مفهوم الجهاد بين الواقع والشرع وعلاقته بإقامة الخلافة

بسم الله الرحمن الرحيم

مفهوم الجهاد بين الواقع والشرع وعلاقته بإقامة الخلافة

إن فرض الجهاد في سبيل الله يعد من فروض الاسلام العظيمة وهو صنو العمل لإستئناف الحياة الإسلامية ، وهذان الفرضان : العمل لإستئناف الحياة الاسلامية وفرض الجهاد هما أس الإسلام وسبب وجوده في أرض الواقع لأن الفرض الأول يجسد المبدأ في دولة وهي دولة الخلافة والفرض الثاني يعمل على حماية الدولة والمبدأ وحمله الى العالم ، وعلى مدى تاريخ الأمة ضعف الجهاد بضعف الخلافة وقوي واشتد ساعده وحقق هدفه وغايته بقوة الخلافة ورسوخ فهمها للإسلام ، فهما أي الفرضان فرض الخلافة والجهاد كانا متلازمين متكاملين ، ولأجل ذلك كان لهما هذه المكانة في الإسلام فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن وجوب تنصيب خليفة يحكم بكتاب الله وسنة رسوله وبيّن عظم هذا الفرض ببيان عظم الإثم المترتب على تركه بقوله (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) كما بين لنا أهمية الجهاد ومكانته في الإسلام عندما قال صلى الله عليه وسلم (الجهاد ذروة سنام الإسلام ).

لذا سنقف في هذه المقالة عند ست محطات نسعي من خلالها الى تذكير الأمة بفرض الجهاد وترسيخ مفهومه وبيان حقيقته الغائبة عن الأذهان والواقع ، وإزالة كل شائبة علقت به في وقتنا الراهن، كما نسعى الى بيان علاقة الجهاد بالعمل لإقامة الخلافة .

أولاً :مفهوم الجهاد وغايته وسببه في الإسلام
الجهاد شرعاً : هو بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواد أو غير ذلك ، فالقتال لإعلاء كلمة الله هو الجهاد . والجهاد شرّع في الإسلام لكسر الحواجز المادية التي تقف حائلاً دون نشر دعوة الإسلام ، فقد جعل الإسلام طريقة نشره عبر الجهاد، وجعل الكفر وامتناع الناس قبول دعوة الإسلام هو سبب قتالهم بينما جعل قبولهم الجزية وخضوعهم لأحكام الإسلام سبباً لوقف القتال لا لبدئه ، فالمسلمون يجاهدون لنشر دعوة الإسلام لا لأجل قتال الكفار قال عليه السلام (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فهو في سبيل الله) لذا فأول ما يبدأون به القوم هو دعوتهم الى الإسلام فإن أجابوا كف المسلمون عنهم وإلا فالجزية وخضوعهم لأحكام الإسلام ليكون خضوعهم هذا هو دعوة عملية لهم ليدركوا عدل الإسلام وحكمته ، فإن أبوا فالقتال لا لإكراه القوم على اعتناق الإسلام بل لإزالة الدول والكيانات المهيمنة على الشعوب والتي تحول بين الناس ودعوتهم الى الإسلام ،وقد بين الرسول الكريم هذا النهج بقوله (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم....، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) ، وعلى ذلك كان الجهاد هو الطريقة العملية لنشر مبدأ الإسلام للبشرية ودعوتهم الى إعتناقه .
كما ان الجهاد شرّع للدفاع عن بلاد المسلمين التي تتعرض للغزو الخارجي ويتم الإعتداء فيها على المسلمين أو اعراضهم أو احتلال ديارهم ، فالجهاد هنا يكون للذود عن حياض المسلمين وصون دمائهم وأعراضهم وتحرير بلادهم .

ثانياً :أنواع الجهاد ، جهاد الطلب وجهاد الدفع
فالجهاد إذا كان لأجل نشر المبدأ ودعوة الناس لإعتناق الإسلام ولكي تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى كان الجهاد كما يسميه البعض جهاد الطلب وهو الأصل في فرض الجهاد والحالة الأصيلة له وهو فرض كفاية بمعنى أنه يجب على المسلمين أن يجاهدوا في سبيل الله لإعلاء كلمته في كل وقت وزمان فإن خلا وقت لا يكون للمسلمين فيه جيش يحارب الكفار ويحمل لهم الدعوة أثم المسلمون جميعاً ، أما إن قام به البعض سقط عن الباقين فإذا قام أهل مصر بالجهاد سقط الفرض عن أهل أندونيسيا إذ قد وجد فعلاً قتال من المسلمين للكفار فسقط الفرض .

أما جهاد الدفع فهو للدفاع عن بلاد المسلمين تتعرض للغزو والإعتداء الخارجي وحينئذ يجب على أهل القطر المعتدى عليه القتال وجوباً عينياً لرد هذا العدوان فإن استطاعوا رد هذا العدوان سقط الفرض عن بقية المسلمين وإن لم يستطيعوا رده وجب الجهاد على كل قطر من أقطار المسلمين الأقرب منهم فالأقرب حتى يتم رد العدوان وقهر العدو .

أما كون جهاد الطلب هو الأصل في فرض الجهاد والحالة الدائمة له ، فهو أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي فرضت الجهاد وحضت عليه كلها جاءت مطلقة دون تقييد وعامة دون تخصيص الأمر الذي يدل على الحالة الأصلية لفرض الجهاد وهي القتال لأجل نشر المبدأ فالله سبحانه يقول (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً) ويقول أيضاً (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ويقول جل من قائل (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (جاهدوا المشركين باموالكم وأيديكم وألسنتكم) وقال صلى الله عليه وسلم(أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله) وقال (والجهاد ماض منذ بعثني الله الى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل) فهذه النصوص وغيرها الكثير تطلب من المسلمين الجهاد بصورة مطلقة دون أن تقييدهم بظرف من الظروف وتطلب منهم قتال كل كافر حتى يقول لا اله إلا الله سواء اكان معتدياً أم لا وتطلب منهم قتال من يليهم من الكفار سواء أكانوا معتدين ام لا ، وتطلب منهم ديمومة الجهاد واستمراره الى يوم القيامة سواء وجد إعتداء على بلاد المسلمين أم لا ، فهذه النصوص تدل على أن وجوب الجهاد غير معلق بشرط من الشروط او بظرف من الظروف كحالة الإعتداء الخارجي مثلاً مما يؤكد ما ذكرناه من ان الحالة الأصلية للجهاد هي مبادأة الكفار لحمل رسالة الإسلام لهم ودعوتهم دعوة عملية لإعتناق عقيدة الإسلام .

بينما كان جهاد الدفع معلقاً بوجود إعتداء خارجي من قبل عدو على بلاد المسلمين أو أعراضهم أو أرواحهم أو اموالهم وهذه حالة استثنائية وليست حالة دائمة لذا كان جهاد الدفع حالة استثنائية متفرعة عن حالة أصيلة .


ثالثاً :علاقة الأمة بالجهاد بعد هدم الخلافة
كانت الأمة الإسلامية عبر القرون الماضية -خلا بعض الفجوات الزمنية هنا وهناك- مصانة العرض مهابة الجانب لا يطمع فيها طامع ولا تمتد الى أراضيها أو أبنائها أو أعراضها يد لامس ، وما حادثة المعتصم إلا صورة مشرقة عما كانت تصنع الخلافة حال تعرض أحد رعاياها للظلم وانتهاك الحقوق فكيف بإحتلال الاراضي وقتل النساء والأطفال والشيوخ؟! لقد كانت الخلافة تغزو بلاد الكفار وقلما من حدثته نفسه من دول الكفر أن يعتدي عليها ، فكانت الخلافة تقوم بفرض الجهاد كما نزل الوحي بأصله وكما أسماه البعض بجهاد الطلب ، وامتداد رقعة بلاد المسلمين عبر القرون الماضية لتشمل معظم قارات العالم القديم خير شاهد على جهاد الخلافة وفتحها للبلدان ،
واليوم وبعد أن غابت شمس الخلافة قسمت بلاد المسلمين شذر مذر وقطعت ديارهم أشلاءاً متناثرة فطمع فيهم وفي بلادهم وفي خيراتهم الطامعون ، فاعتدى عليهم المعتدون ولا زالوا ، يقتلون أبناءهم صباح مساء وينتهكون أعراضهم وينهبون خيراتهم ويحتلون أرضهم فما عاد المسلمون يطلبون العدو في بلاده ولا عادوا يحملون الخير للبشرية بل أصبح العدو يغزوهم في عقر دارهم وأصبح يحمل لهم أفكاره العفنة بدل أن يحملوا هم رسالة الإسلام للعالم ،
وجراء الإحساس بهذا الواقع المرير الذي عاشته وتعيشه الأمة وجراء تكرار احتلال الكفار لبلاد المسلمين واستمراره ، في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وكشمير وأفطاني والشيشان وغيرها ، وجراء وجود الخير والرغبة في القيام بالأعمال الجهادية لدى أفراد المسلمين ذوداً منهم عن دينهم ودمائهم وأعراضهم وخيراتهم ،تولد لدى المسلمين حركات تتخذ من الأعمال الجهادية نهجاً لها وترى في الجهاد سبيلاً لخلاص الأمة وأصبحت تطرح هذا النهج معتمدة فيه على أدلة الجهاد كتلك التي أوردناها في بداية هذه المحاضرة وشاع الأمر لدى أبناء الامة وأصبحت هذه الأعمال الجهادية تلاقي رواجاً لدى أبناء الامة بصورة مطردة جراء ما يقترفه الكفار من أعمال إجرامية بحق المسلمين مصحوباً بعدم تحرك جيوش المسلمين دفاعاً عن كرامة أمتهم، مما زاد من مخزون الحقد على هؤلاء الكافرين وجعل كل فرد من أفراد المسلمين يتطلع بحرقة الى يوم يشفي فيه غليله وينتقم فيه لأعراض ودماء وحرمات المسلمين ، وزاد من حدة الأمر احداث الحادي عشر من سبتمبر والتي زادت من شعبية العمل الجهادي وجعلت بعض أفراد المسلمين يتعلقون بهذه الاعمال ويرون فيها الخلاص مما تعانيه الأمة بل وجعلت من المسلمين عبر أقطار المعمورة مشاريع شهادة ، وفي ذلك خير ، بَيد أن مفهوم الجهاد أصابه صدع جراء هذه الظروف والأحوال وتمحور حول صورة واحدة من الصور الفرعية لجهاد الدفع ولم تعد الأمة تلقي بالاً للمعني الحقيقي للجهاد بشقيه الطلب والدفع بل لم تعد تتصوره في أرض الواقع بل لم يعد يخطر لها على بال ، فعلاقة الأمة بالجهاد بعد هدم الخلافة لم تتعد أعمال المقاومة والأعمال الجهادية الفردية وغاب عنها فرض الجهاد بحلته الأصلية ، جهاد الطلب والدفع الحقيقي المتمثل في تحرك الجيوش لتحرير البلدان المحتلة والمغتصبة والمعتدى عليها .

رابعاً :المقاومة صورة من صور جهاد الدفع الفرعية
إن واقع الأعمال المسلحة التي تقوم بها الحركات الجهادية هي في غالب الأحيان أعمال جهادية فردية وهي بلا شك أعمال مشروعة بل ممدوحة شرعاً غير أن هذه الأعمال ليست هي الصورة الأمثل لجهاد الدفع بل هي صورة متواضعة من صوره إذ أن جهاد الدفع بصورته الحقيقية يقتضي تحرك جيش البلد المحتل أو جيش جيرانه الأقرب منهم فالأقرب حتى يتم رد العدوان وقهر العدو فغاية جهاد الدفع رد الاعتداء وقهر العدو وليس مجرد إلحاق الأذى به وإن كان ذلك جزءاً منه ، وغالب أعمال المقاومة التي تشهدها بلاد المسلمين المحتلة ليس من شأنها رد العدوان أو قهر العدو وهذا أمر طبيعي إذ إنها لا تَخرج عادة عن صورة الأعمال الفردية في قالب عمل جماعي وطبيعة الحال أن الأعمال الفردية ليس من شأنها أن تؤثر تأثيراً جوهرياً على تصرفات وسياسات الدولة المعتدية ، فصورة جهاد الدفع الحقيقية أن يتم تجريد الجيوش للدفاع عن أرض الإسلام وعن حرمات المسلمين ، ونظرة خاطفة الى تاريخ الأمة نرى كيف تعاملت الأمة بقادتها وجيوشها مع بلاد المسلمين المحتلة فإحتلال بيت المقدس دفع القائد المظفر صلاح الدين الى تحريك الجيوش الجرارة للقضاء على الصليبين ولأجل ذلك عمل على توحيد مصر والشام وجمع شملهما عقب حالة التفتت التي عاشتها الأمة آنذاك فكان تحرير بيت المقدس على يديه ، والمسلمون وقتئذ لم يعتمدوا ويتكلوا على تحرك فرادى المسلمين الواقعين تحت الإحتلال الصليبي لتحرير بيت المقدس ، وهكذا تعامل المسلمون مع التتار حال غزوهم لبغداد وهكذا يجب أن تتعامل الأمة مع بلاد المسلمين المحتلة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان وكشمير وغيرها .
لذا فمحاولة قصر مفهوم الجهاد على صورة فرعية أو فردية من صور جهاد الدفع وهي أعمال المقاومة هي محاولة لتضليل الأمة عن واقع الجهاد، الطلب والدفع الحقيقي، ألا هو تحرك الجيوش تحت إمرة أمير يقودهم لتحرير البلاد المحتلة ولرد كل إعتداء يصيب الأمة ولنشر الإسلام للأمم والشعوب الأخرى ، فمحاولة إغفال هذا الفرض بهيئته الأصلية والأصيلة هي محاول تنطوي على سعي لترسيخ واقع المهانة والذلة التي تحياه الأمة ولصرفها عن العمل الحقيقي الذي من شأنه أن يرد إعتداء المعتدين .
إن الأعمال الجهادية الفردية ليس من شأنها أن تقهر العدو وتنكل به التنكيل الذي يثنيه عن غايته لذا كان من واجب الأمة والحركات الاسلامية العاملة فيها أن لا تكتفي بالقيام بالأعمال الجهادية الفردية-أعمال المقاومة- وتأييدها والتحمس لها أو دعمها ببعض الأموال هنا وهناك بل يجب على هؤلاء جميعاً أن يعملوا لتحريك الجيوش الرابضة في ثكناتها عبر تكوين جبهة ضغط متواصل على أبنائهم المنتسبين للجيوش فيحركوهم نصرة لقضايا الأمة ودفاعاً عن حرماتها وبلادها المحتلة .ولأجل تعزيز هذا المطلب يجب على الحركات الجهادية أن تقلع عن طلب المساعدات المالية أو السياسية من الدول القائمة في العالم العربي والإسلامي بل يجب عليها أن تحمل هذه الأنظمة وجيوشها مسؤولية تحرير بلاد المسلمين المحتلة وان تطالب الجيوش بمؤازة جهادهم لا أن تطمأن هؤلاء بأن المسلمين بخير ولا ينقصهم سوى بعض الفتات من الأموال المشبوهة أو دعم سياسي من الأنظمة الذليلة التابعة للكافر المستعمر مع أن الواقع خلاف ذلك فبلاد المسلمين المحتلة تحتاج للتحرير وليس لمجرد دعم مالي مشبوه أو سياسي تابع. إن الواجب على هذه الحركات أن ترفض هذه المساعدات لما تنطوي عليه من شراء للذمم ورهن للقرار بيد حفنة متآمرة على الأمة وقضاياها حتى لا تكون هذه الحركات جزءاً من المشهد السياسي الذي يرسمه الكافر المستعمر للبلاد المحتلة عبر أدواته من الحكام والدول التابعة له .


خامساً :ضرورة ارتباط فكرة التحرير بتحكيم الإسلام
إن جهاد الدفع -كان عبر تاريخ الأمة- عن البلاد المحتلة لأجل تحريرها وردها من جديد الى ديار المسلمين التي تخضع لسلطان المسلمين وتحكم بنظام الإسلام ، وبمعنى آخر لأجل إعادتها الى حظيرة دار الإسلام لتحكم بالإسلام ويكون أمانها بأمان المسلمين ، فتحرير الأرض فحسب لم يكن منتهى غاية المسلمين بل إعادة لحمتها الى دار الإسلام لتستظل بظل حكمه وسلطانه ، واليوم واجب المسلمين أن يعوا أن جهاد دفعهم ليس لمجرد التحرير فحسب بل لا يصح أن يكون التحرير دون أن يرتبط بتحكيم نظام الإسلام غاية المجاهدين ، فالمسلم لا يقاتل ولا يبذل الغالي والنفيس ليحرر بقعة من بلاد المسلمين ويهب فيها الحكم والسلطان والسيادة لجهات تحكم بغير ما أنزل الله . لذا كان على المجاهدين أن يكون أعمالهم الجهادية مرتبطة بمشروع أكبر وهو مشروع إستئناف الحياة الإسلامية عبر إقامة الخلافة الراشدة الثانية .

سادساً : علاقة الجهاد بطريقة إقامة الخلافة
إن الجهاد بأنواعه المختلفة ليس طريقاً لإستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية فهو كما ذكرنا آنفا شرع لغرضين إثنين أولهما حمل الدعوة للأمم والشعوب الأخرى وثانيهما رد العدوان الحاصل على المسلمين ، بينما إقامة الدولة الإسلامية تقتضي السير في الطريق السياسي عبر الصراع الفكري والكفاح السياسي اقتداءاً وتأسيا بخطى المصطفى صلى الله عليه وسلم حال إقامته لدولة الإسلام الأولى وعليه فأي خلط بين الجهاد والعمل لإقامة الخلافة هو خلط في غير محله وهو عدم إدراك لواقع كلا الفرضين ولطريقة القيام بكل واحد منهما .
إن ما أشكل فهمه على البعض من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتال الحاكم المصرّ الذي يظهر الكفر البواح لا يصلح دليلاً على أن الجهاد يعتبر طريقاً لاقامة الخلافة إذ ان قتال الحاكم الذي يظهر الكفر البواح لا يعد جهاداً في عرف الفقهاء إذ هو قتال لاستعادة الحكم في ظل دار اسلام حكمت بأحكام الكفر فترة مؤقتة فوجب على المسلمين قتال الحاكم الذي أظهر الكفر البواح وحكم به ليزيل المسلمون هذا الظرف الطارئ ويعيدوا الحكم الى نصابه ، ولا يكون ذلك الا في ظل وجود دار الاسلام وتطبيق الحاكم لأحكام الكفر البواح فيها لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن هذه الحالة (أفلا ننابذهم يا رسول الله ، قال لا ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ).

إن العمل لإقامة الخلافة الراشدة الثانية هو الذي يؤصل لإعادة فرض الجهاد بحلته الحقيقية المثالية التي ترضي رب العالمين عبر تجييش الجيوش لتحرير البلدان وفتح الأمصار تحت راية العقاب وتحت إمرة أمير المؤمنين أمامهم الذين يقاتلون من ورائه ويتقون به .

إن على الأمة الإسلامية أن تعي على مبدئها بفكرته وطريقته وتعي على قضاياها المصيرية فتدرك خلاصها فتسير وفق هذا الوعي والإدراك حتى تستطيع إيجاد مبدئها في أرض الواقع وتخلص نفسها والبشرية جميعا من الضنك الذي تحياه .

نسأله سبحانه أن يعجل لنا بقيام الخلافة الراشدة الثانية فتقيم فينا شرع الله وتحرر البلاد والعباد من هيمنة الكفار العسكرية والفكرية وتحمل رسالة الإسلام رسالة خير وهدى الى الأمم والشعوب الأخرى .

ليست هناك تعليقات: