إزمة ارتفاع الاسعار ، عَرَضٌ مؤقت أم مرض مزمن؟

بسم الله الرحمن الرحيم

إزمة ارتفاع الاسعار ، عَرَضٌ مؤقت أم مرض مزمن؟

(وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

يعيش العالم اليوم أزمة لم يسبق لها مثيل عبر العقود لا بل القرون الماضية ، أزمة طالت الملايين من البشر لا بل المليارات منهم ، إنها أزمة ارتفاع الأسعار التي هبت رياحها المهلكة لتجوب كافة أقطار المعمورة فتنفث دمارها وإهلاكها للحرث والنسل فتترك الناس صرعى معدهم الخاوية يندبون حظهم ويقاسون الصعاب لا ليركبوا سيارة فارهة أو ليستلقوا على فرش وثيرة أو ليتلهوا بألعاب الفيديو أو بالتمتع بمتعة التسوق كما ييسمونها، بل يقاسون ليحصّلوا لقمة العيش التي أضحت نادرة ندرة الكبريت الأحمر ، إن أزمة ارتفاع الاسعار هذه قد شملت المواد الغذائية الاساسية مما جعل هذه الأزمة العالمية فريدة من نوعها وشمولها لكافة القارات إذ لم يرو في التاريخ أن عاشت البشرية حالة فقر وعوز كتلك التي تحياها في هذا الزمان ، وإن كان القحط أو الكوارث أو الأزمات الإقتصادية القديمة تنزل بالناس عبر السنين الخالية لكنها كانت محصورة في بقعة ما لا تتعادها لتشمل غيرها وتشمل العالم .

فما أسباب هذه الأزمة الرهيبة ؟ وما هي مخلفاتها ؟ وهل هذه الأزمة ظرف طارئ قد بدا في الأفق تغيره ؟ أم أنه مرض مزمن يحتاج لجراحة عميقة خطيرة واستئصال المرض من جذوره ؟

للوقوف على حقيقة ما جرى ويجري رأينا أن المقالة الى محاور خمسة ، هي :
المحور الأول :السياسة الإقتصادية للمبدأ الرأسمالي .
المحور الثاني : أسباب حدوث الأزمات في المبدأ الرأسمالي .
المحور الثالث : الأسباب المباشرة للأزمة الحالية (أزمة ارتفاع الأسعار).
المحور الرابع : مخلفات هذه الأزمة .
المحور الخامس : الحل .



المحور الأول :السياسة الإقتصادية للمبدأ الرأسمالي
إن المدقق في طبيعة المبدأ الرأسمالي يدرك أن هذا المبدأ يعاني من خلل جوهري تعلق بعدم قدرة هذا المبدأ وواضعيه على إدراك المشكلة الاقتصادية عبر عدم التمييز بين ما يعرف اليوم بعلم الاقتصاد والنظام الاقتصادي ، فعلم الاقتصاد يبحث في المادة الاقتصادية والثروة سواء أكانت سلعاً أم خدماتٍ من جهةِ تنميتِها أو تأمينِ ايجادِها ، بينما يبحث النظام الاقتصادي في توزيعِ الثروةِ على أفرادِ المجتمع ليتمكنَ كلُ فردٍ من حيازتِها والانتفاعِ بها وهو ما يمثلُ المشكلةَ الاقتصادية وليس توفير الثروة وتنميتها إذ أن الكرة الأرضية تحوي من الخيرات ما يعم البشر جميعاً إن أُحسن توزيعه دون عناء بل إن ما في العالم اليوم من خيرات يفيض عن حاجة البشر أضعافاً مضاعفة .ُ وعدم إدراك المبدأ الرأسمالي حقيقة المشكلة الإقتصادية وخلطه بين مفهومي علم الإقتصاد والنظام الإقتصادي قاد الى صرف اهتمام هذا المبدأ الى تنمية الثروة وتحسينها وانتاجها لتدر الربح الكثير بغض النظر عما اذا كانت هذه الثروة في متناول الجميع أم لا ، لذا فأشباع حاجات الفرد الأساسية من مأكل ومسكن وملبس -والتي يجب أن تكون هدف أية سياسة اقتصادية ناجحة- ليست في سلم أولويات المبدأ الرأسمالي ونظامه الاقتصادي بل لا يأبه لها ولا تخطر له على بال ، فترك هذا النظام الفرد وحيداً بقواه الضعيفة يلاطم أمواجاً عاتية ليحصّل لقمة العيش وينتزعها من مخالب الرأسماليين الكبار أصحاب الشركات متعددة الجنسيات الذين لا يأبهون سوى لزيادة أرصدتهم في البنوك بتحصيل أعلى مردود من الربح ، فهؤلاء الرأسماليون يجسدون المثل الذي كان يظنه البعض مثلاً تجريدياً أو فرضياً بأن (بائع اللبن في النظام الاقتصادي الرأسمالي يمنع اللبن عن طفل مريض ويحتاج إليه كعلاج بسبب عدم مقدرة أبيه عن دفع ثمن اللبن، بينما هذا البائع يعطي اللبن للغني ليقدمه لكلابه لقدرته على دفع ثمنه).

وبسبب هذا الخلل كان من الطبيعي أن ينتج عن هذا المبدأ مشكلات اقتصادية تعصف بحياة الفرد الفرد باستمرار بيد أن الخلل أشد وأعمق إذ أن أسس هذا النظام تحمل المشكلات في طياتها بصورة دائمة ولبيان ذلك ننتقل الى المحور الثاني من هذه المحاضرة وهو : أسباب حدوث الأزمات في المبدأ الرأسمالي
إن الازمات الاقتصادية هي جزء من تكوين هذا النظام لا تكاد تنفك عنه بل تصاحبه حيثما حل وارتحل ، فألازمه الاقتصادية الحالية التي باتت تعاني منها كل الدول وتسحق كل الشعوب، ليست حاله فريدة في ظل هذا النظام الرأسمالي، فقد سبقتها أزمات كبرى عدة وصمت هذا النظام بنظام الأزمات ،كأزمة الكساد الكبير عام 1929 عندما انهار سوق الأسهم الأمريكية مسبباً الكساد والركود الذي عم العالم، إلى أزمة انهيار وول ستريت عام 1987 عندما خسر مؤشر داو جونز 22.6 % ومنه إلى الأسواق المالية العالمية، وأزمة عام 1997 عندما حصل هبوط حاد في أسعار الأسهم في الأسواق المالية الكبرى ، بدأ في هونغ كونغ ، فاليابان فأوروبا ثم أمريكا، وقيل حينها إن بورصة هونغ كونغ خسرت في يوم واحد ما يقارب تريليون دولار.وقبلها كانت أزمة النمور الآسيوية ، وأزمة عام 2002 حيث تراجعت أسواق المال العالمية بعد التزوير في حسابات شركه انرون. والآن أزمة الرهن العقاري وانخفاض الدولار وارتفاع الأسعار ، وترجع أسباب هذه الأزمات الى الركائز الأساسية التي يقوم عليها هذا النظام مما يجعل انفكاك هذه الأزمات عن هذا النظام أمراً مستحيلاً ، وهذه الركائز هي :

1. نظام النقد الورقي الإلزامي:
حيث خول هذا النظام الدولة في المبدأ الرأسمالي بإصدار أوراقٍ إلزامية تكون نقوداً للناس أي مخزن جهدهم وأموالهم وهي في حقيقة الأمر ليست سوى مجرد أوراق ليس لها قيمه حقيقية كحال الذهب والفضة بل قيمتها مستمدة من إلزام الدولة التي تصدرها وتتحكم فيها ، وبين عشية وضحاها قد يخسر الناس في ظل نظام النقد هذا جل ما يملكون أو جزؤه بسبب اضطراب أو هزات تصيب هذه العملة أو النظام الذي أصدرها فيفقدها الثقة التي اكسبتها القيمة فلا تعود الأجور كافيه وتضطرب الحياة الاقتصادية. والأمثلة على ذلك كثيرة ونحياها صباح مساء .


2.نظام الربا المصرفي ( أو ما يعرف بالفائدة):
وهو ركيزة من ركائز النظام الرأسمالي وسبب رئيس من الأسباب التي تنتج الأزمات الإقتصادية ، فمن خلال هذا النظام أصبح عوز الناس وحاجتهم للقروض مصدر دخل لأرباب الأموال والبنوك ، وقد أدى هذا النظام إلى تركز الثروة والأموال في أيدي قلة قليلة من المضاربين الأثرياء الجشعين وما عاد هدف الإقراض تحريك عجلة التجارة أو الصناعة أو تنشيط الزراعة بل أصبح لها هدف واحد هو تحقيق الربح عبر الفوائد المتراكمة والتي غالباً ما تدمر أي مشروع يقوم أساسه على اقتراض بل إن أرباح مثل هذا المشروع تصبح ملكاً لصاحب المال المقرض أو للبنك ، فواقع الربا من هذه الجهة هو استعباد للبشر الذين لم يجدوا أسباباً للعيش أو للتنمية وسرقة لجهودهم.

3. نظام الأسهم والشركات المساهمة:
وهذا النظام قسم الاقتصاد إلى قسمين: اقتصاد فعلي يتمثل في المصانع والشركات واقتصاد وهمي يتمثل في الأسهم التي يتم تداولها عبر الأسواق المالية ، فأصبحت الأسهم بذاتها تجارة مستقلة بمعزل عن موجودات المصانع والشركات ومحلاً للشراء والبيع والمضاربة عبر الأسواق المالية التي باتت تعرف باسم البورصات، وبسبب جني الأموال الطائلة جراء التجارة لا بل المقامرة في هذه الأسهم نما هذا الاقتصاد الوهمي وأصبح تجارة ذات رأس مال ورقي هائل جدا بل تعدت لتصبح تجارة عابرة للقارات ، وصار حجم هذه التجارة الوهمية أضعاف حجم التجارة الفعلية وصارت تشكل حوالي 80% من حجم التجارة العالمية، ولا عجب عندما نعرف أن حجم التداول في بورصة نيويورك يصل إلى ما يقارب 300 مليار دولار يوميا .
وبسبب نظام الأسهم هذا فإن المضاربات بهذه الأسواق والرغبة في الربح السريع قد جعلت الأزمات الاقتصادية شبحا ما يلبث أن يغدو حتى يعود. وقد باتت أسواق المال في البلاد النامية مرتعا لمغامرات الرأسماليين الغربيين من المضاربين وليس عنا ببعيد ما حدث في دول شرق آسيا قبل حوالي عشر سنوات في عام 1997 عندما خسر الملايين مدخراتهم وسقطت قيم العملات سيما في ماليزيا وأندونيسيا بفعل إضطراب السوق المالي بعد مضاربات رجل الأعمال الأمريكي اليهودي سايروس وغيره في تلك الأسواق .

هذه هي طبيعة هذا النظام الذي يمثل ماكينةً بل مصنعاً منتجاً للأزمات بركائزه المدمرة من نقود ورقية إلزامية ونظام ربا ونظام الاسهم والشركات المساهمة ، ونظام هذا حاله لم يكن غريباً عليه أن ينتج الأزمة الرهيبة التي يعاني منها العالم اليوم ، أزمة ارتفاع الاسعار ، ولم يكن غريباً أن يصل العالم فيه الى حافة الهاوية فقد بلغ عدد الفقراء في العالم وفق احصائية البنك الدولي الى أكثر من مليارين أي ثلث العالم بل إن البعض قد أسمى عولمة هذا النظام بعولمة الـ80 : 20 أي تقسيم العالم إلى نحو 80% من الفقراء و20% من الأغنياء ، فأزمة اليوم هي حصيلة متراكمة لأزمات خلت نتجت عن هذا النظام العفن الذي اورث البشرية الدمار وأوردها موارد الهلاك .
أما الأسباب المباشرة للأزمة الحالية أزمة ارتفاع الأسعار ،فهو محل بحثنا في المحور التالي ، فأسباب الأزمة الحالية كثيرة ومتعددة ومتشعبة نجملها في الأسباب الهامة التالية :
أولا: إنخفاض سعر صرف الدولار
وكان العامل الرئيس في انخفاضه ما شهده الاقتصاد الأمريكي من أزمة الرهن العقاري والتي ألجأت كلاً من البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان ووغيرها الى ضخ مليارات الدولارات لتعويض العجز الناتج عن تراجع أسعار العقارات في الأسواق الأمريكية التي انعكست على الإقتصاد العالمي ومنه الأوروبي حتى بلغ ما ضخت البنوك المركزية في أوروبا ما يقارب 150 مليار دولار ، مما جر الى خسائر فادحة لحقت بالبنوك الأمريكية وغيرها من البلدان التي كانت تستثمر في سوق العقارات الأمريكي وبضخ هذه الكمية الهائلة من الدولارات في الاسواق الامريكية والعالمية وجدت حالة من التضخم انعكست سلبياً على معظم اقتصاديات العالم ، وبانخفاض الدولار انخفضت القيمة الشرائية لمعظم عملات العالم بسبب اعتمادها على الدولار كغطاء لعملاتها الورقية مما رفع من قيمة السلع الاساسية بسبب حالة التضخم التي عمت هذه البلدان جملة واحدة ورفع من سعر بعض السلع الأخرى سيما تلك التي يتم استيرادها من دول الاتحاد الاوروبي والتي تجري معاملاتها التجارية باليورو فبانخفاض الدولار والعملات المحلية ارتفع اليورو فكان لارتفاعه اثراً كبيرا في ارتفاع اسعار البضائع المستوردة من الاتحاد الاوروبي .
وساعد في انخفاض الدولار عوامل أخرها منها ،
• العجز التجاري الأمريكي
حيث وصل العجز في الميزان التجاري الأمريكي مؤخراً الى 816 مليار دولار ويعود هذا العجر الى الفارق ما بين الصادرات والواردات فواردات الأسواق الأمريكية من سلع وبضائع وخدمات تزيد عن صادراتها الشيء الكثير مما سبب هذا العجز الهائل .
• ومما أدى الى إنخفاض الدولار أيضاً المديونية العامة الأمريكية الهائلة والتي بلغت 34 تريليون دولار أي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي.
• ومن هذه العوامل أيضاً ارتفاع اليورو: فمنذ أن تم صك اليورو، أصبح ثاني احتياطي عالمي بعد الدولار. وقد ورث اليورو هذه المكانة عن المارك الألماني، بل وزاد من مكانته، وكان ذلك على حساب الدولار, وهكذا أصبحت الثقة باليورو تزيد, وهي بالنسبة للدولار تنقص, وكل هذا أثر في الطلب على الدولار فانخفضت قيمته, وبسبب فقدان الدولار قيمته دفع بالعديد من المستثمرين لاعتماد اليورو في استثماراتهم بدل الدولار.

كل هذه العوامل أدت إلى انخفاض قيمة الدولار.
وقد أدى هذا الانخفاض إلى أن تعمد بعض البنوك المركزية لتخفيض مخزونها من الدولارات ويقول بول ماكل، وهو استراتيجي عملات في بنك «إتش إس بي سي» إن البنوك المركزية «أدركت منذ فترة أنها لا ترغب في زيادة مفرطة لما تمتلكه من دولارات. فقد انخفض إجمالي ممتلكات البنوك المركزية في أنحاء العالم الموجودة في صورة دولارات من 73 في المائة إلى 64 في المائة».

ثانيا: تقلبات الاسواق المالية والمضاربة على السلع الاساسية والاحتكار
جراء انخفاض قيمة الدولار وما أصاب الأسواق المالية من خسائر لحقت بالمستثمرين والمضاربين بالاوراق النقدية والأسهم والسندات التي تحمل قيماً وهمية أدى ذلك الى تحول العديد من المستثمرين والمضاربين الى المضاربة على المواد التي تحمل قيماً ذاتية ومنها السلع الأساسية كالحبوب وغيرها مما زاد من أسعارها بصورة مطردة جراء هذه المضاربات المجنونة ، وجراء هذه المضاربات وسعياً منهم لتحصيل أكبر ربح ممكن قام العديد من كبار التجار والدول المصدرة لبعض المواد الغذائية والسلع الاساسية باحتكارها طمعاً منهم بارتفاع الاسعار التي ما عادت تعرف الهبوط .

ثالثاً: ارتفاع سعر النفط ومشتقاته
وبسبب تقلبات الأسواق المالية أيضاً عمد المستثمرون والمضاربون الى المضاربة بأسعار النفط ومشتقاته ، فما يشهده العالم من ارتفاع حاد باسعار نفط ومشتقاته حتى بلغ سعر البرميل 120 دولاراً كان نتيجة المضاربات وليس بسبب زيادة الطلب وقلة العرض لذا صرح رئيس منظمة الدول المصدرة للنفط الاوبك مراراً وتكراراً بأن صادرات دول الأوبك تغطي بل وتزيد عن حاجة العالم وطلباته ، وبارتفاع اسعار النفط ترتفع اسعار كل شيء من مواصلات وكهرباء وسماد ومستلزمات المحاصيل زراعية التي تعتمد على الآلات الزراعية.

رابعا: استخدام المواد الغذائية لاستخراج الوقود الحيوي (الايثانول)
يعد استخدام مادة الإيثانول المستخرجة من الحبوب سيما حبوب الذرة والصويا والقصب وغيرها كوقود بديل بحسب تعبير جان زيغلر المقرر الخاص للأمم المتحدة للحق في الغذاء "جريمة ضد الإنسانية" ، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه على جعل 10 بالمئة من الوقود البري بحلول عام 2020 من الوقود الحيوي وهذا يستلزم زراعة أراض شاسعة لتلبية متطلبات هذا المشروع مما يجعل الزراعة تتحول من كونها مصدر للغذاء الى تحولها كمصدر للوقود . وقد أعلنت البرازيل عن نيتها زراعة قصب السكر على مساحة 270 الف دونم من الاراضي الزراعية يمكنها من انتاج 150 مليون ليتر من الوقود العضوي الذي سيخصص للسوق السويدية فقط، وهذا الاستخدام الجديد من شانه أن يلحق الضرر الفادح الذي لحق وسليحق في قابل الايام بالمنتجات والمحاصيل الغذائية .


خامساً:الأزمات السياسية والحروب
سيما تلك الأزمات التي تتعلق بالدول المصدرة للسلع الأساسية والنفط ، فالأزمة النووية الايرانية أثرت على ارتفاع اسعار النفط ومشتقاته وغزو العراق أثر من قبل على أسعار النفط وهكذا فبسبب تخوف المضاربين والمستثمرين في مجال النفط أو السلع الأساسية جراء الحروب والأزمات السياسية ترتفع اسعار السلع .

هذه هي أهم الأسباب والعوامل التي أدت الى ارتفاع اسعار السلع خاصة الاساسية منها في وقتنا الراهن ، وبالتدقيق في مجمل هذه الأسباب نرى بأنها جميعاً تعود الى سبب رئيس مهم وهو انخفاض سعر الدولار وما تعرض ويتعرض له الاقتصاد الأمريكي من أزمات ليس آخرها أزمة الرهن العقاري ، فبسبب انخفاض سعر الدولار ادى ذلك الى ارتفاع اسعار السلع الاساسية بصورة مباشرة وبسبب انخفاض سعر الدولار اندفع المضاربون للمضاربة على النفط والسلع الاساسية مما قاد الى الاحتكار وارتفاع الأسعار وبسبب انخفاض الدولار وارتفاع سعر النفط دفع ذلك العالم سيما الدول الصناعية للبحث عن بديل للنفط فكانت فكرة الوقود الحيوي التي ادت الى كارثة غذائية أصابت الدول الفقيرة بشكل مباشر وبسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة التي يمر فيها الاقتصاد الأمريكي وسعياً منها للتخلص من هذه الازمات تقدم أمريكا على حروبها ومغامراتها التي لا تخلف سوى الدمار وإهلاك الحرث والنسل وارتفاع الاسعار ، وهذا السبب الرئيس المسبب لهذه الأزمة يعود الى اعتماد عملات العالم للدولار كغطاء لها ويعود الى ركيزة أساسية في النظام الاقتصادي الرأسمالي وهو نظام الورق الإلزامي ، إن العالم اليوم بدوله، المتقدمة والمتخلفة ، الفقيرة منها والغنية، تعيش رهن تقلبات الاقتصاد الأمريكي وتدفع ثمن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي من خزينتها ومنتجاتها وثرواتها بل من لقمة العيش ورغيف الخبز وحبة الأرز ، وكل هذا يظهر مدى ما خلفته قيادة أمريكا للعالم ومن ورائها تحكم النظام الاقتصادي الرأسمالي فيه من مصائب ونكبات أدت الى استعباد العالم واسترقاقه ليصبح جهده وماله وحتى لقمة عيشه ملكاً للأمريكي الذي يعيش خلف المحيطات دون أن يبذل ذاك الأمريكي أي جهد أو يتكبد أي عناء في نهبه لثروات وجهود البشر .

المحور الرابع : مخلفات هذه الأزمة
أما ما خلفته هذه الأزمة فقد تركت خلفها كارثة بشرية عمت لتطال كما ذكرنا آنفاً أكثر من مليارين من البشر تحت خط الفقر ، كما حذر البنك الدولي الشهر الماضي من أن تضاعف أسعار الأغذية خلال السنوات الثلاث الماضية يمكن أن يدفع بمائة مليون شخص في الدول النامية الأفقر إلى هاوية الفقر فكيف باستمرار ارتفاع هذه الاسعار وتضاعفها اضعافاً كثيرة ؟!

إن العالم اليوم-سيما الفقراء منهم وما أكثرهم- يعاني الشيء الكثير لأجل توفير رغيف خبز أو حبة أرز والمؤشرات جميعها تتجه الى أن هذه الأزمة برغم ضخامتها ربما لا يكون ما حدث حتى الآن هو ذروتها بل ربما يكون القادم أسوأ وللدلالة على حجم هذه الأزمة التي تكاد تصل الى الكارثة نذكر بأن سعر القمح ارتفع بمعدل 181% على مدى 36 شهراً الأخيرة و الأسعار العالمية للمواد الغذائية بنسبه 83%، كما تضاعفت أسعار الأرز 3 مرات في الثلث الأول من 2008 ، و المرجح أن تظل أعلى من مستوياتها في عام 2004 حتى نهاية عام 2015 بالنسبة لمعظم المحاصيل الغذائية . بل إن المعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية قد تنبأ بأن أسعار الحبوب أو المنتجات الغذائية الأخرى سوف ترتفع بما يتراوح بين 10 - 20% بحلول العام ،2015 إلا أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) تتوقع نسباً أعلى لارتفاع الغذاء.

المحور الخامس : الحل
أمام هذه الأزمة الأقتصادية وأمام هذه الكارثة البشرية التي تتضر منها معظم دول العالم سيما الفقيرة والنامية منها يقف أرباب النظام الرأسمالي في مسعى ميؤوس منه للتغلب على هذه الأزمة-وأنى لهم ذلك وهم سببها- عبر وعودات كاذبة للمنظمات الدولية للتغذية بتزويدها بمئات الملايين من الدولارات وبزيادة اسهاماتها لجمعيات التغذية المنتشرة عبر العالم ، ومن عاش في ظل هذا النظام اياماً معدودة لا سنوات يدرك عقم هذا الحل وعدم جديته ، وليس ذلك غريباً على نظام كما أسلفنا وصفه وبيانه بأنه يسعى لتحصيل أكبر قسط من الربح المادي بعيداً عن أية قيمة انسانية أو خلقية .
هذا على صعيد محاولة هؤلاء حل جزء من المشكلة عالمياً أما على الصعيد المحلي وخاصة في بلاد المسلمين فما أقدمت عليه بعض الأنظمة من زيادة بعض الأجور أو دعم بعض السلع الأساسية أو تعويم عملاتها ليس من شأنه أن يحل هذه الأزمة فالأزمة كما ترون أزمة عالمية أكبر من أن تقوم أشباه الدول في بلادنا بحلها أو التغلب عليها ولو على الصعيد المحلي .

إن الحل الجذري الذي لا بديل عنه لمشكلة ارتفاع الاسعار ومشكلة الفقر لن يكون سوى بالتخلص من تحكم أمريكا ودولارها بالعالم ومن قبله من تحكم النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي تعتبر الأزمات الإقتصادية أحد أهم ميزاته بل إنه هو الأزمة بعينها لذا وجب على البشر أن يتخلصوا من هذا النظام وأن يعتقوا رقابهم من سيطرته وتحكم أسسه الهدامة الفاسدة من نظام ورقي الزامي ونظام ربا ونظام الأسهم بهم وبإقتصادياتهم حتى يستطيعوا أن يعيشوا حياة كريمة بعيدة عن الأزمات فتطمأن نفوسهم وينشغلوا بسامي الأهداف بدل أن يبقوا منشغلين بتحصيل لقمة العيش ولا يحصلونها .

إن نظام الإسلام هو الكفيل وحده دون سواه لأن يخلص المسلمين لا بل البشرية من الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها ، كيف لا وهو الذي يضمن للفرد اشباع حاجاته الاساسية من مأكل ومسكن وملبس فردا فرداً إشباعاً تاماً وهو الذي بين أن المشكلة الاقتصادية تكمن في التوزيع لا في الانتاج وهو الذي جاء بجملة من الأحكام الشرعية التي تنظم هذا الشأن فتكتفل للفرد اشباع حاجاته الاساسية وبعض الكمالية ما أمكن الى ذلك من سبيل وتضمن توزيع الثروة على جميع الرعية دون تمييز، وهو الذي يلزم باتخاذ نظام المعدنين الذهب والفضة أساساً للنقد مما يجنب العالم أزمات الأوراق الإلزامية ، كما يحرم الربا أس البلوى في كثير من الأزمات، فالإسلام عبر تشريعاته هذه وعبر نظامه الإقتصادي الكامل هو الذي يحقق الإستقرار والحياة الكريمة للبشر ، وكيف لا يحقق ذلك وهو نظام رباني وضع من خالق الكون والانسان والحياة وهو الذي يعلم ما يصلح البشر ويقيم حياتهم على العدل والإنصاف وهو سبحانه اللطيف الخبير ولن يكون تطبيق هذا النظام الرباني إلا عبر دولة ، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة .

إن من واجب كل مسلم ان يعي بأن مصير البشرية وخلاصها بات رهن تقدم الامة الاسلامية في مشروعها ألا وهو مشروع الخلافة الراشدة الثانية التي تحمل البديل الحضاري للأنظمة المتعفنة الفاسدة التي ما أورثت البشرية إلا الضياع والدمار والهلاك ، لذا وجب على الأمة أن تغذ السير نحو إقامة الخلافة فالأمة بل البشرية باتت بحاجة للخلافة أشد من حاجتها الى الماء والهواء ورغيف العيش كيف لا وها هي البشرية تفقد أسباب الحياة بدون وجود الخلافة ، فالخلافة وحدها هي أمل المسلمين بل العالم أجمع للخلاص من المستنقع والضنك الذي يحياه.