إساءات تطبيق الإسلام من قبل الخلفاء ..حقيقتها وسهام المغرضين

بسم الله الرحمن الرحيم
إساءات تطبيق الإسلام من قبل الخلفاء ..حقيقتها وسهام المغرضين

لم يكن غريباً أن ينبري البعض طاعناً أوقادحاً في فكرة الخلافة ويتخذ من الإساءات التي شابت تطبيق الإسلام عبر القرون الماضية تكئة للولوج الى بحر التشكيك والظنون، فالخلافة اليوم ليست شأناً مهملاً أو فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق أو أحلام عصافير بل إنها تجسيد لمشروع الأمة الحضاري الذي يشغل الأوساط السياسية الدولية ويؤرقها، والذي بان للعالم بأسره لا المسلمين فحسب أن الخلافة هي من سيخرج البشرية مما تعانيه من ضنك وجور الرأسمالية وتقودها الى رحاب العدل والحياة المطمئنة في ظل الإسلام ودولته، وهي- مع دنو عودتها بدلائل واقعية لا يخطؤها إلا أعمى البصر والبصيرة أو مكابر معاند أو مغرض- تقض مضاجع قادة العالم من أمريكا وأوروبا وروسيا وتعيد لهم ذاكرة الأيام الخالية وكيف كانت جيوش المسلمين تزحف نحو أوروبا وتفتح الأمصار وتَدُكُ العروش دكّاً كما فعلت بفارس والروم والقسطنطينية، فليس غريباً أن يكون للقوى الإستعمارية التي تتخوف من عودة الخلافة من يسلق المسلمين ودعوتهم ومشروعهم النهضوي بألسنة حداد، فتاريخ الأمة الطويل يذكر هؤلاء كما يذكر غيرهم ممن تآمر على المسلمين أو خانهم أو كان عوناً لأعدائهم عليهم .

قد يقول قائل إنك بالغت وغاليت وطعنت في أقلام أو رجال رأوا في الحرية الفكرية والبحث العلمي والإختلاف في الرأي منهجاً لهم، وأردت أن تسطو عليهم بعبارات الطعن والتشكيك في النوايا فكنت مثالاً لمن لا يعرف سوى قمع الآخر أو نفيه، قد يقول قائل ذلك أو غيره متغافلاً أن من يهاجم فكرة ومشروع الخلافة من خلال حوادث تاريخية مبتورة هذا هو وصفه دون زيادة او نقصان، فهو يفتقد الى معايير النزاهة أو أسس البحث العلمي أو حتى التوصيف الحقيقي للواقع، وفي هذه المقالة الوجيزة سأسعى لبيان ذلك ومن ثم بيان حقيقة إساءات التطبيق التي حدثت من قبل بعض الخلفاء وسياقها، والتي اتخذها المغرضون سهاماً للطعن في فكرة الخلافة ونظامها المتميز الذي لم يشهد له الوجود من قبل مثيلاً .

أما فقدان الطاعنين في فكرة الخلافة لمعايير النزاهة أو أسس البحث العلمي أو التوصيف الحقيقي للواقع فللأسباب التالية :

1. أن معظم الحوادث التاريخية التي يعتمدون عليها حوادث غير موثّقة تاريخياً تعتمد على كتب أعدّها مستشرقون كان همّهم الطعن والقدح بتاريخ المسلمين، أو على كتب لم تعتمد نهج الرواية في إثبات الحوادث وكانت مجرد كتب للقدح أو المدح لشخص الخليفة وحاشيته دون الوصف الحقيقي للمجتمع بل إن بعضها كُتِبَ في الغناء والمجون ككتاب الأغاني للأصفهاني.

2. لقد كان ذكر المغرضين للحوادث التي ثبتت تاريخياً ذكراً مجتزءاً من صورة متكاملة للدولة والمجتمع والتي سادها العدل والحياة المطمئنة والإزدهار والتقدم في شتى مجالات الحياة، فهم قد سلطوا الأضواء على شوائب لا تمثل سوى ثغرات عبر تاريخ الخلافة الطويل وقاموا بالقياس الشمولي والتعميم المجرد على بقية جوانب الحياة، ولا يخفى مجانبة ذلك للنزاهة والموضوعية أو البحث العلمي مما يدل على أن وراء تلك الأقلام والرجال ما وراءهم من غايات تشكيكية خبيثة وأهداف أخرى ألبسوها لباس النزاهة والموضوعية والبحث العلمي وهي منهم براء .

3. اتخذ المغرضون من الحوادث التي وقعت فيها اساءات تطبيق للإسلام سهاماً للتشكيك بقدرة الإسلام على صياغة الحياة من جديد وبقدرته على معالجة الوقائع المستجدة وتوفير العدل والطمأنينة للبشر، أي أنهم رأوا الأفراد والحكام حَكماً على الفكر والمبدأ متغافلين أن الفكر لا يبطله إلا الفكر والحجة والبرهان وأما إساءات التطبيق فهي وصمة لصاحبها لا تنسحب على المبدأ او الفكرة سيما إن كانت الفكرة تردّها وتنص على خلافها صراحة، فإمكانية التطبيق أو النجاح أو الفشل في أرض الواقع لأي فكرة أو مبدأ كان ليس دليلاً نظرياً على خطأ أو صحة المبدأ أو الفكرة، وهذا من أساسيات البحث الفكري، إلا أن هذا أيضاً لا يعني إغفال تجربة المبدأ أو الفكرة في التطبيق العملي مما يعطي مؤشراً عملياً على إمكانية تشكيل المجتمعات والأفراد والجماعات بحسب المبدأ من جديد ويعطي دروساً في كيفية تلافي الأخطاء السابقة .

4. يتعامل المغرضون مع الوقائع الجارية والتاريخية بمكيالين، فمكيال للغرب ومدحهم له برغم فساد فكره نظرياً وعملياً ومكيال يرى في أخطاء بعض الخلفاء المروية بطرق ظنية حَكماً على الإسلام كمبدأ وما ذلك إلا لعجزهم عن مجابهة الحجة الفكرية بالحجة والبرهان بالبرهان، فتراهم لا يعتبرون إساءة حكام أمريكا أو أوروبا وفسادهم المالي والخلقي الظاهر -والمخفي أعظم- لا يرون في هذه الإساءات والفضائح مؤشراً على فساد الرأسمالية الديمقراطية المتهافتة نظرياً، بينما يرون في رواية مطعون فيها لا تقوى على الثبوت بمعايير الرواية ونقل الأخبار حَكماً على الإسلام كمبدأ، كزعم من زعم ان هارون الرشيد رحمه الله كان يقضي وقته بين الغواني وفي الرقص والمجون فهم يعتبرون هذه الرواية دليلاً على فساد فكرة الخلافة وإثباتاً "لفشل" الإسلام في التطبيق، ولكل صاحب عقل راجح أن يدرك المغالطة الفظيعة التي يتقصدها هؤلاء .

5. إن الحوادث التي يعتمد عليها المغرضون بعد أن يتم إخضاعها لمقاييس الرواية الدقيقة التي لا يصح نقل التاريخ إلا بها واستبعاد كتب المغرضين كالمستشرقين وأضرابهم مما ذكرناه سابقاً، نجد أن عدد هذه المخالفات والاساءات قياساً مع تاريخ الأمة الممتد عبر 1400 عام لا تمثل سوى شامة سوداء في بعير أبيض مما يجعل الأقلام التي تحرص على اظهار صورة السواد لتاريخ الأمة الناصع أقلاماً مشبوهة، فلكم أن تتصوروا حجم الكوارث والمصائب والبلايا العظام التي خلفتها أمريكا على البشر والشجر والحجر حتى الهواء والماء وعمرها لم يتجاوز 300 عام بكثير، ومع ذلك يسعى بعض المغرضين الى تسليط الضوء على الإنجازات العلمية للغرب وأمريكا وتقدمها الصناعي والتكنولوجي، بينما يسلط الضوء على حادثة اغتيال أو قمع أو خطأ في أخذ البيعة -برغم خطئها– ليصف الخلافة الأموية أو العباسية أو العثمانية بأقذع الأوصاف وهي التي فتحت الدنيا ونشرت الهدى ووضعت للبشرية أسس العلم بل وفروعه، وعلماء الخلافة آنذاك لا زال سيطهم يملأ جوانب جامعات الغرب حتى يومنا هذا من الخوارزمي وابن سينا الى ابن رشد فالرازي وجابر بن حيان وغيرهم الكثير الكثير .

6. إن الهجوم على فكرة الخلافة باستغلال حوادث تاريخية بعضها ثابت وكثير منها موضوع مفترى، لا يصنف بإعتباره بحثاً أكاديمياً أو علمياً بصورة صرفة لأنه ممتد الى عصرنا ويحمل في طياته عدواة مشروع الخلافة الذي أضحى المشروع الوحيد الذي سيخلص البشرية مما تعانيه مما يجعل هؤلاء المغرضين في صف أعداء الخلافة ومشروعها مما يجعل رأيهم أو قولهم محلاً للشبهة والظن وبعيداً كل البعد عن الموضوعية والنزاهة لأنهم باتوا طرفاً في الخصومة ومن كان كذلك فلا تقبل شهادته على خصمه .
هذه هي حقيقة بُعد هؤلاء المغرضين عن النزاهة او الموضوعية في تناولهم بعض الحوادث التاريخية والتي شابها اساءات تطبيق للإسلام ووقع فيها أخطاء ومظالم . أما واقع هذه الأخطاء وإساءات التطبيق فهي لا تعدو أحد صنفين، الأول إساءة أو خطأ وقع من حاكم فأصاب الأمة أونظام حكمها بضرر والثاني أخطاء فردية وقعت من قبل بعض الخلفاء لم يتعد ضررها الخلفاء أنفسهم ولم يعم الأمة أو جماعة المسلمين ،

وللتأكيد على ذلك وإدراكاً منه لهذه الحقيقة القطعية وإمكانية وقوع الأخطاء حتى من قبل من ينفذون منهج السماء فقد نظر الإسلام إلى دولة الخلافة باعتبارها دولة بشرية ولم يعتبرها في أي مرحلة كانت- حتى في عهد النبوة- دولة إلهية، وهي دولة في حكامها وخلفائها قابلية الخطأ أو الإساءة أو الظلم -وهذا سلوك بشري طبيعي- لذا نجد الإسلام قد شرّع من الأحكام اللازمة لمعالجة هذه الأخطاء فأوجب محاسبة الحاكم على أفعاله وتصرفاته وشرّع أحكاماً لعزل الخليفة ولقضاء المظالم، وهذا كله يدل على حقيقة نظرة الإسلام للدولة والخليفة وانها مهما بلغت من دقة الإلتزام بالمبدأ ستبقى دولة بشرية وسيبقى حكامها بشراً فيهم قابلية الخطأ والنسيان .

أما الأخطاء التي أضرت بالأمة أو نظام حكمها فلا شك أنها قد جعلت الخلافة تنحدر من مكانتها المرموقة المميزة والتي وصفها الرسول الكريم بقوله (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) الى خلافة يتمسك خلفاؤها بالخلافة ويعضون عليها بالنواجذ كما وصفها عليه السلام (ثم تكون ملكاً عاضاً) كما أن هذه الأخطاء التي ارتكبها بعض الخلفاء أدّت الى إساءة تطبيق الإسلام في الدولة والمجتمع إلا أن هذه الإساءات لم تُخرج الدولة او المجتمع عن وصفها الإسلامي. وأبرز موضوع في هذا الصنف والذي استمر أثره من بعد الخلافة الراشدة الى هدمها هو موضوع إساءة أخذ البيعة للخليفة، فأخذ البيعة لابن الخليفة أو أخيه-برغم خطئه- لم يلغ طريقة البيعة في تنصيب الخليفة وإنما أصابها في خلل وبقيت طريقة تنصيب الخليفة هي البيعة دون سواها وإن كانت تؤخذ للأبناء أو الإخوة مما جعل البعض يسميها وراثية لكنها ليست كذلك وحالها كحال الانتخابات في يومنا هذا-مع فارق الشبه- فلو تلاعبت الدولة في صناديق الاقتراع وأنجحت شخصاً على حساب آخر فلا يسمى الشخص الناجح انه أتى بالوراثة وإن كان ابن الحاكم أو أخيه وإنما تبقى طريقة فوزه عبر الانتخابات التي وقع في تطبيقها اساءة واستغلال، فالخليفة في العهد الأموي أو العباسي او العثماني لم يكن ليكون خليفة دون بيعة الأمة له وإن كان الحاكم يذلل له الصعاب أو الرقاب، فالسلطان بصورة أو أخرى بقي للأمة دون سواها.

أما حوادث الإقتتال والاغتيالات التي وقعت عبر تاريخ الخلافة فلا شك أنها نزيرة نسبة لطول عمر الخلافة ولا يخفى على من يدرس التاريخ وجود مؤامرات وأصابع خفية كانت تستغل ضعف الدولة أحياناً للتدخل في شؤونها الداخلية سعياً لإضعافها وما ذلك إلا خوفاً منها وخوفاً من مجابهتها سواء في ساحات القتال أو المناظرة العقائدية التي لم يقوَ عليها هؤلاء في يوم من الأيام، ولكن الأمة كانت تستعيد لحمتها وتداوي جراحها وطوال تلك الأحداث لم تتتنازل الأمة أو الخلافة عن تطبيق الإسلام في شتى مجالات الحياة ولكل منصف أن يرجع الى الفقه المدّون أو ملفات الأقضية والمحاكم ليدرك أن المسلمين لم يطبقوا حكماً واحداً لم يستند الى المصادر الشرعية المعتبرة عند الفقهاء .

أما الصنف الثاني من الاساءات والأخطاء وهي الأخطاء الفردية التي وقعت من قبل بعض الخلفاء ولم يتعد ضررها الخلفاء فلا يختلف اثنان على أن تلك الأخطاء لا تؤثر على صبغة الدولة والمجتمع، مع عدم قبولها وضرورة إصلاحها أو تغيير شخص الحاكم واستبداله.

هذه بعض الإشارات القصيرة التي حاولت من خلالها ازالة اللبس عن طعونات مسّت فكرة الخلافة بغير وجه حق أو إنصاف أردت ذكرها والوقوف عليها علّها أن تكون بداية مراجعة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد او أن تكون رداً على افتراءات أصرّ أصحابها التمسك بها ولو كانت مجانبة للحق والصواب . إن من واجب هؤلاء الكتاب ممن ينتمي لهذه الأمة أن يتيه على العالم بتاريخ أمته وكيف كانت بحق خير أمة أخرجت للناس في وقت كانت دول العالم تغرق في محيطات من الجهل والفساد والعبودية، وكيف عمرت الأرض وقادت مركب العلم إلى عباب التقدم، بل إن من أدرك ذلك كله وجب عليه أن يسعى لاستعادة مجد أمته الضائع وعزها المفقود لتعود -وهي المؤهلة بحق دون سواها- لقيادة البشرية من جديد فتعود الخلافة راشدةً على منهاج النبوة ثانية كما بدأت (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) .

أضواء على قضية فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم
أضواء على قضية فلسطين

قبل فتحها احتلت فلسطين مكانة مرموقة لدى المسلمين فقد ربطها العلي القدير ببيته الحرام برباط الإسراء فباركها وبارك أكنافها، وشرفها بآيات نزلت من لدن حكيم خبير (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وبأن جعل سبحانه بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى حتى ستة عشر شهراً بعد الهجرة ، وبعد فتحها في السنة الخامسة عشرة للهجرة على يد الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر وتسلمه مفاتيحها من سفرونيوس وإعطائه له ولأهلها النصارى عهده وميثاقه بناءاً على طلبهم بأن لا يساكنهم فيها اليهود والذي أصبح يعرف بالعهدة العمرية، خضعت فلسطين لسلطان الإسلام وأصبحت جزءاً هاماً من ديار المسلمين .

لقد كانت فلسطين درةً في جبين الأمة ومركز ثقل فيها لذا طمع فيها الطامعون وتربص بها الكفار من كل ملة ونحلة لكنها كانت كلما اعتدى عليها معتدٍ تحطم فيها مهما طال عدوانه وظلمه فقد كانت فلسطين مقبرة للصليبيين والتتار ففيها حطين وعين جالوت وستكون كذلك لأعداء الله يهود قريباً بإذن الله .

بدأت قضية فلسطين في العصر الحديث بمكر وتخطيط من أعداء الله الأنجليز الذين دفعوا دهاقنة يهود للطلب من السلطان عبد الحميد أن يسمح لهم بسكنى شواطئ فلسطين في العام 1901م وقاموا بمحاولة إغراء السلطان بعرضهم أن يملؤا خزينة الخلافة العثمانية بالمال في الوقت الذي فرغت منه ، لكن رد السلطان عبد الحميد كان رداً يليق بخليفة -وإن كانت الخلافة ضعيفة آنذاك- لقد كان رده للصدر الأعظم الذي بدوره نقله لهرتزل (انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع ، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين ...فهي ليست ملك يميني ...بل ملك الأمة الإسلامية...لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه ...فليحتفظ اليهود بملايينهم...واذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن ) وقد صدق توقعه رحمه الله فبعد هدم الخلافة ضاعت فلسطين وتمكن منها الكافرون .

في عام 1917م كان وعد بريطانيا ليهود بتمكينهم من فلسطين المسمى بوعد بلفور ، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام عصبة الأمم بفرض صك الانتداب البريطاني على فلسطين كان من مواد هذا الصك أن تنفذ بريطانيا وعد بلفور ، قامت بريطانيا بإتخاذ الإجراءات التي تمكن يهود من فلسطين ومن ثم كانت هيئة الأمم وقرار التقسيم رقم 181 عام 1947م وهو القرار الذي قضى بتقسيم فلسطين الى بين أهلها والمعتدي عليها وكانت حرب -أو قل مسرحية- عام 48 التي مكنت اليهود من الجزء الأعظم من فلسطين تحت ذريعة أن يهود قد هزموا جيوشاً عربية سبعة ، ومن ثم تسارعت الدول في الاعتراف بهذا الكيان الى أن أخذ الصبغة الشرعية الدولية عام 1949م حيث قُبلت دولة يهود كعضو في الأمم المتحدة ، ومع مر السنين نشأت قضية فلسطين التي أصبحت تعرف في الساحة الدولية بقضية الشرق الأوسط وقامت الدول المؤثرة في الموقف الدولي بطرح حلول ومشاريع لهذه القضية منذ نشأتها الى الآن مع وجود بعض التغيرات ، الحل الأول وهو مشروع الأنجليز الذين طرحوا فكرة دولة علمانية واحدة تضم كلاً من اليهود والنصارى والمسلمين على أن تكون الغلبة لليهود وهم الذين سيحكمون فلسطين كاملة ، والمشروع الثاني هو مشروع أمريكا المتمثل في إقامة كيانين واحد لليهود وبجواره كيان للفلسطينين وبرز هذا التوجه بصورة جلية وواضحة في أواخر حكم الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور عام 1959م ، ولأجل هذا الغرض سعى الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر الى أنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وسيراً لتمكين هذه المنظمة من مفاوضة يهود لإقامة كيان فلسطيني منفصل عن الأردن يعترف بالأراضي المحتلة عام 48 كأراض يهودية اتخذت جامعة الدول العربية بضغوط من حكام مصر -السائرين في ركاب العمالة الأمريكية ليومنا هذا- قراراً بجعل المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين عام 1975م، بقيت الدول الغربية الإستعمارية ممثلة في كل من أمريكيا وأوروبا وعلى رأسها بريطانيا تخوض -بنفسها وعبر عملائها من حكام العرب- صراعاً سياسياً سعياً لتنفيذ مخططاتها في فلسطين وإدراكاً منها أن من يمتلك النفوذ والسيطرة على فلسطين يمتلك السيطرة على المنطقة بأسرها ، وفي خضم هذا الصراع السياسي عاشت فلسطين والمنطقة أعمالاً عسكريةً وحروباً مصطنعةً ومؤامراتٍ وأعمال قتل وتشريد وبطش وتنكيل واقتتال كان أهل فلسطين دائماً من يدفع ثمنها، فكان تسليم ما تبقى من فلسطين ليهود عام 67 من قبل ملك الأردن بأوامر إنجليزية خشية تنفيذ المشروع الأمريكي بإقامة كيان مستقل للفلسطينيين في الضفة وغزة وكانت حرب 73 حرباً تحريكية وتبعها اتفاقية كامب ديفيد ، وأحداث أيلول الأسود وجرش واجتياح لبنان عام 1982م وإعلان الاعتراف بدولة يهود في مؤتمر الجزائر عام 1988م الذي أقر بالأراضي المحتلة عام 48 كأراضٍ يهودية وأعلن إقامة كيان للفلسطينيين على الأراضي المحتلة عام 67 على الورق وكانت اتفاقية اوسلو الاولى والثانية فإنشاء السلطة وخطة خارطة الطريق وخطة شارون وانسحابه من طرف واحد من غزة ووعد بوش بإقامة الدولة الفلسطينية من جديد وانفصال غزة والضفة وحصار غزة وأخيراً عدوان اليهود الوحشي على قطاع غزة وما تبعه من تحركات سياسية في مؤتمر شرم الشيخ لإعمار غزة وجولات الحوار الفلسطيني الداخلي ومحاولة إحياء منظمة التحرير وضم الحركات الإسلامية لها لإشراكها في العملية السياسية والقمة العربية المرتقبة في الدوحة آواخر الشهر الحالي .

هذه هي أبرز المحطات التي مرت فيها قضية فلسطين بين إجمال وبعض تفصيل ، وبعد هذا الاستعراض السريع لنشوئها وفي خضم التطورات المتلاحقة في وقتنا الراهن وأمام المكر والمخططات الدولية الرهيبة وتكرر العديد من مشاهدها كان لا بد لنا من التذكير ببعض الحقائق لتكون منارات لنا في كيفية التعامل مع هذه القضية حتى لا ننزلق في مستنقع مخططات القوى الاستعمارية وحتى نحافظ على هذه الارض المباركة الطيبة .

من هذه الحقائق :

1.إن فلسطين هي أرض إسلامية وقضية احتلالها ووجوب تحريرها هي قضية إسلامية تخص الأمة الإسلامية بأسرها وهي ليست للفلسطينين أو العرب وحدهم فهي قبلة المسلمين الأولى وفيها مسرى نبيهم وإليها يشدون الرحال وكل محاولة لفصل هذه القضية عن عمقها وامتدادها الطبيعي هي تضييع لها ومحاولة مشبوهة لتمكين الكفار منها ومن بلاد المسلمين ، فلم تكن فلسطين محلاً لأطماع الكافرين لينشئوا فيها كياناً سرطانياً وخنجراً مسموماً إلا لمكانتها وأهميتها ووقوعها في قلب بلاد المسلمين فإحتلال فلسطين وإقامة كيان ليهود فيها كان جزءاً من المعركة الشاملة بين الكفار والمسلمين والتي تعود جذورها الى دحر الصليبين عنها عام 1187م ولا أدل على ذلك من مقولة اللورد ألنبي عندما دخل الأنجليز فلسطين في عام 1917م قائلاً "الآن انتهت الحروب الصليبية".

2.إن قضية فلسطين هي قضية بلاد احتلت واغتصبت من قبل عدو غاشم وبدعم من القوى الغربية الإستعمارية وحلها لا يكون إلا عبر تحريرها فهي أرض محتلة يجب تحريرها ولا حل لها سوى التحرير سواء تمكن أهلها أو المسلمون من ذلك اليوم أم لم يتمكنوا ، فلا يصح أن ينظر لها نظرة أخرى ، فهي قضية عسكرية صرفة ولا يصح أن تصبح قضية سياسية ومحلاً للمخططات والمشاريع الدولية ، بيد أن الحكام الرابضين والجاثمين على صدر الأمة قد حولوها الى قضية سياسية ليتخذوها مدخلاً لتنفيذ مخططات أسيادهم وكبرائهم في واشنطن ولندن ، ولن تعود هذه القضية الى وصفها الحقيقي إلا في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي أخبرنا عنها وعن قتالها لليهود الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله (لتقاتلن اليهود أنتم شرقي النهر وهم غربيه حتى ينادي الحجر والشجر فيقول يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله) .

3.من السذاجة والسطحية إن لم تكن من العمالة أن يظن المرء في الدول الغربية العدالة أو النزاهة والحيادية في علاج قضية فلسطين فجميع المشاريع السياسية التي تطرحها كل من أوروبا وأمريكا تهدف من منظور كل منهما ورؤيته الى ضمان هيمنة اليهود ليس على فلسطين فحسب بل على المنطقة العربية بأسرها وما صراعهم السياسي إلا سعياً منهم لتنفيذ أجنداتهم للسيطرة على المنطقة لا شفقة بأهل فلسطين أو حرصاً على فقرائهم ومساكينهم وإلا فهؤلاء هم من أقاموا لليهود كياناً وشردوا أهل فلسطين المسلمين وهم من أمدوا هذا الكيان ولازالوا بالأسحلة الفتاكة والنووية والمال والعتاد والرجال من حاملي الجنسيات المزدوجة ، فمشروع أمريكا يريد دولة يهودية خالصة قوية تمتلك النفوذ في المنطقة وتسيطر عليها وتخشى إن كانت هناك دولة علمانية أن يذوب اليهود فيها فلا يعود لهم وجود أو تأثير ، وأوروبا تريد دولة علمانية على كامل فلسطين تكون الأغلبية فيها لليهود فيحكمون فلسطين كاملة لا فلسطين المحتلة عام 48 فحسب وتكون دولة فلسطين العلمانية هذه عضواً في جامعة الدول العربية فتكون كياناً طبيعياً مقبولاً يستطيع أن يتغلل في المنطقة فيحكم قبضته عليها ، كما أن جميع هذه المشاريع-وإن كانت الغلبة اليوم لفكرة إقامة دولة فلسطينية- تؤكد دائماً على ضرورة ضمان أمن دولة يهود وهذا لا يخلو منه تصريح لأي مسؤول غربي كان ، أما نظرة هؤلاء لأهل فلسطين فقد أجمعوا وأجمعت القرارات الدولية على التعامل معهم على اعتبار قضيتهم قضية سكانية إنسانية لا غير فيجب أن يتم إيواء مشرديهم او تعويضهم أو غير ذلك من الحلول ولم تنظر إليهم بإعتبارهم أهل بلد قد احتلت اراضيهم واغتصبت .

4.إن الصراع مع كيان يهود ليس سوى جولة من جولات الصراع مع القوى الإستعمارية الغربية الكبرى لذا كان من الخطأ والخطر أن يتم استبعاد القوى الإستعمارية الكبرى من هذه المعركة واعتبارها طرفاً آخر وحصر المعركة مع كيان يهود فحسب ، فدولة يهود ليست سوى قاعدة عسكرية متقدمة لهذه الدول وسيفٍ مسلطٍ على رقاب المسلمين وحجر عثرة في سبيل وحدة الأمة ، وبقاء هذه النظرة للقوى الغربية الاستعمارية قائمة من شأنها أن تجنبنا الوقوع في الفخاخ والمؤامرات التي تحيكها أمريكا وأوروبا للمنطقة ومن شأنها أن تجعلنا ننظر الى هؤلاء النظرة الصحيحة بوصفهم أعداءاً للأمة الإسلامية لا وسطاء أو شركاء أو مانحين أو أصدقاء وشتان شتان ما بين النظرتين فنظرة تبقيك متيقظاً منفكاً عن المؤامرات والمخططات الإستعمارية ونظرة ترميك في أحضان هؤلاء الثعابين ولنا في قول الحق سبحانه منهجاً وسبيلاً حيث قال سبحانه (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ).

5.لقد بات واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار أن حكام بلاد المسلمين مجرد مطايا وادوات بيد الكفار المستعمرين وأنهم لا يحركون ساكناً ولا يقومون بأي عمل سوى لخدمة أسيادهم لذا كان من الانتحار السياسي أن يتم الركون إلى هؤلاء واعتبارهم وسطاء أو شركاء وهم في الحقيقة مجرد عملاء ولو كان هؤلاء صادقين ما تركوا فلسطين لقمة سائغة ليهود .

6. كما أصبح واضحاً أن الدول الإستعمارية الكبرى وأتباعها من الحكام العرب لا يقدمون أموالاً لمجرد مساعدة أهل فلسطين أو إعمار غزة أو إغاثة ملهوفيهم وإنما تقدمها كثمن سياسي ومقابل سير الأطراف المعنية في المخططات والمشاريع الغربية ، ولنا في قول الحق سبحانه دليل وبرهان (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) والواقع يشهد أن جميع المساعدات التي قدمتها وتقدمها الدول الإستعمارية والمسماة بالدول المانحة هي أموال سياسية .

7.لقد أسقطت أحداث غزة الأخيرة وحرب تموز عام 2006 برقع الدجل والخداع عن حكام دول الطوق والدول العربية التي زعمت أنها خاضت حروباً لأجل تحرير فلسطين فلم تتمكن من هزيمة يهود ، لقد أثبتت الأحداث الأخيرة كذب الهالة الخداعة التي احاط الحكام بها كيان يهود ليبرروا استسلامهم وخيانتهم لفلسطين فقد تبين لكل من كان على عينه غشاوة ان يهود وجيشهم نمر من ورق وأنهم لا يقوون على مواجهة ثلة قليلة مخلصة من أبناء المسلمين فكيف بهم لو واجهوا جيشاً جراراً مخلصاً لله ولرسوله وللمؤمنين؟!!

8.لقد أثبتت الأحداث الأخيرة فشل الحلول الترقيعية لقضية فلسطين وأن لا حل لقضية فلسطين سوى بتحرك الجيوش لتحريرها واستئصال شأفة يهود منها وما دام هؤلاء الحكام يجثمون على صدور الأمة ويكبلون جيوشها فلا خلاص للأمة إلا بتغييرهم وإقامة الخلافة الراشدة مكانهم وتنصيب خليفة يقاتل من ورائه ويتقى به ليسير بهم ومعهم تحت راية التوحيد لتحرير فلسطين وكل شبر أحتل من أرض المسلمين .

إن قضية فلسطين لا يحررها من رجس يهود حكام يرتمون في أحضان الأعداء ويتنازلون لهم عن مقدسات الامة جهاراً نهاراً ، حفاظاً على عرش هزيل أو تاج ذليل ، ففلسطين قد فتحها الفاروق عمر وحررها من رجس الصليبين صلاح الدين وحفظها من كيد اليهود عبد الحميد وهي تحتاج الى أحفاد عمر وصلاح الدين وعبد الحميد ليحرروها من رجس يهود .

إن بإمكان المسلمين القضاء على عدوهم وإعادة كل شبر أحتل من أرض الإسلام لا بل فتح ديارهم ونشر الخير في ربوع العالم وأن يعودوا منارة الدنيا وخير أمة أخرجت للناس .إن بإمكانهم كل ذلك ومفتاحه إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة فلا بد لهم من السعي لإقامتها حتى يُعزوا ويفلحوا .