نتائج الانتخابات الأمريكية هروب من الفشل

نتائج الانتخابات الأمريكية ...هروب من الفشل

لقد شغلت الإنتخابات الأمريكية مساحة كبيرة في الإعلام بشتى وسائله ، كما دفعت نتائجها الكثير من الكتاب والصحفيين للكتابة حول التجرية الأمريكية ، فتعالت بعض الأصوات التي تكيل المديح للديمقراطية الأمريكية ولبلد الفرص وهنأ البعض أمريكا في انتصارها على فكرة العنصرية كما علق البعض آمالاً عريضة على قدوم التغيير لأمريكا وسياساتها في العالم ، وغير ذلك مما تفتقت عنه أذهان المحللين والكتاب والصحفيين ، بيد أنه من غير الطبيعي ولا من سداد الرأي والحكم أن يتم فصل الإنتخابات الأمريكية الحالية عن الظروف والملابسات التي تحيط بأمريكا اليوم ، كما من غير الدقة تجاهل حقائق يراها كل مبصر ومتتبع للسياسة وللسياسة الأمريكية على وجه الخصوص .


أما الحقائق المتعلقة بالسياسة الأمريكية فهي :

• إن الحكام الحقيقيين لأمريكا هم الرأسماليون المتنفذون أصحاب كبرى الشركات الأمريكية كشركات النفط وشركات صناعة السيارات وكبرى البنوك والمؤسسات المالية وغيرها ، ويظهر ذلك جليا في دعم هذه الشركات للحملات الإنتخابية لمرشح دون آخر فمن المعلوم بداهة أن بدون الأموال المقدمة من الرأسماليين لا تقوم حملة انتخابية لمرشح ما بل إن مدى ما يستطيع المرشح تحصيله من أموال يعد رصيد نجاح له في عرف الانتخابات الأمريكية ولا يظن عاقل أن هذه الأموال تقدم من كبرى الشركات بدون مقابل سياسي أو اقتصادي بمعنى آخر بدون رهن للقرار بيد هذه الشركات ، كما يظهر تأثير الرأسماليين المتنفذين عبر تحكمهم بآلة الإعلام الأمريكية التي تحتل المركز الأول في تكوين الرأي العام الأمريكي .

• إن السياسة الأمريكية لا تتغير بتغير شخص الحاكم أو حزبه ، بل إن السياسة الأمريكية يتم رسمها من قبل حكام في الظل وموجهيين سياسيين ولكن يختلف أسلوب تنفيذ هذه السياسة من حاكم لآخر ومن حزب لآخر فالاختلاف ليس جوهريا بل شكلياً وبحسب طبيعة كل مرحلة تمر فيها السياسة الأمريكية يتم دعم مرشح أو حزب على آخر ليضطلع بتنفيذ الأجندات السياسية المرسومة مسبقاً .

• إن العنصرية في أمريكا لا يمكن أن تزول بمجرد إستلام حاكم ملون للحكم فيها فهي متجذرة في المجتمع الأمريكي بصورة قوية وما الكشف عن محاولة اغتيال أوباما في فترة الحملة الانتخابية وما الحراسة المشددة التي حظي بها خلاف ماكين إلا إشارة على عمق مفهوم العنصرية في الشعب الأمريكي كما أن الواقع العملي يثبت تكريس هذه العنصرية فأكبر نسبة بطالة في أمريكا في أوساط السود وأكبر عدد جريمة يقع في أوساط السود و80% من المعتقلين في السجون الأمريكية من السود ، فالعنصرية مجسدة عملياً، وما الإتيان بحاكم أسود سوى تضليل ليظن البعض بأن أمريكا قد تخلت عن عنصريتها .

أما الظروف والملابسات التي تعيشها أمريكا اليوم فهي :

• تعيش أزمة مالية خانقة أتت على اقتصادها ، عجز كبير في الموازنة ليس له مثيل من قبل ، وهي تخشى حالة الكساد التي يمكن أن تعم الإقتصاد الأمريكي.
• مشاكل داخلية صعبة تتمثل في موضوع التأمين الصحي والضرائب .
• إخفاق عسكري وحرب استنزاف في كل من العراق وأفغانستان وعجز عن تحقيق النصر الذي طالما وعِد به الشعب الأمريكي .
• انحدار في سمعة أمريكا عالمياً على المستوى الإنساني والأخلاقي ، فلقد أصبح غوانتاناموا وبلغرام وأبو غريب هي الماركة المسجلة لأمريكا التي لا ينافسها فيها أحد .
• انحدار في التقيد بمفاهيم الحريات الغربية فلقد بات انتهاك الحريات للشعب الأمريكي نهجاً لإدارته وحكامه فسمح بمراقبة الهواتف والاطلاع على الملفات السرية الخاصة بكل مواطن أمريكي .

هذه هي الظروف والملابسات التي احاطت بالانتخابات الأمريكية وهي تعبر عن حالة فشل في المبدأ والسياسة ، فعلى صعيد المبدأ بان للعالم بأن الديمقراطية الرأسمالية ليست سوى أداة لجلب الكوارث وعاملاً محفزاً للأزمات المالية والإقتصادية وأنها سببت المصائب للبشرية وسلبت منهم أدنى مقومات الحياة والكرامة وها هم روادها يقفون حيارى عاجزين عن معالجة الأزمة المالية الراهنة وما خلفته وما يمكن أن تخلفه مستقبلاً ، ولا عجب في ذلك فالرأسمالية متهافتة فكرياً ولكن بان فشلها اليوم عملياً في أرض الواقع ، وأما السياسة فأمريكا لم تعد قادرة على لعب دور الشرطي العالمي فحرب العراق وأفغانستان قد استنزفتها وأثبتت للعالم عجزها وخوارها فسبع وخمس سنوات لم تكفها لإنجاز مخططاتها في كل من افغانستان والعراق.

في ظل هذه الأجواء السوداوية لأمريكا غير المسبوقة احتاج الشعب الأمريكي لطفرة غير مسبوقة فكان استجلاب حاكم ملون للبيت الأبيض ظناً منهم أن هذه الطفرة ستغطي على بعض الأزمات المبدئية والسياسية التي تمر فيها أمريكا ، فحقيقة هذه الإنتخابات كانت هروباً من الفشل ، فأدوات النجاح لم تعد ملكاً لا للرأسمالية ولا لأمريكا ، ومخطئ كل من ظن أن تغيراً سيطرأ على السياسة الأمريكية وأن نهجاً وتوجهاً جديداً سيطغى على سياسة أمريكا تجاه العالم وتجاه المسلمين على وجه الخصوص ، فالحرب على "الإرهاب" ستستمر وحرب العراق وأفغانستان ستستمر وسياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط ستبقى على حالها .

إن الإتيان بحاكم ملون ما هو-في جانب منه- إلا محاولة لإسترضاء العالم الذي ضاق ذرعاً بأمريكا وبسياسات بوش طوال السنوات الثماني المنصرمة ، فهو محاولة لإستعادة "المكياج" للهيمنة الأمريكية من جديد ، لكن مع كل الظروف والأحوال التي ذكرناها آنفاً لن يجد أوباما ومن أتى به سبيلاً للنجاح .

إن الأمة الحية هي التي تستطيع أن تتغلب على مصاعبها بحكمة واقتدار ، وما نراه في امريكا اليوم من عجز وضعف وخداع وتضليل يبرهن القول بأنها ومبدأها في حالة تداعي وانهيار ، بيد أن الأمر يتطلب برهة من الوقت الى حين بروز قوة بديلة وأمة رائدة جديدة ولن تكون هذه الأمة سوى الأمة الإسلامية التي لعبت هذا الدور بكفاءة من قبل وستعود لتلعبه عما قريب-بإذن الله-فتخرج البشرية من الضنك والكارثة والظلمة التي تعيشها الى عدل وطمأنينة ونور الإسلام .

لذا على الأمة الإسلامية أن لا تعلق آمالاً على حاكم هنا أو هناك من دول الغرب أو أن تبقي أبصارها شاخصة قبل المشرق أو المغرب ، وان تدرك ان هذا التطلع والتعلق يعني تكريس التبعية والاستمرار في أن تكون محلاً للحدث لا صانعة له ، إن على الأمة الإسلامية أن تعمل جاهدة لتقتعد مكان الصدارة بين الأمم فتكون محل أنظار العالم وأفئدته وسبيله للنجاة ولن يكون ذلك إلا عبر بوابة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

ليست هناك تعليقات: