شهر رمضان شهر الإسلام لا شهر الصيام فحسب

بسم الله الرحمن الرحيم

شهر رمضان شهر الإسلام لا شهر الصيام فحسب

يقول الحق سبحانه :
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)

أظلكم شهر عظيم ، شهر الصيام والقرآن والإسلام ، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، فهل رمضان شهر صوم وقيام فحسب أم لرمضان معانٍ أخرى ؟ وهل رمضان شهر فرض واحد او إثنين أو شهر الفروض جميعها ؟ وهل يتسع رمضان لتلك الفروض مجتمعة أم تضيق به فتتعداه ؟

أسئلة كثيرة منبعها الصورة الخاطئة التي تكرست في أذهان المسلمين عن رمضان وحصره في العبادات دون سواها ومنبعها عدم التخلص من فكرة فصل الدين عن الحياة وقصر العبادة على علاقة الفرد بخالقه وعدم تعديتها لتشمل جميع علاقات الإنسان وخاصة تلك التي تربط الإنسان بالإنسان .

لقد فرض الله الصيام في شهر رمضان على المسلمين وفي الوقت نفسه لم يجعله خالصاً للصيام فقط بل جعل الله رمضان موسم خير ، موسم طاعة وموسم قيام بفروض الإسلام وبمندوباته وخاصة تلك الفروض المتصلة بمصير الأمة وعزتها ، فرمضان وإن كان شهر الصيام لكنه بمثابة التربة الخصبة والأجواء المهيئة للقيام بفروض الإسلام لا الصيام فحسب، والذي يدل على ذلك أمور عدة ،

أولها : النصوص التي جاءت تبين أن ثواب القيام بفروض الإسلام في رمضان هو ثواب سبعين منها في غير رمضان وأن أجر القيام بالمندوب في رمضان كأجر القيام بالفرض في غيره ، وهذا يدل بصورة واضحة لا لبس فيها على ضرورة أن يغتنم المسلم هذا الشهر الكريم للقيام بفروض الإسلام والإكثار من القيام بالمندوبات وهذا كله يؤكد بصورة لا شك فيها بأن رمضان يقصد منه أن يكون حافزاً للقيام بالواجبات لا لمجرد الصيام فحسب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه سلمان الفارسي رضي الله عنه (من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه , ومن أدى فريضة فيه , كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه).

ثانيها : النصوص الصريحة التي تبين أن حكمة الصوم كانت هي التقوى وفي ذلك دلالة على أن غاية الصيام ليست مقتصرة على مجرد منع النفس من اللذات والشهوات وإنما تمرّسها ودفعها للقيام بالواجبات ، يقول الله تعالى (َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ثالثها : البيان الصريح من الرسول صلى الله عليه وسلم من ان رمضان هو شهر مهيئ للطاعة والقيام بالفروض وهو تربة خصبة للعمل الصالح فمن حدثته نفسه بالطاعة والالتزام فليقبل طائعاً مستبشراً ومن حدثته نفسه بالمعصية والفسوق فليقصر ، فرمضان شهر تغلق فيه أبواب النيران وتصفد الشياطين ومردة الجان وفي رمضان تفتح أبواب الجنة ولا يحجب عنها إنسان ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) وفي ذلك دلالة واضحة على أن رمضان هو التربة الخصبة للقيام بالصالحات والالتزام بأحكام الإسلام من واجبات ومندوبات.

رابعها : فهمُ المسلمين الأوائل لطبيعة شهر رمضان ، فالمسلمون لم يكن الصوم وصلاة القيام في رمضان منتهى غايتهم وشأنهم الوحيد دون ان ينشغلوا بسواهما بل كانت الفتوحات ونشر الإسلام محل انشغالهم واهتمامهم، حتى انهم كانوا في بعض غزواتهم-وبناء على حكم شرعي- يفطرون في رمضان لأجل التقوي على العدو لأجل الغلبة مع قضائهم لهذه الأيام لاحقاً ، وكيف لا يكون انشغالهم بالجهاد مقدماً عما سواه وهم قد أدركوا أن ثواب الفرض بسبعين فكيف بذروة سنام الإسلام وكيف بهداية الناس وحمل الإسلام لهم لذا فلا عجب أن كان رمضان على مدى تاريخ الأمة شهر الفتوحات والمعارك الفاصلة في تاريخ المسلمين ، لا عجب أن كان رمضان شهر بدر الكبرى وفتح مكة وتبوك والقادسية وعين جالوت وفتح الاندلس وبلاط الشهداء وفتح عمورية وفتح بلغراد .

من ذلك كله كان لا بد للأمة أن تدرك أن رمضان فرصة لا بد من إغتنامها على خير وجه ، فرصة لتنشغل به بقضاياها المصيرية لا لتنشغل عنها بغيرها ، فرصة لتتقرب فيه الى العلي القدير بأجل الفروض وأعظم الواجبات وهو بلا منازع في زماننا فرض العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ، لأن بها وحدها يقام الإسلام وتطبق جميع أحكام الإسلام وبها وحدها يجمع شمل الأمة من بعد شتاتها وبها وحدها يحمل الإسلام رسالة خير وهدى للبشرية جمعاء .

إن رمضان منذ ولادته من رحم الإسلام كان شهر الإسلام لا الصيام فحسب فرمضان كان له التكريم والفضل والتشريف بفضل القرآن وشرفه فكان رمضان شهر الدعوة لهذا القرآن ، شهر لإقامة حدود وحروف القرآن لا مجرد تلاوته وترتيله ، فرمضان شهر دعوة وحمل رسالة الهدى لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة الله رب العباد ومن جور الأديان الى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة ، واقرأوا إن شئتم قول الحق سبحانه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) فكيف لنا أن نحقق معنى الهدى والفرقان دون ان نقيم للقرآن دولة ؟! كيف لنا أن ننشر الهدى للبشرية دون ان تحمله دولة ؟! كيف لنا أن نعبّد الناس لربهم بحق فنقيم فيهم الحدود ونطبق عليهم الشرع بدون دولة ؟!

إن واجب الأمة أن تدرك بأن لا خلاص لها سوى بدولة الخلافة ، ولن تقيم شعائر دينها بحق إلا بدولة الخلافة ، ولن تطبق شرع ربها بحق إلا بدولة الخلافة ، فليكن رمضان هذا نقطة تحول في العمل لإقامة الخلافة على مستوى الأمة ، وليكن رمضان هذا منطلقاً للعمل للخلافة لكل واحد منا فمن كان متلبساً بالعمل فليزدد ومن كان تاركاً له غافلاً عنه فليلحق بالركب وليغذ السير وليسرع الخطى ، فإلى إغتنام رمضان على خير وجه بالعمل لإقامة الخلافة على خير وجه أدعو نفسي وأدعوكم أيها المسلمون .

ليست هناك تعليقات: