوات عدة ، منها :

1-سعوا الى ربط ذاكرة المسلمين عن الخلافة بأنها جائرة ظالمة -وخاصة للعرب- استغلالاً منهم لبعض التصرفات الخاطئة التي حصلت قبيل هدم الخلافة والتي كان لأدوات الكفار اصبع فيها .

2-عمدوا الى تمزيق الأمة اشلاءاً متناثرة عبر تقسيمها الى دول متناحرة ولتكريس هذا التقسيم بثوا فكرة الاستقلال وجعلوا لكل دولة حدوداً جغرافية لا تتعداها وجعلوا لها عيد استقلال وعلماً وهوية .

3-سعوا الى ضرب رابطة الأخوة الإسلامية التي كانت توحد الأمة في كنف الخلافة عبر بث فكرة القومية والوطنية والقبلية والجهوية وكان لهذه الأفكار في حقبة من تاريخ الأمة رواجاً هائلاً ، كما عمدوا الى ايجاد بدائل وصور مزيفة للوحدة كمنظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية .

4-جعلوا من الدول الكرتونية التي أقاموها في بلاد المسلمين حارساً وناطوراً لهم على الأمة خشية ان تتحرك الأمة نحو الاسلام السياسي ونحو الخلافة ،ولتحقيق هذا الهدف جعلوا الدول في العالم الاسلامي دولاً بوليسية فأوجدوا لها الأجهزة الأمنية المختلفة والمتكاثرة يوماً بعد يوم فهذا جهاز أمن وقائي وذاك وطني وآخر مخابرات واستخبارات ومكافحة ارهاب وغيره وكل هذه الأجهزة ما وجدت إلا لترقب تحرك الأمة نحو مشروع النهضة الحقيقي فتقف سداً منيعاً في وجهه ، ولأجل هذه المهمة أنفق الكفار الأموال الطائلة عبر المساعدات التي تقدمها ما تسمى بالدول المانحة لهذه الدول الكرتونية ولأجهزتها البوليسية الجاثمة على صدر الامة .

5-أوجدوا عشرات الالاف من الجمعيات التي تسعى بصورة مباشرة وغير مباشرة لحرب مشروع نهضة الأمة من جمعيات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الحيوان وغيرها الكثير فبلاد المسلمين تزخر بالجمعيات الأجنبية التي وصل تعدادها في العالم العربي حتى منتصف التسعينات الى أكثر من 70 ألف جمعية وهي في تزايد بصورة مطّردة ، ولا يخفى عليكم أن لهذه الجمعيات مآرب وغايات خبيثة تسهر على تحقيقها وتبذل قصارى جهدها لذلك .

هذا –على الحقيقة لا المجاز- غيض من فيض مما يبذله الكفار في حربهم لمشروع نهضة الأمة فهم يملكون من الأموال والمقدرات والطاقات والأجهزة الأمنية والدول البوليسية وأجهزة الإعلام والجمعيات والحركات والتنظيمات وعلماء السوء والمفكرين والكتاب والصحفيين الكثير الكثير حتى يخيل للمرء لكثرة ما يملكون أن لا طاقة لأحد بمواجهتهم أو التغلب عليهم ،

في المقابل ماذا يملك الطرف الأخر في هذه المعركة ، ألا وهم حملة مشروع نهضة الأمة ،وما هي امكانياتهم وماذا حققوا وما مصير هذا الصراع ؟

لا يملك هؤلاء لا عشر معشار ولا اقل من ذلك من إمكانيات الكفار المادية بل إن ما يملكون لا يمكن أن يقبل المقارنة مع امكانيات الكفار بسطاً على مقام فإمكانياتهم المادية تكاد تكون معدومة بل تكاد تؤول الى الصفر ، وتحكمهم بوسائل الإعلام معدوم بل إن وسائل الإعلام هذه مكّرسة لحربهم ، ويفتقرون الى العدد نسبة لأعداد الكفار والسائرين في ركابهم ، ولا أقلام ولا كتاب ولا صحفيين-إلا من رحم ربي- يشاطرهم رأيهم ومشروعهم النهضوي أو يرى إمكانية تحقيقه ، وغني عن الذكر أنهم لا يملكون دولاً ولا مؤسسات ولا جمعيات، فهؤلاء الغر الميامين لا يملكون سوى المنهج والكلمة ، لا يملكون سوى قصاصة ورق ولسان والتزام بالشرع وعدم الحيد عنه ، لا يملكون سوى ايمانهم بهذا المبدأ العظيم وبصيرتهم بالحق وسيرهم على خطى محمد صلى الله عليه وسلم ،

فماذا صنع هؤلاء في هذه المواجهة وماذا حققوا ؟

لإدراك حقيقة الانجازات التي حققها الساعون لنهضة الأمة ولإدراك حجمها الطبيعي لا بد أن توضع هذه الانجازات في سياق هذه المعركة ، فهذه المعركة بحق معركة غير منصفة لا القوى ولا الاعداد ولا الامكانيات فيها متكافئة فأي إنجاز للطرف الاضعف هو انجاز مضاعف وتقدم باهر إذ إن النظرة العقلية المجردة عن الإيمان بالله تحكم قطعاً بفشل هؤلاء لا بل بالقضاء عليهم واستئصال شأفتهم لشدة ضعفهم وقلة حيلتهم أمام هذا العدو المتجبر الذي يملك من الإمكانيات والقدرات ما لا طاقة لهم بدفعه ، لذا كان لا بد من مراعاة هذا السياق للإنصاف ، ومع ذلك قد يظن المرء أننا نذكر ذلك لضآلة ما حقق الساعون لنهضة الأمة من انجازات مع أن الواقع يدل على خلاف ذلك ، فالساعون للتغيير برغم ما ذكرنا من ضعفهم وقلة حيلتهم وعبر العقود الماضية استطاعوا أن يبهروا الكفار بل وأن يجعلوهم مشدوهين حيارى وكل ذلك بفضل من الله ومنه ، فلقد استطاع دعاة الخلافة-بفضل الله ومنه- أن يردوا سهام الكافرين الى نحورهم وأن يبطلوا سحرهم ويكشفوا كيدهم ، ونظرة خاطفة سريعة الى حال الأمة والكفار اليوم ترينا ذلك رأي العين وتؤكد أن الكفة باتت ترجح لصالح مشروع نهضة الأمة ،

فالأمة اليوم وبالرغم من الجهود الجبارة التي بذلت من قبل الكافرين ما عادت تقبل عن الإسلام بديلاً ولا عادت تقبل الاسلام المداهن للحكام ولا الاسلام الأمريكي ولا الأوروبي أو ما يسمى بالاسلام المعاصر أو الوسطي وها هي تنقب عن أحكام دينها ولا ترضى الإ بالاسلام النقي بديلاً عما سواه ، فبالله عليكم أين القومية ورواجها أو العلمانية ودعوتها أو الاشتراكية والمروجون لها أو الجهوية العصبية من أوساطكم ، ألم تصبح هذه الأفكار أثراً بعد عين ؟! ألم تعد الأمة لمعدنها ودينها وأصبحت ترفض ما سواه ؟!

ثم أين هؤلاء الحكام الذين كانت الأمة عبر سنين الضلال والغفلة تهتف باسمهم وتلهج ألسنتها بذكرهم وتعلق آمالها عليهم ، ألم يعد هؤلاء دمىً في نظر الأمة يحركها الكافر حيث يشاء ؟! ألم يصبح هؤلاء أمواتاً لا ترجو الأمة منهم لا عدلاً ولا صرفاً ولا حياةً كريمة ؟! بل ألم تصبح الأمة تلعنهم وتسخط عليهم وتتبرأ الى الله منهم ومن فعالهم وتآمرهم عليها وغدرهم بها صباح مساء ؟!

ثم أين تلك الحدود التي مزقت الأمة وأين قدسيتها الكاذبة ؟! ألم تعد الأمة تتطلع للوحدة ولم تعد تقيم وزناً لهذه الحدود ؟! ألا ترون كيف يشعر اهل فلسطين بأهل العراق وأهل السودان بأهل افغانستان وأهل كشمير بأهل الشيشان ؟! ألا ترون معي كيف يتطلع المسلمون جميعا في كافة أقطار المعورة الى الوحدة الحقيقية في ظل دولة واحدة لا يقيمون فيها وزناً لا للون ولا لعرق ولا لحدود سوى لإسلامهم .

ومن ثم ألا ترون كيف أصبحت دعوة الخلافة هي البضاعة والصناعة للأمة وأصبحت محط أنظارها وأملها في الخلاص بل إن وعي الأمة على دينها وعلى الخلافة يزداد يوماً بعد يوم ورأيها العام في طريقه ليصبح رأياً منبثقاً عن الإسلام دون سواه .

ثم ألا ترون أن الكرّة قد انقلبت على الكافرين فأصبحت أفكارهم في معرض النقض وبيان بطلانها على الصعيد العالمي لا المحلي فحسب وأصبح المسلمون-وخاصة في بلاد الغرب- يهاجمون الأفكار الرأسمالية الغربية في الصميم -بدل ان يندمجوا في المجتمعات الغربية كما اراد لهم الكفار- مما قاد الى اعتناق عشرات الألاف من الغرب للإسلام وهذه علامة تراجع ونكوص لمشروع الكفار .

من مجمل ماذكر نستطيع الحكم والقول بلا تردد أن مشروع الخلافة-مشروع نهضة الأمة- في تقدم لا بل في تسارع ومشروع الكفار في تقهقر وانحسار ولكي نُبلغ في الدلالة نذكر النقاط التالية التي تؤكد ذلك :

1.حالة الذهول التي اصابت الكفار عقب كل ما بذلوه لصد الأمة عن نهضتها ودينها وبدل أن تصاب الأمة في مقتل كما طمع عدوها جراء هذه المعركة نرى الأمة قد حزمت أمرها نحو خلاصها عبر تبني مشروع الخلافة مما دعا الكفار الى إعلان الحرب صليبية بصورة علنية وفي ذلك إعلان إفلاس لهم وفشل لجميع المخططات التي رسموها من قبل عبر العقود الماضية .

2.التقارير والأبحاث والتوصيات التي تصدر عن مراكز أبحاث الكفار كمؤسسة رند ومركز نيكسون للإبحاث والتي تعترف بدنو قيام الخلافة وتعتبره السيناريو المتوقع للعالم في السنوات القليلة القادمة مما دعا زعماءهم الى اظهار تخوفهم من عودتها بصورة علنية فذلك بوش يصرح مراراً وتكراراً قائلاً (إن أولئك المتطرفين-ويعني اصحاب مشروع الخلافة- مصممون على القضاء على أي تأثير أميركي أو غربي في الشرق الأوسط) وقال ايضاً مبدياً تخوفه وحذره (سيسعى أولئك إلى تأسيس امبراطورية إسلامية متطرفة. فهم يعتقدون أن السيطرة على بلد واحد سيحشد الجماهير المسلمة، ويمكنهم من إسقاط الحكومات المعتدلة في الشرق الأوسط، وإقامة إمبراطورية إسلامية تمتد من أسبانيا إلى إندونيسيا)،وكذا صرح صنوه بلير قائلاً(إن تحكيم الشريعة في العالم العربي، وإقامة خلافة واحدة في بلاد المسلمين، وإزالة نفوذ الغرب منها، هو أمر غير مسموح، ولا يمكن احتماله مطلقاً) ووزير داخليته كلارك صرح ايضاً قائلاً (إن مسألة عودة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية أمران مرفوضان لا يقبلان النقاش أو المساومة)وبوتين الذي اعتبر روسيا خط الدفاع الأول عن أوروبا لأنه-على حد قوله- (يوجد من يعمل على إسقاط الأنظمة العلمانية بغية إقامة دولة إسلامية في آسيا الوسطى) وساركوزي الذي حذر من امبراطورية اسلامية تمتد من اسبانيا الى نيجيريا وكل هذه التصريحات تؤكد أن الأمة تتجه نحو مشروع نهضتها وما عادت تلتفت الى ما سواه وتؤكد مدى الخوف والهلع الذي أصاب الكفار جراء ذلك .

3.عقب حرب افغانستان وانعتاق طالبان قررت أمريكا أن تتراجع عن استعمال الحركات الاسلامية المخترقة لتحقيق مصالحها وأهدافها وقررت ضرب كل حركة اسلامية مهما كانت واليوم تشهد هذه السياسة تراجعاً بسبب فشل السياسة الأمريكية في حرب الإسلام السياسي فعادت أمريكا تريد ضرب الإسلام ومشروعه النهضوي بحركات ما يسمى الاسلام المعتدل المقبول امريكياً وفي ذلك دلالة واضحة على عجز أمريكا على مواجهة تقدم وتسارع مشروع الأمة بأفكارها الرأسمالية العفنة مما ألجأها مرة أخرى لإستخدام ورقة الحركات الاسلامية التي تصنف أمريكياً بأنها حركات معتدلة ومقبولة وأخذ يفاوضها ويحاورها لايصالها الى الحكم أو لاشراكها فيه .

هذه هي أهم المعالم والاشارات الدالة على تقدم وتسارع مشروع نهضة الأمة وتقهقر وانحسار وفشل مشروع الكفار وأن مشروعهم هذا -بإذن الله- الى زوال واندحار ،وهذه المعالم والاشارات قد اربكت الكفار وشدهتهم وأصابتهم بالهلع فهم عبر أكثر من ثمانين عاماً يسهرون على تضليل الأمة وحرفها عن جادة دينها وسبب عزها ومجدها ويبذلوا الغالي والنفيس لأجل هذا الغرض بعد كل ذلك يتفاجئ هؤلاء بثلة قليلة العدد والعدة تستطيع بجهودها المحدودة ان تغير مسار الأمة وأن تجعل الكفة ترجح لصالح الأمة ومشروع نهضتها ، إن ما لا يدركه الكفار هي تلك القوة الروحية الكامنة في نفوس العاملين لنهضة الأمة ومعونة الله لهم ، لذا فهم بعد كل ما بذلوا اصيبوا بالخذلان وشعروا بدنو الهزيمة ، فهلاّ أحسستم بذلك أيها المسلمون وتفطنتم له كما تفطن له عدوكم ! والحال كذلك كيف يمكن لليأس أو الاحباط ان يتسللان لقلب مؤمن ! وأنى لمؤمن أن يرضى لنفسه أن يبقى متفرجاً في هذه المواجهة الخطيرة !

إن الكفار قد أجمعوا كيدهم صفاً لحربكم ولحرب دينكم وخلافتكم المنشودة رمز عزكم ونهضتكم وها هم يقاتلونكم في آخر الخنادق فالمعركة جد خطيرة والظرف حاسم فلا يؤتين من قبلكم وسارعوا قبل فوات الأوان للعمل مع من نصبوا نحورهم وأنفسهم لأجل نهضتكم وعزكم حتى تُسرّعوا عجلة التغيير وتحققوا مشروع النهضة فتفوزوا بالنصر والتمكين في الدنيا والمغفرة والفلاح في الآخرة .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

مفهوم الجهاد بين الواقع والشرع وعلاقته بإقامة الخلافة

بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم الجهاد بين الواقع والشرع وعلاقته بإقامة الخلافة

إن فرض الجهاد في سبيل الله يعد من فروض الاسلام العظيمة وهو صنو العمل لإستئناف الحياة الإسلامية ، وهذان الفرضان : العمل لإستئناف الحياة الاسلامية وفرض الجهاد هما أس الإسلام وسبب وجوده في أرض الواقع لأن الفرض الأول يجسد المبدأ في دولة وهي دولة الخلافة والفرض الثاني يعمل على حماية الدولة والمبدأ وحمله الى العالم ، وعلى مدى تاريخ الأمة ضعف الجهاد بضعف الخلافة وقوي واشتد ساعده وحقق هدفه وغايته بقوة الخلافة ورسوخ فهمها للإسلام ، فهما أي الفرضان فرض الخلافة والجهاد كانا متلازمين متكاملين ، ولأجل ذلك كان لهما هذه المكانة في الإسلام فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن وجوب تنصيب خليفة يحكم بكتاب الله وسنة رسوله وبيّن عظم هذا الفرض ببيان عظم الإثم المترتب على تركه بقوله (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) كما بين لنا أهمية الجهاد ومكانته في الإسلام عندما قال صلى الله عليه وسلم (الجهاد ذروة سنام الإسلام ).

لذا سنقف في هذه المقالة عند ست محطات نسعي من خلالها الى تذكير الأمة بفرض الجهاد وترسيخ مفهومه وبيان حقيقته الغائبة عن الأذهان والواقع ، وإزالة كل شائبة علقت به في وقتنا الراهن، كما نسعى الى بيان علاقة الجهاد بالعمل لإقامة الخلافة .

أولاً :مفهوم الجهاد وغايته وسببه في الإسلام
الجهاد شرعاً : هو بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك ، فالقتال لإعلاء كلمة الله هو الجهاد . والجهاد شرّع في الإسلام لكسر الحواجز المادية التي تقف حائلاً دون نشر دعوة الإسلام ، فقد جعل الإسلام طريقة نشره عبر الجهاد، وجعل الكفر وامتناع الناس قبول دعوة الإسلام هو سبب قتالهم بينما جعل قبولهم الجزية وخضوعهم لأحكام الإسلام سبباً لوقف القتال لا لبدئه ، فالمسلمون يجاهدون لنشر دعوة الإسلام لا لأجل قتال الكفار قال عليه السلام (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فهو في سبيل الله) لذا فأول ما يبدأون به القوم هو دعوتهم الى الإسلام فإن أجابوا كف المسلمون عنهم وإلا فالجزية وخضوعهم لأحكام الإسلام ليكون خضوعهم هذا هو دعوة عملية لهم ليدركوا عدل الإسلام وحكمته ، فإن أبوا فالقتال لا لإكراه القوم على اعتناق الإسلام بل لإزالة الدول والكيانات المهيمنة على الشعوب والتي تحول بين الناس ودعوتهم الى الإسلام ،وقد بين الرسول الكريم هذا النهج بقوله (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم....، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) ، وعلى ذلك كان الجهاد هو الطريقة العملية لنشر مبدأ الإسلام للبشرية ودعوتهم الى إعتناقه .
كما ان الجهاد شرّع للدفاع عن بلاد المسلمين التي تتعرض للغزو الخارجي ويتم الإعتداء فيها على المسلمين أو اعراضهم أو احتلال ديارهم ، فالجهاد هنا يكون للذود عن حياض المسلمين وصون دمائهم وأعراضهم وتحرير بلادهم .

ثانياً :أنواع الجهاد ، جهاد الطلب وجهاد الدفع
فالجهاد إذا كان لأجل نشر المبدأ ودعوة الناس لإعتناق الإسلام ولكي تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى كان الجهاد كما يسميه البعض جهاد الطلب وهو الأصل في فرض الجهاد والحالة الأصيلة له وهو فرض كفاية بمعنى أنه يجب على المسلمين أن يجاهدوا في سبيل الله لإعلاء كلمته في كل وقت وزمان فإن خلا وقت لا يكون للمسلمين فيه جيش يحارب الكفار ويحمل لهم الدعوة أثم المسلمون جميعاً ، أما إن قام به البعض سقط عن الباقين فإذا قام أهل مصر بالجهاد سقط الفرض عن أهل أندونيسيا إذ قد وجد فعلاً قتال من المسلمين للكفار فسقط الفرض .

أما جهاد الدفع فهو للدفاع عن بلاد المسلمين تتعرض للغزو والإعتداء الخارجي وحينئذ يجب على أهل القطر المعتدى عليه القتال وجوباً عينياً لرد هذا العدوان فإن استطاعوا رد هذا العدوان سقط الفرض عن بقية المسلمين وإن لم يستطيعوا رده وجب الجهاد على كل قطر من أقطار المسلمين الأقرب منهم فالأقرب حتى يتم رد العدوان وقهر العدو .

أما كون جهاد الطلب هو الأصل في فرض الجهاد والحالة الدائمة له ، فهو أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي فرضت الجهاد وحضت عليه كلها جاءت مطلقة دون تقييد وعامة دون تخصيص الأمر الذي يدل على الحالة الأصلية لفرض الجهاد وهي القتال لأجل نشر المبدأ فالله سبحانه يقول (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً) ويقول أيضاً (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ويقول جل من قائل (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (جاهدوا المشركين باموالكم وأيديكم وألسنتكم) وقال صلى الله عليه وسلم(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله) وقال (والجهاد ماض منذ بعثني الله الى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل) فهذه النصوص وغيرها الكثير تطلب من المسلمين الجهاد بصورة مطلقة دون أن تقييدهم بظرف من الظروف وتطلب منهم قتال كل كافر حتى يقول لا اله إلا الله سواء اكان معتدياً أم لا وتطلب منهم قتال من يليهم من الكفار سواء أكانوا معتدين ام لا ، وتطلب منهم ديمومة الجهاد واستمراره الى يوم القيامة سواء وجد إعتداء على بلاد المسلمين أم لا ، فهذه النصوص تدل على أن وجوب الجهاد غير معلق بشرط من الشروط او بظرف من الظروف كحالة الإعتداء الخارجي مثلاً مما يؤكد ما ذكرناه من ان الحالة الأصلية للجهاد هي مبادأة الكفار لحمل رسالة الإسلام لهم ودعوتهم دعوة عملية لإعتناق عقيدة الإسلام .

بينما كان جهاد الدفع معلقاً بوجود إعتداء خارجي من قبل عدو على بلاد المسلمين أو أعراضهم أو أرواحهم أو اموالهم وهذه حالة استثنائية وليست حالة دائمة لذا كان جهاد الدفع حالة استثنائية متفرعة عن حالة أصيلة .


ثالثاً :علاقة الأمة بالجهاد بعد هدم الخلافة
كانت الأمة الإسلامية عبر القرون الماضية -خلا بعض الفجوات الزمنية هنا وهناك- مصانة العرض مهابة الجانب لا يطمع فيها طامع ولا تمتد الى أراضيها أو أبنائها أو أعراضها يد لامس ، وما حادثة المعتصم إلا صورة مشرقة عما كانت تصنع الخلافة حال تعرض أحد رعاياها للظلم وانتهاك الحقوق فكيف بإحتلال الاراضي وقتل النساء والأطفال والشيوخ؟! لقد كانت الخلافة تغزو بلاد الكفار وقلما من حدثته نفسه من دول الكفر أن يعتدي عليها ، فكانت الخلافة تقوم بفرض الجهاد كما نزل الوحي بأصله وكما أسماه البعض بجهاد الطلب ، وامتداد رقعة بلاد المسلمين عبر القرون الماضية لتشمل معظم قارات العالم القديم خير شاهد على جهاد الخلافة وفتحها للبلدان ،
واليوم وبعد أن غابت شمس الخلافة قسمت بلاد المسلمين شذر مذر وقطعت ديارهم أشلاءاً متناثرة فطمع فيهم وفي بلادهم وفي خيراتهم الطامعون ، فاعتدى عليهم المعتدون ولا زالوا ، يقتلون أبناءهم صباح مساء وينتهكون أعراضهم وينهبون خيراتهم ويحتلون أرضهم فما عاد المسلمون يطلبون العدو في بلاده ولا عادوا يحملون الخير للبشرية بل أصبح العدو يغزوهم في عقر دارهم وأصبح يحمل لهم أفكاره العفنة بدل أن يحملوا هم رسالة الإسلام للعالم ،
وجراء الإحساس بهذا الواقع المرير الذي عاشته وتعيشه الأمة وجراء تكرار احتلال الكفار لبلاد المسلمين واستمراره ، في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وكشمير وأفطاني والشيشان وغيرها ، وجراء وجود الخير والرغبة في القيام بالأعمال الجهادية لدى أفراد المسلمين ذوداً منهم عن دينهم ودمائهم وأعراضهم وخيراتهم ،تولد لدى المسلمين حركات تتخذ من الأعمال الجهادية نهجاً لها وترى في الجهاد سبيلاً لخلاص الأمة وأصبحت تطرح هذا النهج معتمدة فيه على أدلة الجهاد كتلك التي أوردناها في بداية هذه المحاضرة وشاع الأمر لدى أبناء الامة وأصبحت هذه الأعمال الجهادية تلاقي رواجاً لدى أبناء الامة بصورة مطردة جراء ما يقترفه الكفار من أعمال إجرامية بحق المسلمين مصحوباً بعدم تحرك جيوش المسلمين دفاعاً عن كرامة أمتهم، مما زاد من مخزون الحقد على هؤلاء الكافرين وجعل كل فرد من أفراد المسلمين يتطلع بحرقة الى يوم يشفي فيه غليله وينتقم فيه لأعراض ودماء وحرمات المسلمين ، وزاد من حدة الأمر احداث الحادي عشر من سبتمبر والتي زادت من شعبية العمل الجهادي وجعلت بعض أفراد المسلمين يتعلقون بهذه الاعمال ويرون فيها الخلاص مما تعانيه الأمة بل وجعلت من المسلمين عبر أقطار المعمورة مشاريع شهادة ، وفي ذلك خير ، بَيد أن مفهوم الجهاد أصابه صدع جراء هذه الظروف والأحوال وتمحور حول صورة واحدة من الصور الفرعية لجهاد الدفع ولم تعد الأمة تلقي بالاً للمعني الحقيقي للجهاد بشقيه الطلب والدفع بل لم تعد تتصوره في أرض الواقع بل لم يعد يخطر لها على بال ، فعلاقة الأمة بالجهاد بعد هدم الخلافة لم تتعد أعمال المقاومة والأعمال الجهادية الفردية وغاب عنها فرض الجهاد بحلته الأصلية ، جهاد الطلب والدفع الحقيقي المتمثل في تحرك الجيوش لتحرير البلدان المحتلة والمغتصبة والمعتدى عليها .

رابعاً :المقاومة صورة من صور جهاد الدفع الفرعية
إن واقع الأعمال المسلحة التي تقوم بها الحركات الجهادية هي في غالب الأحيان أعمال جهادية فردية وهي بلا شك أعمال مشروعة بل ممدوحة شرعاً غير أن هذه الأعمال ليست هي الصورة الأمثل لجهاد الدفع بل هي صورة متواضعة من صوره إذ أن جهاد الدفع بصورته الحقيقية يقتضي تحرك جيش البلد المحتل أو جيش جيرانه الأقرب منهم فالأقرب حتى يتم رد العدوان وقهر العدو فغاية جهاد الدفع رد الاعتداء وقهر العدو وليس مجرد إلحاق الأذى به وإن كان ذلك جزءاً منه ، وغالب أعمال المقاومة التي تشهدها بلاد المسلمين المحتلة ليس من شأنها رد العدوان أو قهر العدو وهذا أمر طبيعي إذ إنها لا تَخرج عادة عن صورة الأعمال الفردية في قالب عمل جماعي وطبيعة الحال أن الأعمال الفردية ليس من شأنها أن تؤثر تأثيراً جوهرياً على تصرفات وسياسات الدولة المعتدية ، فصورة جهاد الدفع الحقيقية أن يتم تجريد الجيوش للدفاع عن أرض الإسلام وعن حرمات المسلمين ، ونظرة خاطفة الى تاريخ الأمة نرى كيف تعاملت الأمة بقادتها وجيوشها مع بلاد المسلمين المحتلة فإحتلال بيت المقدس دفع القائد المظفر صلاح الدين الى تحريك الجيوش الجرارة للقضاء على الصليبين ولأجل ذلك عمل على توحيد مصر والشام وجمع شملهما عقب حالة التفتت التي عاشتها الأمة آنذاك فكان تحرير بيت المقدس على يديه ، والمسلمون وقتئذ لم يعتمدوا ويتكلوا على تحرك فرادى المسلمين الواقعين تحت الإحتلال الصليبي لتحرير بيت المقدس ، وهكذا تعامل المسلمون مع التتار حال غزوهم لبغداد وهكذا يجب أن تتعامل الأمة مع بلاد المسلمين المحتلة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان وكشمير وغيرها .
لذا فمحاولة قصر مفهوم الجهاد على صورة فرعية أو فردية من صور جهاد الدفع وهي أعمال المقاومة هي محاولة لتضليل الأمة عن واقع الجهاد، الطلب والدفع الحقيقي، ألا هو تحرك الجيوش تحت إمرة أمير يقودهم لتحرير البلاد المحتلة ولرد كل إعتداء يصيب الأمة ولنشر الإسلام للأمم والشعوب الأخرى ، فمحاولة إغفال هذا الفرض بهيئته الأصلية والأصيلة هي محاول تنطوي على سعي لترسيخ واقع المهانة والذلة التي تحياه الأمة ولصرفها عن العمل الحقيقي الذي من شأنه أن يرد إعتداء المعتدين .
إن الأعمال الجهادية الفردية ليس من شأنها أن تقهر العدو وتنكل به التنكيل الذي يثنيه عن غايته لذا كان من واجب الأمة والحركات الاسلامية العاملة فيها أن لا تكتفي بالقيام بالأعمال الجهادية الفردية-أعمال المقاومة- وتأييدها والتحمس لها أو دعمها ببعض الأموال هنا وهناك بل يجب على هؤلاء جميعاً أن يعملوا لتحريك الجيوش الرابضة في ثكناتها عبر تكوين جبهة ضغط متواصل على أبنائهم المنتسبين للجيوش فيحركوهم نصرة لقضايا الأمة ودفاعاً عن حرماتها وبلادها المحتلة .ولأجل تعزيز هذا المطلب يجب على الحركات الجهادية أن تقلع عن طلب المساعدات المالية أو السياسية من الدول القائمة في العالم العربي والإسلامي بل يجب عليها أن تحمل هذه الأنظمة وجيوشها مسؤولية تحرير بلاد المسلمين المحتلة وان تطالب الجيوش بمؤازة جهادهم لا أن تطمأن هؤلاء بأن المسلمين بخير ولا ينقصهم سوى بعض الفتات من الأموال المشبوهة أو دعم سياسي من الأنظمة الذليلة التابعة للكافر المستعمر مع أن الواقع خلاف ذلك فبلاد المسلمين المحتلة تحتاج للتحرير وليس لمجرد دعم مالي مشبوه أو سياسي تابع. إن الواجب على هذه الحركات أن ترفض هذه المساعدات لما تنطوي عليه من شراء للذمم ورهن للقرار بيد حفنة متآمرة على الأمة وقضاياها حتى لا تكون هذه الحركات جزءاً من المشهد السياسي الذي يرسمه الكافر المستعمر للبلاد المحتلة عبر أدواته من الحكام والدول التابعة له .


خامساً :ضرورة ارتباط فكرة التحرير بتحكيم الإسلام
إن جهاد الدفع -كان عبر تاريخ الأمة- عن البلاد المحتلة لأجل تحريرها وردها من جديد الى ديار المسلمين التي تخضع لسلطان المسلمين وتحكم بنظام الإسلام ، وبمعنى آخر لأجل إعادتها الى حظيرة دار الإسلام لتحكم بالإسلام ويكون أمانها بأمان المسلمين ، فتحرير الأرض فحسب لم يكن منتهى غاية المسلمين بل إعادة لحمتها الى دار الإسلام لتستظل بظل حكمه وسلطانه ، واليوم واجب المسلمين أن يعوا أن جهاد دفعهم ليس لمجرد التحرير فحسب بل لا يصح أن يكون التحرير دون أن يرتبط بتحكيم نظام الإسلام غاية المجاهدين ، فالمسلم لا يقاتل ولا يبذل الغالي والنفيس ليحرر بقعة من بلاد المسلمين ويهب فيها الحكم والسلطان والسيادة لجهات تحكم بغير ما أنزل الله . لذا كان على المجاهدين أن يكون أعمالهم الجهادية مرتبطة بمشروع أكبر وهو مشروع إستئناف الحياة الإسلامية عبر إقامة الخلافة الراشدة الثانية .

سادساً : علاقة الجهاد بطريقة إقامة الخلافة
إن الجهاد بأنواعه المختلفة ليس طريقاً لإستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية فهو كما ذكرنا آنفا شرع لغرضين إثنين أولهما حمل الدعوة للأمم والشعوب الأخرى وثانيهما رد العدوان الحاصل على المسلمين ، بينما إقامة الدولة الإسلامية تقتضي السير في الطريق السياسي عبر الصراع الفكري والكفاح السياسي اقتداءاً وتأسيا بخطى المصطفى صلى الله عليه وسلم حال إقامته لدولة الإسلام الأولى وعليه فأي خلط بين الجهاد والعمل لإقامة الخلافة هو خلط في غير محله وهو عدم إدراك لواقع كلا الفرضين ولطريقة القيام بكل واحد منهما .
إن ما أشكل فهمه على البعض من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتال الحاكم المصرّ الذي يظهر الكفر البواح لا يصلح دليلاً على أن الجهاد يعتبر طريقاً لاقامة الخلافة إذ ان قتال الحاكم الذي يظهر الكفر البواح لا يعد جهاداً في عرف الفقهاء إذ هو قتال لاستعادة الحكم في ظل دار اسلام حكمت بأحكام الكفر فترة مؤقتة فوجب على المسلمين قتال الحاكم الذي أظهر الكفر البواح وحكم به ليزيل المسلمون هذا الظرف الطارئ ويعيدوا الحكم الى نصابه ، ولا يكون ذلك الا في ظل وجود دار الاسلام وتطبيق الحاكم لأحكام الكفر البواح فيها لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن هذه الحالة (أفلا ننابذهم يا رسول الله ، قال لا ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ).

إن العمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية هو الذي يؤصل لإعادة فرض الجهاد بحلته الحقيقية المثالية التي ترضي رب العالمين عبر تجييش الجيوش لتحرير البلدان وفتح الأمصار تحت راية العقاب وتحت إمرة أمير المؤمنين أمامهم الذين يقاتلون من ورائه ويتقون به .

إن على الأمة الإسلامية أن تعي على مبدئها بفكرته وطريقته وتعي على قضاياها المصيرية فتدرك خلاصها فتسير وفق هذا الوعي والإدراك حتى تستطيع إيجاد مبدئها في أرض الواقع وتخلص نفسها والبشرية جميعا من الضنك الذي تحياه .

نسأله سبحانه أن يعجل لنا بقيام الخلافة الراشدة الثانية فتقيم فينا شرع الله وتحرر البلاد والعباد من هيمنة الكفار العسكرية والفكرية وتحمل رسالة الإسلام رسالة خير وهدى الى الأمم والشعوب الأخرى .