حزب التحرير: تصريحات جينجريتش صفعة للاهثين خلف السلام المزعوم


حزب التحرير: تصريحات جينجريتش صفعة للاهثين خلف السلام المزعوم

اعتبر المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين، أن تصريحات السيناتور نيوت جينجريتش المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية والتي وصف فيها الفلسطينيين "بمجموعة إرهابيين وشعب تم اختراعه"، تعبيراً حقيقياً عمّا أسماه "لحمة أمريكا والقوى الاستعمارية الدولية بيهود، وعدائها السافر لأهل فلسطين".

جاء ذلك في تعليق صحفي للمكتب، والذي رأى فيه أن تصريحات جينجريتش تعتبر تفنيداً لما أسماه "الدعاوى الزائفة التي تروج لها السلطة وبقية الأنظمة حول الوساطة الأمريكية والدور الذي تلعبه"، معتبراً هذه التصريحات تكشف عن حقيقة أمريكا ومستشهداً على ذلك بتصريحات الرئيس الأمريكي أمام منظمة الايباك والتي أكد فيها على أن أمن "اسرائيل" وأمريكا مرتبطان إلى الأبد.

ورأى الحزب في خطاب جينجريتش والذي وصف فيه عملية السلام بالوهمية صفعة جديدة للاهثين خلف السلام المزعوم مع يهود. بحسب تعبيره.

وتعليقاً على ذلك اعتبر علاء أبو صالح عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين، أن فلسطين أرض خراج إسلامية، وأن الموقف من ذلك يجب أن يكون فاصلاً، معتبراً هذا اللغط والاساءة لأهل فلسطين نتيجة لجعل أمريكا والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن أصحاب التقرير في هذه القضية، ولانتزاعها من سياقها الاسلامي، فلا يجنى من الشوك العنب. بحسب تعبيره

وأكد أبو صالح أن فلسطين ترتقب التغيير الحاصل في البلدان العربية وتتطلع لإقامة الخلافة فيها، والتي بدورها ستحرر فلسطين وتخلصها من براثن المحتلين وتلقن كل من ناصرهم وأعانهم وحماهم درساً قاسياً. بحسب تعبيره

11-12-2011

مصدر الخبر: دنيا الوطن

أزمة الديون الأمريكية ترسخ حاجة البشرية لنظام الذهب والفضة وضرورة الانعتاق من عبودية الدولار


منذ أن فكت الولايات المتحدة ارتباط دولارها بالذهب في عهد الرئيس الأمريكي نيكسون عام  1971م، بما مثل أكبر عملية سرقة في التاريخ، والعالم يعيش تحت الهيمنة بل العبودية الاقتصادية الأمريكية.

ومنذ تلك اللحظة تحول النقد إلى وسيلة استعمارية، وتفننت أمريكا في التلاعب بنقد العالم وفق مصالحها فسببت الاضطرابات النقدية والأزمات الاقتصادية التي جرت الويل والثبور على العالم بأسره.

والاقتصاد الأمريكي، وبقية اقتصاديات أوروبا وما يسمى بالعالم الحر، ترتكز إلى نظام رأسمالي عفن بان فساده وأزكمت رائحته الأنوف، وعاد واضحاً بشكل حسي، من خلال ما عاينه البشر من أزمات متعاقبة متراكمة، بأنّ النظام الرأسمالي يُعد مصنعاً للأزمات الرهيبة التي غالباً ما تودي بالطبقات المتوسطة والفقيرة بينما تنأى بطبقة كبار الرأسماليين بعيداً عن الأضرار أو الجسيمة منها. 

والأسباب الرئيسية للأزمات المالية الرأسمالية تتمحور حول العملات الورقية الإلزامية والربا والشركات الرأسمالية وتجارة الأسهم ...

ومع تمدد اقتصادها وجشعها الاستعماري، توسعت الهيمنة الأمريكية على العالم، ومع فرضها لدولارها كغطاء للعملات الأخرى واعتماده وسندات الدين الأمريكي كمخزون احتياطي للدول الأخرى، باتت الأزمة التي تلم بالاقتصاد الأمريكي أزمة للعالم بأسره، اذ مخلفات أية أزمة يمر بها الاقتصاد الأمريكي تشمل جميع اقتصاديات دول العالم.

أزمة الدين الأمريكي الحالية، التي تلخصت في عدم قدرة أمريكا على تقديم خدمات الديون لسندات خزينتها المنتشرة في العالم مما اضطرها لأن ترفع سقف الدين الأمريكي ليصل إلى 16.7 تريليون دولار وتخفيض النفقات في حل ترقيعي مؤقت، مما أدى إلى تخفيض درجة الائتمانية للسندات الأمريكية لدى مؤسسات عالمية عريقة كمؤسسة ستاندرد اند بورز، دفعت المكتوين بلظى الدولار كأمثال الصين إلى الدعوة إلى ايجاد عملة بديلة عن الدولار يتم الاعتماد عليها كمخزون احتياطي.

إنّ هذه الدعوة من الصين وإن كانت رمزية حتى الآن بسبب كون الصين أكبر دائن للولايات المتحدة، واعتماد عملة أخرى سيوجه ضربة قوية لاقتصادها بسبب امتلاكها لسندات خزينة أمريكية بما قيمته 1.15 تريليون دولار وفق وول ستريت جورنال أو 2 تريليون دولار وفق احصائيات أخرى، إلا أنّ هذه الدعوة تعبّر عن مدى حاجة العالم اليوم لنظام مالي جديد غير النظام المالي الرأسمالي السائد والذي أتاح للولايات المتحدة أن تستعبد العالم بدولارها الوهن.

فالأزمات التي تمر بها الولايات المتحدة، وحجم الدين الهائل الذي بات يساوي حجم الدخل القومي للولايات المتحدة، كشفت الغطاء عن هشاشة اعتماد الدولار كمخزون احتياطي للدول، وأن اعتماده كغطاء للعملات العالمية الأخرى مرده إلى بلطجية أمريكا السياسية والاقتصادية التي تمارسها على العالم.

ولقد سبق دعوة الصين هذه دعوات من جهات اقتصادية وسياسية بارزة، دعت إلى ضرورة اعتماد نظام مالي جديد والعودة إلى نظام المعدنين (الذهب والفضة) لتلافي الأزمات التي يرزح العالم تحت نيرها.
فقد دعا مدير البنك الدولي روبرت زوليك في صحيفة "فايننشال تايمز" إلى اتفاقية بريتون وودز جديدة وأكد أنّ النظام النقدي الجديد يجب أن يدرس استخدام الذهب كنقطة مرجعية دولية لتوقعات الأسواق حول التضخم والانكماش وقيمة العملات.
ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى قيام نظام نقدي دولي جديد، وقال "لا يمكننا بعد اليوم البقاء في هذه الفوضى النقدية".
وقال الرئيس الروسي قبيل قمة واشنطن الاقتصادية: "من الضروري إنشاء نظام مالي جديد".
أما حاكم المصرف المركزي الصيني فقد دعا إلى استبدال نظام دولي جديد بالدولار.

إنّ ترك النظام المالي الرأسمالي والتحول إلى نظام الذهب والفضة وترك التعامل بالربا المسبب الرئيس للعديد من الأزمات المالية، هو الحل الوحيد للعالم بأسره للخروج من الأزمات المالية الآخذ بعضها برقاب بعض، فنظام الذهب والفضة نظام مجرب، تم استخدامه عبر التاريخ لقرون طويلة ولم يسبق أن جرّ على العالم أزمات مالية مثل هذه الأزمات التي تعصف بالعالم والتي تشبه أمراض الإيدز والسفليكس التي أثمرتها الحضارة الغربية.

إنّ نظام الذهب والفضة من أهم خصائصه أنّ العملة تمتلك قيمة ذاتية ولا تخضع لتقلبات الظروف السياسية ولا تتحكم بها الدول، ولا تجعل عملة دولة ما تتحكم بعملة أخرى كما هو حاصل الآن في تحكم الدولار ببقية عملات العالم، كما يحصر استخدام نظام الذهب والفضة المشاكل الاقتصادية لأي بلد مهما كان وزنها السياسي العالمي بحدودها الجغرافية ولا يجعل الأزمة المالية لبلد كأمريكا أزمة للعالم، فلا يؤخذ العالم بجريرة جشع قوم أو إدمانهم على الديون أو غير ذلك من الأسباب.

ولقد سبق لحزب التحرير في كتابه الأموال في دولة الخلافة أن وضع معالم خطوات عملية للعودة إلى نظام الذهب والفضة حيث اعتبر "أنّ الرجوع إلى قاعدة الذهب يوجب إزالة الأسباب التي أدت إلى التخلي عنه، وإزالة العوامل التي أدت إلى تدهوره، أي يُعمل ما يلي:
1 - إيقاف طبع النقود الورقية.
2 - إعادة النقود الذهبية إلى التعامل.
3 - إزالة الحواجز الجمركية من أمام الذهب، وإزالة جميع القيود على استيراده وتصديره.
4 - إزالة القيود على تملك الذهب، وحيازته، وبيعه، وشرائه، والتعامل به في العقود.
5 - إزالة القيود على تملك العملات الرئيسية في العالم، وجعل التنافس بينها حراً، حتى تأخذ سعراً ثابتاً، بالنسبة لبعضها، وبالنسبة للذهب، من غير تدخل الدول بتخفيض عملاتها أو تعويمها.
ومتى ترك للذهب الحرية، فإنه سيكون له سوق مفتوحة في فترة زمنية يسيره، وبالتالي فإنّ جميع العملات الدولية ستأخذ سعر صرف ثابتاً بالنسبة للذهب، وسيأخذ التعامل الدولي بالذهب طريقه إلى الوجود حيث سيجري دفع قيم العقود لسلع مقدرة قيمتها بالذهب.
إنّ هذه الخطوات إذا قامت بها دولة واحدة قوية، فسيؤدي نجاحها إلى تشجيع الدول الأخرى على اتباعها في ذلك، مما يؤدي إلى تقدم نحو إعادة نظام الذهب إلى العالم مرة أخرى". انتهى الاقتباس.

غير أنّ هذه الخطوات تحتاج لقرار سياسي من الدرجة الأولى، إذ أنّ إعلان العودة لنظام الذهب والفضة يعد انقلاباً جذرياً على الأسس الاقتصادية التي استعبدت أمريكا بها العالم، وليست هناك دولة أجدر من دولة الخلافة المرتقبة للقيام بذلك، لأنّ العودة إلى قاعدة الذهب والفضة  يعتبر حكماً شرعياً بالنسبة لها، ولأنّ دولة الخلافة تأخذ على عاتقها مسؤولية هداية ورعاية العالم وتخليصه من براثن الرأسمالية التي اكتوى بلظاها.

ما هكذا تورد الإبل يا عوا


يمكن للمتابع أن يدرك مدى تخوف القوى الغربية من عودة دولة الخلافة الإسلامية من جديد إلى الساحة الدولية، فعودة الخلافة تعني نهاية حقبةٍ رتع فيها المبدأ الرأسمالي وعاث في العالم فساداً وإفساداً وأهلك الحرث والنسل، فهي تعني سحب البساط من تحت أرجله، وهي تعني كذلك تخلص البلاد العربية والإسلامية من هيمنة الغرب الاستعمارية وانعتاقها من العبودية له، وبالتالي زوال خيرات المسلمين "الكنز الهائل" من بين يديه، وفقدانه لأهم أسباب الحياة لديه، النفط والغاز والأموال المنهوبة وهيمنته على المضائق البحرية، بل وخضوعه لشروط وإملاءات المسلمين حال استردادهم لقرارهم، وما سيمثله قيام الدولة الإسلامية من خسارة الغرب للحرب الحضارية مع الإسلام.

لتلك الأسباب وغيرها الكثير، يمكن للمتابع أن يدرك سبب تخوف الغرب بل الرعب الذي دب فيه وفزعه جراء مشاهدته للثورات التي تعم البلاد العربية وخشيته من أن تؤدي هذه الثورات إلى التغيير الحقيقي عبر قيام دولة إسلامية، وهو ما دفع قادته إلى إبداء ذلك علناً في مواكبتهم لكل من ثورة تونس وثورة مصر وليبيا واليمن وسوريا، وهو الذي دعا العديد من السياسيين الذين لا يرون العالم إلا من منظار الغرب ولا يتصورون العمل السياسي بمعزل عن تابعيتهم للقوى الاستعمارية، كعمرو موسى وغيره، دعاهم ذلك إلى الهرولة لطمأنة الغرب وكيان يهود بأن هذه الثورات لن تسفر عن إقامة الخلافة أو دولة إسلامية أو كما يسمونها أحيانا تضليلاً دولة دينية.

إلى هنا لا زال المشهد ضمن المتوقع، وفي إطار ردود الفعل غير المستغربة، لكن أن يخرج من بين ظهراني العلماء، وممن برع في سرد السيرة النبوية وحياة الرسول التشريعية، من يعلن بكل وضوح وقوفه في وجه عودة الخلافة الإسلامية ورفضه لذلك بكل شدة، فهذا ما لم يكن متوقعاً ولا مقبولاً.
فقد قال الدكتور محمد سليم العوا، خلال الندوة التي عقدتها كلية الآداب بجامعة طنطا، بتاريخ 31-5-2011م، تحت عنوان «مصر إلى أين؟»، "أن فكرة الخلافة الإسلامية غير مطروحة على الإطلاق في هذا الوقت، وأنه لن يقبل بعودة نظام الخلافة الذى ارتبط في فترة حكم النبي وخلفائه الراشدين".
وتابع العوا مبرراً موقفه هذا "بأن خليفة المسلمين يناط به إمامة المسلمين في الصلاة، وتسيير الجيوش، وتقسيم الغنائم وتعيين القضاة، وغيرها واتخاذ القرارات دون غيره وهو ما لم نقبله في مصر بعد ثورة 25 يناير، لأن التفرد بالحكم أورثنا الذل والمهانة وصنع الفراعين واللصوص".

إن موقف العوا هذا، وهو الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لم ينبع عن جهل بطبيعة نظام الحكم في الإسلام ولا عن عدم معرفته بالأحكام الشرعية ذات الشأن حتى نلتمس له الاعذار، بل هو يأتي في سياق آخر.

فقد لوحظ في الآونة الأخيرة أن فكرة تطبيق الإسلام في الحياة والمجتمع، والتي قامت على أساسها الدولة الإسلامية صاحبة الريادة للبشرية في كل مجالات الحياة طوال قرون، باتت تشغل "الإسلاميين المعتدلين" في خضم هذه الثورات، ويا ليتهم شغلوا بها لأجل إيجادها في أرض الواقع بل شغلوا لأجل استبعادها، مما يلقي بظلال من الشك والريبة حول هذا المسعى المحموم!!.

إن حوادث إساءة تطبيق الإسلام في التاريخ ليست هي وجه الدولة الإسلامية التي امتدت اربعة عشر قرناً كما يتوهم العوا، فالدولة الإسلامية كانت طوال تلك القرون منارة للعلماء والتقدم ويشهد لها بذلك الأعداء والأصدقاء وليس المقام هنا مقام سرد لتلك الشهادات وإقامة الحجج والبراهين على حقيقة ساطعة.

 كما أن الدكتور العوا يبدو أنه يُغفل، فهو بذلك عالم، أن الإسلام لم يترك شاردة ولا واردة إلا نظمها وفق تشريع رباني، وأن ما يمكن أن ينتج عنه من أخطاء في تطبيق نظام الحكم في الإسلام سن له التشريع أحكاماً ومعالجات إذ الدولة في الإسلام دولة بشرية لا إلهية، فكانت محكمة المظالم وكانت الأمة قوّامة على تطبيق الحاكم للإسلام تحاسبه وتقوم اعوجاجه ولو بحد سيوفها، في الوقت الذي تترك الديمقراطية الحابل على الغارب للحاكم ليبطش وينهب الخيرات لصالح فئة قليلة من الرأسمالين تحت ستار حكم الشعب والشعب منهم برآء.
فهل كانت حقبة مبارك حقبة "الفراعين" التي تتوجس منها يا دكتور عوا نتيجة تطبيق الإسلام أم كانت من مخلفات الديمقراطية الرأسمالية التي انجبت الدكتاتوريات؟!!

 ومن ثم يرى المتتبع لتصريحاتك، لا سيما في الآونة الأخيرة وموضوع إلى أين تتجه مصر، أنك تتعامل مع الواقع بتجرد عن الأحكام الشرعية، وربما لجأت بعد ذلك إلى تبرير أقوالك وأفعالك بمبررات واقعية أو أخرى تنسبها للمصالح وغيرها، فهلاّ التزمت –وأنت بذلك جدير- بجادة الحق والتزمت الاحكام الشرعية التي توجب على المسلمين أن يسيّروا كل شؤونهم بما ورد في الكتاب والسنة (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).

ومن ثم من ذا الذي يدّعي أن الخلافة كانت شكلاً ونظاماً للحكم خاصاً بعهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته؟ أليس فعل الرسول عليه السلام هو تشريع لنا؟ أليس فعل الرسول محل قدوة وأسوة لنا؟ هل غفلت عن ذلك وأنت الحاذق في سرد سيرته عليه السلام؟ وهل تراك تسرد سيرته صلى الله عليه وسلم للعظة دون الأسوة والإتباع؟! وهل كانت سيرة الرسول وأفعاله لتنتهي بموته عليه السلام؟ ولك أن تسأل نفسك ما سبب اتباع الصحابة واقتفائهم لسيرته واستمرار نظام الحكم على ما أنشأه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

إن التذرع بتجدد الوقائع وتغيّر الظروف لا تقوم به حجة، فأحكام الإسلام تشريع ممن بيده الخلق والأمر القادر على تشريع الأحكام الصالحة للعباد في كل زمان ومكان، ولولا هذه العقيدة الراسخة في عقول وقلوب المسلمين لضاع الدين في ثنايا التاريخ ولذهب مع الرياح.
إن محاولة المسايرة للواقع لا تعني سوى اعتماده كمصدر للتشريع وتسيير الأعمال، وترك الاحكام الشرعية جانباً، وهو غير مقبول من عامة المسلمين فكيف من علمائهم؟!

إن تطلعك –ولو أنك متردد ولم تحسم أمرك بعد- لترشحك لرئاسة الجمهورية المصرية يعكس مدى رؤيتك للواقع الحالي وأنك راضٍ عنه ولا تصبو لسواه، فهل طبق الإسلام في مصر يا دكتور سليم حتى تفكر شخصية معروفة مثلك أن تتسنم هرمها؟! بل هل انعتق حكام مصر الجدد القدامى من التبعية لأمريكا؟! وإلى أين ستمضي بمصر إن أنت استلمت الأمر والنهي فيها وبماذا ستحكم؟!

إن دور العلماء في هذه الثورات عظيم، إن هم صدعوا بالحق ولم يخشوا في الله لومة لائم، ووجهوا الأمة لضرورة العمل لإحداث التغيير الحقيقي ولن يكون ذلك إلا بإقامة الخلافة يا دكتور عوا، بينما هم في خطر عظيم إن هم كانوا جزءاً من حرف الثورات عن مسارها وجزءاً من الواقع الجديد المخادع الذي تُرسم ملامحه في واشنطن ولندن وباريس.

إن الخلافة التي تعارضها يا دكتور عوا هي الشمس التي ستشرق عمّا قريب بإذن الله، لتنير العالم بعد أن غرق في ظلمات الرأسمالية، وتحمل الخير والهدى للعالمين،فهل تجاهر يا عوا بمعارضة مستقبل هذه الأمة ووعد الله بالنصر والتمكين وبشرى رسوله (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، فهلاّ كنت من العاملين لها ومن روادها خير لك في الدنيا والآخرة بدل أن تكون حرباً عليها إن كنت من العاقلين المتعظين. فسخّر علمك فيما يرضي الله عنك وإلا فقل خيراً أو اصمت، فما هكذا تورد الإبل يا عوا.

ما الذي يخشاه أوباما سوى التغيير الحقيقي؟!


في خطابه يوم الخميس 19 مايو الذي تحدث فيه عن الثورات في المنطقة، وفي تصريحه بارتباط الولايات المتحدة بما يدور في منطقة الشرق الأوسط ارتباطاً مصلحياً وعقائدياً، سعى أوباما "مضللاً" ليظهر تأييد إدارته للثورات في البلدان العربية، وتطلع الشعوب للتخلص من الحكام الطغاة.

وبخصوص القضية الفلسطينية، قال أوباما "إن الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية يجب أن تقوم على أساس خطوط 1967 مع تبادل أراضي بالاتفاق"، وأضاف "إن الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل لا يهتز وبالنسبة للفلسطينيين فإن جهود تجريد إسرائيل من الشرعية ستنتهي إلى الفشل".

ولمعرفة حقيقة هذا الخطاب وأبعاده ولعدم الضياع في دهاليز المغالطات التي اشتمل عليها الخطاب لا بد من الوقوف على الأمور التالية:
- إن حديث أوباما عما يسمى بعملية السلام لا يخرج عن كونه مجرد مسعى لاستباق الثورات ومحاولة نزع فتيل طالما كان سببا هاماً في اشتعال الثورات واستعارها، لا سيما وقد شاهد أوباما تحرك الشعوب المجاورة لفلسطين وتطلعها لتحرير فلسطين كل فلسطين مما دب الرعب في قلوب المستعمرين، ومع ذلك أبرز أوباما اتحاد جبهة أمريكا بالكيان اليهودي والتزامها بأمن هذا الكيان الغاصب، وما حديثه عما يسميه بدولة فلسطينية في حدود عام 1967م سوى مخطط أمريكي دولي يراد منه حماية أمن هذا الكيان الغاصب وإضفاء "الشرعية" عليه، أي أن الدولة التي يتحدث عنها أوباما هي صورة مكبرة قليلا عن واقع السلطة اليوم، بل إن أوباما ناقض كلامه عن حدود عام 1967م عندما تحدث عن مبادلة الأراضي وفتح الباب مشرعا لضم المستوطنات.

- إن مما لا شك فيه أن نظرة أوباما والإدارة الامريكية للمنطقة هي نظرة استعمارية واضحة لا تخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة، وهذا ما يشرح تصريح أوباما بارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة ارتباطاً مصلحياً، حيث تنهب أمريكا ثروات البلاد وتستعبد العباد وتخشى زوال هذا الكنز من بين أيديها.

- إن الإدارة الأمريكية تضلل في خطابها السياسي للحفاظ على وجودها ونفوذها الاستعماري، فمن جهة تزعم وقوفها بجانب الشعوب في مسعاها التغييري، ومن جهة أخرى تدعم الحكام في السر والعلن وتسعى لإطالة عمرهم، وأمريكا والدول الأوروبية من نصب هؤلاء النواطير على رقاب المسلمين ليحرسوا لهم نفوذهم الاستعماري في المنطقة.

- إن خشية أوباما والإدارة الأمريكية وتطلعها لسياسة جديدة تواكب التغيرات في المنطقة وسعيها لركوب موجة الثورات عبر المليارات التي تلوح بها، مردها إلى الخوف من التغيير الحقيقي الذي سيقتلع نفوذها من المنطقة، وهو ما يفسر اصطفاف الإدارة الأمريكية بجانب النظام السوري البعثي القمعي –وإن أظهرت للإعلام خلافه- وإعطائه الفرصة تلو الاخرى ليقضي على الثورة هناك.
إن أوباما وإدارته كما الدول الاوروبية هم أعداء الأمة، فهم من يحاربون الأمة في دينها ويسعون لتضليلها لحرفها عن طريقها القويم، وهم الطامعون في خيراتها والمستعمرون لبلادها، وهم من انتهكوا حراماتها ودنسوا مقدساتها واستباحوا حماها فقتلوا أبناءها ومجاهديها وشردوا أطفالها وجعلوا من الحكام العملاء لهم سوطاً مصلتاً على رقابها، فهل يصدق عاقل أن أوباما وإدارته يصطفون بجانب الأمة ضد اتباعهم وأدواتهم؟! وهل كانت الثورات سوى للتخلص من التبعية لها وللاستعمار والتي جسدها الحكام طوال العقود الماضية؟!.

إن خطاب أوباما لن يضحك على ذقون المسلمين فهم قد خبروه وخبروا إدارته في العراق وافغانستان وفلسطين بل وفي ليبيا واليمن وتونس ومصر، وإن المسلمين لن يثنيهم عن مسعاهم للتغيير الجذري والذي سيؤول بإذن الله إلى إقامة الخلافة تضليل أو تزييف للواقع أو مغالطة للحقائق التي باتت الأمة تراها كالشمس في رابعة النهار، فالأمة قد كسرت القيد وتخطت الحكام وأسيادهم، وإن اليوم الذي ستستعيد فيه الأمة مكانتها بات قريباً بإذن الله.

حركات "الإسلام المعتدل" زمن الثورات...هل تكون حصان طروادة؟



تسعى القوى الغربية الكبرى، صاحبة النفوذ الاستعماري الواسع في البلدان العربية والإسلامية، لتخطي مرحلة الثورات في البلدان العربية بأقل الخسائر الممكنة، ولتحقيق ذلك تستنفد كافة الأوراق المتاحة لها دون تردد.
وقد شاهدنا مدى انشغال القوى الغربية الاستعمارية بالثورات في البلدان العربية، فتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا هي عناوين المشهد السياسي في العالم اليوم، وشؤون تلك البلدان تشغل البيت الأبيض وعشرة داوننغ ستريت والإليزيه وحتى كيان يهود المسخ.
ومن تابع تطورات الأوضاع في البلدان العربية شاهد الخوف من الإسلام ومن عودة دولته يخيم على تلك القوى، ويحفز تفكيرها ويدفعها للتخطيط والمكر وتسخير الأداة الإعلامية الهائلة في سبيل الحيلولة دون تحقق ذلك.
ظهر ذلك في تصريحات كاميرون وكلينتون وأوباما ونتنياهو وأشكنازي وبيرس وبرلسكوني ووزير خارجيته وغيرهم من القادة الغربيين الذين أبدوا تخوفهم من قيام "دولة دينية" أو "متشددة" أو "دولة لا يرضون عنها" أو "تلغي اتفاقية كامب ديفيد" أو "قيام الخلافة" إلى غير ذلك من الأوصاف التي تعكس ما أصابهم من أرق جراء خشيتهم من انعتاق الأمة من قبضتهم الاستعمارية وإقامتها للدولة الإسلامية.
ولقد اتسع هذا التخوف ليشمل كل الثورات التي شهدتها البلدان العربية، من تونس حتى سوريا مرورا بكل من مصر وليبيا واليمن.
لقد كان بارزاً –في خضم هذه الثورات- انخراط وسائل الإعلام والعديد من التيارات، بعضها محسوب على الحركات الاسلامية، في حملة الترويج لفكرة الدولة المدنية "الديمقراطية" ضد فكرة الدولة الإسلامية (القائمة على أساس الإسلام)، وظهر في هذه الحملات محاولة إرضاء الغرب والتسكين من روعه وهو يراقب جماهير الأمة عطشى لدينها وللتخلص من ربقة النفوذ الغربي على اختلاف أشكاله.
وسيراً وراء حملة التضليل هذه، ومحاولة لحرف هذه الثورات عن مسارها عبر الاكتفاء بعمليات تجميل فاشلة، وعبر إبقاء البلد مرتهناً بما يسمى بالمجتمع الدولي؛ خاضعاً لقوانينه الجائرة ومؤسساته الاستعمارية الفاسدة، تابعنا مؤخراً انعقاد منتدى في باريس تحت عنوان "الربيع العربي" نظمته وزارة الخارجية الفرنسية في معهد العالم العربي بباريس، وذلك للتواصل مع التيارات الإسلامية التي أبدت "مرونة" تجاه الغرب والتواصل معه على أسس "ديمقراطية" لا دينية، حضره ممثلي حركات إسلامية من تونس ومصر على وجه الخصوص.
دعا عقبه وزير الخارجية  الفرنسي آلان جوبيه إلى الحوار مع الحركات الإسلامية في العالم العربي، وخاصة تلك "التي تنبذ العنف وتقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية"، مؤكدا أن بلاده لا تسعى للإطاحة بالزعماء العرب.
وأضاف "آمل أن يُفتح هذا الحوار من دون عقد مع التيارات الإسلامية إذا كان هناك التزام من قبلها بالمبادئ التي ذكرتها، أي قواعد اللعبة الديمقراطية".
وردا على كلام لأعضاء في حزب النهضة الإسلامية بتونس قالوا خلال هذا المنتدى إن الإسلاميين "سيفاجئون" الغرب بمواقفهم الداعمة للديمقراطية، قال جوبيه "فاجئونا.. أنا لا أطلب أكثر من ذلك".
وقد قدم المشاركون في هذا المنتدى نموذجاً أقل ما يقال عنه بأنه غير مقبول، علاوة على تأثره بالثقافة الغربية الغريبة عن الأمة الإسلامية والبعيدة كل البعد عن التطلعات الحقيقية للجماهير في البلدان العربية.
إن من أبجديات السياسة أن فرنسا وغيرها من الدول الكبرى كأمريكا وبريطانيا تسعى إلى تحقيق مصالحها، وهو ما يعني بقاء النفوذ الاستعماري، مهما كان ثوبه، جاثماً على صدر الأمة يعيق حركتها التحررية بل ويكتم أنفاسها، لذا كان من الغريب والمستنكر على حركات إسلامية أو ممثليها أن يلتقوا مع قادة تلك الدول الاستعمارية لأجل مناقشة مستقبل البلدان العربية ومدى إسهام تلك الحركات في تحديد مسار الثورة ومدى قدرتها على التأثير في انتظام الحياة السياسية في البلدان العربية وفق قواعد "اللعبة الديمقراطية" وضمن حدود "اللعبة" المتاحة دولياً!!.
لقد كان الأجدر بتلك الحركات وممثليها أن يرفضوا الحديث مع تلك الدول في شؤون البلاد العربية، فهذا، وفق القوانين "الدولية" التي على أسسها يعقد هذا المنتدى، شأن داخلي لا يخص فرنسا أو امريكا او بريطانيا، وكان الأولى بتلك الحركات أن تُظهر هويتها الإسلامية وتنحاز للداعين لإقامة الدولة الإسلامية وتحكيم الشرع في جميع جوانب الحياة، وهو المطلب الطبيعي لأمة تدين بدين أنار ظلمة العالم طوال قرون مضت، وساد العدل العالم بتطبيقه عملياً في أرض الواقع، بدل أن تدخل تلك الحركات السرور على الغرب المستعمر في مفاجآتها غير السارة!!.
لقد سعى الغرب من قبل هذه الثورات إلى استغلال حركات ما يسمى بالإسلام المعتدل للحيلولة دون تقدم مشروع الدولة الإسلامية (الخلافة)، لما يمثله مشروع الخلافة من بديل حضاري للمسلمين وللعالم بأسره عن الرأسمالية العفنة التي تصطلي البشرية بلظاها، ويلاحظ اهتمام الدول الغربية بهذا التوجه عقب الثورات التي اجتاحت البلدان العربية، لا سيما وأن بقية الأحزاب قد فقدت شرعيتها "الزائفة" وأنكشف أمرها، ولم تعد محل رهان لتلك الدول.
والحال كذلك فإن خطر هذه التوجهات الخاطئة بات جسيماً، فبدل أن تكون هذه التيارات عاملاً مساعداً للتخلص من الحقبة المظلمة القاتمة التي تعيشها الأمة في ظل أنظمة رهنت الأمة وقضاياها بالاستعمار بأسمائه المختلفة (مجتمع دولي، مجلس أمن، منظمات إقليمية، الناتو، صندوق النقد والبنك الدوليين)، يراد لها أن تكون عامل ترسيخ لهذا الواقع الفاسد وإطالة عمره.
إنني أتوجه إلى إخواني في التيارات الإسلامية التي رضيت مشاركة النقاش في قضايا المسلمين مع الدول الغربية بالنصيحة بأن تعيد حساباتها، خشية لله أولاً والتزاماً بشرعه وأحكامه، وإدراكاً لحقيقة التغيير التي تهب رياحه على البلدان العربية والتي ستخلف خلفها كل من كان عامل عرقلة لمسيرة التغيير الحقيقية.
وإنني أذكرهم بأن القوى الاستعمارية قد رمتنا عن قوس واحدة؛ في ديننا وليس منع فرنسا للحجاب عنا ببعيد، وفي خيراتنا واحتلت أرضنا بل ومقدساتنا، فلا يصح منا الغفلة، وكيف نغفل وفينا كتاب الله ينطق (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ)؟!.

دعوة الخلافة تخترق جدر التزييف الإعلامي للثورات العربية


دعوة الخلافة تخترق جدر التزييف الإعلامي للثورات العربية


بالرغم مما ظنه البعض أن ثورات البلدان العربية ذات صبغة علمانية إذ جل مطالبها هي دولة مدنية أو ديمقراطية وفق ما يصور الإعلام، وبالرغم من التزييف الإعلامي لهذه الثورات والانتفاضات المباركة، ومحاولة التعتيم على الجانب المشرق فيها، إلا أن صيت الخلافة ودعوتها فرض نفسه على المسلمين وعلى المراقبين والساسة الغربيين، فيما بقي التعتيم والتهميش هو سيد الموقف لدى وسائل الإعلام.

منذ أن اشتعلت شرارة هذه الانتفاضات في تونس الخضراء، شاهدنا عبر وسائل الإعلام تغطية محمومة واسعة النطاق يظن المتابع لها أنها عمت وطمت ولم تترك شاردة ولا واردة ولم تترك ظاهرة إلا وسبرت أغوارها حتى رسمت صورة كاملة للأحداث كما تدعي، ولكنها في الحقيقة كانت تتخطى دوماً مشهداً كبيرا كالجبال العالية وتحركات جماهيرية ضخمة تدعو إلى التغيير وفق الإسلام وإلى إقامة الخلافة وتغرد خارج سرب التبعية وخارج أطر العلاقة مع القوى الغربية الاستعمارية.
ويرجع تجاهل وسائل الإعلام لهذه الأحداث الجسام والتوجهات الحقيقية لدى الأمة الإسلامية، إما لقصر نظرها وعدم إدراكها أبعد من أرنبة أنفها، وإما لسياسة تهدف من ورائها إلى التضليل والتزييف ومحاولة توجيه الانتفاضات وفق أجندات استعمارية وهو الأمر الذي تجلى عبر مواقف عدة.
وعقب أحداث تونس كانت أحداث مصر وليبيا واليمن، ولازالت وسائل الإعلام تصر على إلباس الثورات العربية نفس الثوب وتكسيها نفس الحلة، بالرغم من اختلاف مقاسها وعدم ملائمة الحلة لثورتها.

وكان ظاهراً للعيان انشغال وسائل الإعلام، في ثورات تونس ومصر وليبيا، بإبراز من يديم النفي ويكرر القطع بأن هذه الثورات لا تهدف إلى إقامة دولة أو نظام إسلامي، مما أوهم المشاهد والمستمع أن المطالبة بنظام إسلامي هو أمر دونه الحرب أو الفتنة وأنه خط احمر ولا يقبل من متظاهر أن يرفع راية التوحيد أو يهتف للإسلام وباسمه فهذا كله خارج قواعد اللعبة، حتى وصل الحال جراء الحملة الإعلامية المحمومة أن يخرج من أبناء الحركات الإسلامية وقادتها من يكاد يتبرأ من أحكام الإسلام القطعية تأثراً بهذا المناخ الذي روجت له وفرضته وسائل الإعلام ومن يقف خلفها.

وهنا حق لكل متابع أن يسأل سؤالاً عريضاً حقيقياً أو استنكارياً؛ ما الذي يدعو تلك الوسائل والقائمين عليها إلى بذل الجهد لنفي هذه الصبغة عن ثورات الأمة لو كانت الأمة بريئة من هذا التوجه، وأن هذه الدعوة لا تربة لها في أوساطها؟!!

وكان ظاهراً للعيان كذلك، كثرة التصريحات لقادة الدول الغربية وتخوفهم الدائم من أن تسفر هذه الثورات عن نظام حكم إسلامي، وبطبيعة الحال الغرب لا يخشى نظاماً كالنظام التركي فهو إليهم أقرب، ولا نظاماً يدّعي الثورية وهو غارق في التبعية كالنظام الإيراني، ولا نظاماً يفصل الدين عن الدولة بل يسخره لخدمته وتوجهاته المشبوهة كالنظام السعودي، وإنما يخشى دولة مبدئية تغير مجرى التاريخ وتقتلع النفوذ الاستعماري من المنطقة وتلاحق فلوله لتخلص العالم من شروره.
فقد تراكمت تصريحات قادة الغرب من أمريكان وأوروبيين ويهود، كلينتون، كاميرون، أشكنازي، نتنياهو، ساركوزي، برلسكوني... 

وسعى وزير الخارجية اليهودي ليبرمان لتشخيص الواقع ولاسيما مشهد الثورة المصرية بالقول: "إن العالم مقسم اليوم إلى قسمين، معتدلين ومتطرفين. والصدام هو بين حضارتين، حضارة العالم الحر المعتدل وحضارة العالم المتطرف. ... فالإسلام السياسي هو الذي يسيطر على الشرق الأوسط ولا توجد قوة إقليمية تصده".


والسؤال العريض هنا، ما الذي يدفع الغرب وقادته لهذا التخوف الحقيقي في ظل إعلان وسائل الإعلام وترويجها أن هذه الثورات محض ثورات خدماتية وأنها علمانية ديمقراطية؟!، ما الذي يدفعهم لهذا التخوف إن كانت وسائل الإعلام تنقل الحق والحقيقة؟

مضت الأحداث على هذه الشاكلة ومضى التكتيم الإعلامي واطرد حتى بدأت تتصاعد في أوساط المسلمين أصوات تدعو إلى الخلافة والالتفاف حول الساعين لها والذين كرسوا جهدهم لاستعادها؛
في تونس، مسيرات تجوب الشوارع "لا شرقية ولا غربية...لا ديمقراطية ولا وطنية ...بل خلافة إسلامية"، ويتجاهل الإعلام ذلك بالرغم من أن صور تلك المسيرات قد ملأت الفضاء عبر الشبكة العنكبوتية، وعبر الفيس بوك على وجه الخصوص، لكن تبقى هذه الأحداث التي تعبر عن نبض الأمة الحقيقي خارج التغطية!!.

في مصر علت أصوات تجاهلها الإعلام، خطب جمعة، فضائيات دينية، جماهير تدعو إلى تحكيم الإسلام في ميدان التحرير وسط ساحات النقاش وفي مدن الإسكندرية ومناطق أخرى من مصر، والإعلام كما في كل مرة غائب بعذر وبدون عذر.

في ليبيا، دعوات لتطبيق الإسلام بالرغم من شن القذافي حملة لتشويه صورة الدولة الإسلامية ودوام إلصاقها بأعمال العنف، حتى صرح قادة الكيان اليهودي بأن طابع الثورة في ليبيا طابع إسلامي. وهو ما لم سعت وسائل الإعلام إلى تجاوزه.

في اليمن دعوات من العلماء وتبشير بعودة الخلافة حتى أن بعض المدن اكتست برايات العقاب (راية رسول الله صلى الله عليه وسلم)، مما دعا بعض وسائل الإعلام المحلية لتصدر عناوينها (اليمن على مشارف «خلافة إسلامية» و«رايات سود» فوق مدارس في عدن).

وما لم يتم الكشف عنه، في ظل تجاهل الإعلام الرسمي والمسمى بالحر، كثير، وتبقى دعوة التغيير على أساس الإسلام هي تطلع الأمة الحقيقي والذي يدفعها للحركة ويكسبها الأمل في غد مشرق، ويبقى ما تبقى من فسحة ضيقة عبر شبكة الانترنت والاتصال الحي هو سبيل معرفة تلك الأخبار.

إن ما تمارسه وسائل الإعلام من محاولة إلباس تحرك الناس ما لا يرغبون ويتطلعون، سعيا لخدمة أجندات خارجية، هو غصب وقهر إعلامي لسرقة جهود الأمة وتضحياتها، لكن الأمة التي انتفضت على من قهرها وسلب سلطانها لا شك أنها لن تبقى مخدوعة بمن يسعى لتضليلها.

إن إرادة الناس للتغيير على أساس الإسلام وتطلعهم لعودة دولته والحكم بأنظمته التي توجد الطمأنينة والاستقرار هو واقع محسوس ولسنا بحاجة لوسائل الإعلام لتصف لنا واقعاً نحياه، فنحن نرى واقع الأمة ونعيش معها ونشاركها الشعور والفكر ولسنا من كوكب آخر.

إن خبث ودهاء ومراوغة وتضليل وسائل الإعلام لن تفلح في إحباط مشروع الأمة الحضاري،  ولو لبست تلك الوسائل ثوب الحرص على الأمة، فهي كالثعلب المكار إذ برز يوما في ثياب الناسكين، فلن يفلح الثعلب في ابتلاع أمة وإن تآمر معه كثيرون، ولن تغطى الشمس يوماً بغربال، ولن تطفأ الشمس مهما كثر عدد النافخين وستنقطع أنفاسهم، وسيظهر أمر الله ودينه ولو كره الكافرون.

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)

لا عدوى ولا محاكاة بل أمة واحدة


لا زالت الثورات في البلاد العربية تتوالى تترى، ولا زالت تحمل في طياتها بشائر الخير العميم ليس أقله كسر حاجز الصمت وتطلع الأمة نحو استعادة مكانتها الريادية.

ومما رسّخته هذه الثورات على اختلافها ودلت عليه بشكل لا يقبل التأويل هو وحدة الأمة في فكرها ومشاعرها وتطلعاتها بل وتحركاتها.

فلا يخفى على أحد أن القوى الغربية الاستعمارية بذلت على مدار عقود بل قرون خلت جهوداً جبارة مضنية هدفت إلى تمزيق وحدة هذه الأمة في سبيل النيل منها وتشتيت جهودها لكيلا تعود أمة القيادة والريادة،

فمنذ أن هدمت الخلافة، سعت القوى الاستعمارية بأدواتها الوضيعة إلى ترسيخ تمزيق الأمة وإلى تكريس فرقتها، فأنشأت الحدود والسدود، ووضعت لكل مزقة من هذه المزق علماً ونشيداً وطنياً وحدوداً وهمية، ونصبت ناطوراً يحافظ على فرقة كل بلد وتشتته، وسعت إلى ترسيخ هذه الفرقة تحت شعار السيادة الوطنية ومصالح البلاد، والأهداف العليا للشعب وما شابه ذلك من شعارات جوفاء؛ فذاك.... الأردن أولاً وهذا فلسطين للفلسطينيين وآخر اليمن أولاً ...ومصر أولاً واخيرا وغير ذلك من الترّهات.
وطيلة عقود مضت بقيت تلك الغيمة القاتمة تسيطر على المنطقة وتحجب الرؤية الواضحة حتى ظنّ الناس أن أهل الأردن لا دخل لهم بأهل فلسطين ولا يكترثون بشأنهم إلا في حدود اهتمام الجار بجاره أو أقل، وأن تونس لا يمكن أن تنشغل يوماً بليبيا ففيها ما يشغلها، وأن مصر في منأى عما يدور في البحرين البعيدة و...

واستمر الحال كذلك حتى هبّت رياح التغيير على المنطقة والتي كشفت ما سعى الحكام والأنظمة لطمسه، وأعلنت فشل تلك الجهود التي بُذلت، فأتت تلك الرياح على البقية المتبقية من الغبار الذي علا وحدة الأمة فأزالته، فإذا بها تكشف عن معدن الأمة الحقيقي والنقي، معدنٌ صُهر في بوتقة الإسلام دون أن تخالطه مصالح أو أهواء.

لقد أبانت أحداث ليبيا ومن قبلها مصر وتونس أن هذه الأمة هي أمة واحدة، في فكرها وفي مشاعرها وفي تطلعاتها وفي تحركاتها، وليس من دقة التشخيص أو صواب الوصف ما تردده وسائل الإعلام من أن هذه الشعوب تحاكي بعضها بعضاً بل إن هذه الشعوب هي أمة واحدة تمتلك نفس الفكر والشعور ونفس التطلع وتتحرك كتحرك الجسد الواحد، فهي تشعر بالظلم والضيم في كل بقاعها في آن، وتثور على الظالمين في آن، وتدبّ فيها الحياة في آن، وهو ما يفسر تحرك تلك الجماهير في بلدان عربية عدّة للتخلص من ربقة الاستعمار ونفوذه، وهو ما يفسر تفاعل المسلمين في كل المعمورة في الاحداث في كافة البلدان الثائرة وفرحتها عند رحيل الطغاة؛

فليس من الطبيعي أن تتحرك شعوباً مختلفة في آن واحد لغاية واحدة ولهدف واحد وهو التخلص من الظلم والانعتاق من التبعية والتطلع نحو التغيير الحقيقي ما لم تكن تلك الشعوب أجزاءً من جسد واحد فرقتها الحدود الوهمية، تشعر بنفس الشعور ويسيري فيها الإحساس الواحد كما تسري الدماء في العروق.

إن القوى الغربية الاستعمارية وأدواتهم الحكام نجحت في تمزيق الأمة جغرافياً لكنها فشلت في تفريق فكرها ومشاعرها، وبقيت هذه الأمة كلٌ فكري شعوري وجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

تلك حقيقة لا يمكن للاستعمار ولا أدواتهم نزعها من هذه الامة مهما أُتوا من قوة، لن يستطيعوا ذلك ما دام في المسلمين كتاب الله ينطق (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وما دام فيهم (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) وما داموا يعوون قول الرسول الأكرم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
فلقد خسرتم الرهان أيها الكافرون المستعمرون وطاش سهمكم، فستبقى شعوب المسلمين لا العرب فحسب أمة واحدة من دون الناس، بل إن المسلمين سيلملمون شعثهم ويوحدون فرقتهم الجغرافية والسياسية في تناغم تام مع وحدتهم الفكرية والمشاعرية في ظل دولة مبدئية تحمل الإسلام رسالة خير وهدى للبشرية.

تلك هي تطلعات المسلمين في كافة ربوعهم سواءٌ أسعفتهم العبارة فعبّروا عمّا أرادوا بحق أم خانتهم العبارة فتاهوا وسط عبارات التحرر من الاستعمار والتخلص من الظلم، فالإسلام كان ولا زال سر وحدتهم، ولا زال متغلغلاً في عروقهم ولا زالت عقيدته راسخة في أعماق أعماق قلوبهم، ولولا الاسلام وحبل الله لكانت هذه الأمة من الهالكين والفانين جراء ما ألم بها من كيد ومكر، ولكنه حفظ الله لعباده الصالحين وتهيئته للأرض حتى يرثها المتقون.

(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)

حقائق نطقت بصدقها أحداث تونس ومصر


لا زالت أحداث مصر في تصاعد مستمر، ولا زالت وتيرة المغالبة تشتد وتستعر؛ أمة تريد التخلص من قيود كبلتها فأرهقتها وألصقتها بالأرض وجعلتها عالة على التاريخ وهي خير الأمم، وحكام متشبثون بكراسي الذل حتى الرمق الأخير.

لقد ضجت شوارع مصر بمسيرات مكثفة من الناس احتجاجاً على ظلم النظام وجوره، ولقد طفح الكيل بأهل مصر وهم يشاهدون نظاماً أحاطهم بالقهر والكبت طوال عقود، وكمَّم أفواههم، وأدخل الرعب في قلوب الناس بالاعتقال والتعذيب المفضي للهلاك والموت على أيدي زبانية النظام في السجون...وكذلك شهدت تونس من قبل أحداثاً مشابهة ولا زالت ذيولها قائمة على أصولها، ومن المرشح أن تنتقل عدوى التغيير لبقية البلدان العربية لما تشهده هذه البلاد من ظروف متشابهة.

ولا يخفى على أحد أن الأمة اليوم، من أقصاها إلى أقصاها، ترقب هذه التطورات وتتطلع بشغف لتغيير تلك الأنظمة التي جثمت على صدرها ردحا من الزمن، فأذاقتها لباس الجوع والخوف، وانحدرت بالأمة عن المكانة اللائقة بها، فبات المسلمون في ذيل الأمم، لا يلوون على شيء، دماؤهم مهدورة، ثرواتهم منهوبة، وهم خير الأمم وبلادهم اغنى البلدان.

 وإزاء هذه الاحداث الجسام لا بد لنا من الوقوف على الحقائق الهامة التي كشفت عنها هذه الاحداث، لتكون منارات لنا في الطريق، ولنسطرها كحقائق نطق الواقع بصدقها بعيداً عن جدلية الألدّاء وخصومتهم.

 ومن هذه الحقائق:
·       إن السلطان هو للأمة، وإن الحكام كانوا ولا زالوا يغتصبون هذا الحق، وإن الامة بيدها أن تسترد هذا السلطان، إن هي عزمت أمرها وتوكلت على ربها ولم تخش أحداً، فلها وحدها دون سواها أن تختار حاكمها طواعية وبرضا واختيار.
كما كشفت هذه الأحداث كذب دعاوى الانتخابات "النزيهة" التي تزعمها الانظمة الدكتاتورية، وأن الانتخابات لم تكن يوما، في ظل هذه الانظمة، تعبر عن تطلع الناس الحقيقي، بل هي ليست سوى ثياباً خادعة تسعى الأنظمة لتستر به سوأتها. وما جرى في مصر من انتخابات مؤخراً خير شاهد على تناقض نتائجها مع تطلعات الناس.

·       إن البطش الذي يرهب به الحكام الأمة ليس سوى حاجزاً نفسيا سرعان ما ينهار أمام أي تحرك حقيقي للأمة، لذا وجب على الأمة أن تتحلى بصفات الشجاعة والقوة، وأن تدرك بأنها قوية بدينها وإيمانها.

·       إن هذه الأحداث يجب أن تُتبع بتغيير حقيقي، ولن يكون التغيير الحقيقي باستمرار الحكم بالرأسمالية أو الديمقراطية وإلا فسيبقى الظلم والجور وإن تغيرت الوجوه، بل يجب أن يكون بالتحول نحو الإسلام وتطبيق شريعته حتى يتحقق التغيير الحقيقي والجذري.
فلقد ثبت بالفكر والواقع أن الإسلام هو المبدأ المنقذ للبشرية جمعاء مما تعانيه من واقع اقتصادي كارثي، وواقع سياسي قاتم، وحياة ضنكا، فالإسلام هو المبدأ الذي يكفل تحقق القيم البشرية في المجتمعات الإنسانية ولا يغلّب القيمة المادية على ما سواها كما تفعل الرأسمالية، والإسلام هو الذي يحقق الطمأنينة في الحياة الاجتماعية التي تفككت وتشرذمت على أيدي الرأسماليين، والإسلام هو الذي يوزع الثروة ولا يسلط وحوش المال على قوت الفقراء كما تفعل الرأسمالية.
لذا وإزاء هذا الواقع لن يكون التغيير الحقيقي سوى بتغيير أنظمة الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع وتطبيق نظام الإسلام.

·       إن أي تغيير حقيقي يستلزم أن يكون مدعوماً من قوى الجيش (أهل القوة والمنعة) وهذا يلقي بالمسؤولية على كاهل الجيش لينصر المسلمين وليحقق تطلعاتهم بتطبيق الإسلام حتى يكونوا أنصار اليوم كما كان الأنصار بالأمس.
أما فكرة حيادية الجيش فلا واقع لها، فالجيش إما ان يكون في صف الأمة وحقوقها ويلبي تطلعاتها، وإما ان يكون ركيزة من ركائز انظمة الجور والطغيان، ولولا سكوت الجيش عن نظام مبارك لما صمد ساعة من نهار أمام زحف الملايين، فنظام مبارك لا زال يقتات على دعم الجيش والذي يزعم الحيادية!!

·       لقد أثبتت هذه الأحداث مدى ارتباط الحكام والأنظمة بالقوى الغربية الاستعمارية، وأنهم لا يعدون مجرد أجراء وموظفين ومسيرين للمهام نيابة عن المستعمرين، ظهر ذلك جلياً من خلال التدخل الأمريكي المفضوح في مصر وفي تأييدهم لهذا الحاكم او ذاك، بل إن واشنطن قد انشغلت بمصر عما سواها، وعقدت إدارتها لهذا الشأن غرف عمليات دائمة، وعقدت المؤتمرات الصحفية وأرسلت المبعوثين واستقبلت الزوار "رئيس الأركان المصري"، وهي ترسم وتخطط وكأنها تدير مزرعة أو حديقة خلفية للبيت الأبيض!

·       كما أثبتت أحداث مصر أن كيان يهود هو كيان هش، وليس بعبعاً عسكرياً كما تروج له الأنظمة، وأنه لولا هذه الأنظمة التي تثبت اوتاده في الأرض لما صمد يوماً في وسط هذا البحر اللجي من المسلمين الذين يتطلعون لتحرير فلسطين، الأمر الذي أدخل الرعب في قلوب يهود وهم يرقبون ما يحدث في مصر ويخشون عاقبته.

·       إن ثمن التغيير –بالرغم من علو قيمة كل قطر دم لمسلم- هو أقل بكثير من الرضا بالواقع والعيش في ظل أنظمة الطغيان والجبروت.

إن على الأمة بأسرها أن تستغل هذه الفرصة لتحدث التغيير الحقيقي الجذري، وأن تتجه نحو عودتها أمة الصدارة وخير الامم، فالأمة بطاقاتها ومبدئها وبأبنائها، الذين بانت الأحداث عن مكنونهم ونقاء معدنهم، قادرة لأن تقود شراع البشرية نحو بر الأمان، وعلى الأمة أن تدرك أن التغيير الحقيقي سينعكس على البشرية جمعاء. كما عليها ان تتنبه لكل المخادعين الذي يسعون لوضع العراقيل في دولاب حركتها، ويسعون لتكريس الواقع والاكتفاء بتغيير مظهره الخارجي.
وبعبارة فصيحة على الأمة ان تتجه نحو تطبيق الإسلام بإقامة الخلافة الراشدة من جديد، وان لا ترضى عن ذلك بديلاً، إن هي تطلعت للتغيير الحقيقي والجذري.

كما على الحكام والأنظمة أن يدركوا بأن القطار قد فاتهم، وأنهم يسيرون عكس الجغرافيا وعكس التاريخ بل هم من مخلفاته الملوثة، وأن الأمة قد تخطت حاجز الرعب والخوف، وأن الأمة لا يمكن أن تعود إلى الوراء بعد اليوم، وليعلموا أن مصيرهم مظلم ومهما دبر لهم المستعمرون فلن يحيق مكرهم إلا بهم ولهم في الدنيا خزي ولعذاب الآخرة أشد، فهل يتعظ هؤلاء أم على قلوب أقفالها؟!
(اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)

كلينتون ودول الشرق الأوسط وهاجس الخلافة


في تصريحات تكشف عن النظرة الحقيقية التي ترقب من خلالها الإدارة الامريكية المنطقة، قالت وزيرة الخارجية الامريكية الخميس 13-1-2011م : "إن دول الشرق الاوسط تحتاج لإصلاح المؤسسات الفاسدة وانعاش النظام السياسي الراكد والا فإنها معرضة لخطر الهزيمة في مواجهة التشدد الاسلامي."
وأضافت " الكثير من دول الشرق الاوسط غير ديمقراطية وتواجه خطرا متزايدا من حركات التطرف الاسلامي."
واعتبرت أن "من يتمسكون بالوضع الراهن قد يتمكنون من اخفاء الاثر الكامل لمشاكل بلدانهم لفترة قصيرة لكن ليس للابد."
وأضافت: "كلنا نعلم أن هذه المنطقة تواجه تحديات خطيرة تتجاوز حتى الصراعات التي تتصدر العناوين كل يوم".
ورأت أن "عددا كبيرا من زعماء المنطقة أخفقوا في بناء مستقبل يمكن للشبان أن يؤمنوا به وأن يبقوا من أجله ويدافعوا عنه."
وتابعت كلينتون قائلة إن "الناس الان على علم بما لم يكونوا يعلمونه قبل 20 أو 30 عاما.. وهو أن الكثير من ثروات الحكومات في يد فئة قليلة لا كثيرة وذلك في عدد كبير جدا من الدول".

إن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هذه لتؤكد على أن الإدارة الامريكية يخيم عليها هاجس الخلافة "المشروع الإسلامي للمنطقة والعالم"، وأن تحركاتها ودعوتها للأنظمة لإصلاح أنظمة حكمها المتعفنة هو للحيلولة دون أن يتمكن من أسمتهم "بالمتشددين الإسلاميين" من الوصول إلى سدة الحكم وقلب الأوضاع في الشرق الأوسط وبلاد المسلمين بل والعالم رأساً على عقب.

إن أمريكا ترى "الديمقراطية" في بلاد الشرق الأوسط كما ترى الاستعمار، وعينها في كليهما على عرقلة المشروع الإسلامي، فها هي كلينتون تدعو دول الشرق الأوسط لمزيد من "الانفتاح" و"الديمقراطية" ليس لإعطاء الناس حقوقهم الطبيعية أو لإنصافهم ورفع الظلم عنهم بل لتحول دون التفافهم حول المشروع الإسلامي والمتمثل بالخلافة، وإلا فالإدارة الأمريكية كانت ترى وتشاهد بل وترعى تجبر هذه الدكتاتوريات القائمة في بلاد المسلمين والشرق الأوسط على وجه الخصوص، وكانت تسكت وتصمت عن كل جرائم تلك الأنظمة ولم تتحرك وتدعو تلك الانظمة لإحداث تغييرات إلا بعد تخوفها مما تراه طامة كبرى تحيق بها وبنفوذها في الشرق الأوسط.

فالديمقراطية هي سيف لقطع الطريق على من تسميهم امريكا "بالمتشددين الإسلاميين" من السيطرة على الاوضاع في المنطقة، وإن لم تفلح الديمقراطية فالاستعمار هو البديل كما استعمرت أفغانستان والعراق.

لكن أمريكا تدرك بأن الناس كما عبرت كلينتون "الان على علم بما لم يكونوا يعلمونه قبل 20 أو 30 عاما" وأن الناس باتوا يدركون تبيعة هؤلاء الحكام لها ولبقية الدول الاستعمارية وباتت الناس تدرك بأن الحكام ليسوا من جنسها ولا يحملون همها بل هم سيف مصلت على رقابها، لذا فأمريكا تدرك كذلك بأنها –بدعواتها لإصلاح أنظمة الحكم الموالية لها وللاستعمار في المنطقة- تراوغ في الوقت بدل الضائع وما عاد ينفع مع الناس أي من الحلول الترقيعية.

إن ما لا تدركه أمريكا او تحاول التغافل عنه أو حتى طمسه، هو أن التفاف الناس حول المشروع الإسلامي لا ينبع من مجرد سوء الاوضاع الراهنة وضيق العيش بل ينبع من مفاهيم أعماق ترسخت في قلوب المسلمين، ومن امتداد لتاريخ عريق تسنم فيه المسلمون مقاعد العز والسؤدد، وأن تطلعهم نحو استعادة مكانتهم وسعيهم للتخلص من انظمة الجور لا ينبع من الفاقة ومجرد الشعور بالظلم –وإن كان ذلك يعززه- بل ينبع من رؤية للكون والإنسان والحياة، وينبع من تطلع لدور المسلمين في العالم ورسم سياسته وحملهم لرسالة الإسلام هداية للعالمين.

إن الثورات الشعبية التي تكتسح بعض البلدان العربية والمرشحة للانتشار في بقية البلدان الأخرى، لا يقف خلفها مجرد ضيق العيش وطلب تحسين وسائل المعيشة، وأمريكا تدرك ذلك أيما ادراك فلقد اعتبرت كلينتون أن " المنطقة تواجه تحديات خطيرة تتجاوز حتى الصراعات التي تتصدر العناوين كل يوم".، وفي ذلك اشارة على أن ما تخشاه امريكا هو ما يقف خلف تلك الأحداث وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع.

إن هذه التصريحات تكشف عن طبيعة الصراع بين القوى الاستعمارية وعلى رأسها امريكا وبين المسلمين، وأن هذا الصراع يتعدى الهيمنة على الموارد والثروات إلى صراع أيديولوجي وصراع مشاريع للمنطقة والعالم، وكل محاولة لطمس طبيعة هذا الصراع هي محاولة لتضليل المسلمين وحرف أنظارهم عن استهداف امريكا والدول الاستعمارية لدينهم ومبدئهم. 

إن الواجب الملقى على عاتق المسلمين اليوم أن يتحلوا بالوعي السياسي وان لا يسمحوا للاهثين خلف المشاريع الغربية والساعين للحيلولة بين الامة ومشروعها الحضاري ان يكرسوا هذه التحركات الشعبية لصالح مخططات استعمارية بديلة عن الانظمة الاستعمارية الراهنة، وأن لا يسمحوا لحرف هذه التحركات عن مغزاها وتطلعها الحقيقي الرامي إلى قلع أنظمة الحكم الراهنة التي اكتووا بنيرانها وأن لا يسمحوا بمحاولة إسكاتهم ببعض الإجراءات السخيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

لقد بات واضحاً أن مشاريع الديمقراطية والاستعمار على حد سواء تكرس لضرب الأمة ومشروعها الحضاري، ومهما سعت أمريكا لإصلاح انظمة الجور هذه وتطعيمها ببعض الديمقراطية الزائفة فلن تجلب سوى الويل والثبور لهذه الامة وستفشل كما فشلت هذه الدكتاتوريات. لذا على الامة أن تتجاوز خوض تلك التجارب الفاشلة من جديد وان تتطلع وتغذ السير نحو التغيير الحقيقي الذي يكفل لها أن تُحكم وفق رؤيتها وعقيدتها، وان تحيا حياة كريمة وأن تستعيد مكانتها المرموقة بين الأمم.

لقد آن الأوان لأن تعلي الأمة الصوت في وجه المستعمرين وأذنابهم، أن قد سبق السيف العذل وأن لا مكان لكم بين ظهرانينا ولا كيل لكم عندنا ولا تقربون.