إعرف عدوك

إعرف عدوك
مؤسسة "راند" والإستعانة بالحركات الإسلامية "المعتدلة" ....حلقة من حلقات الحرب على الإسلام

منذ أن بزغ فجر الإسلام والصراع بين الحق والباطل قائم لم تخفت ناره ولم تهدأ عواصفه بل إن هذا الصراع كان ككرة الثلج المتدحرجة بلا توقف كلما مرت عليها الأيام والسنون كلما كبرت وتضخمت وهذا لا يخفى على كل بصير ، غير أن أشكال هذا الصراع أخذت تتنوع وتتشكل وأكتست صوراً متعددة ، فظن قصيرو النظر أن حدة الصراع قد ضعفت وأن زماننا زمان "ثقافة الحوار وحوار الحضارات وتكاملها" كما يحلو للبعض أن يسميه ، ولكن هؤلاء قد أخطأوا كبد الحقيقة وجانبوا الصواب بعلم وبينة أو بغفلة وجهل ، فالصراع بين الحق والباطل لا يمكن أن يقف ولو للحظات الى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهذه سنة من سنن الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

وطوال فترات الصراع اعتمد الكفار على الخديعة والمكر والخداع ، بينما كان صراع المسلمين لهم صراعاً ظاهراً صريحاً لا يفتقر لحجة داحضة أو لأدلة وبراهين قاطعة بل كان صراع المسلمين للكفار وأديانهم ومعتقداتهم الفاسدة دحضاً للباطل وإحقاقاً للحق والعدل والإنصاف ، فالمسلمون–برغم تقلب وتغير أحوالهم- كانوا ولا زالوا على مدى سنوات الصراع يملكون الحقيقة المطلقة للوجود والتي لا يقوى أي مفكر أو فيلسوف أن يقف أمامها ، لذا كان صراع المسلمين واضح المعالم سامي الأهداف والغايات ، بينما عمد الكفار الى التضليل والخداع والمراوغة والوقيعة لما يفقدون من حجة تثبت طرحهم أو دليل يدعم عقائدهم أو برهان يعضد مبدأهم ، فأمتاز صراعهم دائماً بالخبث والدهاء فكان لا بد للمسلمين من دوام سبر أغوار مخططات الكفار وكشفها وفضحها لإبطالها وإفشالها سيما في ظرفنا الراهن الذي فقدنا فيه رأسنا ومدبر أمرنا وحامي بيضتنا خليفتنا وجنتنا .

ولإحكام كيدهم ومخططاتهم وشعوراً منهم بتغير حال المسلمين-الطرف المستهدف- عمد الكفار وسيما أمريكا، الدولة الأولى في العالم وحاملة لواء الحرب الصليبية، عمدوا الى إنشاء مراكز أبحاث متخصصة ذات كوادر وطاقات أكاديمية وسياسية همّها دراسة أحوال المسلمين وتحديد أسباب تقدم الأمة في المستوى الفكري وفي مشروعها النهضوي والعمل على وضع طرق وأساليب لحرب تقدم الأمة والساعين لنهضتها ودراسة جدوى مخططاتهم ومدى ما حققت من نتائج وإعادة دراسة التغذية الراجعة عن كل مخطط لإصدار توصيات باستمرار اعتماده أو بضرورة تعديله أو استبداله .

ومن المراكز المشهورة والتي يطلق عليها مصطلح أوعية التفكير (Thinks Tanks) مؤسسة راند ، مركز نيكسون للأبحاث ، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ،معهد الشرق الأوسط ، مجلس العلاقات الخارجية ، معهد المشروع الأمريكي للأبحاث السياسية ،مركز سابان لدارسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز ، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ، مركز الدراسات الإستراتجية والدولية .

ونحن في هذا المقال أخترنا أن نلقي الضوء على مؤسسة من هذه المؤسسات التي اختصت في الآونة الأخيرة بدراسة أحوال المسلمين بشكل مركز وقدمت عدة توصيات بضرورة أعتماد سياسة ركوب الموجة باستغلال حركات ما يسمى بالاسلام المعتدل واشراكه في اللعبة السياسية والحكم واستخدامه كأداة لضرب التوجهات الإسلامية الحقيقية التي يصفها أصحاب هذه المراكز بالتيارات المتطرفة والإرهابية ، فكانت لنا هذه الوقفة لنلقي الضوء على هذه المؤسسة وعلى توصياتها الأخيرة الخطيرة التي لا بد من ضرورة التنبه لها لمعرفة كيفية التصرف حيالها .

مؤسسة راند (Research And Development)
(تأسست عام 1945 بإشراف القوات الجوية الأميركية، وبمشاركة شركة "دوغلاس للطيران". إلا أن المشروع تحول لاحقا في عام 1948 إلى "منظمة مستقلة غير ربحية" بتمويل من وقف فورد الخيري (Ford Foundation) ويصف البعض هذه المؤسسة بالولد الشرعي للبنتاغون.
كان الهدف من تأسيس المؤسسة في الأصل-كما يذكر بعض المراقبين- هو "إمداد القوات الأميركية بالمعلومات والتحليلات اللازمة" إلا أن هذا الهدف توسع لاحقاً عندما أصبحت المؤسسة شبه مستقلة، ليشمل تعاملها واهتمامها معظم المجالات ذات العلاقات بالسياسات العامة داخل أميركا وخارجها. لمؤسسة راند "مجلس أمناء" يضع خططها المستقبلية، ومن أهم من عمل بهذا المجلس: دونالد رامسفيلد، كوندوليزا رايس، زالماي خليل زادا.
الإمكانيات :
تتوفر لمؤسسة راند إمكانات هائلة تكاد تشبه ميزانية بعض الدول فنفقات “راند” السنوية تبلغ أكثر من 150 مليون دولار، كما يبلغ عدد العاملين فيها 1600 عامل، ما بين إداري وباحث.وتوجد عدة فروع للمؤسسة، بعضها داخل أميركا وبعضها في الخارج. إذ توجد ثلاث مقرات رئيسية في كل من: سانتا مونيكا كاليفورنيا، وواشنطن دي.سي، وبتسبيرغ بنسلفينيا، وكامبردج بالمملكة المتحدة، إضافة إلى فرع افتتح حديثاً في دولة قطر.
الأهداف :
بحسب الأهداف المعلنة لمؤسسة راند عبر موقعها على الانترنت أنها "مؤسسة محايدة غير ربحية، تسعى إلى مساعدة الساسة وصناع القرار في فهم القضايا العامة من خلال البحث الجاد والتحليل العميق" وهذا هو نفس الهدف الذي تعلن عنه معظم مراكز التفكير في العالم ضمن ديباجة التأسيس. لكن أهداف المراكز -في الحقيقة- تتباين تباين أهداف المؤسسين والممولين والمشرفين. وقد خرجت مؤسسة راند في الأصل من تحت عباءة وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" وظلت سمة "العسكرية" تميز ميولها واهتماماتها وأبحاثها حتى اللحظة. ويصف بعض المراقبين "راند" بذات نزعة عسكرية جامحة، لذا كانت تقف مع الحروب الاستباقية التي شنها جورج بوش، إذ ترتبط المؤسسة-بحسب بعض المراقبين- بعلاقات متميزة بشركات تصنيع الأسلحة وأجهزة الاستخبارات، مما جعلها هدفا للكثير من نظريات المؤامرة حتى داخل أميركا.
ورغم هذا الطابع العسكري العام، فقد قامت مؤسسة راند في الآونة الأخيرة باصدار بعض التقارير السنوية الهامة التي تتناول تغير ملامح الصراع في المنطقة لتشمل الجوانب الفكرية والإجتماعية وضرورة استخدام الحركات الإسلامية "المعتدلة" في أتون هذا الصراع وهذا ما سنأتي على ذكرة لاحقاً .
التأثير على صناعة القرار:
ظلت "راند" شديدة التأثير في صياغة الرأي لدى صناع القرار في أميركا، وخاصة المؤسسة العسكرية ممثلة في البنتاغون. يقول دونالد أبلسون الأستاذ بجامعة ويسترن أونتاريو ومؤلف كتابين عن ظاهرة مراكز التفكير في أميركا: "رغم أن حضور مراكز التفكير أصبح ظاهرة عالمية خلال العقود الماضية، إلا أن المراكز الأميركية بالذات تتميز بقدرتها على التأثير في صنع القرار، كما يتميز الساسة الأميركيون في ثقتهم بتلك المراكز وكثرة رجوعهم إليها". وهذا الوصف قد ينطبق على "راند" أكثر من أي مركز آخر. فالساسة في الولايات المتحدة ينظرون بكثير من الثقة إلى أبحاثها، حتى إن بول بريمر الحاكم الأميركي المدني السابق للعراق يذكر في مذكراته عن غزو العراق أنه عندما وطئت قدماه أرض العراق ودخل مكتبه لأول مرة وبدأ يفكر في طريقة تسييره لشؤون هذا البلد، كان أول ما وُضع بين يديه تقرير استراتيجي أعدته مؤسسة راند عن أفضل السبل لتسيير الوضع في العراق المحتل، وتلك قصة معبرة عن مدى تأثير راند في حياة الشعوب في الشرق الأوسط. ) *( منار الرشواني؛ أحمد فال بن الدين ، http://ar.shvoong.com/law-and-politics) -بتصرف


تقارير توصي باستخدام ورقة الحركات الإسلامية "المعتدلة" في الصراع :
مواكبة منها للحرب المعلنة على الإسلام بإسم الحرب على الإرهاب وبعد فشل العديد من جوانب هذه الحرب وعدم تحقيقها للغاية منها سيما الجانب العسكري كما في العراق وأفغانستان وسعياً منها لتوجيه صناع القرار في الإدارة الأمريكية نحو ضرورة تحويل الصراع وتغيير منحاه أصدرت مؤسسة "راند" تقريرين هامين إحداهما في عام 2004 بعنوان (الإسلام المدنيالديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات) والثاني في عام 2007 بعنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة).
يعالج التقريران المذكوران أعلاه المعضلة التي وقعت فيه أمريكا بداية عهد المحافظين الجدد عندما أعلن بوش سياسته وتصنيفه للعالم بقوله "إما معنا أو ضدنا" وسياسة الحرب الشمولية للحركات الإسلامية ، وقد تبين لصانعي القرار الأمريكي خطأ هذه السياسة وعجز أمريكا عن تحقيق مصالحها ومآربها سيما الاستراتيجية منها بيدها لما تلاقيه من عداء مستحكم لدى شعوب المنطقة ولما لسياستها الإستفزازية من إثارة لحفيظة الشعوب وحتى الحكام الخانعين لها ، لذا أوصت مؤسسة "راند" بضرورة إعادة استخدام ورقة الحركات الإسلامية التي تصنف أمريكيا بأنها معتدلة .
ووضعت "راند" مواصفات للحركة التي تعتبر "معتدلة" كما وضعت تقسيمات للمسلمين لأخذها بعين الإعتبار في رسم السياسة التي تمس الشعوب الإسلامية وطرحت هذه التقارير النموذج التركي –حزب العدالة والتنمية- كنموذج يحتذى به للحركات الإسلامية "المعتدلة".
وبعد أن صنفت المسلمين-في تقرير عام 2004- الى أربع فئات، هي: مسلمينأصوليين، مسلمين تقليديين، مسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين أوصت هذه المؤسسة بضرورة دعمِ الاسلاميين المعتدلين أو العصرانيين ليقفوا سداً منيعاً ضد "الأصوليين المتطرفيين" ، كما أوصت في تقريرها المسهبِ والمفصلِ الى أساليبَ لحربِ الحركاتِ الإسلاميةِ التي تسعى لإيجادِ الخلافةِ وأرشدت الى ضرورةِ دعمِ التقليديين والعصرانيين لصد موجة التيار الإسلامي "الأصولي"، ومما جاء في تقريرها حول المسلمين "الأصوليين" (يجبُ محاربتُهم واستئصالُهم والقضاءُ عليهم وأفضلُهم هو ميّتُهم لأنّهم يعادون الديمقراطية والغرب ويتمسكون بما يسمى الجهاد وبالتفسيرِ الدقيقِ للقرآن وانهم يريدون أن يعيدوا الخلافةَ الاسلاميةَ ويجب الحذرُ منهم لأنّهم لا يعارضونَ استخدامَ الوسائلِ الحديثةِ والعلمِ في تحقيقِ أهدافِهم وهم قويوا الحجّةَ و المجادلة.)
بيد أن التوجه الجديد للمؤسسة-في تقرير عام 2007- بسبب عدم تحقيق النتائج المرجوة من التقرير السابق يتجه نحو ضرورة تغيير الفكر والمعتقد للحركات "المعتدلة" حتى في أساسيات مبدئها ودينها ولا يكتفي بمجرد الولاء السياسي ، ولعل ما أقدمت عليه حكومة حزب العدالة والتنمية-وكشفت عنه صحيفة ذا جارديان - من مشروع لإحداث تغييرات في الدين الإسلامي عبر شطب نصوص ثابتة من الأحاديث الشريفة وتغيير أحكام قطعية لتتوافق مع الطرح العلماني باسم التجديد في الدين الإسلامي وملائمة العصر لعل هذه المشروع أحد الأمثلة الحية لهذا التوجه .
خلاصة التقارير التي صدرت في هذا الشأن من مؤسسة راند ومن مؤسسات بحثية أخرى والتي تسعى جاهدة للإستفادة من أساليب مواجهة الشيوعية لتطبقها على حربها على الإسلام والتي تسعى لتجعل-على حد وصفها- من الحركات الإسلامية "المعتدلة" أن تلعب دور الحركة البروستانتية في أوروبا بدعوتها لليبرالية والتحرر ، خلاصة هذه التقارير توصي بنقل صعيد المعركة التي فشلت أمريكا والغرب الى الآن في كسبها من حرب أطرافها المسلمون وأمريكا الى حرب بين "الأصوليون" و "المعتدلون" من أبناء الأمة وستعمل أمريكا والغرب على دعم "المعتدلين" بشتى أساليب الدعم والمعونة ، وترى هذه المراكز هذا النهج هو الذي يمكن أمريكا من تحقيق غايتها في المنطقة دون عناء . وسيراً على نفس النهج بنقل الصراع الى الجبهة الداخلية للمسلمين أوصت هذه التقارير بإشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين كفتنة السنة والشيعة .
أيها المسلمون :إن واقع الأمة اليوم الذي حمل السياسة الأمريكية على وجه الخصوص والغربية بشكل عام على إستخدام ورقة الحركات المصنفة غربياً بأنها معتدلة يحمل بشارة وتحذير، أما البشارة فهي أن أمريكا والغرب قد فشل في حربه الصريحة المعلنة على الإسلام وأهله وأنه برغم كل ما بذلوه من أموال وجهود لم تستطع ان تغيير منحى المسلمين المتجه صعوداً نحو الخلافة وتطبيق الإسلام الخالي من الشوائب الغربية مما ألجأ هؤلاء مرة أخرى الى إعادة تفعيل إستخدام ورقة الحركات الأسلامية "المعتدلة" والموالية سياسياً للغرب ممن بعد ما قرر هؤلاء حرب الإسلام بكافة شرائحه وأطيافه وحركاته حتى "المعتدلة" منها وفي ذلك علامة تقهقر ونكوص . اما التحذير فمن مكمنه يؤتى الحذر فواجب المسلمين اليوم أن لا يقبلوا بين ظرانيهم دعوة للعلمانية بثوب إسلامي أو دعوة لضرورة التحاور والتوافق مع الغرب والمبدأ الرأسمالي ، فواجب المسلمين أن يزنوا هذه الدعوات والحركات التي تتبناها بميزان الإسلام الدقيق لكي لا ينزلقوا في هذه المنزلقات الخطيرة فينشغلوا بحرب بعضهم البعض فكرياً أو مادياً ويتركوا العمل لمشروع الأمة النهضوي (إقامة الخلافة) الذي به يتخلصون به من هيمنة أمريكا والغرب بل به ينقذون البشرية مما تعانيه.

ليست هناك تعليقات: