التقيد بالحكم الشرعي

بسم الله الرحمن الرحيم

التقيد بالحكم الشرعي

عرف الإسلام بأنه الدين الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لينظيم علاقة الإنسان بخالقه ، وبنفسه ، وبغيره من بني الإنسان . وعلاقة الإنسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات ، وعلاقته بنفسه تشمل الأخلاق والمطعومات والملبوسات ، وعلاقته بغيره من بني الإنسان تشمل المعاملات والعقوبات .
فالإسلام عقائد وأحكام شرعية ، وقد ربط الإسلام بين العقيدة والحكم الشرعي ربطاً محكماً لا انفصام فيه ، وجعل الأحكام منبثقة عن العقيدة انبثاق الأغصان عن أصولها وجذورها ، فحياتها من حياتها وضمورها وجفافها من ضمور الجذع وجذوره ، كما جعل الإسلام العقيدة الإسلامية هي الحافز الحاد على التقيد بالأحكام الشرعية ، وقد ورد ربط العقيدة بالعمل الصالح (أي التقيد بالحكم الشرعي) في آي الذكر الحكيم نيف وسبعون مرة مما يشير الى أهمية التقيد بالحكم الشرعي وعناية الشريعة به.
والتقيد بالحكم الشرعي هو عينه تعبيد الناس لربهم وهذا كان غاية الخلق مصداقاً لقوله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
والذي يدل على فرضية التقيد بالحكم الشرعي أمور عدة وكثيرة من أهمها :
أولاً : أصل الخطاب إذ عُرّف الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو الوضع أو التخيير فكان الخطابُ موجهاً للعباد دون استثناء أحد سوى الصبي الذي لم يبلغ الحلم والمجنون والنائم وما عداهم واقع تحت مدلول الخطاب وذلك لعموم رسالة الإسلام وشمولها لجميع البشر مصداقاً لقوله سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) .
ثانياً : شمولية الرسالة لكل شأن من شؤون الحياة وطلب الشارع الحكيم التقيد بما بيّن وفصل لنا من أحكام ، قال تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) فالشريعة لم تغادر شأناً مهما دق أو جل إلا بينت له حكماً وهذا يجعل المكلف مقيداً بالحكم الشرعي في كل جوانب حياته ويجعل التقيد بالحكم الشرعي سجية دائمة له.
ثالثاً : النصوص الشرعية التي جاءت تطلب تحكيم الإسلام تدل على وجوب التقيد بالحكم الشرعي وعلى وجوب تحكيمه ووجوب عقوبة من سولت له نفسه التفلت من الإلتزام ولو بحكم شرعي واحد ، قالى تعالى (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) وقال أيضاً (فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) ولم يقف الأمر عند هذا الطلب بل ولبيان أهمية الحكم بالإسلام وصفت الآيات من لم يحكم بما أنزل الله بأنه كافر وفاسق وظالم (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وآية (الظَّالِمُونَ) وآية (الْفَاسِقُونَ).
رابعاً : أوجب الشارع الحكيم على المسلم أن يتقيد بالحكم الشرعي وأن يحكم الإسلام في كل شأن من شؤونه وأن لا يتخير التقيد بل يلتزم به إلتزاماً واجباً دائمياً دون ان يكون له خيرة من أمره فقال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) بل إن الإسلام قد نفى الإيمان عمن لا يتقيد بالحكم الشرعي ولا يسلم به تسليماً مطلقاً فقال تعالى (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) كما قرّع على كل من يريد أن يتحاكم الى الطاغوت ووصفه بأنه يزعم الإيمان زعما إذ أن المؤمن لا يفكر مجرد تفكير بالتحاكم الى غير الإسلام ولا يرضى عن الحكم الشرعي بديلاً أو شريكا له فقال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا).
خامساً : أوجب الإسلام قتال الحاكم الذي يظهر الكفر البواح في ظل دار الإسلام وفي ذلك دلالة بارزة على وجوب وضرورة تحكيم الإسلام ووجوب التقيد به في كل جوانب الحياة فإن أظهر الحاكم وطبق حكماً واحداً ليس من الإسلام في ظل دار الإسلام وجب على الأمة قتاله حتى يرجع أو يقتل مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أفلا نقاتلهم يا رسول الله ، قال : لا ، ما صلوا) وفي حديث ابن مالك:(قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم في السيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
سادساً : الأدلة التفصيلية التي جاءت تخاطب المسلمين في كل شؤون حياتهم كقوله تعالى (أقيموا)(آتوا)(اجلدوا)(لا تأكلوا) وغير ذلك من النصوص توجب على كل مسلم أن يتقيد بكل حكم شرعي .
سابعاً : وجوب التأسي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في كل شان من شؤوننا ووجوب أن نأخذ كل ما جاء به الرسول والإنتهاء عما نهى قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وقال (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وللتأكيد على ضرورة التقيد بما ورد عن نبينا عليه السلام حذرنا سبحانه من مخالفة أمره مما يعرضنا للعقوبة والفتنة قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
فهذه الأدلة وغيرها الكثير تدل على وجوب التقيد بالحكم الشرعي ووجوب ان تكون حياة المسلم قائمة على الإلتزام بالشرع وعلى وجوب ان يطبق الحكم الشرعي في ظل سلطان وكيان يحكم به بين الناس .
أما عن آلية تطبيق الحكم الشرعي والتقيد به ، فلأن التقيد والإلتزام هو ثمرة العقيدة ولأن العقيدة هي المحرك والدافع للمسلم على الإلتزام والتقيد كان المعول عليه في هذا هو تقوى الفرد المؤمن، وتقوى الفرد المؤمن تجعل المرء يتقيد بالحكم في السر والعلن في الشدة والرخاء وفي كل حال ، كما تدخل الطمأنينة والسعادة على نفوس البشر وتصون الأهداف العليا للمجتمع ، فنظام الخالق سبحانه هو الكفيل دون سواه لأن يسعد البشرية أفراداً وجماعات وهو الكفيل والضامن وحده بتحقيق القيم البشرية جميعها من قيمة روحية وخلقية وإنسانية ومادية ، ولقد عاش المسلمون في ظل التقيد والإلتزام بالأحكام الشرعية وتطبيقها ، في ظل سيادة الشرع على ما سواه ، عاشوا حياةً لا نظير لها في ظل مجتمع متناغم يحفظ الحقوق ويقيم العدل فعم الهناء والأستقرار المسلمين والبشر .
فتطبيق الإسلام والتقيد بالحكم الشرعي من شأنه أن يوفر للمرء وللمجتمعات الحياة المستقرة والسعادة الدائمة ، غير أنه لا بد من الإشارة في هذا المقام أن التقيد بالحكم الشرعي لا يصح ربطه بالمصالح والمنافع الدنيوية ، فبرغم أن الله يؤتي المؤمنين في الدنيا حسنة كما في الآخرة إلا ان ذلك ليس علّة للتقيد بالحكم الشرعي فتطبيق الحكم والتقيد به واجب سواء رد على صاحبه في القريب العاجل نفعاً أو ضرراً مادياً ، فالحكم الشرعي لا يدور مع المصلحة وجوداً وعدماً .
أما ما يحاول البعض من إثارته في خضم حملة الهجوم على التقييد بالأحكام الشرعية فيصفونها بأنها جاءت لوقت محدد ولزمان معين ولمجتمعات محددة وانها غير صالحة لكل زمان ومكان ، فهذا القول ساقط من الإستدلال والإعتبار وهو قول لا يعي طبيعة الأحكام الشرعية وطبيعة معالجة الإسلام للمشاكل البشرية ، فالأحكام الشرعية جاءت شاملة لكل زمان ومكان فجاءت النصوص بالعموم والإطلاق والتعليل وغير ذلك من صور بيان الأحكام الشرعية التي تشمل الأفعال والمتغييرات في كل زمان ومكان وهذا الذي جعل الشريعة عامة شاملة لكل مستجد ، كما أن الشريعة تعاملت في معالجاتهه للأفعال كمشاكل بشرية تصدر من إنسان ذي غرائز وحاجات عضوية وليس كمشكلة إقتصادية او إجتماعية تتأثر بالزمان والمكان والناس فكانت أحكامه تشمل ما يصدر عن هذا الإنسان مهما اختلفت صورة هذه الأفعال .
من ذلك كله نخلص الى الأمور التالية :
• أن التقيد بالحكم الشرعي واجب قطعي لا خلاف فيه ومن يخالفه يكون قد عرض نفسه للعقوبة والضنك في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة .
• إن الإسلام قد حوى أحكاماً شرعية لكل شأن من شؤون الحياة لذا كان الواجب على المسلم أن يكون مقياسه في الحياة هو مقياس الحلال والحرام .
• إن التقيد بالحكم الشرعي مبني على العقيدة وهو ثمرة الإيمان، والعقيدة هي الحافر والدافع للإلتزام والتقيد ، فالتقييد بالحكم الشرعي قائم على تقوى الفرد المؤمن .
• إن الإلتزام وتطبيق الحكم الشرعي من شأنه أن يوفر الطمأنينة والأستقرار للأفراد والمجتمعات .
• إن الأحكام الشرعية صالحة لكل زمان ومكان .
وختاماً أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بالنداء الحار لي ولكل مسلم أن تكون حياتنا مثالاً للتقيد والإلتزام بالحكم الشرعي وأن نكون بحق إسلام يدب على هذه البسيطة وحتى يكتمل إلتزامنا وتقييدنا يجب أن نسعى دائبين جاهدين لإقامة صرح الخلافة التي تطبيق شرع الله والحدود فننعم في ظل الإسلام ودولته ونرفل فيها بما يرضي الله ، نسأله سبحانه أن يأذن لنا بالفرج والنصر والتمكين عما قريب إنه ولي ذلك والقادر عليه .

ليست هناك تعليقات: