أيهما أحق بالأمن والحماية ؟!

أيهما أحق بالأمن والحماية ؟!

تكتظ وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بأخبار القتل المستحر في المسلمين وبأخبار نكباتهم ومصائبهم، هنا في فلسطين حيث لا زال الحصار يخنق أهلنا في غزة ولا زالت وعود الإعمار الكاذبة تنتظر ثمناً سياسياً يُقدم قرباناً على مذبح الرباعية، وضحيةُ هذا الحصار أناسٌ عزلٌ مدنيون وإن لبس بعض أبنائهم زي العسكرية فهم محتلون من قبل ومن بعد، أناسٌ يفترشون الأرض ويلتحفون السماء لا يملكون لقمة يقيمون بها صلبهم أو رشفة ماء نقية يُندون بها شفاههم، ومع ذلك كله تُصر قوى الطغيان العالمية ومن سار في ركبها من حكام المنطقة على التضييق وإحكام الخناق على هؤلاء المستضعفين، وبرغم ارتفاع استغاثات اليتامى والأرامل والرضع و عمق أنين الثكالى والجرحى إلا أنها لم تلاق سوى الصم ولم تكن سوى أصوات نشاز تُعزف في سيمفونية التبعية والاستعمار، وعلى الجانب الآخر ينعم المغتصبون لأرض سُلبت من أهلها في رابعة النهار بحياة ملؤها الأمن والطمأنينة والعيش الرغيد، وتصر قوى الطغيان العالمية ودول التبع الإقليمية على إحاطة هذا الكيان بوافر الراحة والأمن ومدّه بأسباب الحياة والقوة والمال والعتاد والغاز وتتبارى دول المنطقة في التقرب لهذا الكيان –بالرغم من صلفه- زلفى، ففي دمشق عُقد مؤتمر لوزراء خارجية منظمة العالم الإسلامي لا ليقدم مبادرة أو خطوة عملية لرفع الحصار عن المستضعفين في غزة-وإن طالب ذلك بعبارات حيية- ولا ليستنفر الجيوش الرابضة أو التائهة في بيداء الخزي العربية لتتدارك تقصيرها فتحرر البلاد والعباد من رجس يهود وهي على ذلك قادرة بل يعقد هذا المؤتمر ليقدم العروض والإغراءات للغاصب المحتل بالتطبيع ودفء العلاقات والأذرع المفتوحة من دول "الإعتدال" و دول "الممانعة" على حد سواء ، فمبادرة "السلام" العربية باتت مبادرة سلام للدول القائمة في العالم الإسلامي.

فأيهما أحق بالأمن والنصرة والحماية لو كانوا يعلمون ؟! قوم سلبت أرضهم وديارهم مستضعفون أم غاصب محتل يتمادى في غيه ساعة بعد ساعة ؟!

وهناك في باكستان ، جيش عرمرم يهرع لقتل المدنيين من إخوانهم وتشرديهم من ديارهم، أكثر من مليونين ومئتي ألف شردوا، آلاف القتلى والجرحى، مدن وقرى سوّيت بالتراب، حرب طاحنة ضروس في الأحياء والأزقة، حرب شوارع لا يعلو فيها سوى أزيز الرصاص ولا يخرق صمتها سوى صوت التفجيرات والقنابل، وكل ذلك يتم تحت ذريعة حرب طالبان والحقيقة أنها حرب أهل باكستان وسوات وكل من حدثته نفسه بمد إخوانه في أفغانستان بميرة أو بعير، وفي الجانب الآخر تجثم القوات الأمريكية بأمن وأمان في باكستان وتقلع طائراتها لتقصف منطقة القبائل وأفغانستان، ويأتي مبعوثيها فتفرش لهم البسط وأيديهم تقطر دماً، وفي الجانب الثالث قوات هندية محتلة قد سَلبت جنةَ الله في أرضه "كشمير" من بين أيدي أهلها تنعم بالإستقرار الذي يوفره لها حكام باكستان من ملاحقة كل من يسعى لتحرير كشمير أو تحدثه نفسه بالإساءة إلى الصديق الحميم "الهند".

فأيهما أحق بالأمن والنصرة والحماية ؟! قوم أرادوا تطبيق شريعة ربهم وأرادوا أن يستظلوا بفيئها ولو قليلاً فطالبوا بحقهم وآخرون طالبوا بتحرير أرضهم التي رويت بدماء أجدادهم، أم محتل لا تكاد تشرق عليه شمس دون أن يوغل قصفاً وقتلاً وتشريداً وتدميراً ؟! ما لكم كيف تحكمون ؟!

وتلك الصومال من بعد أن هوى النفوذ الإستعماري الى حيث لا عودة تأتي حكومة تكتسي ثوب الإسلام والإسلام من فعالها براء وتخدع البعض بقوانين لا يعني إقرارها سوى الموافقة على "تطبيق الإسلام" تحت إرادة المستعمرين من أثيوبيين وقوى إفريقية فعن أي تطبيقٍ يتحدث هؤلاء ؟! وتتأهب الحكومة لتقف على قدميها وتستجدي الأموال من قوى الطغيان الإستعمارية لتبني جيشاً وتشتري سلاحاً لا هم له سوى قتل إخوانه الذين رفضوا وجود المستعمر ومخططاته، فيدمر القرى ويهجر الناس في حرب بالوكالة عجزت عنها قوات الأمل الأمريكية من قبل.

فأيهما أحق بالأمن والحماية ؟! أهل الصومال وأبناؤه الذين رفضوا الذل والتبعية أم يبقى المحتل في منأى عن أي أذى أو ضرر ؟!

وتلك العراق وتلك السودان وتلك اليمن وتلك ...وتلك.

إن الموازين والمقاييس اليوم قد قُلبت رأساً على عقب، فما عادت الدول والأنظمة والجيوش في بلادنا تكرّس نفسها خدمة للأمة وقضاياها كما هي حال الدول والأنظمة والجيوش في عرف البشرية بل باتت سيفاً مصلتاً على رقابنا، دول لا تملك من قرارها من قطمير وتدعي السيادة على شعوبها وأنظمة وحكومات لا همّ لها سوى السير في مخططات التبعية والذل وجيوش أسود على الأمة وفي الحروب نعامة، إنه بحق زمان يبيت الحليم فيه حيراناً، إنه بحق زمان "الرويبضات" و"التحوت"، فبأي منطق أو ذريعة يقتل المسلم أخاه ؟! وبأي حجة أو برهان يؤنس بالكافر ويرضى البعض أن يكونوا له أداة ؟!

إن مما يشطر القلب أن يرى المرء المسلمين في كافة أقطار المعمورة متقاتلين متناحرين، ومما يزيده انشطاراً أن يسير البعض في مخططات القوى الغربية الإستعمارية فيكرّسون أنفسهم وجهودهم وأموال الأمة وأموالهم لتحقيقها، ومما يدمي الفؤاد ويحير اللبيب أن رضي المسلمون بإتخاذ بعضهم بعضاً أعداءاً حتى وصف البعض خطر دولة من المسلمين لا تختلف كثيراً عن بقية الأنظمة في المنطقة في سيرها في التبعية والمخططات الإستعمارية بأنها أشد خطراً من الإحتلال وهم في الخيانة والتبعية سواء .

أيهما أحق بالأمن والنصرة والحماية ؟! أهلكم وإخوانكم وأبناء دينكم أم عدوكم وقاتلكم ومستعمركم ؟! تساؤل أو استغراب أو استنكار، يبقى برسم التفكّر والتدبر بحالنا لكل صاحب نصرة أو قوة او منعة، ويبقى يدق ناقوس الخطر لكل من رضي بإتخاذ المؤمنين دون الكافرين أعداءاً، لينشغل في صراعهم عن صراع العدو الحقيقي للأمة .

ليست هناك تعليقات: