شهر رمضان شهر الإسلام لا شهر الصيام فحسب

بسم الله الرحمن الرحيم

شهر رمضان شهر الإسلام لا شهر الصيام فحسب

يقول الحق سبحانه :
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)

أظلكم شهر عظيم ، شهر الصيام والقرآن والإسلام ، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، فهل رمضان شهر صوم وقيام فحسب أم لرمضان معانٍ أخرى ؟ وهل رمضان شهر فرض واحد او إثنين أو شهر الفروض جميعها ؟ وهل يتسع رمضان لتلك الفروض مجتمعة أم تضيق به فتتعداه ؟

أسئلة كثيرة منبعها الصورة الخاطئة التي تكرست في أذهان المسلمين عن رمضان وحصره في العبادات دون سواها ومنبعها عدم التخلص من فكرة فصل الدين عن الحياة وقصر العبادة على علاقة الفرد بخالقه وعدم تعديتها لتشمل جميع علاقات الإنسان وخاصة تلك التي تربط الإنسان بالإنسان .

لقد فرض الله الصيام في شهر رمضان على المسلمين وفي الوقت نفسه لم يجعله خالصاً للصيام فقط بل جعل الله رمضان موسم خير ، موسم طاعة وموسم قيام بفروض الإسلام وبمندوباته وخاصة تلك الفروض المتصلة بمصير الأمة وعزتها ، فرمضان وإن كان شهر الصيام لكنه بمثابة التربة الخصبة والأجواء المهيئة للقيام بفروض الإسلام لا الصيام فحسب، والذي يدل على ذلك أمور عدة ،

أولها : النصوص التي جاءت تبين أن ثواب القيام بفروض الإسلام في رمضان هو ثواب سبعين منها في غير رمضان وأن أجر القيام بالمندوب في رمضان كأجر القيام بالفرض في غيره ، وهذا يدل بصورة واضحة لا لبس فيها على ضرورة أن يغتنم المسلم هذا الشهر الكريم للقيام بفروض الإسلام والإكثار من القيام بالمندوبات وهذا كله يؤكد بصورة لا شك فيها بأن رمضان يقصد منه أن يكون حافزاً للقيام بالواجبات لا لمجرد الصيام فحسب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه سلمان الفارسي رضي الله عنه (من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه , ومن أدى فريضة فيه , كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه).

ثانيها : النصوص الصريحة التي تبين أن حكمة الصوم كانت هي التقوى وفي ذلك دلالة على أن غاية الصيام ليست مقتصرة على مجرد منع النفس من اللذات والشهوات وإنما تمرّسها ودفعها للقيام بالواجبات ، يقول الله تعالى (َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ثالثها : البيان الصريح من الرسول صلى الله عليه وسلم من ان رمضان هو شهر مهيئ للطاعة والقيام بالفروض وهو تربة خصبة للعمل الصالح فمن حدثته نفسه بالطاعة والالتزام فليقبل طائعاً مستبشراً ومن حدثته نفسه بالمعصية والفسوق فليقصر ، فرمضان شهر تغلق فيه أبواب النيران وتصفد الشياطين ومردة الجان وفي رمضان تفتح أبواب الجنة ولا يحجب عنها إنسان ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) وفي ذلك دلالة واضحة على أن رمضان هو التربة الخصبة للقيام بالصالحات والالتزام بأحكام الإسلام من واجبات ومندوبات.

رابعها : فهمُ المسلمين الأوائل لطبيعة شهر رمضان ، فالمسلمون لم يكن الصوم وصلاة القيام في رمضان منتهى غايتهم وشأنهم الوحيد دون ان ينشغلوا بسواهما بل كانت الفتوحات ونشر الإسلام محل انشغالهم واهتمامهم، حتى انهم كانوا في بعض غزواتهم-وبناء على حكم شرعي- يفطرون في رمضان لأجل التقوي على العدو لأجل الغلبة مع قضائهم لهذه الأيام لاحقاً ، وكيف لا يكون انشغالهم بالجهاد مقدماً عما سواه وهم قد أدركوا أن ثواب الفرض بسبعين فكيف بذروة سنام الإسلام وكيف بهداية الناس وحمل الإسلام لهم لذا فلا عجب أن كان رمضان على مدى تاريخ الأمة شهر الفتوحات والمعارك الفاصلة في تاريخ المسلمين ، لا عجب أن كان رمضان شهر بدر الكبرى وفتح مكة وتبوك والقادسية وعين جالوت وفتح الاندلس وبلاط الشهداء وفتح عمورية وفتح بلغراد .

من ذلك كله كان لا بد للأمة أن تدرك أن رمضان فرصة لا بد من إغتنامها على خير وجه ، فرصة لتنشغل به بقضاياها المصيرية لا لتنشغل عنها بغيرها ، فرصة لتتقرب فيه الى العلي القدير بأجل الفروض وأعظم الواجبات وهو بلا منازع في زماننا فرض العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ، لأن بها وحدها يقام الإسلام وتطبق جميع أحكام الإسلام وبها وحدها يجمع شمل الأمة من بعد شتاتها وبها وحدها يحمل الإسلام رسالة خير وهدى للبشرية جمعاء .

إن رمضان منذ ولادته من رحم الإسلام كان شهر الإسلام لا الصيام فحسب فرمضان كان له التكريم والفضل والتشريف بفضل القرآن وشرفه فكان رمضان شهر الدعوة لهذا القرآن ، شهر لإقامة حدود وحروف القرآن لا مجرد تلاوته وترتيله ، فرمضان شهر دعوة وحمل رسالة الهدى لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة الله رب العباد ومن جور الأديان الى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة ، واقرأوا إن شئتم قول الحق سبحانه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) فكيف لنا أن نحقق معنى الهدى والفرقان دون ان نقيم للقرآن دولة ؟! كيف لنا أن ننشر الهدى للبشرية دون ان تحمله دولة ؟! كيف لنا أن نعبّد الناس لربهم بحق فنقيم فيهم الحدود ونطبق عليهم الشرع بدون دولة ؟!

إن واجب الأمة أن تدرك بأن لا خلاص لها سوى بدولة الخلافة ، ولن تقيم شعائر دينها بحق إلا بدولة الخلافة ، ولن تطبق شرع ربها بحق إلا بدولة الخلافة ، فليكن رمضان هذا نقطة تحول في العمل لإقامة الخلافة على مستوى الأمة ، وليكن رمضان هذا منطلقاً للعمل للخلافة لكل واحد منا فمن كان متلبساً بالعمل فليزدد ومن كان تاركاً له غافلاً عنه فليلحق بالركب وليغذ السير وليسرع الخطى ، فإلى إغتنام رمضان على خير وجه بالعمل لإقامة الخلافة على خير وجه أدعو نفسي وأدعوكم أيها المسلمون .

التقيد بالحكم الشرعي

بسم الله الرحمن الرحيم

التقيد بالحكم الشرعي

عرف الإسلام بأنه الدين الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لينظيم علاقة الإنسان بخالقه ، وبنفسه ، وبغيره من بني الإنسان . وعلاقة الإنسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات ، وعلاقته بنفسه تشمل الأخلاق والمطعومات والملبوسات ، وعلاقته بغيره من بني الإنسان تشمل المعاملات والعقوبات .
فالإسلام عقائد وأحكام شرعية ، وقد ربط الإسلام بين العقيدة والحكم الشرعي ربطاً محكماً لا انفصام فيه ، وجعل الأحكام منبثقة عن العقيدة انبثاق الأغصان عن أصولها وجذورها ، فحياتها من حياتها وضمورها وجفافها من ضمور الجذع وجذوره ، كما جعل الإسلام العقيدة الإسلامية هي الحافز الحاد على التقيد بالأحكام الشرعية ، وقد ورد ربط العقيدة بالعمل الصالح (أي التقيد بالحكم الشرعي) في آي الذكر الحكيم نيف وسبعون مرة مما يشير الى أهمية التقيد بالحكم الشرعي وعناية الشريعة به.
والتقيد بالحكم الشرعي هو عينه تعبيد الناس لربهم وهذا كان غاية الخلق مصداقاً لقوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
والذي يدل على فرضية التقيد بالحكم الشرعي أمور عدة وكثيرة من أهمها :
أولاً : أصل الخطاب إذ عُرّف الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو الوضع أو التخيير فكان الخطابُ موجهاً للعباد دون استثناء أحد سوى الصبي الذي لم يبلغ الحلم والمجنون والنائم وما عداهم واقع تحت مدلول الخطاب وذلك لعموم رسالة الإسلام وشمولها لجميع البشر مصداقاً لقوله سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) .
ثانياً : شمولية الرسالة لكل شأن من شؤون الحياة وطلب الشارع الحكيم التقيد بما بيّن وفصل لنا من أحكام ، قال تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) فالشريعة لم تغادر شأناً مهما دق أو جل إلا بينت له حكماً وهذا يجعل المكلف مقيداً بالحكم الشرعي في كل جوانب حياته ويجعل التقيد بالحكم الشرعي سجية دائمة له.
ثالثاً : النصوص الشرعية التي جاءت تطلب تحكيم الإسلام تدل على وجوب التقيد بالحكم الشرعي وعلى وجوب تحكيمه ووجوب عقوبة من سولت له نفسه التفلت من الإلتزام ولو بحكم شرعي واحد ، قالى تعالى (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) وقال أيضاً (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) ولم يقف الأمر عند هذا الطلب بل ولبيان أهمية الحكم بالإسلام وصفت الآيات من لم يحكم بما أنزل الله بأنه كافر وفاسق وظالم (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وآية (الظَّالِمُونَ) وآية (الْفَاسِقُونَ).
رابعاً : أوجب الشارع الحكيم على المسلم أن يتقيد بالحكم الشرعي وأن يحكم الإسلام في كل شأن من شؤونه وأن لا يتخير التقيد بل يلتزم به إلتزاماً واجباً دائمياً دون ان يكون له خيرة من أمره فقال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) بل إن الإسلام قد نفى الإيمان عمن لا يتقيد بالحكم الشرعي ولا يسلم به تسليماً مطلقاً فقال تعالى (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) كما قرّع على كل من يريد أن يتحاكم الى الطاغوت ووصفه بأنه يزعم الإيمان زعما إذ أن المؤمن لا يفكر مجرد تفكير بالتحاكم الى غير الإسلام ولا يرضى عن الحكم الشرعي بديلاً أو شريكا له فقال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا).
خامساً : أوجب الإسلام قتال الحاكم الذي يظهر الكفر البواح في ظل دار الإسلام وفي ذلك دلالة بارزة على وجوب وضرورة تحكيم الإسلام ووجوب التقيد به في كل جوانب الحياة فإن أظهر الحاكم وطبق حكماً واحداً ليس من الإسلام في ظل دار الإسلام وجب على الأمة قتاله حتى يرجع أو يقتل مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أفلا نقاتلهم يا رسول الله ، قال : لا ، ما صلوا) وفي حديث ابن مالك:(قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم في السيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
سادساً : الأدلة التفصيلية التي جاءت تخاطب المسلمين في كل شؤون حياتهم كقوله تعالى (أقيموا)(آتوا)(اجلدوا)(لا تأكلوا) وغير ذلك من النصوص توجب على كل مسلم أن يتقيد بكل حكم شرعي .
سابعاً : وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كل شان من شؤوننا ووجوب أن نأخذ كل ما جاء به الرسول والإنتهاء عما نهى قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وقال (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وللتأكيد على ضرورة التقيد بما ورد عن نبينا عليه السلام حذرنا سبحانه من مخالفة أمره مما يعرضنا للعقوبة والفتنة قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
فهذه الأدلة وغيرها الكثير تدل على وجوب التقيد بالحكم الشرعي ووجوب ان تكون حياة المسلم قائمة على الإلتزام بالشرع وعلى وجوب ان يطبق الحكم الشرعي في ظل سلطان وكيان يحكم به بين الناس .
أما عن آلية تطبيق الحكم الشرعي والتقيد به ، فلأن التقيد والإلتزام هو ثمرة العقيدة ولأن العقيدة هي المحرك والدافع للمسلم على الإلتزام والتقيد كان المعول عليه في هذا هو تقوى الفرد المؤمن، وتقوى الفرد المؤمن تجعل المرء يتقيد بالحكم في السر والعلن في الشدة والرخاء وفي كل حال ، كما تدخل الطمأنينة والسعادة على نفوس البشر وتصون الأهداف العليا للمجتمع ، فنظام الخالق سبحانه هو الكفيل دون سواه لأن يسعد البشرية أفراداً وجماعات وهو الكفيل والضامن وحده بتحقيق القيم البشرية جميعها من قيمة روحية وخلقية وإنسانية ومادية ، ولقد عاش المسلمون في ظل التقيد والإلتزام بالأحكام الشرعية وتطبيقها ، في ظل سيادة الشرع على ما سواه ، عاشوا حياةً لا نظير لها في ظل مجتمع متناغم يحفظ الحقوق ويقيم العدل فعم الهناء والأستقرار المسلمين والبشر .
فتطبيق الإسلام والتقيد بالحكم الشرعي من شأنه أن يوفر للمرء وللمجتمعات الحياة المستقرة والسعادة الدائمة ، غير أنه لا بد من الإشارة في هذا المقام أن التقيد بالحكم الشرعي لا يصح ربطه بالمصالح والمنافع الدنيوية ، فبرغم أن الله يؤتي المؤمنين في الدنيا حسنة كما في الآخرة إلا ان ذلك ليس علّة للتقيد بالحكم الشرعي فتطبيق الحكم والتقيد به واجب سواء رد على صاحبه في القريب العاجل نفعاً أو ضرراً مادياً ، فالحكم الشرعي لا يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً .
أما ما يحاول البعض من إثارته في خضم حملة الهجوم على التقييد بالأحكام الشرعية فيصفونها بأنها جاءت لوقت محدد ولزمان معين ولمجتمعات محددة وانها غير صالحة لكل زمان ومكان ، فهذا القول ساقط من الإستدلال والإعتبار وهو قول لا يعي طبيعة الأحكام الشرعية وطبيعة معالجة الإسلام للمشاكل البشرية ، فالأحكام الشرعية جاءت شاملة لكل زمان ومكان فجاءت النصوص بالعموم والإطلاق والتعليل وغير ذلك من صور بيان الأحكام الشرعية التي تشمل الأفعال والمتغييرات في كل زمان ومكان وهذا الذي جعل الشريعة عامة شاملة لكل مستجد ، كما أن الشريعة تعاملت في معالجاتهه للأفعال كمشاكل بشرية تصدر من إنسان ذي غرائز وحاجات عضوية وليس كمشكلة إقتصادية او إجتماعية تتأثر بالزمان والمكان والناس فكانت أحكامه تشمل ما يصدر عن هذا الإنسان مهما اختلفت صورة هذه الأفعال .
من ذلك كله نخلص الى الأمور التالية :
• أن التقيد بالحكم الشرعي واجب قطعي لا خلاف فيه ومن يخالفه يكون قد عرض نفسه للعقوبة والضنك في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة .
• إن الإسلام قد حوى أحكاماً شرعية لكل شأن من شؤون الحياة لذا كان الواجب على المسلم أن يكون مقياسه في الحياة هو مقياس الحلال والحرام .
• إن التقيد بالحكم الشرعي مبني على العقيدة وهو ثمرة الإيمان، والعقيدة هي الحافر والدافع للإلتزام والتقيد ، فالتقييد بالحكم الشرعي قائم على تقوى الفرد المؤمن .
• إن الإلتزام وتطبيق الحكم الشرعي من شأنه أن يوفر الطمأنينة والأستقرار للأفراد والمجتمعات .
• إن الأحكام الشرعية صالحة لكل زمان ومكان .
وختاماً أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بالنداء الحار لي ولكل مسلم أن تكون حياتنا مثالاً للتقيد والإلتزام بالحكم الشرعي وأن نكون بحق إسلام يدب على هذه البسيطة وحتى يكتمل إلتزامنا وتقييدنا يجب أن نسعى دائبين جاهدين لإقامة صرح الخلافة التي تطبيق شرع الله والحدود فننعم في ظل الإسلام ودولته ونرفل فيها بما يرضي الله ، نسأله سبحانه أن يأذن لنا بالفرج والنصر والتمكين عما قريب إنه ولي ذلك والقادر عليه .

تحرير الأسرى أم تحرير فلسطين ؟!

تحرير الأسرى أم تحرير فلسطين ؟!

طالعتنا الأنباء عن خبر موافقة "اسرائيل" على إطلاق سراح 200 أسير فلسطيني من سجون الإحتلال وقد ضمت هذه القائمة بعض محكومي المدد الطويلة كسعيد العتبة وأبو علي يطا ، وبعضهم تبقى لهم بضع سنين والغالبية العظمى منهم لم يتبق لهم على إنهاء محكوميتهم سوى أشهر قليلة أو سنة واحدة على الأكثر ، وقبل الخوض في تداعيات الحدث وردود الفعل تجاهه أود التقدم الى كل أسير قد رأى النور من بعد سني الظلم والمعاناة ولأهله ولأحبائه بأسمى آيات التهنئة والتبريك سائلاً المولى سبحانه أن يكون ما قدموه من تضحيات في ميزان حسناتهم وأن لا يحرمهم أجره وأن يعجّل لإخوانهم الرابضين خلف القضبان بالفرج والخلاص عما قريب إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .

وعوداً على بدء فقد كثرت ردود الفعل وطالت واستطالت حول هذا الحدث ، فبعضهم وصفه بالإنجاز للقيادة الفلسطينية وبعضهم وصفه ببادرة حسن النية وبعضهم ذمه لأنه شمل أسرى فصائل دون أخرى وآخر إعتبره مفرقاً للشعب الفلسطيني والى غير ذلك من ردود الفعل المختلفة والمتباينة ، والذي أود الوقوف عليه في هذه العجالة في خضم هذا الحدث أموراً عدة رأيت من المناسب التذكير بها حتى لا تندرس مع مرور السنين والأيام ، فتغيب عن الأذهان كما غُيبت عن الواقع ، فمن تتبع الشأن الفلسطيني يجد :
• أن قضية الأسرى أصبحت قضية تكاد تكون منفصلة عن أساس القضية الفلسطينية والتي تكمن في تحرير الأرض وتخليصها من السرطان الذي أصابها وجثم على صدرها والمسمى "اسرائيل" فأصبحت هذه القضية قضية قائمة بذاتها دون أن يلتفت الى أن هؤلاء الأسرى ومن قبلهم الشهداء قد قدموا التضحيات لتحرير فلسطين وتخليصها من هذا الإحتلال لا لكي يكونوا هم القضية ويتم التغافل عن هدفهم ومبتغاهم فيكون شأنهم ملهاة عن أصل القضية وعاملاً على تضييعها والتفريط فيها بدل استرجاعها كاملة غير منقوصة وردها لحضن ديار المسلمين .
• كما يلاحظ من طبيعة تعامل القيادة الفلسطينية مع هذا الحدث مدى إنخفاض سقف تطلعات هذه القيادة التي لم تعد تجد ما تقدمه لأهل فلسطين المنكوبين سوى إطلاق سراح بعض المعتقلين هنا أو هناك أو إعادة لم شمل بعض العائلات أو وعودات بإزالة حاجز أو حاجزين أو غير ذلك مما لا يصح ان يدون ضمن قائمة إنجازات قيادة لشعب نهبت أرضه كاملة وقتل وشرد وديست كرامته بالتراب ، فمن انصف القول وجد ما تقدمه القيادة الفلسطينية لشعبها ليس سوى فتات الفتات .
• ولا يخفى على كل بصير أن دولة يهود لا تقدم شيئاً لأهل فلسطين دون ثمن بل هي تدخر الكثير الكثير من معاناة أهل فلسطين لتتخذ من هذه المعاناة محل تفاوض متوسط أو طويل الأجل وبالتالي تساوم القيادة الفلسطينية على مسائل أهم وقضايا أعمق فتتخذ من تخفيف بعض المعاناة غطاءاً لتمرير التنازلات تجاه ما يسمى بالخطوط الحمراء التي لم تبق منها سوى اسمها .
• إن نهج التفاوض مع المحتل والإعتراف به والجلوس معه والرضى بالسير في المخططات الدولية للمنطقة هو من قاد هذه البلاد ومن فيها من العباد الى هذه الحال لذا فالاستمرار في نفس النهج سيقود حتماً بلا إجتهاد أو تأويل كلام الى مزيد من التردي والإنحدار .
• إن قضية فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين لم تكن يوماً عبر تاريخ الأمة شأناً داخلياً لأهلها بل كانت قضية للأمة الإسلامية جميعها ولم تخرج علينا هذه الدعوات سوى بعد فرقة الأمة وتقسيمها إرباً متعددة بعيد إتفاق سايكس-بيكو المشؤوم ، لذا كان على من يريد خيراً لهذه القضية أن يعيدها لسالف عهدها قضية للأمة الإسلامية وأن ينتزعها من أحضان من أنسوا بالمستعمر ورضوا بالشرعة والمخططات الدولية .
• إن مواقف المسلمين عبر ناريخ الأمة تجاه بيت المقدس وأكنافه تنطق بها حجارة المسجد الأقصى وصفد وعكا والرملة ، تنطق بفتحها على يد الفاروق وتحريرها على يد صلاح الدين وحفظها وعدم تضييعها على يد السلطان عبد الحميد ، لذا حري بأهل فلسطين أن يكونوا لبنة في إقامة صرح الخلافة التي تعيد تحرير فلسطين كاملة وتستأصل شافة يهود وتحرر جميع أسرى المسلمين.