مجردُ الوصولِ الى الحكمِ أم إقامةُ الدينِ بالخلافة ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

مجردُ الوصولِ الى الحكمِ أم إقامةُ الدينِ بالخلافة ؟

تعيشُ الأمةُ الإسلاميةُ اليومَ حالةَ مخاضٍ عسيرٍ لميلادِ دولةِ الإسلام دولةِ الخلافةِ الراشدةِ الثانية ، وفي خضمِ هذا المخاض وإدراكاً منه للخطرِ الداهمِ الذي يهددُ كيانَه ، يسعى الغربُ بأساليبَ عدة ووسائلَ شتى أن يعرقلَ مسعى الأمةِ ويوهمَها أن هذا المخاضَ ليس سوى أوهامٍ وعلاماتِ ولادةٍ كاذبةٍ بل إنه ولما ضاقت به السبلُ سعى الى ذرِ الرمادِ في العيون بل ألقى عليها حجاباً ساتراً وأخرج لها في غفلةٍ من امرِها من صنعِ يديه دميةً وحاول أن يقنعَها أن هذه الدميةَ هي الوليدُ المنتظر وأن ما تشعرُ به الأمةُ الآن هو آثارُ الولادة ، فما عليها بعد ذلك سوى أن تحتضنَ هذا الوليدَ وأن ترعاه وأن تصرفَ النظرَ عمن سواه .

تلكم الدميةُ هي الحكوماتُ التي يدير دفتَها من يطلقُ الغربُ عليهم اسم "الاسلاميين المعتدلين" أو "الاسلاميين العصرانيين" ، وهي الحكوماتُ التي وصلَ الى سدةِ الحكمِ فيها حركاتٌ إسلاميةٌ عبرَ بوابةِ الانتخاباتِ الديمقراطيةِ الزائفةِ أو ما يحلو للغرب أن يسميَها باللعبةِ الديمقراطيةِ ، فهل هذه الحكوماتُ تمثلُ تجربةً حقيقيةً لوصولِ الإسلامِ الى الحكمِ بل هل يعتبرُ وصولُ هذه الحركاتُ لسدةِ الحكمِ هو وصولٌ للإسلام؟ ومتى نعتبرُ الإسلامَ وصلَ الى الحكم ؟

للإجابةِ على هذه التساؤلاتِ لا بد لنا من ان ندركَ الظرفَ الذي يحيطُ بالأمةِ الإسلاميةِ اليومَ وأن ندركَ توجهاتِ وتطلعاتِ الغربِ في هذا الشأنِ بإعتبارِه اللاعبَ الأساسيَ في حلبةِ الحكوماتِ والأنظمةِ الهزيلةِ وأن نقفَ على نظرةِ الإسلامِ لهذا الشأن لنخلص بإذن الله الى رأيٍ سديدٍ مبصرٍ بنور الكتاب والسنة ، لا أن نحكمَ على الأمورِ من خلالِ الأهواءِ والرغباتِ والثوراتِ المشاعرية .

لا يخفى على كل مبصر إعلانُ أمريكا رأسَ الكفرِ وقائدةَ طلائعِ الغربِ الصليبي الحربَ المستعرةَ الصليبيةَ من جديد على الأمةِ الإسلاميةِ ، ولقد سعت أمريكا بادئ الأمرِ الى إعلانِ الحربِ على المسلمين بصورةٍ شموليةٍ دون أن تفرقَ بين من تسميهمُ اليومَ (اصوليين ومعتدلين) غيرَ أن عاقبةَ أمرِها كان البوارُ والفشلُ والانتكاسُ المرةَ تلو الأخرى ، فعكفت مراكزُ الأبحاثِ والدراساتِ الإستراتيجيةِ الأمريكية والتي تعتبرُ المغذي الحقيقي للسياساتِ الأمريكيةِ في العالم وبالأخص دول العالم الإسلامي ، عكفت هذه المراكزُ على دراسةِ احوالِ المسلمين والحركاتِ الإسلاميةِ العاملةِ فيها وقد خلصت هذه المراكز ونخصُ بالذكر منها مؤسسة راند -وهي مؤسسةٌ بحثيةٌ لها نفوذٌ كبيرٌ و تأثيرٌ على سياسة الولايات المتحدة الامريكية الخارجية - خلصت هذه المؤسسة في تقريرٍ لها بعنوان : "الاسلامُ المدنيُ الديمقراطيُ: الشركاءُ و المواردُ و الاستراتيجيات" خلصت الى توصياتٍ هامةٍ زودت بها الإدارةَ الأمريكيةَ لتترسمَ خطاها في التعاملِ مع الحركاتِ الإسلاميةِ العاملةِ في بلاد المسلمين . حيث أوصت هذه المؤسسة بضرورة دعمِ الاسلاميين المعتدلين أو العصرانيين ليقفوا سداً منيعاً ضد الأصوليين المتطرفيين -على حد تسميتهم- كما أوصت في تقريرها المسهبِ والمفصلِ الى أساليبَ لحربِ الحركاتِ الإسلاميةِ التي تسعى لإيجادِ الخلافةِ وصنفت المسلمين الى أربعةِ أصنافٍ أصوليين وتقليديين وحداثيين وعلمانيين وارشدت الى ضرورةِ دعمِ التقليديين والعصرانيين لصد موجة التيار الإسلامي الأصولي ومما جاء في تقريرها حول المسلمين الأصوليين (يجبُ محاربتُهم واستئصالُهم والقضاءُ عليهم وأفضلُهم هو ميّتُهم لأنّهم يعادون الديمقراطية والغرب ويتمسكون بما يسمى الجهاد وبالتفسيرِ الدقيقِ للقرآن وانهم يريدون أن يعيدوا الخلافةَ الاسلاميةَ ويجب الحذرُ منهم لأنّهم لا يعارضونَ استخدامَ الوسائلِ الحديثةِ والعلمِ في تحقيقِ أهدافِهم وهم قويوا الحجّةَ و المجادلة.) انتهى النص، لذا ترى الإدارةُ الأمريكيةُ اليومَ أن لا مانعَ لديها من أن يصلَ الى سدةِ الحكمِ في البلاد العربيةِ و الإسلاميةِ حركاتٌ إسلاميةٌ عصريةُ الفهمِ معتدلةُ الرؤيا أي تفهمُ الإسلامَ على المنهجِ الأمريكي الليبرالي ، بل إن وصولَ الإسلاميين المعتدلين على -حد تسميتها ايضا- أصبح ورقةً تستخدمُها للمناوراتِ السياسيةِ ولخدمةِ أغراضِها وأهدافِها السياسيةِ علاوةً على هدفِها الرئيس وهو ضربُ المشروعِ الإسلامي المتمثلِ بإقامةِ الخلافةِ عبرَ تصويرِ الإسلامَ حالَ وصولِه الى الحكمِ بأنه سينخرطُ في التيارِ الرأسمالي الجارفِ وسيبدي الليونةَ بل والمداهنةَ للعالمِ الغربي وبالتالي سيتنازلُ عن أهدافه وغاياتِه ولن يكونَ حالُ الحكمِ في ظل الإسلامِ في المحصلةِ أحسنُ حالاً من حال الأنظمةِ العميلةِ الدكتاتوريةِ الآن مما يؤدي الى زرع بذورِ اليأسِ والإحباطِ لدى المسلمين وإدخالِ الشكِ والريبةِ على فهم المسلمين للإسلام وقدرتِه على إحداثِ التغييرِ الجذري ، وفي هذا السياق أبدت أمريكا استعدادَها للحوارِ مع حركاتٍ إسلاميةٍ معتدلة وهذا ما كان وسكتت على دخولِ حركاتٍ أخرى اللعبةَ السياسيةَ بل ودعمت ذلك .وتبنت على سبيل المثال التجربة التركية بإعتبارها مثالاً ونموذجاً يحتذى به ، مثالاً على مرونة التياراتِ الإسلاميةِ وقبولِها التعاملَ مع الغربِ والسيرِ في سياساتِه ودعت الى تكريسِ هذا النموذج في كثيرٍ من البلدانِ ومما يدللُ على ذلك أنّ وزيرةَ الخارجيةِ "كونداليزا رايس" كشفت عن اقتناع الولايات المتحدة بأهميةِ التحاورِ مع الإسلاميين في المنطقة العربية، وأنها لا تخشى من وصول تياراتٍ إسلاميةٍ إلى السلطة و أنّ رايس لم تكن وحدها التي صرحت بهذا، فقد قال ريتشارد هاس مدير إدارة التخطيط السياسي بالوزارة نفسها إن الولاياتِ المتحدة لا تخشى وصولَ تياراتٍ إسلاميةٍ إلى السلطة لتحلَ محلَ الأنظمةِ القمعيةِ العربية التي"تتسبب بتكميمها الأفواهَ في اندلاعِ أعمالِ الإرهاب، شريطةَ أن تصلَ عن طريقٍ ديمقراطي وأن تتبنى الديمقراطيةَ كوسيلةٍ للحكم.].

وأمامَ هذا السعيُ الخبيثُ والمكرُ الشيطانيُ للحيلولةِ دونَ عودةِ الإسلامِ في دولةٍ حقيقيةٍ ، دولةٍ تطبقُه تطبيقاً كاملاً غيرَ مجزأْ ولا منقوص ولكي نبصرَ هذا الواقعَ الخطيرَ بنورِ الكتابِ والسنةِ لا بدَ لنا من أن نذكرَ الأمةَ وأن نؤكدَ على الحقائقِ الشرعيةِ التالية :

1. إن الإسلامَ طرازُ عيشٍ فريدٍ وبتطبيقِه تطبيقاً كاملاً يوجدُ النموذجُ الإلهيُ الذي ارتضاه ربُ العالمين للبشر في أرضِ الواقعِ فهو غنيٌ عن ان يتطفلَ على ما سواه أو أن يفتقرَ الى غيرِه وليس الرضى بوصولِ الحركاتِ الإسلاميةِ الى سدةِ الحكم عبر بوابةِ الديمقراطية ومن خلال الرضى بأن يكونَ الإسلامُ جزءاً من نظامِ الكفر المطبقِ ليس الرضى بذلك سوى تقزيمٌ للنموذجِ الرباني ورضىً بسيادةِ الكفرِ على الإسلام ، فليس من نهجِ الاسلامِ شراكةُ المبادئِ الأخرى أو حتى الاقرارُ بها (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

2. إن تطبيقَ الإسلامِ في أرض الواقع وحملَه رسالةً الى العالم يتوقفُ على وجودِ الإسلام في الحكم أي مجسداً في في دولةِ الخلافة فهي الطريقُ الشرعيُ الوحيدُ لتطبيقِ الإسلامِ وحملِه الى العالم (الامامُ جنةٌ يقاتلُ من ورائِه ويتقى به) .

3. ليس من نهج الإسلام في الوصول الى الحكم أن يُتوسلَ اليه بتركِ تطبيقِ الإسلامِ أو بعضِ أحكامِه أو حتى أخذُه مشروطاً ولا أدلَ على ذلك من مواقفِ الرسولِ عليه السلام في سعيه لإقامةِ دولةِ الإسلام فقد رفضَ عليه السلام الوصولَ الى الحكمِ دونَ أن يجعلَ الإسلامَ محلَ التطبيق ، فرفضَ أن يصلَ هو بشخصِه وأن يتركَ الإسلامَ خارجَ سدةِ الحكم فقد عرضَ عليه كفارُ مكةَ الحكمَ والسيادةَ والسلطانَ والجاه دونَ أن يقيمَ فيهم حكمَ الله ودونَ أن يقيمَ فيهم شرعَه بل أن يستلمَ الحكمَ بشخصِه فحسب لكنه عليه السلام رفضَ ذلك رفضاً كلياً فكانَ مما عرضوا عليه قولهُم (فإن كنتَ إنما بك الرئاسةُ عقدنا ألويتَنا لك فكنتَ رأسنا مابقيت) فما كان من رسولِ الله إلا أن قرأَ عليهم آياتٌ من سورةِ فصلت من بدايتها الى قولِه سبحانه (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) في ردٍ صارخٍ منه عليه السلام فإما أن يصلَ الإسلامُ الى الحكمِ وأن تستجيبوا استجابةً كاملةً مستسلمةً لأمرِ الله وإما أن يصيبَكم ما اصابَ من كان قبلَكم بل إن عليه السلام رفض أن يصلَ الى الحكم مُطَبِقاً للشرع بشرطٍ يخالفُ المبدأ ولو في جزئيةٍ فقد عرضَ عليه بنو عامر بن صعصعة النصرةَ شرطَ أن يكونَ لهم الأمرُ من بعده ، وبرغم الحاجةِ الماسةِ للنصرة إلا أنه عليه السلام رفضَ التنازلَ ولو في جزئيةٍ واحدةٍ فردَ عليهم قائلاً (الأمرُ لله يضعه حيث يشاء)

4. إن وجودَ الإسلامِ في الحكمِ هو حكمٌ شرعيٌ قطعيٌ لا يقبلُ الاجتهادَ أو التأويلَ أو الخلافَ وهذا يقتضي بناءَ القاعدةِ الشعبيةِ بتوحيدِ الآراءِ والافكارِ والاحكامِ من أجل توحيدِ هدفِ الأمة نحوَ إستئنافِ الحياةِ الإسلامية من أجل تطبيق الإسلام تطبيقاً إنقلابياً شاملاً فليس من طريقةِ الإسلام التدرجُ بتطبيقِ أحكامِه (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ) .
5. إن المفاصلةَ بين الحقِ والباطلِ وعدم المهادنة والمواربة والمجاملة هي نهج الاسلام الذي لا يقبل التغير والتبدل (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) .

6. إن الطريقَ العمليَة والشرعيَة للوصولِ الى الحكم هي طريقُ الرسول صلى الله عليه وسلم ولا طريقَ غيرها ولا يكون الوصول الى الحكم عبر بوابة الانتخابات الديمقراطية الزائفة (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) .

7. إن التوسلَ للأحكامِ الشرعيةِ بالمصلحةِ( التي تعتبرُ آفةُ العصر) لا يمتُ للإسلام بصلة بل لقد أصبحَ هذا النهجُ ديدنَ من يريدُ تحريفَ أحكامِ الإسلامِ وليِ أعناقِ النصوصِ لتوافقَ الواقعَ باسمِ المصلحة .

أيها المسلمون : بالعملِ وفقَ الطريقِ الشرعيةِ عبر التأسي بنهج الرسول عليه السلام يكونُ الوصولُ الى الخلافة وبالخلافةِ وحدَها يصلث الإسلامُ الى الحكمِ وبالخلافةِ وحدَها يُطبقُ الشرعُ كاملاً غير منقوصٍ ولا مجزأ ، وبالخلافةِ وحدَها تقامُ دارُ العدلِ وتُحمى الثغورُ وتصانُ الأعراض ، وبالخلافة وحدَها يوجدُ النموذجُ الإسلاميُ في أرضِ الواقعِ ، وبالخلافةِ وحدَها يكونُ النصرُ والتمكينُ ، فلا يغرنَّكم تضليلُ المضللينُ ولا خدعُ المخادعين ولا كيدُ الكافرين واعملوا بجدٍ الى يومٍ يقامُ فيه الدينُ عبرَ اقامةِ الخلافةِ وكونوا من أهلِها وبُناتِها كي يسجلُ في صفحاتِكم بماءٍ من ذهب أنكم -بإذن الله- أقمتم الخلافةَ كما أقامَها من قبلِكم خيرُ البشر فتفوزروا بإذن الله بعز الدنيا وثوابِ الآخرة .(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

اللهم أجعل خلاصنا بالخلافة قريبا ،واجعلنا اللهم من بناتها ومن لبناتها ،اللهم انفعنا بما علمتنا
ولا تمتنا الا وانت راض عنا اللهم آمين .

الإعلام والخلافة

بسم الله الرحمن الرحيم

الإعلام والخلافة

لقد باتت الخلافة محور حياة الأمة ومركز تنبهها ومحط انظارها وأملها في الخلاص من كل خطب ، ولا غرو في ذلك ، فبالخلافة وحدها تقام دار العدل وبالخلافة وحدها يقام الدين وبالخلافة وحدها يذاد عن حياض المسلمين وبالخلافة وحدها تحرر بلاد المسلمين وبالخلافة وحدها تحل قضايا المسلمين بشتى ضروبها فهي رأس الأمر لقضايا الأمة في هذا الزمان وهي قضية القضايا .

ولما كانت الخلافة بهذه المكانة كان حرياً بالأمة أن تبقى منشغلة بما يحقق هذه الغاية ويمهد السبيل للوصول لها وكان حرياً بها ان تبقى تمحص كل فكر وارد أو شارد في هذا الشأن حتى تأخذ بأحسنه وتنفي خبيثه فتسير في طريق عزها ونهضتها فتصل الى مبتغاها وتحقق نهضتها .

غير أن عدو الأمة يبقى يتربص بها الدوائر ويحيك لها المؤامرات والمكائد ليوقع الأمة فريسة أفكاره ومخططاته ليحرفها عن مبتغاها ويصدها عن سبيل عزتها فيأخذ بنفث سمومه في أرجائها من ديمقراطية وحريات و حقوق إنسان واستقلال واحترام سيادة القطر وحقوق الأطفال والعولمة واقتصاد السوق وغيرها وكل ذلك كي تبقى الأمة رهينة ما يمليه عليها من أفكار مضللة مخالفة لشرعها وعقيدتها ولكي تبقى الأمة بعيدة عن الفكر الحق الذي يأخذ بيدها نحو النهضة ويقودها الى درب العزة والكرامة .

وفي خضم ما تعيشه الأمة من محاولتها تلمس سبيل نهضتها ومن سعي الكفار الدائم لصدها عن ذلك تأتي أهمية وسائل الإعلام باعتبارها لاعباً رئيسا في تكوين وعي الناس والرأي العام فيهم ولأهميتها لا بل ولخطورتها حرص الكافر المستعمر على ان يبقى ظله جاثماً عليها ، فبدل ان يكون للإعلام دوراً فاعلاً ايجابيا نزيها وفق ما تمليه عليه معاير الإعلام المعلنة وبدل أن يكون للإعلام دوراً مؤثراً في نهضة الامة وفق ما يمليه الشرع على الإعلاميين والعاملين في وسائل الإعلام باعتبارهم جزءا مهماً من امتهم ، نرى -بكل آسف ومرارة- ان الإعلام في هذا الزمان بات سيفاً مصلتاً على رقاب الامة وبات جسراً لتحقيق أجندات الدول الكرتونية في العالم الإسلامي وبالتالي تحقيق اجندات الكافر المستعمر باعتبار هذه الدول ليست سوى دمية يحركها الكافر حيث يشاء ،
• فوسائل الإعلام في عصرنا الراهن ، تثير القضايا التي تخدم الكافر المستعمر وتكثف من طرحها لتقرع بها آذان الناس صباح مساء فتسهم في تشكيل وعي الناس وفق مقاسات الكفار مثل ما يزعم حول قضايا المرأة وما أكثرها حتى صارت من عجائب الدنيا السبع في الإعلام وذاكم التناقض الحاصل في التغطية الإعلامية المقلوبة لقضيتين متشابهتين بين ما يجري في لبنان وقضية نهر البارد وبين ما يجري في باكستان وقضية المسجد الأحمر،وما ذاك إلا مثالاً على تحيز الاعلام لأجندات خارجية .
• وفي سائل الاعلام نجد قضية الخلافة غائبة من قاموسها الإعلامي ولا تكاد تطرق أسماع الناس بما يمت لهذه القضية المصيرية بذي شأن بل إنها –وللأسف- حينما تتناولها نادراً تتناولها بشكل منفر وسلبي علماً بأن الخلافة قد ملأت أرجاء المعمورة قروناً طويلة نوراً اضاء ظلمات الكون الفسيح وليست الأمة الإسلامية الممتدة الأطراف عبر القارات إلا شاهداً على عظم هذه الدولة ومكانتها وليست قضية الخلافة سوى قضية الأمة وفكرها بل إن تاريخ الأمة الإسلامية لا يعدو كونه تاريخ الخلافة فالأمة لم تعش دون خلافة إلاّ هنيهة من تاريخها ، فما سبب هذا التهميش لقضية بهذا الوزن ؟ وما سبب الحصار الإعلامي المضروب على قضية الخلافة ودعاتها ، حتى وصل الحال بوسائل الإعلام أن تتخطى أحداثاً جساماً تتعلق بقضية الخلافة ودعاتها بينما تتناول قضايا لا أقول اقل شأناً منها بل لا شأن لها وتفرد لها الساعات الطوال ، فأيهما أحق يا أهل الإعلام قضية أمتكم المصيرية أم توافه الأمور ؟ أيهما أحق يا أهل الإعلام بالتغطية أن يعتقل ألف أو يزيد من أمتكم لسعيهم الدؤوب لإنقاذ أمتهم عبر إقامة الخلافة أم اعتقال شخص يدعو لحقوق الانسان بزعمه وهو في الحقيقة لا يعدو كونه عميلا سياسياً للكافر المستعمر ؟ أيهما أحق شباب في كل بلاد المسلمين وفي كل العالم يخوضون كفاحاً وصراعاً مريراً مع الغرب والحكام عشرات السنين ويتعرضون لكل صنوف الأذى والاضطهاد أم داعية للديمقراطية في بلادنا يجلس على مكتب في باريس أو لندن أو واشنطن ؟ أيهما أحق حزب مبدئي وحيد يتصدى لقيادة امته عبر العالم كله بشبابه يمشون بين الناس أم إعلان من جماعة لا تعرف على الانترنت ؟


إن الخلافة ودعوتها وحملتها هم أمل الأمة وسبب عودتها عزيزة منيعة، لذا يسعى الكافر المستعمر ليميلي على الإعلام أجندات تحول بين الأمة وقضيتها المصيرية وليحول بين الأمة ورواد نهضتها ، لذا فلا زال الإعلام يقصي قضية الخلافة ودعاتها من على أبوابه ويظهر ذلك جلياً في إقصاء الخلافة ودعوتها عن أي ذكر على الرغم من أن دعوة الخلافة -وبحمد الله- لها وجود عالمي تجاوز الأوطان والأقطار ووجود دعوة الخلافة ماثل للعيان في جاكارتا في أقاصي الشرق التي يعقد فيها يوم غدٍ أكبر مؤتمر عالمي حاشد للخلافة ، لم يعقد له مثيل منذ هدم الخلافة ، الى الرباط في أقاصي الغرب من بلاد المسلمين وحتى أصبح لها وجود قوي ومؤثر في الجاليات الإسلامية في عقر دار الغرب وبين أظهر دول الشر في الشرق والغرب من موسكو الى واشنطن مرورا بلندن وبرلين ، فعلى الرغم من هذا الوجود العالمي لدعوة الخلافة وعلى الرغم من الفعاليات والمؤتمرات والممثلين الإعلاميين ووجود المكاتب الإعلامية لهذه الدعوة إلا أنها لازالت تعيش طوقاً إعلامياً مريراً ، وتلكم فاجعة أنديجان مثالاً كيف تعامل معها الإعلام على استحياء تلك الفاجعة التي اصابت الالاف من حملة دعوة الخلافة ومن التف حولها من جماهير الأمة في اوزبكستان ، وتلك حادثة وفاة كل من الشيخ تقي الدين النبهاني والأمير عبد القديم زلوم اللذان يعدان من مجددي دين هذه الأمة في عصرنا الراهن وكيف أغفل الإعلام وفاتهما ولم يمر عليه حتى مرور الكرام بينما يتوقف الإعلام ساعات وساعات على خبر وفاة عميل سياسي هنا أو هناك أو قل على ممثلة أو راقصة ماجنة.




إن قضية الخلافة وإن غيبت عبر وسائل الإعلام لكنها حاضرة في قلوب الأمة وها هي يوماً بعد يوم تزداد التفافاً حول العاملين لها وهذا الجمع المبارك خير شاهد على ذلك ، ولن يطول الزمان بالامة-بإذن الله-حتى تأخذ زمام أمرها فتعيد رمز عزتها وكرامتها ، لذا وإزاء هذه الحقيقة التي نراها رأي العين فإننا نتوجه لأهل الإعلام ولمن كان له تأثير عليهم نتوجه لهم مخاطبين ، يا أهل الإعلام :
إنكم اليوم على محك خطير سيسجل في صفحاتكم فإما أن تملؤها بالسواد وإما أن تكللوها بناصع الأعمال فإما ان تستمروا في حصاركم الإعلامي على قضية الخلافة ودعاتها و أما أن تنحازوا لجانب أمتكم ولقضيتها فأنتم من أبنائها فمصابها مصابكم وقضيتها قضيتكم وأنتم قد مكنكم الله من منابر الإعلام فسخروها لخدمة قضية أمتكم واجعلوا قضية الخلافة قضية نقاش وجدال، الحجة بالحجة والدليل الشرعي بالدليل الشرعي، حتى ينجلي أمر الخلافة لكل مسلم ولا أقل من أن توظفوا أقلامكم وعدسات كاميراتكم لتغطية تطورات قضية الخلافة ونشاطات وفعاليات دعاتها ، فالخلافة ليست قضية حزب معين أو جماعة ما بل هي –والله- قضية الأمة بكافة شرائحها ، فأين حملكم لمسؤولية أمتكم ؟ أين حملكم لهّمها ؟ لذا فإننا نستثير فيكم إسلامكم ونستصرخ فيكم إيمانكم فكونوا ممن يذود عن هذا الدين وأهله ولا تكونوا عوناً للكافر المستعمر في حربه المستعرة على أمتكم ، كونوا كنُعيم بن مسعود في ذوده عن هذا الدين ولا تكونوا كالنضر بن الحارث في حربه للإسلام وفي ترويجه للدعايات المضللة ضده حتى أنزل الله في حقه (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)

فيا أهل الإعلام كونوا أنصاراً لقضية أمتكم فبها بإذن الله تحيون وتعزون .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

منكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان

بسم الله الرحمن الرحيم

(منكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان)

تنتاب الأمة الإسلامية اليوم حالة من الضعف الفكري والتراجع الفقهي مما أدى بها الى انتكاسة في طريقة التفكير وفي كيفية التعاطي مع القضايا والحوادث المستجدة ، وفي ثنايا هذه الواقع يجد المغرضون بأنواعهم المتعددة ( سيئو النية والجهال المنقادون وراء رؤوس شياطنية والمتغربنون الذين يرون في الغرب ما يسد أفقهم ويملأ قلبهم وعقلهم إجلالاً وإكباراً له ولحضارته ) في هذه الثنايا يجد هؤلاء التربة خصبة لتضليل الأمة وتحريف دينها وثنيها عن جادة الحق والصواب ، وذلك بتأوليهم للأحكام وإلباسهم الباطل لبوس الحق تارةً ، كترويجهم للديمقراطية الكافرة باسم الشورى ، وكتحليل الحرام باسم المصلحة تارة كإباحتهم للربا لأجل شراء المسكن وتغييرهم للأحكام ومناقضتهم لنصوص التنزيل بزعم تغير الاحكام بتغير الزمان والمكان تارة أخرى .
لذا-وذوداً عن هذا الدين الحنيف وسعياً لتبصير المسلمين بأمر دينهم لئلا يقبلوا الغث في ثنايا السمين ولئلا ينخدعوا بخدع المراوغين والمنافقين- رأينا أن نقف عند قاعدة يعتمد عليها هؤلاء في تضليل الأمة وحرفها عن أحكام دينها ،هذه القاعدة المسماة بـ(لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان).

إن جذور هذه القاعدة تعود الى اعتمادها كقاعدة شرعية في المجلة العدلية في آواخر الدولة العثمانية وقد أستند القائلون بها الى آراء مغلوطة منسوبة الى علماء من سلف هذه الأمة وأبرزهم ابن القيم والقرافي وابن عابدين ، ويعبر عند علماء السلف عن هذه القاعدة بتسمية أخرى وهي (تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان) وقد أفرد ابن القيم رحمه الله في كتابه (أعلام الموقعين) فصلاً بعنوان(تغير الفتوى واختلافها، بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد) ، غير أن ما يذهب إليه المعاصرون لا يمت بصلة لما قاله سلف هذه الأمة بل كان قولهم مغالطات إعتمدت على تشابه الألفاظ والعبارات برغم تغاير المعنى والمدلول . وبيان ذلك يتجلى في أقوال كلٍ من السلف والمعاصرين ، وسنورده في حينه .

أما أدلة القائلين بتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان ، فأهمها ما يلي :

1. اجتهادات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في رفع القطع عام المجاعة وعدم إعطاء المؤلفة قلوبهم وعدم تقسيم سواد العراق على المقاتلين .
2. تغيير الشافعي لكثير من آرائه ، حتى أصبح له في كل مسألة تقريبا رأيان ، واحد قال به في العراق وثانٍ قاله في مصر .
3. أحادبث يستدلون بها على القاعدة منها حديث إدخار لحوم الأضاحي وتغير حكمها .
4. استدلالهم بقوله تعالى (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) (الأنفال: 65)، ثم قال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين).

هذه هي أهم ادلة القائلين بهذه القاعدة وبالتدقيق فيها يتبين أن لا حجة فيها جميعاً على تغير الحكم بتغير الزمان أو المكان وبيان ذلك ببعض من التفصيل :

1. إن هذا التأصيل يؤسس لإعتماد أدلة أخرى في إثبات الأحكام الشرعية إذ جواز تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان يجعل المرء مضطراً للبحث عن أدلة مستحدثة ليغطي شرعية الاحكام المستجدة وهذا يعني ابتكار أدلة جديدة ، وشرعية هذه الأدلة يحتاج الى نصوص وحجج قطعية وهذا ما لم يتوفر في كل الأدلة التي ساقها القائلون بهذه القاعدة .

2. إن اجتهادات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم تخرج عن كونها فهماً شرعياً لأحكام شرعية ، فرفعه لحد القطع في زمن المجاعة ليس تغييراً لحكم السرقة ولا حتى لعقوبتها بل هو حكم مستثنى من عموم أدلة القطع وقد انعقد اجماع الصحابة على ذلك ، وأما عدم إعطائه الزكاة للمؤلفة قلوبهم ، فهذا يتضح من فهم واقع المؤلفة قلوبهم من أن الدولة تعطيهم لتستقوي بهم في حالة ضعفها فإذا زالت حالة الضعف هذه زال الوصف عنهم . واما تقسيمه لسواد العراق فليس تغييراً لحكم شرعي بل اجتهاد في النص وانطباقه على الواقع وفهماً للآية القرآنية (ما أفاء الله على رسوله فلله والرسول....والذين جاءوا من بعدهم).

3. أما تغيير الشافعي لإجتهاداته فعلاوة على أن قول الصحابي ليس بدليل ومن باب أولى أن قول الشافعي ليس بدليل فإن ما فعله رضي الله عنه لم يكن سوى تغيير لآرائه لانه قد ثبت له صحة أحاديث لم تصله في العراق وتبين له صحتها في مصر وليس لعامل الزمان أو المكان علاقة بالموضوع .

4. إدخار لحوم الأضاخي لم يتغير حكمه بل هو معللٌ لأجل الدافة فلما زالت العلة زال الحكم وإذا عادت العلة عاد الحكم وليس هناك من رابط للحكم بالزمان أو المكان لا من قريب ولا من بعيد .

5. وأما استدلالهم بالآية القرآنية (الآن خفف الله عليكم) فليس في النص تغيير ولا تبديل بل فيه حكمان لحالتين مختلفتين في مبادئة الكفار بالقتال أولاهما حالة نشوء الدولة والحاجة لتثبيت أركانها وتوطيد بنيانها ففرض الله عليهم القتال بنسبة 10:1 والثانية بعد استتباب الدولة فرض عليهم القتال بنسبة 2:1 وليس لعامل الزمن الصرف أية علاقة بتغير هذا الحكم.
وأما استدلالهم بأقوال ابن القيم والقرافي وابن عابدين ، فلا يتسع المقام لذكر أقوال هؤلاء العلماء الأجلاء لنبين الفرية التي يفتري بها أدعياء العلم في هذا الزمان على علماء الأمة غير أننا نقول في هذه العجالة أن رأي ابن القيم رحمه الله لم يتطرق لتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان بل كان حديثه منصباً برغم استعماله لعبارات مشابهة لقول هؤلاء كان قوله متعلقاً بضرورة أن يفهم المفتي تغير الواقع الذي ينزل الحكم عليه وهو المعروف لدى الفقهاء باسم تغير مناط الحكم لذا عنون بابه بالقول(تغير الفتوى واختلافها، بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد) فحديثه عن تغير الفتوى اذا تغير واقع مناطها ، فالعنب إذا تخمر حرم واذا تحول الى خل ابيح ولا يعارض هذا القول فقيه . وأما اقوال القرافي وابن عابدين فلم يذهبا بعيداً عما ذهب إليه ابن القيم في أن الأحكام المتعلقة بأقوال الناس وألفاظهم تختلف إذا اختلفت معاني هذه الأقوال والألفاظ. فقد تكون الألفاظ واحدةً، ولكن معناها عند قوم يختلف عن معناها عند غيرهم، وقد يكون للَّفظ معنىً في اللغة، ومعنىً آخر في الاصطلاح، أو في العرف الاستعمالي. وقد يعتمد المعنى على قرائن الأحوال التي قد تختلف دلالاتها بين قوم وغيرهم، وقد يعتمد على النيَّة. فإذ اختلفت معاني الألفاظ والجُمل، فإن الأحكام التي كانت هذه المعاني مناطاً لها تختلف تبعاً لذلك. وهذا يدخل في ألفاظ النكاح، والطلاق، والعتاق، والنذور، والأيْمان، وسائر العقود، وفي الأفعال التي تصبح ملازمة عند بعض الناس لأفعالٍ غيرها، أو ذات دلالة على مقاصد أو معانٍ معينة. كدلالة لباس معين على الزفاف، وغيره على الحداد، وآخر على أن لابسه طبيب، أو جندي، أو شرطي... فعلى سبيل المثال، اللباس الذي يختص به الطبيب هو في الأصل جائز، وجائز لأيٍ كان. ولما ارتبط هذا اللباس بمعنىً معين وهو أن لابسه طبيب، صار إذا لبسه غير الطبيب، ليوحي للناس أنه طبيب، حراماً، وليس ذلك من باب تحريم المباح، وإنما من باب تحريم الغش والخديعة، وهو حكم عام وثابت ولا صلة للأمر بزمان أو مكان.

ثم إن القول بجواز تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان يعارض أساسيات في هذا الدين منها
• نسبة الأحكام للشارع ، إذ الوحي قد انقطع وتغير الاحكام يعني تبدلها واستحداث احكام جديدة مما يقود الى جعل العقل هو الحكم بدل الشرع، وتعريف الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع وليس خطاب العقل أو المصلحة (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ).
• اكتمال الدين ، والتغير بعد الاكتمال اتهام للشريعة بالنقص ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (5) وقال سبحانه (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)
• قول الرسول عليه السلام ، الحلال بين والحرام بين ، ومع تغير الاحكام لا يصبح الحلال ولا الحرام بيناً "الحلال ما احل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه " والتغير والتبدل يفقد الحلال والحرام وضوحهما .
• أن الحكم الشرعي قد عالج الانسان بوصفه انساناً ولم يعالج مشاكله باعتبار فرديته والظروف المحيطة به من زمان أو مكان(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) .


إن القول بجواز تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان يعتبر تأصيلاً لمذهب جديد لا بل لدين جديد يتخذ من العقل والمصالح دليلاً يعارض به نصوص التنزيل فيلغيها ويبطل مدلولها واسمعوا ان شئتم قول أحد المعاصرين المروجين لهذه القاعدة حيث يقول ( إن كل التشريعات التي تخص أمور المعاش الدنيوي والعلاقات الاجتماعية بين الناس والتي يحتويها القرآن والسنة لم يقصد بها الدوام وعدم التغير ولم تكن إلا حلولا مؤقتة ، احتاج لها المسلمون الأوائل وكانت صالحة وكافية لزمانهم ، فليست بالضرورة ملزمة لنا ، ومن حقنا بل من واجبنا أن ندخل عليها من الإضافة والحذف والتعديل والتغير ، ما نعتقد أن تغير الأحوال يستلزمه) فجعل مخالفة النصوص وتغييرها ليس أمراً جائزاً فحسب بل هو أمرٌ واجب ؟!

إن دعاة تغيير الأحكام وتبديلها لا يخرجون عن وصف المحرفين الضالين المضلين ، بل إن عملهم هذا يأتي في ظل حملة أمريكية مسعورة لتغيير أحكام هذا الدين وحرفه باسم التجديد وتغيير الخطاب الديني والعصرنة ومرونة الشريعة وصلاحيتها للتشكل مع كل واقع ، مما يلقي بظلال الشك والريبة بل قل التهمة لهؤلاء من أنهم أصبحوا اداة طيعةً بيد طاغوت هذا الزمان ، لذا فالحذر الحذر من هؤلاء ودعوتهم ولا يغرنكم حلاوة لسانهم ولا طول لحاهم وتمسكوا بأحكام دينكم وكونوا حراساً أمناء أتقياء ، واسعوا الى إقامة صرح الخلافة التي توجد هذا الدين مجسداً في أرض الواقع لتفوزا بالدارين .